|
أسئلة متعلقة بالحج |
|
أجاب عليها فضيلة الشيخ محمد الشنقيطي |
فضيلة الشيخ هذه جملة من الأسئلة في مناسك الحج وردت من الاخوة وجاء ترتيبها على حسب المناسك نأمل منكم الإجابة عليها سائلين المولى أن يكتب لكم بها الأجر وأن يجعلها نافعة للمسلمين إنه سميع مجيب .
السؤال الأول :
السؤال الأول :
هل يجب الحج على المديون ؟
الجواب :
بسم الله ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فقد فرض الله الحج إلى بيته الحرام على من استطاع إلى البيت سبيلاً ولازم ذلك وجود الزاد ، ومن كان مديوناً فإنه لا يقدر لأنه محاط بالدين فإذا كان الدين يستغرق ماله فإنه لا يملك الزاد ، وعلى هذا فلا يجب الحج على مديون استغرق الدين ماله أو كان عليه دين لا يستطيع وفاءه ، واستثنى بعض العلماء أقساط الدين فقالوا : إذا كان الدين مقسطاً على أنجم وأدى آخر نجم وهو نجم ذي القعدة فلا حرج عليه أن يحج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني :
متى يجب الحج على المرأة ؟
الجواب :
يجب الحج على المرأة إذا كانت قادرة على الحج بملك النفقة وكذلك إذا وجدت محرماً يحج معها ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم )) وفي الحديث الصحيح أن رجلاً قال : - يا رسول الله - إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة وليس معها محرم ؟ قال له النبي-- : (( انطلق وحج مع امرأتك )) فدل هذا على أن المرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها ذو محرم يستطيع أن يحفظها في سفرها ويقوم عليها في شأنها ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث :
لو كان الرجل أو المرأة عاجزين عن الحج بأنفسهما للمرض ونحوه ولكنهما يستطيعان التوكيل بالمال فهل يجب عليهما أن يوكلا ؟
الجواب :
من كان عاجزاً عن الحج وعنده مال يستطيع أن يحجج به الغير فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : إما أن يكون عجزه مؤقتاً .
والحالة الثانية : وإما أن يكون عجزه مستديماً .
العجز المؤقت كالمرض الذي يتأقت بالشهور ويرجى زواله أو بالسنوات ويرجى زواله فهذا ينتظر إلى أن يكتب الله له الشفاء والعافية ، يسقط عنه الحج حال العجز ويجب عليه بعد القدرة ثم يحج بعد شفائه وقوته وقدرته فلو حجج الغير في حال عجزه ثم بعد ذلك قدر فإن حج الغير لا يجزيه لأنه لا يصح منه التوكيل على هذا الوجه .
والحالة الثانية : أما إذا كان عجزه مستديماً كإنسان عاجز لكبر أو معه مرض لا يمكن معه أن يقوم بالحج ولا أن يؤدي أركانه فإنه في هذه الحالة يُنتَقَل إلى القدرة بالمال فإذا قدر على أن يستأجر من يحج عنه وجب عليه أن يحجج عن نفسه سواء كان رجلاً أو كانت امرأة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع :
إذا توفي الإنسان ولم يحج مع أنه كان قادراً على الحج في حياته فما الحكم وإذا قلنا بوجوب الحج عنه فهل يحرم من يحج عنه من ميقاته أو من ميقات الميت ؟
الجواب :
-نسأل الله السلامة والعافية- من كان قادراً على الحج ولم يحج فإنه آثم ، كره الله انبعاثه فثبطه وقيل اقعدوا مع القاعدين ، كره الله أن يراه في هذه الجموع المؤمنة ولو كان عبداً صالحاً موفقاً لما تقاعس عن واجب الله-جل وعلا- وفريضته ، فإن الله يبتلي الإنسان بماله ويبتليه بأهله وأولاده فيكره الخروج في طاعة الله وما فرض الله عليه فيجعل الله ماله شؤماً عليه ويجعل ذريته وأولاده بلاءً عليه ، وهذه هي فتنة الأموال والأولاد فمن فعل ذلك فقد أثم واعتدى حد الله- عز وجل- بترك هذه الفريضة ، فيجب على من استطاع الحج إلى بيت الله الحرام ولم يكن معذوراً أن يبادر بالحج وأن يقوم بفريضة الله-جل وعلا- عليه .
أما بالنسبة لو مات ولم يحج فإنه آثم ثم يجب على ورثته أن يقوموا بالحج عنه يحججوا أو يخُرجوا من تركته ما يحج به عنه فإن وُجِد متبرع بدون مال فلا إشكال ، وإن لم يوجد متبرع فإنهم يستأجرون من يقوم بهذا الحج على وجهه ويعتبر هذا من الديون التي تقضى قبل قسمة التركة فيؤخذ من ماله على قدر الحج عنه قبل أن تقسم التركة ؛ لأن الله قال في قسمة المواريث : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فلما قال : { أَوْ دَيْنٍ } أطلق وقد سمى النبي- صلى الله عليه وسلم - حق الله ديناً فقال للمرأة : (( أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته )) قالت نعم قال : (( فدين الله أحق أن يقضى )) فمن مات وهو قادر على الحج ولم يحج فإنه يحج عنه من ماله ويخرج من ماله على قدر نفقة الحاج عنه .
ثم السؤال لو أن الميت كان في المدينة ومن أراد أن يحج عنه بجدة فهل يكون إحرام الذي يريد أن يحج وهو الوكيل من ميقاته وهي جدة أو من ميقات من يقوم مقامه وهو الميت - أعني المدينة - ؟
هذا فيه تفصيل :
إن كان الميت قد قصر في الحج فقد وجب عليه الحج من ميقاته وعلى الوكيل أن يحرم من ميقات الميت ، وبناءً على ذلك فلا بد وأن يحج عنه من ميقاته .
أما في حجج النوافل والتي لا وجوب فيها فإنه يحج الوكيل من أي مكان ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس :
الاستئجار للحج عن الميت هل هو مشروع وما هي أنواعه وما هو الجائز منها وما الذي ينبغي توفره في الشخص الأجير وكيف تكون نيته ؟
الجواب :
أما بالنسبة للاستئجار للحج فالإجماع قائم كما حكاه الإمام ابن قدامة وابن رشد وابن المنذر-رحمة الله عليهم جميعاً- حكوا الإجماع على أن الاستئجار للمنافع المباحة شرعاً أنه مباح ، وبناءً على ذلك فإن الحج عن الغير منفعة مباحة شرعاً وليست من فرائض الأعيان التي لا يصح التوكيل فيها ، فلما دخلت النيابة جاز أن يحج عنه بالإجارة ، وهو قول جماهير العلماء-رحمة الله عليهم-.
أما أنواع الإجارة عن الميت فعلى حالتين :
الحالة الأولى : يسمونها إجارة البلاغ ، وإجارة البلاغ أن تستأجر شخصاً وتقول له أقوم بنفقتك حتى تبلغ الحج فتقوم بنفقة الركوب وبنفقة النـزول وبنفقة الطعام والشراب ونحو ذلك من اللباس والهدي الذي يجب إن كان متمتعاً أو قارناً ولا تنفق عليه شيئاً زائداً على حاجته المحتاج إليها في حجه هذا النوع يسمونه ( إجارة البلاغ ) والإجماع قائم على مشروعيته عند من يقول بجواز الإجارة .
أما الحالة الثانية : فهي إجارة المقاطعة وهي التي يسمونها على سنن الإجارة يكون فيها السوم يقول له حج عن ميتي بألف يقول لا بل بألفين لا بل بثلاثة ثم يتداولان حتى يثبتان على سعر معين إن كان قد حج عنه قال أريد ألفين أو ثلاثة ، فإن زادت الألفان أخذ الزائد وإن نقصت وجب عليه أن يكمل الناقص ولا يجب على صاحب الميت أن يدفع له الناقص هذا النوع يسمونه ( الإجارة على سنن الإجارة ) وهي إجارة مقاطعة وفي النفس منها شيء وإن كان الأقوى والأشبه أنه تجوز إجارة البلاغ دون إجارة المقاطعة ، يشترط في هذا الأجير طبعاً أن يكون قد حج عن نفسه ولا يجوز أن يحج عن الغير إذا لم يحج عن نفسه لحديث ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً وهو يطوف بالبيت يقول : لبيك عن شبرمة ؟ قال : (( ومن شبرمة )) قال أخي أو ابن عمٍ لي مات ولم يحج قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السادس :
إذا حجت المرأة بدون محرم فما الحكم وهل يصح حجها أو لا يصح وما الدليل على ذلك ؟
الجواب :
إذا حجت المرأة بدون محرم فللعلماء قولان :
القول الأول : جمهور العلماء أنها آثمة وحجها صحيح .
والقول الثاني : ذهب طائفة من السلف إلى أنها آثمة وحجها فاسد لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه .
والصحيح أن حجها صحيح ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه )) فجعل الأركان والشرائط معتبرة للحكم بصحة العبادة دون نظر إلى الإخلال ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السابع :
إذا مات المحرم بالحج أو العمرة أثناء الحج والعمرة وكانت فريضة عليه فهل يلزمنا أن نقضي الحج والعمرة عنه وما الدليل ؟
الجواب :
للعلماء قولان في هذه المسألة منهم من يرى أنه لو مات الحاج أو المعتمر أثناء حجه وعمرته لا يلزمنا إتمام ما شرع فيه ولا يقضى عنه ذلك الحج ولا تلك العمرة ، وهذا هو المذهب الصحيح على ظاهر حديث عبد الله بن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقف في حجة الوداع ووقف معه الصحابة فوقف رجل فوقصته دابته فمات فقال- صلى الله عليه وسلم - : (( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا تغطوا رأسه ولا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) لم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم - اقضوا حجه أو أتموا حجه وهذا يدل على أن الواجب هو ما ذكر وأن ما زاد على ذلك فليس بواجب ولأنه قد قام بفرضه فأدى ما أوجب الله عليه وانتهت حياته عند هذا القدر ، وعلى ذلك لا يجب أن يتم عنه ولا أن يحج عنه وإن حج عنه احتياطاً فلا حرج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثامن :
هل من حق الزوج أن يمنع زوجته من حج الفرض وعمرة الفرض إذا أرادت القيام بهما مع محرمها وإذا لم يكن من حقه ذلك فهل إذا منعها وخرجت مع محرمها تعتبر عاصية آثمة ؟
الجواب :
ليس من حق الزوج أن يمنع زوجته من حج الفريضة فهذا حق الله-عز وجل- الذي هو فوق الحقوق كلها ، ولذلك يعتبر آثماً شرعاً ؛ لأنه أمر بالمنكر ونهى عن المعروف فليس من حقه أن يمنع الزوجة وليس له عليها سلطان في هذا ؛ ولكن استثنى العلماء-رحمة الله عليهم- أن تكون تلك الحجة فيها مفسدة أو فتنة عظيمة لا يستطيع أن يحج معها ولا يوجد محرم يستطيع أن يحفظها من الفساد فهذه حالة مستثناه أما ما عدا ذلك فإنه لا يجوز له أن يمنعها وحينئذ إذا حجت مع محرمها فإنها مأجورة غير مأزورة وليس من حقه أن يمنعها من حق الله-سبحانه- ، وفي الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال : (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع :
إذا أراد الإنسان أن يحج أو يعتمر عن ميت أو عاجز عن الحج فهل يشترط أن يكون مثله ذكورة وأنوثة أو لا ؟
الجواب :
لا يشترط في الوكيل أن يكون مشابها لموكله جنساً فيحج الذكر عن الذكر أو الأنثى عن الأنثى فالكل يجزيء ويعتبر فيجوز حج الرجال عن النساء وحج النساء عن الرجال ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أفتى الخثعمية بذلك وحينئذ لا حرج في حج ذكر عن أنثى والعكس والإجماع قائم على ذلك ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال العاشر :
إذا توفي الوالدان ولم يحجا ولم يعتمرا وأردت أن أحج عنهما وأعتمر فهل أبدأ بالوالد أو الوالدة وما الدليل ؟
الجواب :
تبدأ بالوالدة ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - عظم حقها فقال لما سأله الصحابي : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أبوك )) قال العلماء : في هذا دليل على أن حق الأم آكد من حق الأب ، حتى إن بعض العلماء قال : إذا تعارض بر الوالد والوالدة يقدم بر الوالدة على الوالد ؛ وذلك لأن النص دل على أنها أحق بحسن الصحبة وهي أولى ، وحينئذ تبدأ بأمك ثم بعد ذلك تثني بأبيك ، والله - تعالى - أعلم .
مسائل الإحرام والتلبية
السؤال الحادي عشر :
ما هو هدي النبي- صلى الله عليه وسلم - في الإحرام بالحج ؟
الجواب :
لما قدم-عليه الصلاة والسلام- على ذي الحليفة وكان قد توافد الناس على المدينة يقولون كيف يحج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كلهم يريد أن يأتسي به ويقتدي فلما قدم على الميقات-صلوات الله وسلامه عليه- اغتسل وتجرد من المخيط ، ثم بعد ذلك لبس رداءه وإزاره وقال للناس : (( من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بحج و عمرة فليهل )) وكان الوحي قد نزل عليه قبل أن يصل إلى الميقات قبل أن يحرم في ميقاته كما في الصحيح من حديث عمر في البخاري أنه قال : (( أتاني الليلة آت من ربي فقال أهل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة )) فاختار الله له من فوق سبع سموات أن يهل بالقران ، ولذلك أهلَّ قارناً-صلوات الله وسلامه عليه- استجابة لأمر ربه فيخير الإنسان بين هذه الأنساك فإذا أهلَّ بالعمرة وكان في أشهر الحج فهو تمتع وإذا أهلَّ بالحج فهو إفراد وإذا أهلَّ بهما معاً فإنه يقول : لبيك حجة وعمرة ويعتبر قراناً قال أنس-رضي الله عنه وأرضاه- كنت تحت ناقة النبي- صلى الله عليه وسلم - أسمعه يقول : (( لبيك عمرة و حجة )) ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني عشر :
متى يصح الإحرام بالحج وما الحكم لو وقع إحرامه بالحج قبل أشهر الحج كأن ينوي الحج في رمضان ؟
الجواب :
الحج له ميقات زماني أشار الله-عز وجل- إليه بقوله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } هذه الأشهر قمرية لا شمسية بإجماع العلماء-رحمة الله عليهم-–ويبتدئ موسم الحج الزماني بثبوت عيد الفطر فإذا ثبت أن الليلة عيد الفطر فحينئذ تبتدئ هذه الشهور فأولها أول يوم من شوال وهو يوم عيد الفطر فلو أحرم ليلة عيد الفطر بالحج وقال لبيك حجة فإنه يصح وينعقد إحرامه وهكذا لو تمتع فيها ، أما لو أحرم قبل ليلة العيد وهي مسألة مشهورة عند العلماء من أوقع الإحرام قبل أشهر الحج فللعلماء قولان :
منهم من يقول : لا ينعقد حجه وهو مذهب الشافعية ، والظاهرية-رحمة الله على الجميع- .
ومنهم من يقول : ينعقد حجه وهو آثم إذا كان عالماً وهو مذهب الجمهور .
والصحيح مذهب الشافعية ، والظاهرية أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وأنه لا ينعقد إحرامه عن الحج ؛ لأن الله-تعالى- يقول : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } ولا فائدة من هذا إلا تخصيص الحكم بها ، ولأنه كما لا يصح إيقاع الظهر قبل زوال الشمس لا يصح إيقاع الحج قبل زمانه المعتبر فأزمنة العبادات مؤقة لايصح إيقاعها قبل هذا الزمان المؤقت لأننا لو قلنا يصح لذهبت فائدة التخصيص بهذا الزمان ، وعلى ذلك فإنه لا ينعقد إحرامه بالحج .
لكن إذا قلنا بقول الشافعية ، والظاهرية لا ينعقد إحرامه بالحج فما الحكم في هذه التلبية التي نواها بحجه ؟
لهم قولان قال الظاهرية : تفسد تلبيته ويفسد إحرامه بالكلية فلا حج له ولا عمرة .
قال الشافعية : ينقلب إحرامه من الحج إلى العمرة وهذا هو الصحيح ؛ لأنه إذا بطل الحج ينفسخ إلى عمرة وقد فسخ النبي- صلى الله عليه وسلم - الحج إلى عمرة ، ولذلك ينعقد إحرامه عمرة لا حجة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث عشر :
إذا أحرم بالعمرة في آخر رمضان ثم أتمها في يوم العيد أو بعده ثم حج من عامه فهل يصير متمتعاً ؟
الجواب :
هذه مسألة خلافية في المتمتع لو أنك أردت أن تتمتع بعمرتك إلى الحج ونويت العمرة في آخر يوم من رمضان ومضيت وغابت شمس آخر يوم من رمضان فدخلت عليك ليلة العيد الفطر فاختلف العلماء .
قال بعض العلماء : العبرة بالنية فإذا كانت نيته في ليلة عيد الفطر صحت عمرته تمتعاً وإن كانت نيته قبل ليلة عيد الفطر فإن عمرته ليست بتمتع فلو حج من عامه ليس بمتمتع إلا أن يأتي بعمرة ثانية في أشهر الحج وهذا مذهب الظاهرية .
القول الثاني : العبرة بالدخول إلى مكة وهو قول بعض السلف قالوا إذا دخلها قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنه حينئذ لا يعتبر متمتعاً وإن دخلها بعد الغروب فهو متمتع وهو قول عطاء ومن وافقه من السلف .
القول الثالث : العبرة ببداية الطواف فإن ابتدأ طوافه قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان فهو ليس بمتمتع وإن ابتدأه بعد الغروب فهو متمتع وهو مذهب الشافعية ، والحنابلة .
والقول الرابع : أن العبرة بأكثر الطواف فإن طاف أربعة أشواط قبل غروب الشمس فهو ليس بمتمتع وإن طاف الأربعة بعد غروب الشمس فإنه متمتع وهو للحنفية .
القول الخامس والأخير : العبرة بالتحلل وهو للمالكية وأصح هذه الأقوال وأقواها أن العبرة بالطواف فإن ابتدأ طوافه قبل غروب الشمس وقعت عمرته لأن الطواف هو الركن فكأنه أوقع أركان العمرة في الأشهر المعتد بها فحينئذ يكون متمتعاً وإن وقع قبل غروب الشمس فليس بمتمتع ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع عشر :
إذا نوى الإنسان الحج والعمرة ثم لما مضى في طريقه امتنع عن إتمامها أو قطعها بعد الشروع في الطواف أو أثنائه أو بعده وقبل تمام حجه وعمرته فما الحكم ؟
الجواب :
هذه المسألة يفعلها بعض الناس فيحرم بالعمرة ثم إذا رأى الازدحام نكص على عقبيه وامتنع من إتمام عمرته ولبس ثيابه ورجع إلى بيته وربما فعل ذلك بالحج- نسأل الله السلامة والعافية- وهذا لا شك أنه من التلاعب بحدود الله-عز وجل- والتضييع لحقوقه والواجب على من أحرم بالحج والعمرة أن يتمها ؛ لأن الله-تعالى- يقول : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } قال العلماء : من رجع وقد أحرم بعمرته فهو محرم بعمرته إلى الأبد كونه يقول : لا أريد العمرة ، كونه يقول فسخت العمرة لا تأثير له لابد لهذه العمرة من أن يتمها ولابد لهذا الحج أن يتمه إلا ما سمى الله في من أحصر وله حكمه الخاص .
أما كونه يمتنع من عند نفسه فهذا لا يجزيه ولا يعتد بهذا الامتناع ويجب عليه أن يتم ما أمر الله بإتمامه من حجه وعمرته فيمضي ويتم فلو رجع وجامع أهله فسدت عمرته وفسد حجه ولزمه حينئذ أن يمضي في هذا الفاسد وأن يتم قضاءه على ظاهر الآية الكريمة وهو قضاء السلف الصالح أفتى به عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- وهو الخليفة الراشد وسنته معتبرة ولم ينكر عليه من الصحابة ، وبناءً على ذلك يتم عمرته الفاسدة ثم عليه القضاء من قابل ثم يفدي عن كل محظورٍ ارتكبه ، فلما لبس ثيابه عليه الفدية ولما غطى رأسه عليه الفدية ولما تطيب عليه الفدية وكل محظور عليه فدية واحدة ولو تكرر ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس عشر :
من كان مريضاً وأراد أن يحرم بالحج والعمرة وهو شاك في قدرته على الإتمام فما هي السنة في حقه وما الدليل ؟
الجواب :
السنة في حق المريض الذي يشك في قدرته على الحج أن يشترط ؛ لأن ضباعة-رضي الله عنها- لما اشتكت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - قالت : - يا رسول الله - إني أريد الحج وأنا شاكية ! فقال- صلى الله عليه وسلم - : (( أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني )) قال العلماء : في هذا دليل على أنه يشرع لك أن تشترط عند خوفك عن العجز عن إتمام حجك وهذا مما دلت عليه السنة ، وكان الشافعي-رحمه الله- يقول : إن صح حديث ضباعة فأنا أقول به قال أصحابه وقد صح الحديث فهو مذهبه ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السادس عشر :
من مر بالمواقيت وهو جاهل بمروره بها أو كان نائماً ثم استيقط بعد مجاوزتها فما الحكم ؟
الجواب :
من مر بالمواقيت وهو لا يدري بها وهو يريد الحج والعمرة أو كان نائماً في طيارة أو سيارة ، ثم نبه بعد مجاوزتها فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : إن رجع وأحرم من الميقات سقط عنه الدم وحينئذ حجه وعمرته معتبرة ولا إشكال .
والحالة الثانية : إن لم يرجع ولبى من مكانه ومضى فإن عليه دم الجبران ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السابع عشر :
ما هي صفة التلبية وهل تشرع الزيادة عليها وهل هي واجبة ومتى يشرع قطعها في العمرة والحج ؟
الجواب :
أهلَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك هل تشرع الزيادة عليها أو لا تشرع ؟
للعلماء قولان :
جمهور العلماء على جواز الزيادة وقد جاء عن عبد الله بن عمر كما في الصحيح كان يقول : لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل قالوا فلا حرج ، وجاء في حديث ابن ماجه : (( لبيك حقا حقاً )) وهو حديث أنس : (( لبيك حقاً حقاً لبيك تعبداً ورقاً )) وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يسمع الصحابة يزيدون في التلبية ويقولون : لبيك ذا المعارج ، والمعارج هي : السماوات لأنه يعرج إليها فلما أقر النبي- صلى الله عليه وسلم - الصحابة على الزيادة دل على مشروعية الزيادة بالثناء على الله-عز وجل- ؛ ولكن الأفضل والأكمل والأعظم أجراً أن تقتصر على الوارد عن النبي- صلى الله عليه وسلم - مع كونه أقر الصحابة ، فإنك إذا جئت بألفاظ فيها الثناء على الله والتمجيد له-عز وجل- فإن هذا يجوز ولكنه خلاف الأولى ، والأولى والأفضل والأكمل الاقتصار على تلبيته بأبي وأمي-صلوات الله وسلامه عليه- ، والقاعدة كما قرره العز بن عبدالسلام في كتابه النفيس : " قواعد الأحكام " : أن الوارد أفضل من غير الوارد . تطبيق هذه القاعدة إذا كان المجال أو الوقت أو الحال يسمح بأن يذكر الإنسان ربه بأذكار مختلفة وقد ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ذكر مخصوص فإن التقيد بالمخصوص أعظم أجراً من غير المخصوص لأنك إذا تقيدت بالمخصوص أُجرتبأجرين أجر الذكر الذي تقوله ، وأجر الائتساء والاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم - ولو لم يكن في الائتساء به-صلوات الله وسلامه عليه- إلا أن صاحب السنة يرحم ويهدى ويوفق لكفى بذلك شرفاً وفضلاً-نسأل الله العظيم ، أن يرزقنا التمسك بالسنة ، والعمل بها ، وتطبيقها - .
أما متى يقطع التلبية ؟ فإن كان في العمرة فالصحيح أنه يقطع التلبية عند استلامه للحجر ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجعرانة لم يزل يلبي حتى استلم الحجر قالوا : فدل هذا على مشروعية التلبية عند استلام الحجر يختاره بعض السلف وهو مأثور عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنه كان إذا قدم من المدنية يقطع التلبية في الحرار أي حرار مكة أي : قبل أن يدخل المسجد وهذا قول بعض السلف .
وإن كان الأقوى والأشبه أن يقطعهما في العمرة عند استلامه للحجر ، ولا يلبي في عمرته في طوافه ولا في سعيه بين الصفا والمروة ولا بينهما .
وأما في الحج فللعلماء أقوال : أصحها أنه يقطع التلبية عند آخر حصاة يرمي بها جمرة العقبة يقول به طائفة من السلف منهم إسحاق بن راهويه ، ورواية عن الإمام أحمد ، وطائفة من أهل الحديث-رحمة الله عليهم- لحديث بن خزيمة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى آخر حصاة من جمرة العقبة .
وقال المالكية : يقطعها إذا غدا إلى الصلاة يوم عرفة وهذا مذهب مرجوح ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - ثبت أنه لبى ليلة النحر فإن ابن مسعود لبى بمزدلفة فأنكر الناس عليه فقال : سمعت الذي أنزلت عليه البقرة يقول هنا : (( لبيك اللهم لبيك )) فدل على مشروعيتها وأنها تقع ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثامن عشر :
من أين يحرم أهل مكة بالعمرة والحج مع ذكر الدليل ؟
الجواب :
أهل مكة يحرمون بالحج من ديارهم ولا يلزمهم أن يذهبوا إلى البيت كما يقوله البعض .
والصحيح أنه يلزمهم أن يحرموا من ديارهم فدويرة أهليهم هي التي تعتبر ميقاتاً لهم قال حتى أهل مكة يهلون من مكة .
أما في العمرة فيلزمهم الخروج إلى التنعيم ؛ وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة وهذا الحديث وهو مذهب جماهير العلماء والسلف والخلف أن العمرة للمكي أن يخرج إلى الحل ، ولذلك قالت عائشة : والله ما ذكر التنعيم ولا غيره أي أنه أمرها أن تخرج إلى الحل فاجتهدت فخرجت إلى التنعيم وكان أرفق بها-رضي الله عنها- كما في الرواية الصحيحة عنها .
أما الدليل على أنه يحرم من أدنى الحل : فلأن عائشة مكية أي أنها أخذت حكم أهل مكة إذ لو كانت غير مكية للزمها أن تحرم من ميقات المدينة والدليل على أنها مكية أنها أنشأت عمرتها بعد الحج ولما أنشأت عمرتها بعد الحج فقد أنشأتها وهي في مكة وهذا نص واضح جداً ويقول به جمهور العلماء من السلف الصالح والأئمة الأربعة على أن ميقات المكي هو خارج الحل .
وهناك قول ضعيف أن ميقات المكي للحج والعمرة من بيته ولكنه مرجوح وظاهر السنة أنه يحرم من أدنى الحل ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع عشر :
هل يشرع تكرار العمرة في السنة الواحدة ؟ وما الدليل ؟
الجواب :
تكرار العمرة في السنة واحدة اختلف السلف الصالح-رحمة الله عليهم- فيه فقال الجمهور : يجوز تكرار العمرة ولا حرج في ذلك ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( العمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر )) فدل على فضيلة العمرة للاعتمار والإكثار منها لأنه لم يقيد وفي حديث الترمذي : (( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي النار خبث الحديد )) قالوا : فهذا يدل على فضيلة التكرار .
ومن ألطف الأدلة وأعجبها في الاستنباط قول بعض العلماء مما يدل على جواز تكرار العمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء كل سبت ، وقباء لا يؤتى إلا من أجل أن الصلاة فيه بعمرة قالوا : فدل على مشروعية التكرار لأنه قصد فضيلة العمرة فإذا كانت فضيلة العمرة بالبدل مقصودة ومطلوبة فلأن تشرع بالأصل من باب أولى وأحرى ، ولا دليل للمالكية على كراهية تكرار العمرة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال العشرون :
ما الذي يحظر على المحرم من الملابس وهل يجوز لبس الإحرامات المفصلة وهل يشرع وضع المشابك والحزامات ونحوها في الإزار والرداء ؟
الجواب :
أما ما يحرم على المحرم فقد بينه النبي- صلى الله عليه وسلم - بقوله في حديث ابن عمر في الصحيحين : (( لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف )) الأربع الأول من كمال بلاغته وحسن إيجازه- صلوت الله وسلامه عليه- فإن الملبوس إما أن يغطي أعلى البدن الرأس كالعمامة ، وإما أن يغطي الصدر كالقميص ، وإما أن يغطي الأسفل كالسروال فقال : (( لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات )) وإما أن يكون جامعاً لغطاء جميع البدن كالبرانس (( ولا البرانس )) فهذا من بديع كلامه-صلوات الله وسلامه عليه- وهذا يدل على أن كلمات الشرع في الكتاب والسنة قصدت وأنها تتضمن المعاني ، ولذلك كأنه منع من تغطية أعلى البدن ، وكذلك أوسطه ، وأسفله ، وجمع في الغطاء بين الجميع فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بعمامة أو طاقية قالوا وكذلك لو حمل المتاع على رأسه قالوا لأنه في حكم التغطية فالتغطية تكون حقيقة ، وتكون حكماً فذلك إذا حمل المتاع يبينه عن رأسه ما يجعله متصلاً بالرأس ؛ لأنه إذا اتصل بالرأس صار مغطياً .
والدليل على ذلك : أنه لو قال قائل : أنه ليس بمغطي حقيقة فسألته عن الرجل قال : والله لا أغطي رأسي ثم وضع على رأسه الكرتون أو نحو ذلك قالوا إنه يعتبر حانثاً من هذا الوجه .
وقال بعضهم : لا أعتبره حانثاً ؛ لأن الغطاء في الأيمان ينصرف إلى العرف فالكرتون ليس بغطاء في العرف هذا قول بعض العلماء-رحمة الله عليهم- لكن الصحيح والأولى ، والمنبغي للإنسان أن يبينه من الرأس ؛ لأن الشبهة موجودة وقد لامس الرأس وغطاه ، كذلك - أيضاً - لا يغطي أوسط البدن كالصدر بلبس الكوت أو الفنيلة أو نحو ذلك هذا كله محظور على المحرم لا يجوز له لبسه وهكذا لو كان مفصلاً على أجزاء البدن كاليدين فإن المخيط لا يشترط فيه الخيط فليس مراد العلماء بالمخيط أن يكون مخيطاً ؛ إنما مرادهم أن يكون محيطاً بالعضو كالعمامة فإن العمامة تحيط العضو ، وكذلك لو أخذ القماش ولفه على العضو كالإحاطة المفصلة فإنه يعتبر في هذه الحال في حكم المحظور ، وبناءً على ذلك يتقي هذه الملبوسات كلها ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الحادي والعشرون :
وهنا تقدم في السؤال الذي قبله وضع المشابك والحزامات ونحوها في الإزار والرداء ؟
الجواب :
وضع المشابك الآن توجد بعض الإحرامات فيها بعض التفاصيل التي تأخذ حكم المخيط فيزررونها بأزارير من حديد هذه من لبسها عليه الفدية من لبس هذا النوع من الإحرامات عليه الفدية ويفصلون الإحرام كالفوطة فيجعلون له أزارير من حديد هذه ينبه الناس عليها وإذا رأيت محرماً تنبهه وتقول : هذه لا يجوز لبسها لأنها في حكم المخيط ، ولذلك لو أنه فصل الفوط فإنه تجب عليه الفدية ولا يجزي أن يكون الملبوس مفصلاً على العضو ولابد أن يكون مباشرا للبدن بإزار ورداء على الصفة المعتبرة وهكذا المشابك الشبك وقد شدد السلف-رحمة الله عليهم- في ذلك .
وأما الحزام فعلى صورتين :
الصورة الأولى : أن يكون لحمل النقود وهو الكمر ونحو ذلك فهذا رخص فيه بعض السلف قالوا لأن الكمر يقصد للمال ولا يقصد للإحاطة بالعضو فرخصوا فيه والشبهة موجودة .
وقال بعضهم : إنه إذا لبس السير وهو الحزام الذي لا كمر فيه فإنه يقصد الإحاطة بالعضو أي شد الإزار ، وبناءً ذلك تلزمه عليه الفدية وقد نص طائفة من السلف من أئمة التابعين-رحمة الله عليهم- على التشديد في ذلك ويحكى عن بعض أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- في السيور وهي الحزامات الموجودة التي يقصد منها شد الإزار فهذه تتقى به ، بخلاف ما يقصد به حمل النقود ونحو ذلك لوجود الحاجة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني والعشرون :
هل يجوز استخدام الصابون المطيب للمحرم وكذلك الشامبو إذا كانت فيه رائحة عطرية ؟
الجواب :
الثابت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر : (( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس )) وفي الصحيح من حديث صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه-- في الرجل الذي لقي النبي- صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة وهو قد لبس عليه جبة عليها أثر الصفرة قال : ما ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه ما ترى ؟ قال : (( انزع عنك جبتك واغسل عنك أثر الطيب واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )) فلما قال له : (( اغسل عنك أثر الطيب )) دل على أن المحرم لا يتطيب ولا يستصحب الطيب ، وفي الصحيح من حديث ابن عباس في الرجل الذي وقصته دابته أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه .. إلى أن قال : ولا تمسوه بطيب )) فدل على أنه لا يجوز أن يباشر المحرم الطيب لا في ثوب ولا بدن ، وبناءً على ذلك فإن الصابون المطيب يتقى في حال الإحرام بالحج والعمرة ، وهكذا الشامبو ، ونحو ذلك من الأدهان المطيبة فإنه لا يجوز له أن يستعملها لنهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الطيب للمحرم ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث والعشرون :
هل يجوز استلام الحجر من المحرم إذا رأى عليه أثر الطيب ؟
الجواب :
إذا كان على الحجر أو على الركن طيب فلا يمسه المحرم وذلك لأن تقبيل الحجر واستلامه سنة والمنع من الطيب يعتبر في مقام المنهيات ومقام المنهيات مقدم على الواجبات فضلاً عن السنن و المندوبات ، وبناءً على ذلك لا يتأتى أن يصيب السنة ويخل بما يجب عليه تركه وعليه فإنه يتقي استلام الحجر ويكتب الله له أجر الاستلام بوجود العذر الشرعي والقاعدة : " أن العذر الشرعي كالعذر الحسي " ، وبناءً على ذلك ينال أجره لوجود العذر ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع والعشرون :
هل يجوز للمحرم إذا أراد النوم أن يغطي رأسه وقدميه ؟ وما الحكم إذا رأيت المحرم قد غطى رأسه وهو نائم ؟
الجواب :
أما بالنسبة للمحرم فإنه لا يغطي رأسه والنص في ذلك صريح في حديث العمائم حديث ابن عمر في الصحيحين ، وكذلك لا يغطي قدميه للنهي عن الخفاف وبعض العلماء يقول : القدمان متسامح فيهما أكثر من الرأس والوجه فيقولون إن القدمين إنما يمتنع عليه لبس الخفاف ، أما كون يسترها فلا حرج عليه ولكن لا يخلو هذا القول الثاني من النظر .
بناءً على ذلك فإنه لا يشرع له أن يغطي لكن المشكلة لو مررت على محرم نائم وقد غطى رأسه وغطى قدميه فهل يشرع لك أن توقظه أو تزيل ما عليه من غطاء الرأس هذه المسألة ذكرها الأصوليون وهي هل المكلف مكلف بغير المكلف ؟ هو نائم ومعذور أثناء نومه ، ومن أمثلتها لو أذن المؤذن فإنه إذا لم يسمع النداء والأذان غير مكلف ولا يأثم لكن هل أنت آثم بعدم إيقاظك له فبعض العلماء يقولون : المكلف مكلف بغير المكلف ويلزم بإثم غير المكلف أن قصر في أمره بما كلف به .
وأكدوا ذلك بحديث الأمر للولدان والصبيان لسبع فإنهم غير مكلفين فكلف المكلف بغير المكلف فدل على أنه يعتبر مكلفاً من هذا الوجه ، وبناءً على ذلك قالوا : إذا رأيته نائماً فإنك تزيل الغطاء عن رأسه وعن وجهه على القول بأنه لا يشرع له تخمير الوجه وهكذا بالنسبة للقدمين وهذا أولى وأحرى ، وإن كان نائماً وخشيت إزعاجه فإنك تزيلها برفق ؛ لأن المقصود يتحقق بذلك ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس والعشرون :
هل يجوز أكل الطعام المطيب بالورد والزعفران ؟
الجواب :
أكل الطيب منع منه جمهور العلماء-رحمة الله عليهم- في الإحرام لوجود الترفه وقصد الشرع من المحرم أن لا يترفه فإن مقصود الإحرام أن يذكره بالآخرة بعيداً عن ترفهه وفضوله الذي كان فيه من محاسن الدنيا ومتاعها ، وقد نص الجماهير على أنه لا يأكل الطيب إذا كان من المطعومات التي يقصد بها تطييب الأطعمة أما لو كان غير مقصود بأن وجد في أصل المادة مثلاً كالهيل في القهوة ونحو ذلك فهذا طيبه تبعي لا مقصود ؛ لكن الزعفران مقصود فإنه يوضع في الطعام من أجل تطييب رائحته ، وكذلك الورد يوضع في الماء من أجل تطييب رائحته ؛ ولكن القهوة من حيث هي لو صنعت في الهيل فالهيل فيه الرائحة الزكية والطيبة لكنه لا يعتبر من الطيب المحظور ففرقوا بين المقصود وبين التبع فقالوا في هذه الحالة ما كان مقصوداً كالزعفران والورد فإنه على حالتين :
الحالة الأولى : إن وضعته في مطعوم أو مشروب إن وضعته في المطعوم والمشروب وغلى بمعنى كان تحت نار وأصابته النار قالوا يجوز لك أن تأكله ولو كنت محرماً بالحج والعمرة وهذا مذهب الجمهور لكن في فرق بين المالكية ، والشافعية حيث قالوا : مجرد الإصابة بالنار تجيز لك الأكل حتى لو بقيت رائحة الطيب ، والشافعية ، والحنابلة يشترطون استنفاذ الرائحة وذهابها بعد بالطبخ فيفرقون بين مذهبهم لكن بالنسبة للجميع يقولون في الإدخال ذات الإدخال يعتبرونه إذا أدخلت إلى النار مؤثرة فإن استنفذت أجازت عند الجميع وإن لم تستنفذ يقع الخلاف بين المذهبين اللذين ذكرناهما ، وعلى هذا فإنه يتقي المطعومات التي تطيب ويقصد الطيب فيها ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السادس والعشرون :
إذا وضع المحرم الطيب ناسياً ثم تذكر أو غطى رأسه ناسياً ثم تذكر فما الحكم ؟
الجواب :
هذه المحظورات التي يمكن تداركها الطيب والتغطية بخلاف المحظورات التي لا يمكن تداركها فالعلماء يقسمون المحظورات إلى قسمين في الحج والعمرة :
القسم الأول : ما يمكن التدارك فيه عند الإخلال بالنسيان ونحو ذلك .
القسم الثاني : وما لا يمكن التدارك فيه .
الذي يمكن التدارك فيه كالطيب تغسله وكتغطية الرأس تزيل الغطاء فيرجع الأمر إلى حالته وتتدارك ؛ لكن الذي لا يمكن تداركه كتقليم الأظفار وحلق الشعر فإن هذا محظور ولو أن إنساناً حلق شعره لا يمكنه أن يرد هذا المحظور ولا يمكنه أن يتدارك ، وكالجماع فإنه إذا جامع لا يمكن أن يتدارك اللذة ويعيدها ، وهكذا بالنسبة لتقليم الأظفار إذا زال ظفره ففرقوا بين ما يكن التدارك فيه وما لا يمكن فما يمكن التدارك فيه كتغطية رأس وطيب كما ورد في السؤال فإنه لا حرج عليه في ساعته يغسل وفي ساعته يزيل ولا إثم عليه ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السابع والعشرون :
قال الله-- : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } .
والسؤال ما معنى قوله-سبحانه- : { فَلاَ رَفَثَ } وقوله : { وَلاَ فُسُوقَ } وقوله : { وَلاَ جِدَالَ } وهل يدخل في ذلك البيع والشراء والمراجعة فيهما ؟
الجواب :
أما الرفث فهو الكلام الذي يكون عند النساء للإثارة والغزل ، وكذلك الأفعال التي يقصد منها الإثارة بعين ونحو ذلك هذا الذي ذكره أئمة السلف ، وفرق بعضهم كما هو مذهب ابن عباس-رضي الله عنهما- فأجاز أن يتكلم بأبيات الشعر الغزلية ونحوها إذا لم يكن عنده نساء وجعل الرفث خاصاً بما كان يقصد منه إثارة النساء فكان يأتي بأشنع الأبيات في غزل العرب وهو محرم بالحج والعمرة وينكر عليه-رضي الله عنه وأرضاه- فيقول إنما الرفث عند النساء أي إذا كان هذا عند النساء ، وإن كان الأولى والأفضل أن يتقى لأن النهي ورد بصيغة تدل على الإطلاق هذا بالنسبة للرفث أنه ما يكون للإثارة من مقدمات الجماع سواء كان من الأقوال ، ومما يحث على الجماع حتى قال بعض العلماء : من الرفث لو قال لامرأته إذا تحللتِ أصبتك قالوا : إن هذا يعتبر من الرفث والمشكلة أنه إذا رفث حرم قول النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )) قد تحجبه كلمة واحدة يقولها من الغزل لنسائه فيحرمه الله-عز وجل- من هذا الفضل العظيم-نسأل الله السلامة والعافية- الرفث .
{ وَلاَ فُسُوقَ } : الفسوق : أصل من قول العرب فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ، وهذا الحرف لا تعرفه العرب في إطلاقه على المعاصي ما كان يسمون المعاصي فسقاً كما قرره غير واحد ، وأشار إليه الإمام ابن جرير الطبري-رحمه الله- في تفسيره ؛ ولكنه أدخل اصطلاحاً شرعياً ، فالفسوق يصطلح في الشرع بثلاث معانٍ : إما أن يقصد به مطلق العصيان لله-عز وجل- فيشمل جميع المعاصي صغيرها وكبيرها ، وإما أن يقصد به كبائر الذنوب ، وإما أن يُقصد به كبائر الذنوب المخرجة من الملة .
أما إطلاق الفسوق على المعاصي صغيرها وكبيرها فهو قول طائفة السلف في هذه الآية يحكى عن بعض تلامذة ابن عباس-رضي الله عنهما- ، كعطاء وغيره أن الفسوق المعاصي كلها ، ويحكى حتى عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن الفسوق : هي المعاصي كلها فيشمل الصغائر والكبائر فمن أساء إلى أخيه ولو بصغيرة فإنه يعتبر خارجاً من هذا الفضل في قوله : (( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق )) .
وأما الحال الثانية : أن يطلق الفسوق بمعنى كبائر الذنوب وهذا في آية الحجرات : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } فأشار أن للذنوب ثلاث مراتب العصيان للصغائر والفسوق للكبائر والكفر للمخرج من الملة .
وقد يطلق الفسق بمعنى الكفر كقوله-عز وجل- : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فقالوا : إن الفسق هنا بمعنى الكفر-والعياذ بالله- إذا استحل ذلك واعتقد حله فيطلق الفسق بهذه الثلاثة المعاني : إما أن يراد به عموم الذنوب ؛ لأن قول العرب فسقت الرطبة بمعنى خرجت من قشرها قالوا : فالعاصي لله خارج عن أمره ونهيه قالوا فيوصف بكونه فاسقاً من هذا الوجه ، وإما أن يراد به كبائر الذنوب ، وإما أن يراد به المخرج من الملة ، والمراد هنا عموم الذنوب صغيرها وكبيرها أي يجب وينبغي على الحاج أن لا يصيب صغائر الذنوب وكبائرها ويتقي ذلك .
وأما قوله : { وَلاَ جِدَالَ } الجدال : إما أن يكون على وجه مشروع ، وإما أن يكون على قصد ووجه ممنوع فالوجه المشروع الذي يكون بالتي هي أحسن ؛ لأن الله وصف المجادلة بالتي هي أحسن فأمرنا بمجادلة أهل الكتاب : { وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فوصف الجدال بالتي هي أحسن فما كان من الجدال بالتي هي أحسن كطالب علم تناقشه في مسألة تريد الوصول فيها إلى الحق بنفس زكية طيبة مطمئنة وأسلوب هادف وهو كذلك يبادلك الشعور فهذا لا حرج فيه .
وإما أن يكون بأسلوب ممنوع وهذا الذي فسر به طائفة من السلف وهو أن يجادل الغير من أجل أن يحنقه وأن يغيظه وأن يجعله يخرج عن طوره ، ولربما إلى درجة الغضب والضيق قالوا هذا هو الممنوع : { وَلاَ جِدَالَ } أي : ما أوصل إلى هذا الحد الممنوع ، وأما إذا كان بالمشروع فلا حرج وكان بعض السلف يكره الجدال حتى في البيع والشراء قالوا إذا أراد الإنسان أن يشتري لا يجادل يحرص قدر المستطاع على أن لا يجادل إلا في أحوال مستثناة كأن يظلم في حقه فهذا مستثنى أن يقول بالمعروف ، والله - تعالى - أعلم .
مسائل الطواف والسعي بين الصفا والمروة
السؤال الثامن والعشرون :
هل طواف القدوم واجب على المفرد للحج وما الدليل ؟
الجواب :
طواف القدوم ليس بواجب على المفرد بالحج ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( من وقف موقفنا هذا وصلى صلاتنا هذه وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه )) قالوا : فهذا يدل على أن المفرد لا يجب عليه طواف القدوم ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع والعشرون :
هل يجب على من ابتدأ الطواف أن يستلم الحجر أو لا ؟
الجواب :
لا يجب عليه أن يستلم الحجر وإنما يشير إليه إن عجز وإنما هو سنة وليس بواجب ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثلاثون :
ما هو هديه-عليه الصلاة والسلام- في الرمل وفي أي طواف يكون ؟ وهل يشرع للنساء الرمل في الطواف والسعي ولماذا ؟
الجواب :
أما بالنسبة لهدي النبي- صلى الله عليه وسلم - في الرمل فإنه كان أصله في عمرة القضية أنهم قالوا قدم عليكم أهل يثرب قد وهنتهم الحمى فنـزل جبريل بالوحي على النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه: (( رحم الله امراءً أراه من نفسه جلداً )) فلما ابتدأ الطواف اضطبع-صلوات الله وسلامه عليه- ثم هرول الأشواط الثلاثة فقالت قريش : إنهم ينقزون نقز الظبى وهذا إشارة إلى أنهم على جلد وقوة حيث لم يرضوا بأن يسيروا حتى هرولوا ، ثم كان-عليه الصلاة والسلام- يمشي بين الركنين ثم لما كانت عمرة الجعرانة رمل-عليه الصلاة والسلام- ولم يمشِ بين الركنين وإنما رملها الثلاث كاملة ، وبناءً على ذلك قالوا من السنة أن يكون الرمل كاملاً وكان في أول التشريع يمشي بين الركنين ؛ لأنهم كانوا على ناحية أبي قبيس لايرونه-صلوات الله وسلامه عليه- فيتوارى بالبيت فإذا خرج عليهم خرج مهرولاً ، والرمل يقولون تقارب الخطى مع هز المناكب قال عمر بن الخطاب فيما الرملان وهز المناكب وقد أطلع الله للإسلام ولكن لا ندع شيئاً فعله رسول- صلى الله عليه وسلم - فهذه هي المشية المعتبرة ولا تكن بالجري ؛ وإنما هو ضرب دون اشتداد السعي وفوق المشي المعتاد وهو ما يسمونه بالهرولة الثلاث الأشواط الأول ، وأما بقيتها فقد مشى-صلوات الله وسلامه عليه- وذلك في طواف القدوم يكون في طواف العمرة ويكون كذلك في طواف القدوم بالنسبة للمفرد ، وكذلك في طواف المتمتع وفي طواف القارن إذا طاف قبل يوم عرفة .
أما بالنسبة للنساء فلارمل عليهن قال عبد الله بن عمر : ليس على النساء رمل ؛ والسبب في ذلك أن المراة إذا رملت تكشفت ولذلك يمنع النساء من الرمل لا يرملن لا في الطواف بالبيت ولا في السعي بين الصفا والمروة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الواحد والثلاثون :
هل يصح الطواف بغير وضوء وهل يجزيء طواف الحائض والنفساء ؟
الجواب :
الصحيح أنه لايصح الطواف بدون وضوء لحديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( الطواف بالبيت صلاة )) ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( لايقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )) ، ومن الأدلة التي تقوي أن الطواف تشترط له الطهارة حديث أم المؤمنين عائشة في الصحيح لما نفست قال-عليه الصلاة والسلام- : (( اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )) فهذا يدل على أنه تشترط له الطهارة
، ويقوي ذلك أن الطواف تشرع له الركعتان ، ولذلك لا يستقيم أن يطوف بالبيت ثم يذهب ويتوضأ من أجل أن يصلي ركعتي الطواف بل قال بعض العلماء : لو فصل بين طوافه وبين الركعتين يقولون : إنه إذا كان فاصل مؤثر يستأنف وإن كان الصحيح أنه لا يستأنف ؛ لكن لا يستقيم أن الإنسان يطوف ثم بعد ذلك يؤخر ركعتي الطواف على هذا الوجه على خلاف الوجه المعتبر بالسنة ، وبناءً على ذلك يقوى القول باشتراط الطهارة للطواف ولا يصح الطواف إلا بطهارة .
وخالف الحنفية وقالوا قصد الشرع أن تطوف بالبيت بغض النظر عن كونك متوضئاً أو غير متوضيء لأنهم نظروا من جهة الرأي إلى المعنى ، وهذا لا شك أنه اجتهاد أقوى منه حديث ابن عباس فإن حديث ابن عباس أقل ما قيل إنه موقوف على ابن عباس والموقوف على ابن عباس لا يخفى قوته خاصة وأنه قال : (( الطواف بالبيت صلاة )) هذا يدل على أنه يشترط له ما يشترط للصلاة من طهارة ولا معنى ذلك إلا بالطهارة وجاءت السنة في حديث عائشة تقوي ذلك وليس معنى ذلك أنه يشابه الصلاة من كل وجه لأن القياس لا يستلزم أن يكون من كل وجه وللمسألة بسط ذكرناه في مسائل الحج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني والثلاثون :
إذا أقيمت الصلاة وأنا في الطواف فهل يشرع لي قطعه أو أتمه ثم أصلي وإذا كان يشرع لي أن أقطعه ثم انتهت الصلاة فهل يتم من المكان الذي قطعت فيه الطواف أوأبتدئ الشوط المقطوع من أوله ؟
الجواب :
إذا أقيمت الصلاة تقطع الطواف وتدخل مع الجماعة ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )) وقد سمى الطواف بالبيت صلاة فتدخل مع جماعة المسلمين وتصلي ، ثم بعد ذلك هل تبدأ من المكان الذي وقفت فيه أو تبدأ بالشوط الذي وقفت في أثنائه ؟ الأقوى والأولى أن تبدأ من بداية الشوط الذي وقفت في أثنائه وإن بدأت من المكان الذي قطعت فيه فلك وجه وله حظ من النظر ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث والثلاثون :
إذا لم أتمكن من ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم فهل أنتظر حتى يخف الزحام أو أصليها في أي موضع من المسجد وهل يجوز أن تصلى ركعتي الطواف خارج المسجد كركعتي طواف الوداع ؟
الجواب :
ركعتي الطواف السنة فعلها خلف مقام إبراهيم ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وظاهر التنـزيل يدل عليه : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } ثم إن مقام إبراهيم أن تجعله بينك وبين البيت فإن كان الزحام بقربه تباعدت وصليت في الأروقه والمقام بينك وبين البيت فإن لم يتيسر لك صليت في أي ناحية من البيت ولو شئت أن تصلي خارج المسجد فذلك خلاف السنة ولكنه يجزئ فإن عمر بن الخطاب- صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك فقد طاف بعد صلاة الصبح كما روى مالك في موطئه وأخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع الشمس فصلاها بذي طوى ، وذي طِوى وطَوى وطُوى وهو وادي المثلث معروف الآن يسمى بـ( الزاهر ) وهذا ليس في المسجد ولكنه داخل حدود الحرم ، وقال بعض العلماء : إنه يصليها في أي موضع من مكة ولا حرج عليه في ذلك ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع والثلاثون :
ما حكم السعي بين الصفا والمروة وهل هو سنة أو لازم في الحج والعمرة ؟
الجواب :
السعي بين الصفا والمروة من أركان العمرة والحج فلا يصح ولا يتم الحج إلا بالسعي بين الصفا والمروة وهكذا بالنسبة للعمرة كما هو ظاهر خبر أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- وهذا هو قول جماهير العلماء-رحمة الله عليهم- ومنهم الأئمة الأربعه على تفصيل في اللزوم بعضهم يراه ركناً ، وبعضهم يراه واجباً على تفصيل بينهم في ذلك ؛ لكن الجماهير على أنه لازم واجب وهو مذهب أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- وجملة من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - ، وفقهاء التابعين ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس والثلاثون :
هل البداءة بالصفا لازمة أو يجوز لي أن أبدأ بالمروة قبل الصفا ؟
الجواب :
البداءة بالصفا لازمة ومن ابتدأ بالمروة يلغي الشوط الذي بدأه من المروة ، ولذلك قال- صلى الله عليه وسلم - : (( أبدأ بما بدأ الله به )) وقد وقع فعله-عليه الصلاة والسلام- بياناً لواجب والقاعدة في الأصول : " أن بيان المجمل الواجب واجب " ، وبناءً على ذلك يعتبر هذا من الواجبات ولا يصح شوطه الذي يكون من المروة إلى الصفا قال- صلى الله عليه وسلم - : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) فكان أمره-عليه الصلاة والسلام- بالبداءة بالصفا في عمره وحجه-صلوات الله وسلامه عليه- ، والله - تعالى - أعلم .
مسائل متفرقة في الحج
السؤال السادس والثلاثون :
ما هو هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في الوقوف بعرفة ؟
الجواب :
كان من هديه-عليه الصلاة والسلام- أنه خرج بعد صلاة الفجر من منى والصحابة معه ما بين مهلل ومكبرٍ وملبٍ لم يعب أحدهم على الآخر ، حتى نزل-صلوات الله وسلامه عليه- بنمرة - ونمرة المنبسط الذي يكون ما بين حدود الحرم وما بين الوادي وادي عرنة ، وهو منبسط يقرب من نصف كيلو متر - هذا يسمى بنمرة نزل فيه-صلوات الله وسلامه عليه- وذلك قبل الزوال ثم إنه لما زالت الشمس مضى على ناقته القصواء-صلوات الله وسلامه عليه- وخطب الناس من بطن الوادي فأحل الحلال وحرم الحرام وبين ما على الناس من حقوق وواجبات ، ثم بعد ذلك أقام لصلاته فصلى الظهر ثم أقام للعصر فصلاهما جمعاً وقصراً ثم بعد ذلك مضى إلى موقفه ومازال يتضرع ويسأل الله العظيم من فضله حتى غابت عليه الشمس-صلوات الله وسلامه عليه- استقبل القبلة وجعل بطن ناقته إلى الصخرات ومازال يتضرع ويسأل الله من فضله حتى غابت الشمس ولم يدفع بعد مغيب الشمس مباشرة ؛ وإنما انتظر حتى ذهبت الصفرة كما في حديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - انتظر حتى غابت الصفرة وهو الصفار الذي يكون بعد الشمس وهذا يقارب ما بين الخمس إلى عشر دقائق تقريباً بعد الغروب مباشرة ثم دفع-صلوات الله وسلامه عليه- فكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص وكان يقول : (( أيها الناس عليكم السكينة السكينة )) -صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين- .
السؤال السابع والثلاثون :
ما حكم من وقف بعد الزوال ودفع قبل غروب شمس يوم عرفة ؟
الجواب :
من وقف بعد الزوال ودفع قبل غروب الشمس فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : إما أن يرجع قبل طلوع الفجر من صبيحة العيد فإن رجع إلى عرفة ومر بها ولو للحظة واحدة سقط عنه الدم وأجزأه ذلك المرور ؛ لأن الوقوف بالليل يسقط وقوف النهار والعبرة بالليل بدليل إمساكه-صلوات الله وسلامه عليه- لجزء الليل بعد المغيب والأصل في ذلك حديث عروة بن مضرس-رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار )) فهذا يدل على أن العبرة بالليل في أي أجزائه .
وأما النهار فقد بينت السنة الفعلية على أن هذا الإطلاق مقيد بفعله-عليه الصلاة والسلام- وذلك بمغيب الشمس ؛ لأنه قال : (( خذوا عني مناسككم )) فأصبح بيانه الفعلي واجباً ، ومن هنا قالوا من دفع قبل المغيب صح حجه ولزمه دم إن لم يرجع فإن رجع سقط عنه الدم ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثامن والثلاثون :
ما حكم المبيت بمزدلفة ؟
الجواب :
المبيت بمزدلفة واجب وذهب طائف من السلف إلى أنه من ركن أركان الحج فعظموه لقوله-عليه الصلاة والسلام- : (( من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا )) وإن كان الصحيح أنه من الواجبات ، ولذلك أذن-صلوات الله وسلامه عليه- للضعفة وعبر النص بالرخصة والرخصة لا تكون إلا فيما هو واجب لازم والمبيت بمزدلفة من واجبات الحج ويبيت بها الإنسان إن كان قادراً فإن كان من الضعفه والحطمة والعجزة والصغار يجوز أن يدفعوا إما بعد منتصف الليل ، وعلى حديث أسماء بعد مغيب القمر ليلة العيد كما في صحيح البخاري ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع والثلاثون :
ما هو هديه-عليه الصلاة والسلام- في المبيت بمزدلفة ؟
الجواب :
ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه دخل الشعب أفاض من عرفات بعد مغيب الشمس كما ذكرنا ثم دخل الشعب فبال ثم توضأ فأحسن الوضوء وقال له أسامة-- : الصلاة - يا رسول الله - قال : (( الصلاة أمامك )) فمضى-عليه الصلاة والسلام- من طريق المأزمين وهو الطريق الذي بين الجبلين وكان قد دخل عرفات من طريق ظب وهو الذي يجعل مجرى العين عن يساره ويجعل المأزمين -أيضاً - عن اليسار وهو الطريق الذي يكون من أسفل جمرة العقبة فخرج-صلوات الله وسلامه عليه- من منى وسلك طريق ظب ثم لما دفع وأفاض أفاض من طريق المأزمين الذي بين الجبلين وهو الطريق الذي يسلكه المشاة الآن هذا هو طريق المأزمين فمضى-عليه الصلاة والسلام- على ناقته القصواء حتى بلغ المزدلفة فأمر بلالاً فأذن ثم أقام ثم صلى المغرب وصلى العشاء وفي الصحيحين من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- أنه لم يسبح بينهما ولا على إثرهما .
قال بعض العلماء : إنه لا يشرع حتى الوتر والصحيح أن قول ابن عمر-رضي الله عنهما- ولم يسبح بينهما ولا على إثرهما المراد بذلك سبحة الراتبة وليس المراد بذلك نفي الوتر وهذا مذهب جمهور العلماء على أن الوتر يبقى على الاستحباب لعموم قوله-عليه الصلاة والسلام- : (( أوتروا يا أهل القرآن )) ، (( وأوتروا قبل أن تصبحوا )) وقال : (( إذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بواحدة )) هذه العمومات لم يستثن منها ليلة النحر ، ولذلك قالوا : إن سكوت النص عن وجود الوتر لا يدل على عدم وجوده بدليل أنه لم يثبت عنه أنه صلى ركعتي الرغيبة في صبيحة العيد ومع ذلك الإجماع قائم على مشروعيتها ومع ذلك لم ينقل فيها نص فدل على البقاء على الأصول وهي التي دلت على مشروعية الوتر وركعتي الفجر ، فمن ترك الوتر يتأول السنة فلا حرج وهو على خير ومن صلى فهو أحوط وأبلغ وأقرب وهو أولى بالقربى ويكون نفي ابن عمر-رضي الله عنهما- على السبحة الراتبة ، ثم إنه اضطجع-صلوات الله وسلامه عليه- حتى بزغ الفجر فصلى الفجر بغلس فبكر بها ثم وقف بالمشعر وتضرع وابتهل وناجى ربه وسأله من فضله العظيم وهو من أجل المواقف قال بعض السلف : شهدت هذا الموقف أكثر من ثلاثين عاماً اسأل الله أن لا يجعله آخر العهد وكتب لي ذلك وإني لأستحي أن أسأله وكان عمره فوق التسعين فرجع ومات من سنته يقول : إنه ما سأل عبد ربه حاجة في عرفات أو في وقوف المشعر فمضى عليه حول إلا استجاب الله دعوته وهذا من المواقف العظيمة والناس فيه على قسمين :
منهم من يقول : ربنا آتنا في الدنيا حسنة ويسكت عن الآخرة ويغفل عنها ، ومثال ذلك أن يقول : اللهم أصلح لي تجارتي اللهم أعطني مالاً اللهم أعطني زوجة اللهم افعل كذا وكذا ، وكلها في أمور الدنيا فيجعل الدنيا هي أكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله وما له في الآخرة من خلاق-نسأل الله العافية- .
ومن الناس من يجمع بين خيري الدنيا والآخرة وهذا هو الأفضل والأكمل هدي الكتاب الذي دل عليه قوله-تعالى- : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } فهذا من معرض الثناء فالأفضل أن تجمع بين دعوة الدنيا والآخرة ثم إنه-عليه الصلاة والسلام- لما أسفر وكادت الشمس أن تشرق مضى-عليه الصلاة والسلام- ، وخالف المشركين وكان المشركون يقولون : أشرق ثبير كيما نغير فما كانوا يدفعون من مزدلفة إلا بعد الشروق فدفع بأبي وأمي-صلوات الله وسلامه عليه- قبل طلوع الشمس من صبيحة يوم العيد ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الأربعون :
ما حكم رمي جمرة العقبة يوم النحر ؟
الجواب :
رمي جمرة العقبة واجب والجمار كلها من واجبات الحج ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - رماها وقال : (( خذوا عني مناسككم )) وعلى هذا فإنه يعتبر من الواجبات التي إذا فوتها الإنسان لزمه الدم ، وقد رمى-عليه الصلاة والسلام- جمرة العقبة يوم النحر فلذلك نص العلماء على وجوبها ولزومها في الحج ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الحادي والأربعون :
ما هو هديه-عليه الصلاة والسلام- يوم النحر في حجة الوداع ؟
الجواب :
مضى-عليه الصلاة والسلام- حتى دخل منى ودخلها من جهة وادي محسر فلما بلغ الوادي أسرع بناقته ؛ لأنه موطن عذاب ، ثم إنه-عليه الصلاة والسلام- لما دخل منى كان أول ما بدأ أن حيا منى برمي جمرة العقبة ، ولذلك يقول العلماء : تحية منى يوم العيد رمي جمرة العقبة أي يبدأ قبل أن يذهب إلى مخيمه وقبل أن يذهب إلى منـزله يبدأ بجمرة العقبة تأسياً بالنبي- صلى الله عليه وسلم - مع أنه قد تكون هناك مشقة لبعض الناس ؛ ولكن التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم - والحرص على السنة له لذة يعرفها من يعرفها وله حلاوة يجدها من وجدها ، ولذلك يحرص الإنسان على لذة الحج في التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم - وما أروعها وألذها من ساعة وأنت تحس أنك تيسير في المسير الذي ساره-عليه الصلاة والسلام- وما أطيب الحج وأزكاه حينما تمضي كما مضى-عليه الصلاة والسلام- ! تقتفي أثره في أقواله وأفعاله حتى تكون من المرحومين-جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل بمنه وفضله وهو أرحم الراحمين- ، فيحرص الإنسان على البداءة برمي جمرة العقبة فضلاً لا فرضاً فإذا رماها فالسنة أن يرميها من بطن الوادي ويرميها بسبع حصيات ولا يقف للدعاء بعدها لا في يوم العيد ولا في الأيام التي تليها وهي أيام التشريق فإنه لا يشرع الوقوف بعد رمي جمرة العقبة رمى-عليه الصلاة والسلام- جمرة العقبة وهو على ناقته ، ثم بعد ذلك كان يكبر الله مع كل حصاة وقطع التلبية عند آخر حصاة ثم انصرف ثم نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة-صلوات الله وسلامه عليه- وترك الباقي لعلي ينحره ثم أمر أن يطبخ من كل ناقة منها قطعة حتى يصيب من مرقها ويحسي-صلوات الله وسلامه عليه- ، ثم حلق رأسه فأعطى الحلاق شقه الأيمن وهذا يدل على أنه السنة في حلاقة الرأس العبرة بالمحلوق لا بالحالق وذلك أن الذي يحلق الرأس له حالتان :
الحالة الأولى : إما أن يحلقك من قبل وجهك فيأتيك من قبل وجهك فهذا فيه خلاف .
قال بعض العلماء : العبرة بيمين الحالق لا بيمين المحلوق فيمين الحالق في هذه الحالة يسارك ويساره يمينك .
فقال بعض العلماء : العبرة بالحلاق وقال بعضهم العبرة بالمحلوق .
الحالة الثانية : أما لو جاء من وراء ظهرك فلا إشكال فإن يمينه يمينك ويساره يسارك والصحيح أن العبرة بك سواء جاءك من الأمام أو من الخلف فتقول له ابدأ بشقي الأيمن خاصة إذا كان يجهل السنة فناول الحلاق شقه الأيمن فحلق رأسه ، ثم حلق شقه الأيسر ، وأعطى أبا طلحة-رضي الله عنه- شعره كما في الصحيح وقسمه بين أصحابه ؛ لأن هذا من خصوصياته-عليه الصلاة والسلام- لتمام المعجزة ؛ لأن ذلك يقوي المعجزة والنبوة فاختص-صلوات الله وسلامه عليه- بالتبرك بشعره وبصاقه كما في الصحيح من حديث البخاري كل ذلك من باب خصوصياته-عليه الصلاة والسلام- لا يشاركه فيها أحد-صلوات الله وسلامه عليه- ، ثم بعد أن رمى ونحر حلق رأسه ثم نزل وطاف طواف الإفاضة في يوم العيد ثم شرب من سقاية العباس ثم صعد إلى منى وصلى بها الظهر وهذا من بركة الوقت فإنك لو تأملت ذلك لما تيسر للإنسان أن يفعل بعض هذه الأفعال إلا بعناء قبل الظهر فضلاً أن يفعلها ثم يرجع ويصلي الظهر بمنى على الصحيح ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني والأربعون :
ما حكم المبيت بمنى ليالي التشريق وما هو الحد المعتبر للمبيت ؟
الجواب :
المبيت بمنى ليالي التشريق يعتبر من واجبات الحج .
والدليل على ذلك : أن النبي- صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس من أجل سقايته قال العلماء : رخص للعباس يدل على أن الأصل واجب فلما قال رخص دل على أن الأصل واجب ولازم فالمبيت واجب والعبرة بأكثر الليل .
وللعلماء تفصيل :
قال بعضهم : أكثر الليل عندي الثلث ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( الثلث والثلث كثير )) فإذا مضى عليه ثلث الليل فأكثر وهو بمنى صح مبيته .
وقال بعضهم : العبرة بآخر الليل ولو أصاب جزءاً نام فيه فإنه قد بات فيه وإن كان الأقوى والأشبه أن العبرة بأكثر الليل فتقسم الليل ساعات الليل إلى نصفين ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر تقسمه إلى قسمين ، ثم بعد ذلك تنظر إلى أكثرهما فلو كان أربع ساعات فيصبح العبرة أربع ساعات ونيف إن مضى عليه أربع ساعات وزيادة وهو بمنى فإنه قد بات وإلا لزمه الدم ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث والأربعون :
ما هو هديه-عليه الصلاة والسلام- في رمي الجمرات أيام التشريق ؟
الجواب :
كان من هديه-عليه الصلاة والسلام- في أيام التشريق كما في حديث جابر وغيره أنه انتظر حتى زالت الشمس فابتدأ بالصغرى ورماها بسبع حصيات ، ثم أخذ ذات اليسار وقام قياماً طويلاً يدعو ربه رافعاً يديه-صلوات الله وسلامه عليه- هذه من المواضع التي يشرع فيها رفع اليدين في الدعاء فسأل وتضرع وسأل الله من فضله ، ثم مضى ورمى الجمرة الوسطى بسبع حصيات ثم أخذ ذات اليسار عنها ثم تضرع وسأل الله من فضله كمثل وقوفه أولاً ، ثم مضى إلى جمرة العقبة ورماها بسبع حصيات يكبر في كل حصاة ، ثم بعد ذلك انصرف-عليه الصلاة والسلام- ولم يدع بعد جمرة العقبة كما ذكرناه سابقاً ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع والأربعون :
من رمى الجمرات منكسة فهل يصح رميه ؟
الجواب :
من رمى الجمرات منكساً لها فابتدأ بالعقبة ، ثم انتهى بالصغرى ، أو ابتدأ بالوسطى ثم رجع إلى الصغرى المهم أنه لم يراع الترتيب فإنه لا يصح رميه حتى يوقعه مرتباً على الصفة المعتبرة شرعاً ، وبناءً على ذلك يعتبر رميه في هذه الحالة لو رمى منكساً فانتهى بالصغرى فقد رمى الصغرى فنقول له : ارجع وارمِ الوسطى ثم الكبرى لأنه لما وقف على الصغرى ورماها فقد صح رميه للصغرى وحدها ؛ لأن الصغرى لا يشترط لها سبق رمي ثم بعد ذلك يتبعها بالوسطى ثم بالعقبة حتى ينتهي من رمي جمراته ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( خذوا عني مناسككم )) فهي عبادة مؤقتة بالصفة التي وردت عنه-عليه الصلاة والسلام- ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس والأربعون :
من عجز عن رمي الجمرات لمرض أو كبر ونحو ذلك مما يعتبر عذراً في إسقاط الرمي عن الشخص فهل يشرع له التوكيل ؟
الجواب :
نعم يشرع له التوكيل إذا كان لا يستطيع الرمي وكان شخصاً مثلاً قد عمل عملية ولا يستطيع أن يبرح مكانه كما لو عملت له ليلة العيد أو نحو ذلك لا يستطيع أن يرمي فمثل هذا له أن يوكل وقد رمى الصحابة عن النساء والصبيان على كلام في هذا الحديث ؛ ولكن الأصول تدل على صحة متنه فإن التكليف شرطه الإمكان فلما عجز عن هذا جاز أن يقوم الوكيل ، ومن الأدلة التي تعتبر أقوى الأدلة على مشروعية التوكيل عند العجز وهو ظاهر من السنة أن العاجز لما أذن النبي- صلى الله عليه وسلم - بالحج عن من عجز عن الحج أو عن من مات فعجز عنه حقيقة قالوا : إن هذا في التوكيل بكل الحج فلأن يصح التوكيل بجزئه عند العجز من باب أولى وأحرى والشرع ينبه بالأعلى على الأدنى وبالأدنى على ما هو أعلى منه كما هو معلوم في الأصول ، والله تعالى أعلم .
السؤال السادس والأربعون :
هل يشترط في الوكيل أن يكون محرماً أو يصح رمي الحلال ؟
الجواب :
لا يصح إلا رمي المحرم لأن الرمي عبادة لا تصح إلا من محرم فلا يوكل الحلال في رميه ، والله تعالى أعلم .
السؤال السابع والأربعون :
هل يصح رمي الوكيل عن وكيله قبل رميه عن نفسه وما الدليل ؟
الجواب :
لا يصح رمي الوكيل قبل أن يرمي عن موكله يبتدئ فيرمي عن نفسه حتى يتم الجمرات كلها ثم يرجع ويرمي عن وكيله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) وهذا نص مطلق يشمل الكل والجزء وعلى هذا فلا بد وأن يتم الرمي حتى ينتهي من جمرة العقبة ثم يعود بعد ذلك لرمي وكيله ، والله تعالى أعلم .
السؤال الثامن والأربعون :
من شك في وقوع الحصاة في الحوض فما حكمه ؟
الجواب :
بنى على اليقين فإذا كان شك هل وقعت أو لم تقع فاليقين أنها لم تقع حتى يتأكد من وقوعها ، ولو شك هل رمى ثلاث حصيات أو حصاتين فإنه يبني على اثنتين وهكذا بالنسبة للأحوال الأخرى ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع والأربعون :
ما حكم التعجيل وما هو شرط جوازه وهل إذا هيأ رحله ومتاعه ولم يخرج من منى بسبب الزحام ونحوه هل هو متعجل ؟
الجواب :
التعجيل مشروع بنص القرآن كما في آية البقرة : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } قال بعض العلماء : { لِمَنْ اتَّقَى } لمن : قصد وجه الله-عز وجل- لا السآمة ولا الملل من العبادة بمعنى أنه اتقى الله-عز وجل- ، وقيل : { لِمَنْ اتَّقَى } أن المراد به أطاع أمره واجتنب نهيه على أنه وصفٌ عام وليس قيداً في الحكم .
والتعجيل شرطه أن تغيب عليه شمس اليوم ما قبل الأخير وهو الثاني عشر وقد خرج من منى فلو هيأ رحله بل لو حتى خرج بسيارته ولم يخرج من حدود منى فإن نص القرآن واضح في الدلالة على أنه غير متعجل .
وأما اجتهاد بعض العلماء وقولهم : بأنه يعتبر متعجلاً مع أنه في منى لأنه شد رحله وركب سيارته فهذا اجتهاد مع النص وليس بدليل واضح وظاهر الآية الكريمة كما يقول الجمهور يشترط أن يكون خارج منى بمعنى أن يخرج برحله ومتاعه ؛ لأن الله قال : { تَعَجَّلَ } وهذه صفة والصفات معتبرة مفاهيمها فالذي لم يتعجل هذا يعتبر شرط ؟ { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } وعلى هذا هذه الصفة وهي التعجل يعتبر إذا تأخر لزحام أو غيره لم يتعجل لأنه تباطأ ولو احتاط لنفسه فخرج مبكراً لكان متعجلاً حقيقة ، ولذلك قالوا : إنه يلزمه الرجوع ويلزمه المبيت وهذا هو الحق الذي تطمئن إليه النفس لظاهر نص التنـزيل .
وأما الاجتهاد فإنه لا يقوى في معارضة المنصوص من نص التنـزيل فلابد وأن تغيب عليه شمس اليوم وهو خارج جرمه عن منى وإلا لزمه المبيت والله - تعالى - أعلم .
مسائل الهدي وأحكامه
السؤال الخمسون :
ما هو السن المعتبر لهدي التمتع والقران ؟
الجواب :
لا يجزئ إلا الثني من بهيمة الأنعام من الإبل ، والبقر ، والغنم ، ويجزئ في الضأن ما كان من الجذع وهو الذي تم له أكثر السنة قال بعض العلماء : أكثر من ستة أشهر .
وقال بعضهم : أكثر العام والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف المرعى وباختلاف أحوال البهائم ولا يجزئ ما كان دون ذلك ، ومن هنا قال العلماء : شروط الهدي كشروط الأضحية فلابد أن تكون في المعز قد تمت سنة ودخلت في الثانية فإذا كانت دون سنة لا يجزئ في المعز أن يهدي بها في تمتع ولا قران وهكذا في الدماء الواجبة .
وأما بالنسبة للبقر فما تمت له سنتان ودخل في الثالثة ، وأما الإبل فما تمت له أربع سنوات ودخل في الخامسة هذا هو المعتبر في بهيمة الأنعام ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الحادي والخمسون :
هل تعتبر البقرة والناقة في الهدي عن سبع كما في الأضحية أو تجزئ عن واحد ؟
الجواب :
نعم تجزئ عن السبع ولو اختلفت الدماء فلو أن سبعة تمتعوا واشتركوا في بدنة فلا إشكال ولو أن سبعة اثنان منهم يريدانها أضحية والخمسة يريد اثنان منهم عن تمتع وثلاث عن قران لا حرج سواء اتفقوا في الموجب أو اختلفوا كل ذلك يجزئ فيه التعدد عن سبعة في البدنة والبقرة على ظاهر حديث جابر-رضي الله عنه وأرضاه- في الصحيح من إجزاء البدنة عن سبعة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثاني والخمسون :
إذا لم يتيسر لي ذبح هدي التمتع أو القران بمنى وذبحته بمكة أو خارج مكة فما الحكم مع الدليل ؟
الجواب :
يجزء أن تذبح في مكة كلها ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( نحرت ها هنا وفجاج مكة وشعابها كلها منحر )) فمكة كلها يجزء أن ينحر الإنسان فيها وأن يذبح هدياً سواء كان لتمتع أو قران ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثالث والخمسون :
إذا لم يتيسر لي الهدي في التمتع ولم أتمكن من صيام ثلاثة أيام قبل يوم عرفة فما الحكم ؟
الجواب :
إذا لم يتيسر لك الصيام قبل يوم عرفة تصوم أيام التشريق الثلاث فإذا لم تتمكن لا في هذه ولا في هذه فيجزئك أن تصومها سواء صمتها بعد حجك مباشرة والبقية تتمها في بلدك وهي السبع على ظاهر التنـزيل فالثلاث مخير بين أن تتعجلها قبل وصول البلد وبين أن تتم العشرة في بلدك ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الرابع والخمسون :
أريد التمتع وليس معي من المال إلا ما يكفي لشاة واحدة فهل الأفضل أن أجعلها للتمتع أو للأضحية وأصوم عن التمتع ؟
الجواب :
أولاً : إذا كنت قد أحرمت بالعمرة وأديت العمرة وكان تمتعك على هذا الوجه فبعض العلماء يستحب أن تجعل شاتك للأضحية وأن تحج مفرداً ؛ وذلك لأن حج الإفراد من الحجج المعتبرة وحديث عروة بن مضرس يدل على أن فسخ الحج بالعمرة ليس بواجب وأنه يجزئ الإفراد حتى بعد وفاته وقد حج بالإفراد أبو بكر ، وعمر-رضي الله عنه- ، وعثمان-رضي الله عنهم- ثلاثة أئمة خلفاء راشدون كلهم ما حجوا إلا إفراداً فإذا كان الإنسان يريد أن يترك الأضحية في بيته فيكون حينئذ قد أصاب فضيلة هذه الأضحية خاصة وأن لها وجهاً من الوجوه وهو القول الراجح فبدل أن ينصرف إلى التمتع المخير ويترك الواجب عليه ، فالأفضل أن يصرفها إلى الأضحية ثم يتمتع .
وأما إذا كان لم يعتمر وأراد أن يجمع عمرته وحجه ، فحينئذٍ يجعل هديه للتمتع ولا يجزيه أن يصرفه إلى الأضحية ويصوم العشرة ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الخامس والخمسون :
هل يجوز لي الأكل من هدي التمتع والقران ؟ وما الدليل ؟
الجواب :
نعم يشرع ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وطبخ له من مرق الإبل التي نحرها وأهداها-صلوات الله وسلامه عليه- ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السادس والخمسون :
ما حكم طواف الوداع وهل يسقط عن الحائض والنفساء مع الدليل ؟
الجواب :
طواف الوداع واجب ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافاً )) ، وأما الحائض والنفساء رخص لهما كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة إلا أنه رخص للحائض والنفساء وفي حديث صفية : (( عقرى حلقى أحابستنا هي )) ثم قال : (( ألم تكن طافت يوم النحر )) قالوا : نعم قال : (( انفري إذاً )) فهذا يدل على أن الحائض والنفساء لا يتأخران لطواف في الوداع ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال السابع والخمسون :
ما حكم طواف الإفاضة ولو تركه الإنسان وسافر إلى بلده ولم يطفه فما الحكم ؟
الجواب :
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج وقد أجمع العلماء-رحمهم الله- على ركنيته لقوله-تعالى- : { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أجمع العلماء-رحمهم الله- على أن المراد بالطواف في هذه الآية طواف الإفاضة وأنه لا يمكن أن يحكم باعتبار الحج إلا بطواف الإفاضة ، وأنه لو رجع إلى بلده ولم يطف طواف الإفاضة فلا يزال طواف الإفاضة معه إلى الأبد ولو رجع بعد سنوات فيلزمه أن يرجع إلى هذا الطواف ، ولذلك يبقى بطواف الإفاضة فلو أصاب أهله فهناك قضاء لبعض السلف أنا أتوقف في هذه المسألة قالوا فلو أصاب أهله يحرم بعمرة ثم يبدأ ويطوف طواف الإفاضة ، ثم بعد ذلك يطوف ويسعى لعمرته ثم بعد ذلك يهدي هذا قضاء بعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - ويؤثر عن ابن عباس ، وابن عمر-رضي الله عن الجميع- ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الثامن والخمسون :
ما حكم الحائض والنفساء إذا لم تتمكن من طواف الإفاضة وأصابها الحيض والنفاس وخافت فوات الرفقة ؟
الجواب :
يلزمها البقاء حتى تطوف طواف الإفاضة طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولو أنها تعطلت لأمور شخصية لتعطلت ولو كانت لأمور علاجية لجلست ولكن لركن الحج ولفريضة الله-عز وجل- فإننا نلتمس الرخص فإلي الله المشتكى ، هذا الركن يقول النبي- صلى الله عليه وسلم - فيه : (( عقرى حلقى أحابستنا هي )) هذا نص صحيح صريح عن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقوله : (( أحابستنا )) يقول العلماء : لأنه لا يخرج حتى تطوف وإذا كان هو لا يخرج فالمائة ألف من الصحابة لا يخرجون حتى يخرج فقال : (( أحابستنا )) أي هذه الأمة كلها ستحبس حتى يطاف طواف الإفاضة ، ثم بعد ذلك يرخص لها أن تتلجم وأن تدخل وتطوف وهي حائض وهي نفساء يقولون للضرورة ، ولذلك مذهب جمهور العلماء وهو الأرجح خلافاً للحنفية الذين يقولون إن الطهارة ليست بشرط في الطواف فيرخصون لها أن تطوف ولو كان معها الحيض والنفاس ويقولون : لا حرج عليها أن تتلجم وتطوف ، ولو كان الأمر كذلك لما قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( عقرى حلقى أحابستنا هي )) لكان الأمر يسيراً ولم يحتج إلى هذا الأمر الذي فيه التهويل : (( أحابستنا هي )) ويقول : (( عقرى حلقى )) تقول العرب : عقرى أي عقرها الله ، وحلقى أي حلقها الله وهذا لا يريد به النبي- صلى الله عليه وسلم - الدعاء عليها ؛ وإنما هو سياق تهويل وتعظيم يدل على لزوم هذا الطواف ولو كانت حائضاً أو نفساء لكن لو خافت فوات الرفقة تذهب ثم ترجع بعد ذلك وتطوف طواف الإفاضة .
أما أن تطوف وهي حائض فإن مذهب جمهور العلماء أنه لا يجزئها هذا الطواف ووجوده وعدمه على حد سواء إلا في حالة إذا استفتت من يرى أنه لا يشترط لها الطهارة وطافت فيجزئها ذلك إذا استفتت عالماً يرى عدم الطهارة كما هو مذهب الحنفية ، ومن وافقهم فإنها تتعبد الله بما استفتت وهو قول طائفة من الأئمة والعلماء-رحمة الله عليهم- لكن الذي يظهر من السنة والأقوى حجة أنه لابد من طوافها ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال التاسع والخمسون :
هل يسقط طواف الوداع عن أهل جدة ومن كان دون مسافة القصر وهل صحيح ما يفعله بعض أهل جدة من الرجوع إلى جدة بعد الحج ثم يذهبون بعد الزحام لطواف الوداع ؟
الجواب :
أما بالنسبة لطواف الوداع يلزم أهل جدة ومن أهل العلم من قال : يسقط طواف الوداع عن من كان دون مسافة القصر ويرون أن من كان دون مسافة القصر كأنه كانوا من أهل مكة وهذا اجتهاد ورأي .
والصحيح ما ذهب إليه طائفة من العلماء أن طواف الوداع يشمل كل من كان خارج مكة ولو كان من أهل الجموم ؛ لأن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- قالت : كان الناس يصدرون من فجاج منى وعرفات قالت : كان الناس فعممت فقال- صلى الله عليه وسلم - : (( اجعلوا آخر - وهذا عام - عهدكم بالبيت طوافاً )) ، وعلى هذا كل من خرج من مكة سواء كان قريباً منها دون مسافة القصر أو فوق مسافة القصر فإنه يطوف طواف الوداع ويتخرج على القول الذي يشترط مسافة القصر .
أن أهل جدة لا يطوفون طواف الوداع وهو كما تلاحظون مبني على الرأي والاجتهاد ، والصحيح أن طواف الوداع يشرع لمن كان دون مسافة القصر وغيره لعموم قوله-عليه الصلاة والسلام- : (( اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافاً )) فيلزمهم .
أما ما ذكر في السؤال من كون البعض يرجع إلى جدة بعد الحج ثم بعد ذلك حتى يخف الزحام ويرجع ويطوف طواف الوداع لا شيء عليه إلا دم فقط ؛ لأنه فوت الواجب يقول العلماء : من بلغ أهله قبل أن يطوف طواف الوداع فقد لزمه الدم رجع أو لم يرجع بل قال بعض العلماء : من خرج من حدود مكة لزمه الدم سواء رجع أو لم يرجع فطواف الوداع يشترط فيه أن لا يفارق مكة حتى يطوف طواف الوداع ، وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز هذا الفعل ، والله - تعالى - أعلم .
السؤال الستون :
ما هي علامات الحج المبرور ؟
الجواب :
أما علامة الحج المبرور فالبر في الأصل هو كل عمل صالح يحبه الله ويرضاه والحج المبرور له دلائل وعلامات ومن أول هذه الدلائل والعلامات انشراح الصدر الذي يكون قبل الحج أن ينشرح صدر الإنسان لأداء هذه الطاعة والقربى وتظهر الدلائل من أول لحظة وهو يتلبس بهذه العبادة الجليلة فلا يخرج من بيته رياء ولا سمعة ويتمنى أن حجه بينه وبين الله-- لا تراه عين ، ولا تسمع به أذن ، فإذا نظر إلى قلبه مخلصاً لربه فليعلم أن ذلك من بشائر القبول من أول لحظة يجدها .
ثانياً : انشراح الصدر لذكر الله-عز وجل- ، واستشعار هذه العبادة في مواطنها ومواضعها المختلفة ، فالإنسان إذا خرج في حجه نظر كيف أن الله اختاره من بين الأمم فحمد الله وشكره وهلله وكبره وذكره وأثنى عليه بما هو أهله فاطمأنت نفسه أن الله ما أخرجه من بيته إلا وهو يريد به الخير يريد أن يرحمه ، ويغفر ذنبه ، ويستر عيبه ، ويفرج كربه وأن يجود عليه من إحسانه وإلا لثبطه ولجعله مع المخلفين فإذا مضى في حجه وطاف استشعر وهو يطوف أنه يطوف فعمر وقته بذكر الله وتلاوة القرآن والتسبيح والإستغفار والتلبية ولا يفتر عن التلبية مهما استطاع لذلك سبيلاً ، ولقد عهدت بعض العلماء-رحمة الله عليهم- غالباً لا يفترون عن التلبية وإذا لبوا بكوا حتى إن البعض ذكر لي عن بعض العلماء-رحمة الله عليهم- الفضلاء الذين حج معهم يقول : يسأل ويقول كلما ذكرت نعمة الله أن اختارني من بين الناس أبكي أقول : لبيك مجيباً لك بتوفيقك ورحمتك وإحسانك وفضلك وأنت أرحم الراحمين ، فالإنسان إذا استشعر في عبادته وخشع وخضع وأناب وأحس أنه مقبل على الله فذلك من بشائر البرور .
كذلك من دلائل البرور في الحج العمل الصالح بالإحسان إلى المسلمين وتفقد ضعفة الحجاج ترى جائعاً تطعمه ترى فقيراً تعطيه ترى عارياً تكسوه ترى محتاجاً تسد حاجته ومكروباً تفرج كربته ، وترى أنهم إخوانك وأن الله جمعك بهم حتى ترحمهم وتتواصل بهم ، لا تتكبر عليهم أسودهم وأبيضهم أحمرهم وأصفرهم عربهم وعجمهم في عينك سواء ، تحبهم في الله ولله وترى كبيرهم كالأب وصغيرهم كالابن ، ومن في سنك كالأخ تعطف عليهم وترحمهم وتحمد الله-عز وجل- أنه جمعك بهم على طاعة الله ومحبة الله وانظر إلى عظمة الله فتقول لا إله إلا الله حينما تنظر إلى رجل من أقصى الشرق ، ومن أقصى الغرب قد جعل الله كتفك إلى كتفه في هذا المكان وهو من أقصى الشرق وأقصى الغرب قد جاء الله به هنا إلى رحمته وعفوه ومنه ولطفه فتزال هذه المواقف لا تزال تزيد من إيمانك العطف على الناس في الحج من بر الحج وقد جاء في حديث أحمد والطبراني أن النبي- صلى الله عليه وسلم - سئل عن بر الحج فقال : (( إطعام الطعام وإفشاء السلام )) .
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَـْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعيــــــــــن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق