باتريك كوكبرن/ صحيفة الإندبندنت
ترجمة/ شيماء نعمان
"لماذا ينبغي على بريطانيا وغيرها من الدول الأجنبية تقويض مشاركتها في الصراعات المستعرة حاليًا بالعالم العربي؟"
يتجه الجيش السوري نحو سحق دموي للمتظاهرين المطالبين بالديموقراطية والإطاحة بالرئيس "بشار الأسد" ونظامه. فالجثث التي لم تدفن بعد تنتشر في شوارع مدينة درعا الجنوبية والتي كانت في مركز الانتفاضة الشعبية.
فهل ستنجح الحكومة؟ إن الاحتمالات متساوية في هذه اللحظة حيث يعتمد كل شيء تقريبًا على ما إذا كان المتظاهرون سيواصلون السير والتظاهر في أنحاء سوريا بالرغم من القمع الوحشي أم لا. كما أن هناك أيضًا احتمال حدوث انقسامات في صفوف الجيش وإن كانت أقل مما يمكن مقارنة بالعديد من الدول العربية الأخرى.
وتدخل الانتفاضات ضد الدول البوليسية، سواءً الجمهورية أو الملكية، في العالم العربي شهرها الخامس دون نصر حاسم لصالح أيٍ من القوى الجديدة أو المحتجين. فقد شعرت النخبة السياسية والعسكرية في كلٍ من تونس ومصر أنهم إذا ما تخلصوا من زعمائهم المخضرمين وكذلك عائلاتهم والمقربين منهم، فإنهم قد يمنعون حدوث تغييرات جذرية في الحالة السياسية والاجتماعية الراهنة. أما البحرين فقد أحبطت حركة الثوار بمساعدة السعودية ودول سنية أخرى في الخليج.
وتسير سوريا الآن على نفس درب البحرين. ففي نهاية الأسبوع الماضي بدا أن الرئيس الأسد ودائرته المقربة قد قرروا أن مثل تلك التنازلات المحدودة التي كانوا يعتزمون تقديمها يجرى تفسيرها على أنها نوع من الضعف. فقد أصدروا أوامر لقواتهم الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين العزل والقضاء على كل مظاهر الانشقاق في الشوارع.
وقد تفلح ممارسات القمع في سوريا في الوقت الراهن؛ فالحكومة لديها قوام أساسي من الدعم اعتمادًا على الأقلية العلوية التي تنتمي إليها أسرة الأسد وشخصيات عسكرية وسياسية رفيعة المستوى. كما أن هناك آخرون ممن يعملون في الحكومة ويخشون التغيير، فضلاً عن الأقليات المسيحية والدروز ممن لا يعتقدون في أن مطالب المعارضة تخلو من النزعة الطائفية.
وبشكل عام، فالدول البوليسية في العالم العربي، والتي بدت لا تتزحزح على مدى 35 عامًا، تصارع الآن من أجل البقاء. وقبل عام 1975 تقريبًا كان هناك عصر من الانقلابات العسكرية، إلا أن ذلك توقف بعدما حولت الوكالات الأمنية متعددة الأذرع الديكتاتوريات العسكرية إلى دول بوليسية. وقد أسدت وكالات الاستخبارات الشرق أوروبية بالنصح الودي بشأن الكيفية التي يمكن بها القيام بذلك.
وقد كان هناك من السيطرة الكلية للدولة ما هو أكثر من مجرد إبقاء الجيش في ثكناته. فقد كانت الرقابة على جميع أشكال وسائل الإعلام متفشية، وبالمثل كانت الرقابة على جميع الوكالات غير الحكومية مثل الاتحادات التجارية والأحزاب السياسية. فقط مؤسسة المسجد هي من احتفظ ببعض الاستقلالية، وهو ما يفسر السبب في أن المعارضة للحكم الاستبدادي كثيرًا ما كانت تأخذ صبغة إسلامية .
وبحلول هذا العام، فقدت مقومات القمع العتيقة بعضًا من فاعليتها. إن أرباب التعذيب والجلادون لا يزالوا يحتفظون بقدرتهم على الترهيب؛ إلا أن الأنظمة الحاكمة قد فقدت سيطرتها على المعلومات والاتصالات بفضل شبكة الإنترنت والفضائيات وحتى الهواتف المحمولة المتواضعة.
ويشير أحد أعضاء المعارضة السورية إلى أنه عندما قتل 20.000 شخص في مدينة حماة على أيدي قوات الرئيس "حافظ الأسد" عام 1982 لم تكن هناك صورة واحدة ولو لجثة واحدة. أما اليوم فإن صور القتلى والجرحي في درعا وغيرها في أنحاء سوريا يتم نقلها حول العالم في غضون لحظات من التقاطها.
بالطبع تستطيع الحكومات أن توجه هجومًا مضادًا وتقوم بإغلاق شبكات المحمول ومنع الصحفيين من العمل في سوريا. إلا أن مائة هاتف يعمل بالأقمار الصناعية قام بتوزيعها رجل أعمال سوري معارض يجعل من السيطرة التامة على المعلومات أمر شبه مستحيل.
وحظى الدور الذي لعبه الإنترنت في الصحوة العربية بترويج كبير، لكن تم التقليل من شأن دور المحطات الفضائية، لا سيما الجزيرة. ومن حق الولايات المتحدة أن تشعر بالحرج من ذلك؛ حيث أمضت واشنطن سنوات تزعم فيها أن نقد الجزيرة للسياسة الأمريكية في العراق عقب الغزو دلت على أنها من المحتم على صلة بتنظيم "القاعدة".
وكان مصور لقناة الجزيرة قد احتجز في معتقل جوانتانامو على مدى ست سنوات لكي يتمكن المحققون الأمريكيون من معرفة المزيد عن هذه المحطة التلفزيونية.
وقد طالبت كلاً من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بفرض عقوبات على سوريا. غير أنه ينبغي عليهم عدم فعل ما هو أكثر من ذلك نظرًا لأن التدخل الأجنبي القسري يبرهن على الأرجح أنه يأتي بنتائج عكسية. وهناك في ليبيا بالفعل دلائل على هذا. فالتحرك المبرر لمواجهة مذبحة وشيكة تحول إلى تدخل استعماري. فقد تصاعدت ضربات الناتو الجوية المتواصلة الموجهة ضد دبابات العقيد القذافي فوق بنغازي لتصبح بمثابة حربًا جوية يؤازرها مستشارين أجانب على الأرض بهدف الإطاحة بالنظام. وفي مثل ذلك الهجوم، فإن الثوار الليبيين، أيًا ما كان التأييد الشعبي لهم أو مهارتهم في العلاقات الإعلامية، ربما لن يلعبوا إلا دورًا ثانويًا.
ومن الجدير بالذكر أن معظم الأفغان كانوا في سرور عندما سقط حكم طالبان عام 2001، كما كان معظم العراقيين سعداء للتخلص من "صدام حسين" عام 2003؛ إلا أن ذلك لم يعقبه أن اتحد معارضو الحكم الاستبدادي أو حصلوا على دعم حقيقي، أو كانوا أقل فسادًا أو أكثر كفاءة من أسلافهم. كما لم يكن الأفغان أو العراقيين مستعدون لرؤية الجيوش الأجنبية تحدد لهم من الذي ينبغي أن يمسك بزمام السلطة في بلادهم.
إن الشعوب التي تدّعي الدول الغربية أنها تحاول تقديم الدعم لها لأسباب إنسانية ينازعها شك مفهوم بشأن مدى أنانية الدوافع الحقيقية لتلك الدول. بيد أن شكوكهم قد تأكدت عن طريق وثائق نشرتها صحيفة "الإندبندنت" قدمت تفاصيلاً عن محادثات عام 2002 بين الحكومة البريطانية وشركتي "بريتيش بتروليوم" و"رويال داتش سيل" بشأن كيفية تفادي استبعاد الشركات الأمريكية لهم من استغلال احتياطات النفط العراقي.
وهناك سبب آخر لماذا ينبغي على بريطانيا وغيرها من الدول الأجنبية تقويض مشاركتها في الصراعات المستعرة حاليًا بالعالم العربي. صحيح أن الصراع في المقام الأول يدور بين احتجاجات شعبية أو انتفاضات ضد أنظمة استبدادية فاسدة، إلا أن هذه الأزمات لديها على الأقل بعض سمات الحرب الأهلية: فهناك القبائل التي تساند العقيد القذافي كما أن هناك سوريين ممن يعتقدون أن المعارضة ذات طبيعة طائفية وهيمنة سنية أكثر مما يبدو من جدول أعمالها المتعلق بحقوق الإنسان.
إن من حق بريطانيا وحلفائها الاحتجاج على المجزرة في سوريا، على الرغم من أن انتقاداتهم ربما كانت ستحمل وزنًا أكبر إذا كان صوتهم بالمثل بشأن التعذيب والاختفاء وعمليات القتل في البحرين. غير أن هذا الحماس الإنساني يصبح بسهولة بمثابة غطاء لتدخل أوسع؛ وذلك لأن الانسحاب أمرًا مهينًا وبالتالي مستحيل سياسيًا، كما لا يمكن ترك الميدان مفتوحًا أمام قوى تدخلية منافسة. إن العالم الخارجي يمكنه تخفيف، ولا ينبغي عليه أن يحاول تغيير، ما يجري في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق