كتبت شيماء عبدالمنعم
في أول زيارة له إلى مصر الجديدة بعد ثورة الـ 25 من يناير يأتي رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إلى القاهرة في زيارة رسمية تحمل العديد والعديد من الرسائل لتزامنها مع حدثين مهمين الأول تفسخ العلاقات التركية الإسرائيلية الإستراتيجية والثاني الاعتداء على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، والذي أدى إلى تدهور ملحوظ في العلاقات المصرية – الإسرائيلية سبقته توترات متصاعدة منذ الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك في الـ 11 من فبراير الماضي .
تحالف اقتصادي وسياسي
يبدو أن تلك التطورات قد أنعشت الآمال في تكوين تحالف اقتصادي وسياسي وعسكري بين مصر وتركيا كبديل لتحالفها السابق مع إسرائيل سيساهم في عودة الدور العربي – الإسلامي مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط .
ويرافق اردوغان خلال زيارته وفد كبير، يضم ستة وزراء ولفيف من كبار المسئولين إلى جانب نحو 200 من رجال الأعمال، بهدف رفع حجم التجارة بين مصر وتركيا الذي يبلغ 3.1 مليار دولار أمريكي حاليا .
ومن جهته حث رئيس الوزراء التركي لمصريين، من أجل العمل على بناء دولة علمانية، مؤكدا أن الدولة العلمانية لا تعني دولة اللادين.
دولة حديثة
دعا أردوغان، خلال لقائه مع قناة "دريم" التلفزيونية المصرية، إلى وضع دستور مصر بناء على المبادئ العلمانية، معتبرا أن تركيا تشكل نموذجا للدولة العلمانية المناسبة، ومشيرا إلى أنه مسلم، بالرغم من توليه رئاسة وزراء دولة علمانية.
وجدد تأكيده على حق كل فرد في أن يكون متدينا أم لا. وعبر رئيس الوزراء التركي عن ثقته في قدرة مصر علي بناء دولة حديثة بعد الثورة قائمة على ثلاثة محاور هي الإدارة الجيدة للمواطنين، والاهتمام بالتعليم، وأخيرا التنظيم الجيد لأموالها للقضاء على الفساد.
ويقوم أردوغان بنشاط مكثف خلال زيارته، التي تأتي ضمن جولة تشمل تونس، حيث يلتقي مع عدد كبير من المسئولين المصريين والشخصيات السياسية علي رأسهم المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الوزراء الدكتور عصام شرف.
كما يلقي أردوغان خطابا مهما موجها لمصر والعالم العربي من دار الأوبرا، ويحضر خلال الزيارة الجلسة الافتتاحية لاجتماع لجنة المتابعة العربية بمقر الجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية.
وستتاح لأردوغان فرصة التحدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بشأن مسعى الفلسطينيين للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، وهو المسعى الذي تعارضه بشدة كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
ومن المقرر أن يلتقي أردوغان بكل من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، كما يلتقي بوزير الأوقاف محمد عبد الفضيل القوصي.
بينما يجتمع أردوغان مع البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية يوم الأربعاء. ويفتتح في اليوم نفسه المبنى الجديد لمركز يونس أمري الثقافي التركي.
دول الربيع العربي
من جانبها ركزت الصحافة الغربية في تناولها للزيارة على توضيح الأهداف الإستراتيجية التي تسعى تركيا إلى تحقيقها في منطقة الشرق الأوسط الذي يشهد تغييرات جذرية الآن بفعل ثورات " الربيع العربي " والتي نجحت في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا .
بينما اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن جولة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في دول الربيع العربي محاولة من تركيا لتعزيز مكانتها في العالم العربي في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة حاليا.
وخلصت صحيفة الاندبندنت البريطانية إلى أن عزلة إسرائيل والتحرك الديمقراطي العربي وضعف الدول العربية وتناقص الدور الأميركي في المنطقة، كلها عوامل تصب في صالح الموقف التركي ،لكنها استدركت بأن "النفوذ التركي يتنامى في المنطقة لكنه يحتاج وقتا طويلا ليتحكم في أحداثها".
بيد أن زيارة اردوغان إلى دول الربيع العربي تعد دليلا على الأهمية التي توليها الحكومة التركية لدول الربيع العربي، والطموح التركي في تولي دور مهم في رسم خارطة منطقة الشرق الأوسط .
فمصر بعد 25 يناير تتقاطع في العديد من مواقفها إزاء القضايا المحورية في المنطقة مع الموقف التركي خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية والحصار على غزة والذي دفع الجانب المصري إلى إعلان فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين كخطوة لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني.
في الوقت الذي اتخذت فيه تركيا موقفا صارما بعدما أقدمت أنقرة على خطوات عملية أعلنت بمقتضاها سحب السفير التركي لدى " إسرائيل "، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين إلى مستوى السكرتير الثاني وإلغاء الاتفاقيات العسكرية .
وذلك بعد عام من حادث الاعتداء على " سفينة مرمرة " التي كانت متجهة إلى قطاع غزة .
مما يعني أن مصر لديها الآن فرصة تاريخية لاستغلال هذا التقارب في وجهات النظر مع الجانب التركي من اجل توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية تمهيدا لتحالف بين البلدين قد يغير إلى حد ما من المعادلة الإقليمية في الشرق الأوسط لصالحهما بعيدا عن التدخلات الإسرائيلية والأمريكية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق