خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1432هـ
الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل
الحمد لله العلي الكبير، الولي الحميد؛ خالق الخلق، ومالك الملك، ومدبر الأمر؛ خضع الخلق لربوبيته، وأذعن المؤمنون لألوهيته، وأقروا بأسمائه وصفاته..
الحمد لله اللطيف الخبير، الغفور الرحيم؛ شرع المناسك لمصالح العباد، واختص الموفقين من عباده لعمارة المشاعر وتعظيم الشعائر، ففي أداء المناسك قال تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾، وفي نحر الهدايا والضحايا قال سبحانه: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ فالحمد لله الذي شرعها لنا، وهدانا لها، وأقدرنا عليها..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ حكيم في أفعاله، حليم في إمهاله، عزيز في انتقامه، سريع في عقابه، لا قدرة لأحد أمام قَدَرِه، ولا طاقة للخلق بعذابه؛ ﴿ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلى الله تعالى قدره، ورفع في العالمين ذكره، وأظهر في الأرض أمره، ونشر رسالته، فالناس يدخلون في دينه أفواجا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقيموا دينه، وعظموا شعائره، واجهروا بحمده وتكبيره ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر؛ أرانا من قدرته على الأفراد والأمم ما يبهر العقول، ويخلع القلوب؛ خشية له وخوفا وتعظيما ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾، ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون:
كم من دعوات رفعت لكم بالأمس من صعيد عرفات حتى بلغت عنان السماء؟ وكم من دعوات ترفع لكم اليوم من مزدلفة حيث يقف الحجاج الآن في المشعر الحرام؟ وكم من دعوات سترفع لكم غدا وبعد غد من منى ومن الجمرات، ومن جوار الكعبة، ومن الصفا والمروة؟!
دعوات مباركات ممن تعرفونهم، ودعوات أخرى أكثر منها ممن لا تعرفونهم، قد رفعت إلى الله تعالى بلغات مختلفة، جأر بها أصحابها يدعون للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فتدخلون أنتم وآلكم في تلك الدعوات الكثيرة وأنتم في بيوتكم.. فمن منكم يحصي ما وصله من دعوة صالحة بظهر الغيب من أخ له مسلم لم يره ولم يعرفه، ومن غير جنسه ولا ينطق بلسانه... فما أعظمها من أخوة في الدين حين علقها الله تعالى بأعظم وصف وأحسنه وأجله ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ فاحمدوا الله الذي هداكم للإيمان، واشكروه إذ سخر لكم ملايين البشر يستغفرون لكم في أقدس البقاع وأفضل الأيام...
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها الجمع المؤمن الكريم:
أتيتم في هذا اليوم العظيم الذي هو أعظم أيام السنة عند الله تعالى؛ لتؤدوا هذه الصلاة المباركة، ثم تتقربون إلى الله تعالى بالضحايا.. وإخوانكم الحجاج يدفعون الآن من مزدلفة إلى منىً لرمي الجمار، والتحلل من الإحرام، ثم الطواف بالبيت، والمبيت بمنى ليالي التشريق، ثم الوداع... فيالها من عبادات جليلة، وشعائر عظيمة، في أيام كريمة، رأسها وتاجها يوم النحر، يوم التقرب لله تعالى بالدماء، ونسك الأنساك، هذا اليوم الذي قال فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ»رواه أبو داود. وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه أعظم الأيام عند الله تعالى.
وعَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ»رواه البخاري.
فتقربوا لله تعالى بالضحايا، وكلوا وأهدوا وتصدقوا، وكبروا الله تعالى إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم..
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد..
أيها الموحدون:
املؤوا قلوبكم تعظيما لله تعالى وإجلالا، واستشعروا عظمته في أحوالكم كلها، وفي عباداتكم جميعها..
استشعروا عظمته سبحانه وأنتم له تركعون وتسجدون، واستشعروا عظمته عز وجل وأنتم له تذبحون وتنسكون..
استشعروا عظمته وأنتم تقلبون أبصاركم في ملكوت السماوات والأرض، وتأملوا قول الخليل عليه السلام معرفا بربه في مجادلته للذي أنكر الربوبية ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾، وقول موسى - عليه السلام – لفرعون: ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾.
استشعروا عظمة الله تعالى فيما يمر بكم من أحداث، وما ترونه من تقلبات الدول والأفراد ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ وقد رأيتم قدرته على الطواغيت، وأبصرتم قصمه للجبابرة، وشاهدتم نزعه للملك منهم، وتمكين المستضعفين من رقابهم ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ فزع إليه أهل السموات والأرض في حاجاتهم كلها فقضاها، فهو سبحانه في شؤون خلقه يدبرها ويسيرها، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تنسيه حاجةٌ حاجةً أخرى.. قال المفسرون: من شأنه سبحانه أن يحيي ويميت ويرزق، ويعز قوما، ويذل قوما، ويشفي مريضا، ويفك عانيا، ويفرج مكروبا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وأحداثه في خلقه ما يشاء.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد..
أيها المسلمون:
اجتمع على الإسلام وأهله أمتان عتيدتان عنيدتان، لهما تاريخ غني بالمكر والدهاء والخديعة والخيانة، ولهما إرث حضاري وثقافي ضخم قبل الإسلام..
أمتان كانتا تقتسمان حكم العالم قبل الإسلام؛ فأمة الروم في غرب الجزيرة العربية، وبلاد الشام المباركة، وأمة الفرس في شرق الجزيرة العربية والعراق، وقبائل العرب أوزاع متناحرة، يسخرهم الروم والفرس في حروبهم؛ لتوسيع ملكهم، وتثبيت عرشهم.. وما ظن أحد من الفرس والرومان أن أمة العرب سيتغير حالها ببعثة سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم، ولا أنها ستقوض المملكتين الكبيرتين؛ لتنضوي الأرض كلها تحت حكم الإسلام..
كان الغساسنة من العرب جندا للرومان يقذفون بهم في نحور الفرس، وكان المناذرة تحت سلطة الفرس يرمون بهم الرومان، وترمل نساء العرب، وييتم أطفالهم، ويقضى على شبابهم في مصلحة غيرهم.. وكان العرب يرون في الفرس والروم قوتين لا تقهران، كما أن الفرس والروم ينظرون للعرب نظرة ازدراء واحتقار، فليسوا سوى أعراب أجلاف لا يعرفون الحضارة ولا الدولة ولا النظام؛ فكبر على الفرس والروم أن يدعوا للإسلام، وأن يهددوا عليه..
ولما عزم الصديق رضي الله عنه على تسيير الجيوش للرومان، وشاور الصحابة في ذلك قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يصف قوة الروم: يا خليفة رسول الله، إنما الروم بنو الأصفر؛ حد حديد، وركن شديد. وأشار بالإغارة على أطرافهم فقط..
ولكن لما أراد الله تعالى عز هذه الأمة وظهورها، فل جند الإسلام حديد الرومان، وقوضوا ركنها الشديد، وودع عظيم الروم بلاد الشام وداعا لا لقاء بعده عقب معركة اليرموك.. وفي الجانب الشرقي كانت جيوش المثنى بن حارثة رضي الله عنه تحاصر الفرس، وكان كسرى يحتقر أمر العرب، ولم يدر أنهم تغيروا بعد الإسلام، وكتب إليه المثنى يدعوه للإسلام أو الاستسلام فرد كِسْرَى قائلا: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ جُنْدًا مِنْ وَخْشِ أَهْلِ فَارِسَ، إِنَّمَا هُمْ رِعَاءُ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلَّا بِهِمْ. أي جندا من أراذل أهل فارس، فأمة العرب لا تستحق الجيوش الحقيقية، ولكن هذه الكبرياء كسرت في القادسية ونهاوند، وحطم المسلمون عرش كسرى في المدائن، واستولوا على إيوانه ومملكته.. ووقع في خلافة عمر رضي الله عنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ»رواه الشيخان.
ومن الفرس والرومان رجال علموا الحق فاتبعوه، وكانوا سادة في الإسلام كما كانوا سادة في جاهليتهم، ومنهم من كبر ذلك عليهم، وامتلأت بالأحقاد قلوبهم، فكاد الرومان للإسلام عسكريا في الحروب الصليبية والاستعمار، وثقافيا بالتنصير والاستشراق، وكاد الفرس للإسلام من داخله بمزج شعائر المجوسية ومبادئها بالإسلام عبر التشيع الصفوي الفارسي المباين للتشيع العلوي العربي، والانفراد بهذا الدين عن سائر الأمة، وتفريقها بسببه، ثم تمت السيطرة للفرس على التشيع كله، وأصبح باطنية العرب تابعين لهم في هذا المذهب الرديء.
وفي القرون المتأخرة نبذ الرومان دينهم، ودانوا بالعلمانية الليبرالية التي تجعل الإنسان بديلا عن الله تعالى، وتعظم الدنيا وتنكر الآخرة، وكان لهذا المذهب العلماني الإلحادي أثره الكبير في تغيير بنية المجتمعات البشرية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وسادت فكرته العالم كله أو تكاد تسود، ويظهر ذلك جليا في التغيرات التي طرأت على المرأة والأسرة والأخلاق والعادات..
وأما الفرس ففي سبيل إعادة أمجاد كسرى انقلبوا على عقيدة الانتظار، واخترعوا ولاية الفقيه، وأنتجوا منها فكرة تصدير الثورة وتشييع الشعوب، وتجنيد الدهماء لإعادة مملكة ساسان الكسروية تحت شعارات الولاء لآل البيت.
وعاد الصراع الروماني الفارسي جذعا؛ ليكون العرب والمسلمون حطبه ووقوده، وتكون بلدانهم ميدانه ومسرحه، وتكون ثرواتهم ومكتسباتهم لغيرهم..
وإمعانا في خداع عامة المسلمين وتضليلهم، وسعيا لحشدهم تحت رايات الفرس والرومان وتجييشهم؛ اخترعوا مصطلحات تنفيرية تخويفية يضربون بها كل من عثّرَ مشروعاتهم، أو أبان للناس حقائقهم ومخططاتهم؛ ليضللوا الشعوب المسلمة بكل أمن وأريحية؛ فالغرب الروماني العلماني يبث سمومه التغريبية في المسلمين، ومن عارضها أو كشف حقيقتها، أو بين تعارضها مع الإسلام؛ اتهم بالتطرف والتعصب والانغلاق والإرهاب، والفرس الصفويون ينشرون تشيعهم في المسلمين، ويشترون بأموالهم النفعيين والمرتزقة؛ ليضلوا العامة، ويجندوا الدهماء؛ حطبا لنار المجوسية، ومن كشف أمرهم، وأظهر للناس حقيقتهم، رموه بالطائفية.. فإما أن يسكت دعاة الحق عن النصح لأمتهم، وتحذير الناس من أعدائهم، وإلا أخذوا بالتطرف والطائفية.. واستحوذت هذه التصنيفات على لغة الإعلام حتى ملأت أسماع الناس وأبصارهم، وظنوا أنها حق وهي باطل..
ولكن الله تعالى بقدرته على خلقه، ولطفه بعباده؛ أتى الرومان والفرس من حيث لم يحتسبوا، فأسقط أقوى نظامين ليبراليين عربيين مواليين للغرب، وأسقط أعتى نظام باطني يقف مع الفرس في مشروعاتهم الصفوية. والنظام الباطني الآخر في بلاد الشام يترنح ويتهيأ للسقوط، عجل الله تعالى ذلك بقدرته ولطفه، ومكن للمؤمنين المستضعفين، اللهم آمين. وبوادر السيطرة الإسلامية على صناديق الاقتراع تلوح في بلاد الأنظمة البائدة، وكم في ذلك من عز للإسلام لم يكن بالحسبان؟! فلله الحمد حمدا كثيرا..
ولن يقف الرومان والفرس مكتوفي الأيدي أمام هذه التحولات في بلاد المسلمين، والفرس قد يشعلونها حربا ضروسا إن سقط النظام النصيري تلافيا لنزاع في داخل الدولة الصفوية يمزقها ويقضي على أحلام الثورة وبناء الإمبراطورية الساسانية، فيعيدون ذكريات معركة ذي قار قبل الإسلام، وأما الغرب فإن رأى أن زمام الأمور يفلت من يده، وأبصر عملاءه يتساقطون ولا يخلفهم أمثالهم فسيسعى بكل ما أوتي من قوة ومكر وحيلة لنشر الفوضى في بلاد المسلمين الثائرة؛ ليفني الناس بعضهم بعضا، ثم يعود ليرتب أوراق المنطقة من جديد؛ ولذا فإن من المهم في هذه المرحلة الحرجة الدعوة إلى وحدة الكلمة، واجتماع القلوب، ونبذ التفرق والاختلاف، وتعظيم أمر الدماء، وبيان حرمتها عند الله تعالى، والتحذير من الفتن والاحتراب، وتقديم مصلحة الأمة العامة على المصالح الخاصة ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون:
ما يمر به العالم من تغيرات سياسية، ونكسات اقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة والجوع في الأرض، واضطراب أحوال الدول والأمم، زادها ما تموج به الأرض من تغيرات كونية ربانية، أحدثت زلازل وفيضانات تدمر البلدان، وتتلف الأموال.. كل أولئك من الخطر المتوقع، وليس أحد في منجاة منه، وقد تقع الكارثة في لحظة لا يتوقعها الناس؛ ولذا فإن من المهم جدا تحصين القلوب بالإيمان والتوكل واليقين؛ حتى لا تميد عظائم الأحداث بالقلوب فتحرفها عن الإيمان، فيخسر أصحابها أخرتهم مع دنياهم..
لا بد من تعليق قلوب الناس بالله تعالى والإنابة إليه ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ وتأملوا ثبات الخليل عليه السلام لما قذف في النار مع وصف الله تعالى له بالإنابة ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ لنعلم أن الإنابة سبب للثبات في الشدائد، ولا ينتفع مما يمر به من أحداث، ولا يقف على مواضع الاعتبار إلا أهل الإنابة ﴿ وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾. والإنابة هي الرّجوع عن كلّ شيء إلى الله تعالى، فلا تعلق بالحول والقوة، ولا ركون إلى أحد إلا إلى الله تعالى. مع الاستعانة بالله تعالى على مكروه القدر ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ والتوكل عليه وحده لا شريك له؛ فالأمر أمره، والملك ملكه، والخلق خلقه، ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ والاعتصام بالله دون سواه، مع تعويد النفس على الصبر، وكثرة العبادة ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾، ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَقالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وكَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» رواه أبو داود.. فاللهم اكفنا شرور أنفسنا وشرور خلقك، وأعذنا من مضلات الفتن، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.. ﴾ وفي شدة كرب بني إسرائيل ﴿
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد..
أيتها المرأة المسلمة:
ما يدبره الأعداء من الكيد للمرأة المسلمة يفوق الخيال، إنهم يكيدون بها كيدا عظيما.. يسعون لتغريب المرأة وإفسادها وخلطها بالرجال، واشعال صراع بينها وبين الرجل تحت لافتات حقوق المرأة المسلوبة، وحريتها المكبوتة، ولن يهدأ لهم بال حتى يروها كما هي في الغرب ألعوبة في أيدي الرجال يتسلون بها..
إنهم يتكئون على ما يقع من ظلم على المرأة في المجتمعات المسلمة كإهانتها وضربها ضربا مبرحا، والتشفي فيها، وحرمانها من الميراث، والانتقام من المطلقات والمعلقات بالحيلولة بينهن وبين أولادهن، وغير ذلك من أنواع الظلم الذي تأباه الشريعة.
وكل هذا الظلم مما يجب أن يتداعى الناس وذوو الشأن لرفعه عن المرأة، وللمرأة أن تطالب بحقها فيه، ولكن التغريبيين يستغلون هذا الظلم في فرض ظلم آخر لا يرضاه الله تعالى.
إنهم يستغلونه في دعوة المرأة المسلمة إلى التمرد على الشريعة، وفرضها ولاية الرجل وقيامه على المرأة، ورفض الحجاب والمحرم في السفر، وفرض الاختلاط، في خطوات أولى لنشر الفواحش في الناس، والقضاء على الزواج والأسرة والإنجاب، تنتهي هذه الخطوات الشيطانية إلى ما انتهى إليه الحال في الغرب من إقرار الزنا والسحاق وفاحشة قوم لوط، وأنواع الفساد والشذوذ، فهل ترضى مؤمنة عاقلة الانتقال من ظلم إلى ظلم أشد منه وأنكى؟!
إن على النساء المسلمات رفض ما يمس دينهن وحجابهن وعفافهن، والصدع برفضه على رؤوس الأشهاد؛ أيا كان مصدره؛ نصرة لدين الله تعالى، وغيرة على حرمات الشريعة أن ينتهكها أراذل الناس من الكفار والمنافقين؛ لتغييرها وتبديلها أو صرف الناس عنها، وكم تحتاج الأمة من حناجر نسائية تجهر بالحق، ومن أقلام ترد الباطل بالحجة والبرهان، وتعظ بنات جنسها محذرة لهن من اقتحام النار بالتخلي عن أوامر الشريعة وطاعة المفسدين، حفظ الله تعالى نساء المسلمين بحفظه، وأسبغ عليهن عافيته وستره، ورد عنهن أفكار المفسدين، إنه سميع مجيب.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد..
أيها المسلمون:
افرحوا بنعمة عليكم بهذا العيد الكبير، وصلوا فيه أرحامكم، وبروا والديكم، وأدخلوا السرور على أهلكم وأولادكم، وكلوا من ضحاياكم وتصدقوا وأهدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، وأكثروا من التضرع والدعاء لإخوانكم المسلمين في الشام المباركة..
اللهم فرج كربهم، وأظهر أمرهم، وانتصر لهم.. اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وقو عزائمهم، وانصرهم على من بغى عليهم.
اللهم أسقط النظام البعثي النصيري، وشتت شمل الباطنيين واليهود والنصارى، وانصر المسلمين عليهم، يا قوي يا عزيز..
اللهم أعد الأمن والاستقرار إلى تونس ومصر وليبيا واليمن، واحقن دماءهم، وأطفئ نيران الفتنة، وافضح مسعريها يا رب العالمين..
اللهم أدم الأمن والاستقرار في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، واحفظ الحجاج والمعتمرين، وأدر دوائر السوء على من أرادهم بسوء يا رب العالمين..
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.
أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال..
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراههيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق