الصفحات

الاثنين، 22 أغسطس 2011

الصومال .. مأساة عربية

 
فى إطار مواجهة أسوأ موجة جفاف تجتاح الصومال منذ 20 عام يعقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعا غير عادى غدا الثلاثاء على مستوى المندوبين بمقر الجامعة لبحث سبل زيادة الدعم العربى لإغاثة الشعب الصومالى من المجاعة التى يعاني منها بسبب موجة الجفاف الشديدة التى تتعرض لها منطقة القرن الأفريقى.
وقد استجابت العديد من الدول العربية للنداء الذى وجهه الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربى لها بسرعة تقديم الدعم الإنسانى والإغاثى للصومال , ومن هذه الدول ( مصر , قطر , السعودية , الكويت , الإمارات , الجزائر , المغرب ) , حيث كان لهذه المعونات التأثير الكبير لدى الشعب الصومالي.
ورغم أن كارثة الجفاف لم تحل بالصومال فقط بل عمت منطقة القرن الأفريقى , إلا أن حالة الفوضى التى يعيشها الصومال وعدم وجود حكومة مركزية تبسط سلطتها على كل الدولة , بلإلإضافة إلى فقدان المؤسسات التى من شأنها مواجهة مثل هذه الكوارث ومساعدة المنكوبين ضاعفت من وطأة المأساة وحولتها من مجرد ظاهرة جفاف يمكن مواجهتها ببعض الإجراءات لتقليل أثارها على حياة المواطنين إلى كارثة تهدد حياة الملايين بالموت.
وكان الاتحاد الأفريقى قد قدم بالفعل مساعدة قدرها 500 ألف دولار للتخفيف من حدة المجاعة فى الصومال نتيجة الجفاف , كما طالب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى ايراستوس موينشا جميع دول القارة الأفريقية بالبحث جديا عن طريقة يمكن أن تسهم من خلالها فى تخفيف معاناة الصوماليين.
ومن جانبه , قدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون الاحتياجات العاجلة لمواجهة موجة الجفاف ب 8ر1 مليار دولار , قائلا "إن أكثر من نصف سكان الصومال أى ما يزيد عن 7ر3 مليون نسمة فى وضعية حرجة بسبب هذه الأزمة , وهو ما يهدد بانعكاسات لا تخص الصومال وحده بل ستمتد إلى المنطقة بأكملها".
وقد أعلنت الأمم المتحدة المجاعة فى منطقتين جنوبى الصومال هما ( جنوب باكول , ولاور شابيل ) , محذرة من أنها يمكن أن تتفشى بسرعة إلى ست مناطق أخرى إذا لم يتحرك المانحون.
يشار إلى أنه يتم إعلان المجاعة حينما يصل معدل سوء التغذية بين الأطفال إلى أكثر من 35 % , وحينما يموت أكثر من شخصين من أصل 10 ألاف يوميا بسبب الجوع.
وحذر المنسق الإنسانى للأمم المتحدة للصومال مارك باودن من أن معدلات سوء التغذية فى البلاد هى الأعلى فى العالم , مشيرا إلى وجود حوالى مليوني طفل لم يتجاوزوا سن الخامسة يعانون من سوء التغذية ويتضررون جوعا , وذلك فى الوقت الذى قدرت فيه الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 30 ألف طفل قد لقوا مصرعهم من الجوع وسوء التغذية فى الأونة الأخيرة.
وعلى الرغم من خطورة الأزمة فى الصومال وتداعياتها على المناطق المجاورة , إلا أن الاجتماع الوزارى لمنظمة الأغذية والزراعة ( الفاو ) - الذى عقد بالعاصمة الإيطالية روما فى 25 يوليو الماضى - لم يخرج بخطة واضحة لمواجهة الكارثة التى تهدد 12 مليون إنسان بالموت جوعا فى منطقة القرن الأفريقى.
وفى المقابل , هناك التزامات منفردة من بعض الدول كفرنسا التى أعلن وزير زراعتها بونو لومير عن مضاعفة إعانة بلاده لمواجهة الجفاف إلى 10 ملايين دولار , بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى الذى أعلن عن مساعدة ب 100 مليون يورو , إلى جانب إعلان البنك الدولى عن منحة مساعدة لضحايا الجفاف تفوق 500 مليون دولار تنفق على مشاريع فى ( إثيوبيا , وكينيا , وجيبوتى , والصومال ).
ويتسأل المراقبون هل كان العالم بحاجة لأن يرى مئات الأطفال يلقون حتفهم جوعا أو أن تعلن الأمم المتحدة المجاعة فى الصومال لكى يبادر إلى المساعدة ? , وذلك فى حين أن فصول المأساة بدأت منذ 7 أشهر حين وصلت طلائع الهاربين من شبح الجوع إلى الدول المجاورة دون أن يحرك أحد ساكنا.
وقالوا "إن تعامل العالم مع المأساة الصومالية يشوبه الكثير من الضبابية , وأن المنظمات الدولية المؤثرة فى التعامل مع الشأن الصومالى غير معنية بمعالجة المشكلة من جذورها , بل ربما يلام المجتمع الدولى والدول المانحة فى عدم إرسال المساعدات بالقدر الكافى أو فى الوقت المناسب لعدم الاتفاق مسبقا على كيفية وصولها إلى المحتاجين حتى لو اضطروا إلى ادخالها إلى المناطق المنكوبة بالقوة المسلحة مستعينين بقوات حفظ السلام الأفريقية".
وقد ذكر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط أن نحو 68 ألف صومالى وصلوا إلى كينيا , بلإلإضافة إلى 54 ألف شخص إلى مخيمات اللاجئين فى إثيوبيا منذ شهر يناير كنتيجة للجفاف الذى تشهده منطقة القرن الأفريقى منذ يناير الماضىن موضحا أن ما يقرب من 135 ألف صومالى فروا من بلادهم منذ يناير الماضى.
والمأساة التى يعيشها الصومال ليست إلا نتيجة للحالة الاستثنائية التى عاشتها البلاد على مدار عقدين كاملين دون سلطة فعلية على الأرض , حيث تتقاسمه جماعات متناحرة لم تحرز نجاحا فى أى من ميادين الحياة سوى افتعال الحروب وتهجير الأفراد , مما أفرز مزيدا من التشرد والنزوح واللجوء القسرى واستمرار المعاناة التى بدأت منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991 وحتى الأن.
كما أن هناك عدة أسباب أخرى فاقمت من ظاهرة الجفاف بالصومال وأدت إلى هذه الكارثة أهمها عدم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية والتكنولوجيا الحديثة , حيث عمد كثير من المواطنين فى الدول الأفريقية عموما والصومال خصوصا إلى إزالة الغابات والنباتات الطبيعية والتوسع فى الرعى الجائر , مما أدي إلى قلة الرطوبة فى الجو التى تؤدي بدورها إلى ازدياد التبخر لمياه المطر وزيادة تعرية التربة.
ومما لا شك فيه أن الموقع الجغرافى للصومال له دور كبير فى هذه الكارثة الطبيعية , وذلك حيث أن التيارات البحرية تعرض المناطق الساحلية للجفاف حينما تهب من تلك البحار رياح تتميز بقدرتها على امتصاص بخار الماء ونادرا ما تسقط أمطار حيث أن شدة الحرارة تعمل على تبخر الماء ولا تكون هناك فرصة لتكثيفه.
ومن بين الأسباب التى أدت إلى تحول الصومال إلى صحراء قاحلة , انتهاز بعض التجار فرصة حالة عدم الاستقرار فى الدولة الصومالية حيث قاموا بقطع الأشجار وإزالة الغابات , وذلك للمتاجرة فى الفحم وتصديره للخارج.
وكانت المنظمة العربية للتنمية الزراعية قد أصدرت دراسة حول مكافحة التصحر فى الوطن العربى عام 96 حذرت فيها من خطورة الوضع فى الصومال , حيث ذكرت أن 82ر70 % من مساحة الصومال مهددة بالتصحر مما يعنى تكرار الجفاف والمجاعة فى المستقبل , وهو ما حدث بالفعل.
ولقد شهدت الصومال موجات متتالية من الجفاف فى القرن الماضى , من أشهرها موجة الجفاف التى حدثت عام 1964 والتى أطلق عليها الصوماليون "عام جفاف المكرونة" وذلك نسبة إلى المكرونة التى كانت توزع علي المتضررين فى ربوع الصومال.
كم شهدت الصومال عام 1974 موجة جفاف عرفت محليا ب"الجفاف طويل الأمد" , ولكن تم آنذاك التغلب على آثاره بفضل وجود الحكومة المركزية التى أنقذت كثيرا من المواطنين ونقلتهم من الأقاليم الوسطى إلى الأقاليم الجنوبية حول ضفاف نهر ( شبيلى ).
وفى عام 1992 وقعت أسوأ موجة جفاف فى القرن العشرين بالصومال حيث قدرت الوفيات نتيجة لهذه الموجة بأكثر من 300 ألف نسمة , وتوالت على الصومال بعد ذلك سنوات أخرى من الجفاف اتخذت طابع الاستمرار , فبعد أن كانت تلك الموجات متباعدة صارت فى الأعوام الأخيرة شبه متواصلة.
وحذرت وكالات الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة من أن الجفاف والمجاعة فى الصومال قد يؤديان إلى مأساة إنسانية ذات أبعاد وخيمة إذ سيحتاج شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص إلى مساعدات إنسانية عاجلة, فيما يزيد ارتفاع أسعار الحبوب وندرة المياه الصالحة للشرب فى العديد من المناطق من تفاقم الوضاع سوءا.
وتشير بعض المؤشرات التى جاءت فى تقرير منظمة الأغذية والزراعة فى أبريل الماضى إلى بعض جوانب المأساة التى خلفتها موجة الجفاف الحالية بالصومال , ومنها أنه يوجد 2ر41 مليون نسمة بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية , بالإضافة إلى نزوح 46ر1 مليون نسمة من سكان المناطق الوسطى والجنوبية بسبب المجاعة والصراع الدائر بين الفرقاء السياسيين.
كما يعانى 940 ألف من السكان أزمة غذائية ويشتكون من ضيق سبل الرزق , كما أدت موجة الجفاف الحالية إلى أن يكون انتاج المحاصيل فى الموسم الزراعى الحالى هو الأقل منذ عام 1995 , وفى نفس الوقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية التى تستخدمها الأسر التى تقطن الجنوب بنحو 35 % منذ عام 2009.
وما أدخل الصومال فى دوامة من الفوضى تجاوزت العشرين عاما هو عدم وجود حكومة مركزية واستمرار الحرب الأهلية إلى جانب أن الساسة الصوماليين من حكومة ومعارضة لم يتوقعوا كارثة من هذا الحجم لأنشغالهم بنزاعات داخلية تضيف كل يوم العشرات إن لم يكن المئات إلى طابور المنتظرين للمساعدات.
وفى نفس الوقت , فقد منعت حركة شباب المجاهدين هيئات الإغاثة من توصيل المساعدات إلى المتضررين , وذلك حيث تسيطر الحركة على المناطق المنكوبة وتفرض إتاوات للسماح بمرور قوافل المساعدات.
ولا يقتصر الإخفاق الداخلى على السياسيين المتصارعين على السلطة, بل يمتد إلى المجتمع المدنى الصومالى بكل أطيافه حيث لم يقدم شيئا يذكر فى مواجهة المحنة الحالية , فلا توجد عمليا أية منظمات إغاثة محلية يمكن أن تخفف من معاناة الشعب الصومالى أو تكسب ثقة المانحين لتصبح جسرا بينهم وبين المحتاجين لمليء الفراغ الناتج عن غياب المؤسسات الرسمية.
وفى المقابل , لعبت المنظمات الإغاثية الدولية دورا مهما فى التخفيف من تداعيات هذه الأزمة رغم الحصار المفروض عليها من المعارضة , حيث دقت نواقيس الخطر والتحذير من أنه فى حال عدم معالجة الأزمة خلال الأسابيع القادمة فأنها ستتفاقم وتصبح أسوأ مما كانت , بل قد تتحول إلى كارثة إنسانية مشابهة لتلك التى حلت بالصومال فى القرن الماضى.
ويرى المراقبون ضرورة التدخل السريع لتدارك كارثة الجفاف فى الصومال وانقاذ ما يمكن انقاذه , لافتين إلى أنه ينبغى أن يكون على رأس الأولويات تكاتف جهود المنظمات الإغاثية , وإنشاء ألية لتنسيق العمل الإنسانى فى الصومال, وضرورة تفعيل المنظمات البيئية لمحاربة القطع الجائر للغابات والأشجار , مع القيام بتوعية المواطنين بالأثار الناتجة عن تدمير الغطاء النباتى وإرشادهم إلى بدائل الفحم النباتى.
ومما لا شك فيه أنه إذا لم يكن هناك جهد مشترك محلى ودولى وإقليمى لانتشال الصومال من مأساته مع الأخذ فى الاعتبار بكل تعقيدات الأزمة , فإن الصومال سيعانى من فصل جديد من فصول المأساة قد يكون أشد قسوة , مما ينذر ببقاء النزيف الصومالى مستمرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق