الصفحات

الخميس، 28 أبريل 2011

ربيع العرب نعمة ونقمة لإيران وتركيا

عمر تاسبينر/ توداي زمان

ترجمة/ شيماء نعمان

 

مفكرة الاسلام: منذ بداية موجة الانتفاضات العربية ضد الأنظمة الاستبدادية في مطلع العام الجاري، والتساؤلات تدور حول ماهية الأنظمة الحديثة التي ستتجه إلها هذه الدول؛ وهل ستكون أنظمة دينية على غرار دولة الملالي الإيرانيين أم أنظمة علمانية تتخذ النموذج التركي دليلاً لها. وبالرغم من التنافس القوي بين القوتين في المنطقة، فإن النتائج ربما لن تكون في صالح أيٍ منهما.

وهو ما أكدته الشعوب العربية نفسها أكثر من مرة معلنة رغبتها في نظام ديموقراطي وليس نموذجًا بعينه. أما تركيا التي أيدت الانتفاضات العربية، فإن دائرة من مثقفيها ترى أن تركيا بالرغم من لمعان نجمها في العالم العربي لن تكون القوة المؤثرة في المنطقة. وذهب الكاتب التركي البارز "عمر تاسبينر" إلى أن الحقائق الراهنة في الشرق الأوسط الآن تشير ربما إلى ميلاد قوة ثالثة قد يلتف حولها العرب من جديد.

واعتبر تاسبينر أن الثورات العربية أو ما يطلق عليه ربيع العرب يمثل "نعمة ونقمة" بالنسبة لكل من تركيا وإيران، وهو ما حاول تفسيره في مقاله الذي نشرته صحيفة "توداي زمان" التركية تحت عنوان

"ربيع العرب نعمة ونقمة لإيران وتركيا".

وفيما يلي نص المقال:

من هي القوة الإقليمية التي ستنتفع أكثر من غيرها من التغير الديموقراطي الثوري الذي يجري الآن في العالم العربي: هل هي إيران أم تركيا؟
يطرح هذا السؤال في  بعض الأحيان في إشارة إلى الأنظمة السياسية شديدة الاختلاف في البلدين والتي تقدم لموجة ربيع العرب في المنطقة نموذجين مختلفين للغاية.
وإذا سألت الغرب- أمريكا وأوروبا- ستجد تركيا، بلا شك، تمثل لديه البديل المفضل عن إيران. فالنموذج التركي بنظامه السياسي الديموقراطي والعلماني تحت قيادة "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل المؤيد للإصلاح؛ ولذلك فهو الأكثر جاذبية للغرب. وعلى الرغم من الاستقلال الجديد لأنقرة وخلافاتها الجدية مع كلٍ من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، فإن تركيا لا تزال شريكًا بمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودولة ديموقراطية رفيقة تطمح أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي في نظر معظم الغربيين. على النحو الآخر، تقف إيران على النقيض من النموذج التركي بنظامها السياسي الثيوقراطي الاستبدادي والمتشدد في عدائه للغرب.
ومع ذلك، فإن السؤال الحقيقي ليس ما الذي يفضله الغرب ولكن ما الذي يريده العالم العربي نفسه. فعندما تنظر إلى الشباب العربي المدني الواقف وراء تلك الانتفاضات الديموقراطية، يبدو من المنطقي أن تركيا بالنسبة لهم، أيضًا، تمثل البديل الأفضل. ففي نهاية المطاف، لماذا سيرغب الشباب المصري في استبدال الحكم الاستبدادي لمبارك بنوع آخر من الاستبداد في الحكم كما في حالة إيران؟
ومن هذا المنظور، تكون تركيا هي الفائز الواضح بربيع العرب من حيث مقدرتها على كسب قلوب وعقول الشارع العربي. وليس من باب المصادفة أن تجد كلاً من الفئات الديموقراطية العلمانية وجماعة الإخوان المسلمين المحافظة شيئًا إيجابيًا لقوله بشأن ما يتعين على تركيا كنموذج أن تقدمه.
إلا أن ربيع العرب من المحتمل أن يكون نعمة ونقمة بالنسبة لتركيا نفسها. والسبب بسيط: فقد درجت تركيا على مليء فراغ القيادة في العالم العربي. فقد كان الإخفاق الذريع  للمنطقة هو محور المأزق العربي والإعجاب العميق بتركيا. وبفضل الثورات الديموقراطية وربيع العرب الذي يعم المنطقة، فإن هذا الفراغ في القيادة لن يظل هناك في المستقبل القريب. وبينما ترى مصر خطواتها كنظام أكثر ديموقراطية، فإن مصر نفسها- أكثر من تركيا غير العربية- سوف تبزغ كنموذج فعلي لمنطقة الشرق الأوسط. وفي عالم فيه العالم العربي أكثر ترابطًا بفضل شبكة الجزيرة، فإن نجاح دولة عربية شقيقة سوف يتردد صداه في الشارع العربي على نحو أوسع بكثير من نجاح تركيا البعيدة نسبيًا والأجنبية والغامضة. وهذا هو السبب في أن ربيع العرب نعمة ونقمة للقوة التركية الناعمة في المنطقة. فقد كان الميدان مفتوحًا على مصراعيه أمام تركيا إلى حد ما. أما الآن فإنها ستواجه المنافسة؛ وهو ما سيكون جيدًا بالنسبة للعالم العربي.
وماذا عن إيران؟ هل من المرجح أن تجني طهران فائدة من ربيع العرب؟ الإجابة القصيرة هي أن الوضع الحالي يقدم لهم أيضًا نعمة ونقمة في نفس الوقت. فحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط تعزز من موقف الاقتصاد الإيراني نظرًا لارتفاع أسعار النفط. فهذه السيولة الإضافية كانت هناك حاجة ماسة إليها في طهران في الوقت الذي بدأت فيه العقوبات الدولية لتوها في الإضرار بالاقتصاد. إن الفرق بين 90 دولار في مقابل 120 دولار في أسعار النفط ساهم بدرجة كبيرة في تشكيل وسادة اقتصادية من حيث تدفق مزيد من الأموال إلى خزائن طهران. وتساعد هذه السيولة الإضافية على إضعاف تأثير العقوبات الدولية التي تهدف إلى إرغام إيران على وقف برنامجها النووي.
وهناك عامل رئيسي آخر يساهم في مساعدة إيران وهو انشغال المجتمع الدولي بالانتفاضات المندلعة. فالقتال في ليبيا ودور حلف شمال الأطلسي (الناتو) كانتا بمثابة هبة من السماء لطهران لأنها أتاحت لها مضاعفة نشاطاتها المتعلقة ببرنامجها النووي المحظور. وعلى الرغم من أن فيروس"ستاكسنت"- أحد فيروسات الكومبيوتر- كان قد تسبب في مشاكل خطيرة لإيران، فإن مفاعلاً نوويًا جديدًا من المزمع أن يبدأ تشغيله الشهر المقبل؛ كما يبدو أن طهران قد عادت من جديد إلى مسارها لتطوير جميع العناصر اللازمة من أجل قابلية "مدهشة"- - هي القدرة على بناء سريع لسلاح النووي في اللحظة التي تقرر فيها القيام بذلك.
ومع ذلك، ليس كل شي على ما يرام في الجبهة الإيرانية. فقد حركت الانتفاضة الديموقراطية في العالم العربي حركة الخضر المعارضة لإيران نفسها، وأصبح النفاق الإيراني في دعم ثورات العرب شيئًا جليًا عندما قامت بقمع حركة المعارضة لديها. وأخيرًا، فإن إيران تواجه خطر فقدان سوريا في حال تفككت الأوضاع على نحو أكبر في دمشق. وخلاصة القول أن كلاً من إيران وتركيا تواجهان صورة مشوشة في العالم العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق