يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك
هـاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في ختام الثلث الأول من سورة الانفطار, وهي سورة مكية, وآياتها(19) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بتحذير من الله( تعالي) بانفطار السماء في يوم القيامة, وهو حدث رهيب.
ويلي هذا التحذير ذكر لثلاثة من مظاهر يوم القيامة يقول عنها ربنا( تبارك وتعالي):
إذا السماء انفطرت* وإذا الكواكب انتثرت* وإذا البحار فجرت* وإذا القبور بعثرت*
( الانفطار:1 ـ4)
وانفطار السماء هو انشقاقها وتصدعها, وانتثار الكواكب ناتج عن انفجارها وتناثر أشلائها, وتفجير البحار قد يعني تفجر قيعانها بمزيد من الصدوع والخسوف حتي يغور ماؤها إلي نطاق الضعف الأرضي من حيث أخرجها الله( تعالي) أول مرة, وبعثرة القبور يعني شقها وتناثر ما فيها, ويأتي جواب الشرط( إذا) في الآيات الأربع الأولي من السورة بقول ربنا( تبارك وتعالي)
علمت نفس ما قدمت وأخرت*
(الانفطار:5)
وبعد هذا الاستهلال بالحديث عن عدد من الأحداث الكبري التي سوف تتقدم الآخرة تنتقل الآيات بعتاب من الله( تعالي) للإنسان يقول فيه:
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك*
(الانفطار:6 ـ8)
أي: ما الذي خدعك ياأيها الإنسان وأطمعك في ربك فجرأك علي عصيان أوامره, وتجاوز حدوده وهو( تعالي) خالقك, ومسويك, ومعدلك, ومصورك؟
والخطاب هنا موجه إلي كل كافر, ومشرك, وعاص من بني آدم, وهم من الخلق المكلفين, أصحاب الإرادة الحرة, ولكن غرهم الشيطان, وزاد في غرورهم الجهل والكبر.
ويستشعر القاريء لهذه الآيات القرآنية الكريمة وعيدا وتهديدا من الله( تعالي) في ثنايا هذا العتاب الرقيق, يتهدد أصحاب القلوب الغافلة, والضمائر الغائبة, وتذكرهم بنعم الله( تعالي) عليهم, وهي نعم لا تحصي ولا تعد, وعلي رأس تلك النعم خلق الإنسان في أحسن تقويم, في هيئة سوية معتدلة تميزه عن بقية الخلق, وهي معجزة المعجزات لما فيها من ايجاد من العدم, ومن طور تلو طور, وما صاحب ذلك من تسوية وتعديل وتركيب حتي يجيء الفرد من بني آدم في هذه الخلقة الحسنة التي فضله الله( سبحانه وتعالي) بها علي سائر خلقه.
وبعد ذلك توجه الآيات الخطاب إلي المكذبين بالدين, مؤكدة أن الإنسان محصية عليه أقواله وأعماله بواسطة الملائكة الحفظة الكرام البررة, الذين يكتبون كل أقوال وأفعال البشر الموكلين بهم فتقول:
كلا بل تكذبون بالدين* وإن عليكم لحافظين* كراما كاتبين* يعلمون ما تفعلون*
(الانفطار:9 ـ12)
و(كلا) كلمة زجر وردع, و(بل) حرف عطف وإضراب عما مضي من حديث, والاستعداد للدخول في قضية جديدة, وهي هنا قضية التكذيب بالدين. والدين هو بيان من الله( تعالي) للإنسان في القضايا التي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها أية ضوابط صحيحة من مثل: قضايا العقيدة, والعبادة, والأخلاق, والمعاملات, وهي ركائز الدين, ومن ضرورات استقامة الحياة علي الأرض. فلا يمكن للإنسان أن يحيا علي هذه الأرض حياة سوية بغير دين, وفي نفس الوقت لا يمكن للدين أن يكون صناعة بشرية. وإذا سلمنا بهذه المقدمات ظهرت لنا علامة فارقة نستطيع أن نميز بها بين دين صحيح ودين غير صحيح, وهذه العلامة الفارقة هي دقة حفظ الوحي السماوي الذي أنزل مع الدين.
والدين الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ حفظا كاملا, وحفظ وحيه في نفس لغة الوحي علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية هو هذا الدين الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم), ولذلك فهو الدين المقصود بأداة التعريف في هذه السورة الكريمة, وفي غيرها من سور القرآن الكريم.
واليقين بمراقبة الله لعباده, وبتدوين ملائكته لجميع أقوالهم وأفعالهم هو من أعظم ضوابط السلوك البشري, ولذلك وصفه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بالإحسان, واعتبره أعلي مراتب التدين.
وتختتم سورة الانفطار بالتحذير من أهوال يوم الدين الذي لا تملك نفس لنفس شيئا فيه.
وتقرر الآيات مصائر كل من الأبرار والفجار في هذا اليوم العصيب فتقول:
إن الأبرار لفي نعيم* وإن الفجار لفي جحيم* يصلونها يوم الدين* وما هم عنها بغائبين* وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين* يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله*
(الانفطار:13 ـ19)
والأبرار هم المؤمنون الصادقون, الذين بروا إيمانهم بالله( تعالي) فالتزموا أوامره, واجتنبوا نواهيه, والفجار هم نقائض الأبرار فمنهم من ينكر الدين جملة وتفصيلا, أو ينكر معلوما منه بالضرورة, ومنهم مقترفو المظالم والمتجبرون علي الخلق بغير الحق, والآكلون لحقوق الغير بالباطل, ومنهم الغارقون في الفواحش والآثام ما ظهر منها وما بطن, والمجاهرون بالمعاصي في غير حياء ولا خجل.
وتؤكد هذه السورة الكريمة ـ كما يؤكد كل القرآن الكريم ـ خلود الأبرار في جنات النعيم, وخلود الكفار في نار الجحيم, التي يصلونها يوم الدين, دون امكانية للفرار منها, أو النجاة من عذابها ولو للحظة واحدة.
ولما كان التكذيب بيوم الدين هو حجة فجر الفاجرين, فإن السياق القرآني يعود إليه في ختام سورة الانفطار بسؤال مكرر مرتين لمزيد من التأكيد, والسؤال موجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), ولكل مؤمن برسالته من بعده ليؤكد أن أهوال يوم الدين لا يقوي خيال البشر علي تصورها, ويكفي في وصف ذلك أن نفسا لا تملك لنفس شيئا, وأن الأمر كله لله.
وبذلك فإن مطلع سورة الانفطار ـ وما فيه من أهوال التدمير الكوني ـ يلتقي بخواتيمها وفيها تقرير مصائر كل من الأبرار والفجار في يوم الدين, والعجز البشري الكامل في هذا اليوم الذي لا يملك الأمر فيه إلا الله( سبحانه وتعالي), وهو المتفرد بالأمر في الدنيا والآخرة, ولكنه( تعالي) سمح لعباده المكلفين في الدنيا بهامش من الإرادة الحرة ليبلوهم أيهم أحسن عملا.
وبذلك تختتم سورة الانفطار التي قال عنها رسول الله( صلي الله عليه وسلم): من سره أن ينظر إلي القيامة رأي العين فليقرأ( إذا الشمس كورت), و(إذا السماء انفطرت), و( إذا السماء انشقت).
من ركائز العقيدة في سورة الانفطار
1 ـ الإيمان بحتمية الآخرة, وبما فيها من تدمير للنظام الكوني الحالي وإعادة خلقه, وما بعد ذلك من البعث, والحساب, والجنة والنار.
2 ـ اليقين بأن الإنسان سوف يخبر يوم القيامة بما قدم وأخر, وأن أعماله محصية عليه بدقة فائقة, وأنها سوف تعرض كاملة يوم القيامة, وأن كل إنسان موكل به ملكان كريمان يحفظانه بأمر الله, ويحفظان عنه بأمر الله كذلك كل ما ينطق به من كلام, وما يقوم به من أعمال, حتي يشهدا عليه في يوم الحساب.
3 ـ التسليم بأن الله( تعالي) كريم بعباده, ومن مظاهر كرمه خلق بني آدم في أحسن تقويم, وأفضل تسوية, وأكمل خلق, وذلك لأن الله( تعالي) هو الذي يركب كل فرد من أفراد خلقه في الصورة التي يشاء.
4 ـ التصديق بأن الأبرار سوف يخلدون في جنات النعيم, وأن الفجار سوف يخلدون في الجحيم الذي لا يستطيعون الخروج منه, ولا الفرار عنه.
5 ـ اليقين بأنه في يوم الدين لا تملك نفس لنفس شيئا وأن الأمر كله بيد الله( تعالي) وحده.
من الإشارات العلمية في سورة الانفطار
1 ـ الإشارة إلي أن نهاية السماء في تصدعها وانشقاقها بأمر من الله( تعالي), والعلوم المكتسبة تشير إلي إمكانية ذلك بانهيار القوي المتعددة الممسكة بمختلف صور المادة والطاقة فيها.
2 ـ إثبات أن نهاية الكواكب تأتي بانفجارها وانتثار أشلائها, ووجود كل من الكويكبات والنيازك والشهب دليل علي ذلك.
3 ـ ذكر تفجير البحار في يوم القيامة, والعلوم المكتسبة تثبت أن جميع محيطات الأرض بدأت بخسوف أرضية عميقة تصل إلي نطاق الضعف الأرضي الذي تندفع منه الصهارة بملايين الأطنان لتدفع جانبي تلك الخسوف يمنة ويسرة حتي تتحول إلي بحار طولية من مثل البحر الأحمر ثم يظل قاعه في الاتساع حتي يصل إلي مرحلة المحيط وإذا فجر قاع المحيط بمعدل أكبر فسوف تغور مياه المحيطات الي نطاق الضعف الأرضي حيث أخرجت أول مرة.
4 ـ الإشارة إلي بعثرة القبور في يوم البعث أي شقها وتناثر ما فيها حتي ينكشف ما تحويه بما في ذلك من عجب الذنب فيطوله ماء السماء الذي ينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها فيتحقق قول الله تعالي:
والله أنبتكم من الأرض نباتا* ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا*( نوح:18,17)
ويتحقق قول رسولنا( صلي الله عليه وسلم): ما بين النفختين أربعون... ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل, ليس من الإنسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
5 ـ التأكيد علي خلق الإنسان, وتسويته, وتعديله, وتركيبه في صورة محددة حددها الله( تعالي) لكل فرد من بني آدم قبل خلقه.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي ما جاء في النقطة الخامسة من القائمة السابقة عن خلق الأنسان وتسويته وتعديله والتي جاءت في الآيتين(7,6) من سورة الانفطار.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا: في قوله تعالي الذي خلقك.....:
جاء الفعل( خلق) بمشتقاته في القرآن الكريم(252) مرة للتأكيد علي حقيقة أن الله( تعالي) هو خالق كل شيء, ولذلك قال( عز من قائل): ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل( الأنعام:102)
وجاءت الإشارة إلي خلق الإنسان في أكثر من مائة موضع من كتاب الله في مراحل محددة عي النحو التالي:
(1) من تراب( آل عمران:59; الحج:5; الروم:20; فاطر:11; غافر:67; الكهف:37).
(2) من طين( الأنعام:2; السجدة:7, الأعراف:12.11; الإسراء:61; ص:71-76).
(3) من طين لازب( الصافات:11)
(4) من سلالة من طين( المؤمنون:12 ـ14).
(5) من صلصال من حمأ مسنون( الحجر:26 ـ33).
(6) من صلصال كالفخار( الرحمن:14).
(7) من الأرض( طه:55; النجم:33; نوح:18,17; هود:61).
(8) من ماء مهين( المرسلات:20).
(9) من ماء دافق( الطارق:6).
(10) من الماء( الفرقان:54).
(11) من نطفة( النحل:4; النجم:45 ـ47; القيامة:37 ـ40; عبس:17 ـ19).
(12) من علق( العلق:2,1).
(13) من نفس واحدة ثم من أنفس متعددة( النساء:1; الأعراف:189; الروم:21; الزمر:6; لقمان:28).
وهذه الآيات القرآنية الكريمة تصف خلق الإنسان من لدن أبينا آدم( عليه السلام) إلي آخر إنسان, وهي مراحل يتمم بعضها بعضا, فصلها القرآن الكريم لأنها قضية غيبية بالنسبة إلي الإنسان, ولذلك فإن الخوض فيها بغير هداية ربانية هو ضرب من التيه الذي لا سبيل للإنسان إلي الخروج منه مهما توافر لديه من أدله مادية. وذلك لأن النقلة من طين الأرض إلي الخلية الحية لا يمكن لها أن تتم بغير قدرة الخالق الباريء المصور وقد وصف ذلك بقوله العزيز:
الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين* ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون*.( السجدة:7 ـ9).
وجسم الإنسان مكون من تريليونات الخلايا التي تتنوع بتنوع وظائفها. وأغلب هذه الخلايا علي قدر من الضآلة بحيث لا يتعدي قطر الخلية منها0,03 من الملليمتر, وهي علي الرغم من ذلك بناء معقد غاية التعقيد, وتعمل بإحكام تعجز عن محاكاته أضخم المصانع التي بناها الإنسان, بل التي فكر في انشائها ولم يتمكن من ذلك بعد, ويتضح ذلك من مكونات الخلية التي يمكن إيجازها فيما يلي:
مكونات الخلية الحية:
1 ـ جدار الخلية(CellWall): وهو جدار غشائي, مرن, حي, مكون من أعداد من البروتينات والشحميات الفوسفاتية, أعطاه الله( تعالي) القدرة علي التحكم في كل ما يدخل إلي الخلية أو يخرج منها, وعلي التفاعل بحيوية مع الخلايا المجاورة.
2 ـ السائل الخلوي أو الهيولي(Cytoplasm): وهو سائل يملأ جدار الخلية, كثيف القوام جيلاتيني, ذو تركيب معقد, ويحوي العديد من العضيات(Organelles) التي لكل واحدة منها وظائفها الحيوية الخاصة, وفيه تنتج جميع البروتينات التي تحتاجها الخلية في نموها وفي ترميم ما يعطب من أجزائها المختلفة.
3 ـ الحبيبات(Granules): وهي حبيبات دقيقة منتشرة في السائل الخلوي ولها العديد من الوظائف الحيوية فيه.
4 ـ الريباسات أو الجسيمات الريبية(Ribosomes): وهي عضيات دقيقة جدا, منتشرة في السائل الخلوي, ومكونة من مواد بروتينية بالاضافة الي الحمض النووي الريبي(RNA) وهي مراكز تخلق البروتينات التي تحتاجها الخلية.
5 ـ جهاز جولجي(TheGolgiApparatus): وهو عبارة عن تكتلات غشائية عائمة في السائل الخلوي تقوم بإفراز أعداد من العصائر لتنشيط دور الإنزيمات في داخل الخلية الحية.
6 ـ الجسيمات الحالة(Lysosomes): وهي خزانات غشائية تقوم بخزن الإنزيمات المنتجة وعزلها عن بقية سوائل الخلية.
7 ـ المتقدرات(Mitochondria): وهي مطويات غشائية أعطاها الله( تعالي) القدرة علي تحويل جزء مما يصل إلي الخلية من غذاء إلي طاقة.
8 ـ الفجوات الخازنة للخلية(Cellsroragevacuoles): وهي أكياس غشائية دقيقة جدا تقوم بخزن عدد من المركبات الكيميائية الخاصة.
9 ـ الفجوات المنقبضة للخلية(CellContractilevacuoles): وهي خزانات غشائية تقوم بطرد السوائل الزائدة علي الحاجة, والفضلات الناتجة عن مختلف أنشطة الخلية إلي خارجها.
(10) الشبكة الهيولية الداخلية(TheEndoplamicReticulam):
وهي طيات غشائية دقيقة تكون عددا من الراقات والأنابيب الشعرية الدقيقة التي تشكل أسطحا وممرات للتفاعلات الكيميائية المعقدة, ثم تقوم بنقل نواتج تلك التفاعلات الي مختلف أجزاء الخلية, وبعض هذه الراقات والأنابيب أملس, والبعض الآخر خشن السطح ولكل وظائفه الخاصة به.
(11) نواة الخلية(TheCellNucleus): وهي أكبر جسيمات الخلية حجما, وأرفعها قدرا, لأنها تحكم كل أنشطة الخلية وتنظمها, وتنسق بينها. ونواة الخلية محاطة بغشاء خاص يفصلها عن السائل الخلوي, وهي تحوي عددا محددا من الجسيمات الصبغية( الصبغيات) وعددها في خلية الكائن الحي محدد للنوع. وهذه الصبغيات تحمل المورثات(Genes) التي تحدد الصفات الوراثية للخلية, وللكائن المبني جسده من مثل تلك الخلية, ولنسله من بعده إلي قيام الساعة.
(12) نوية الخلية(TheCellNucleolus): وهي عبارة عن تجمع كثيف لجزيئات الحمض النووي الريبي(RNA) مكدس في داخل النواة, ووظيفته إنتاج وتخزين الجسيمات الريبية أو الريباسات(Ribosomes).
(13) الأنيبيبات الدقيقة للخلية(TheCell'sMicrotubules): وهي أنابيب أدق من الشعرية,فارغة, مكونة من مواد بروتينية تعطي للخلية قدرا من التدعيم, وتسمح لها بالحركة.
(14) الشعيرات الدقيقة للخلية(TheCell'sMicrofilaments): وهي خيوط أدق من الشعرية, مكونة من مواد بروتينية تعطي للخلية قدرا من التدعيم وتسمح لها بشيء من الحركة.
(15) مريكزات الخلية(TheCell'sCentrioles): وهي شعيرات أنبوبية فائقة الدقة يبدو أن لها علاقة بعملية انقسام الخلية.
(16) الجسيمات الصبغية أو الصبغيات(TheChromosomes): وهي جسيمات دقيقة جدا في نواة الخلية, سميت بهذا الاسم لتلونها بالأصباغ التي تضاف الي الخلية الحية بشدة أكثر من غيرها من مكونات الخلية, وعددها في نواة الخلية محدد لكل نوع من أنواع الحياة, وعددها في الخلية البشرية(46) مرتبة في(23) زوجا في نوي كل الخلايا التي تحمل نواة, ما عدا خلايا التكاثر التي يحمل كل منها نصف هذا العدد( أي23 صبغيا فقط), فإذا اتحدت النطفتان الذكرية والأنثوية تكامل عدد الصبغيات إلي(46) في النطفة الأمشاج( المختلطة), وبذلك يأتي الأبناء علي قدر من التشابه والاختلاف مع الوالدين, مما يحقق هذا التنوع البديع في الخلق.
وتتكون الصبغيات من تجمعات الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين(DNA): ومن البروتينات بنسب متساوية تقريبا.
(17) جزئي الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجينDNA ويتكون من لفائف متناهية الدقة تتكون كل لفافة منها من سلسلتين ملتحمتين في الوسط, وتتكون كل سلسلة منهما من عدد من القواعد النيتروجينية وجزيئات السكر والفوسفات. وتلتف السلسلتان حول محور وهمي علي هيئة حلزونية مطوية طيا شديدا تعرف باسم اللفائف الحلزونية مزدوجة الجدار للحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين(DoubleHelixDNAstrands). ويبلغ قطر هذا الحلزون واحدا من نصف مليون جزء من الملليمتر, ويبلغ حجمه وهو مكدس علي ذاته في داخل الجسيم الصبغي واحدا من المليون من الملليمتر المكعب, ويبلغ سمكه واحدا من خمسين مليون من الملليمتر.
وإذا فرد هذا الحلزون فإن طول جزيء الحمض النووي المكون له يصل الي حوالي الأربعة سنتيمترات تحوي أكثر من أربعمائة مليون جزيء من القواعد النيتروجينية والسكر والفوسفات(404,347,800 جزيئات), وهذه الجزيئات مرتبة ترتيبات دقيقا مبهرا يعطي لكل فرد من بني آدم بصمة وراثية تميزه عن غيره, ومعني ذلك أنه اذا تم فرد جميع الصبغيات في خلية بشرية واحدة, وتم رصها بجوار بعضها البعض فإن طولها يصل الي حوالي المترين(46 صبغيا*4 سم=184 سم), وإذا تم ذلك بالنسبة للصبغيات الموجودة في جسم فرد بالغ متوسط الحجم من بني آدم يحمل جسمه حوالي التريليون خلية في المتوسط, فإن طول شيفرته الوراثية يزيد علي طول المسافة بين الأرض والشمس( والمقدرة بحوالي المائة وخمسين مليون كيلو متر) بأكثر من عشر مرات(3 و12 مرة تقريبا).
وإذا كان الصبغي الواحد يحتوي علي أكثر من أربعمائة مليون جزيء من القواعد النيتروجينية والسكر والفوسفات فإن صبغيات خلية بشرية واحدة تحتوي علي18,6 بليون جزيء من تلك الجزيئات المرتبة ترتيبا في غاية الدقة والإحكام, وإذا اختل وضع جزيء واحد من هذه الجزيئات فإن الكائن الذي يحمله إما أن يشوه أو ألا يكون. وعلي الرغم من التشابه الشديد للتركيب الكيميائي للحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين(DNA) بين جميع بني آدم إلي99,9%, فإن النسبة الباقية وهي0,1% كافية لاعطاء كل فرد من بني آدم بصمة وراثية مميزة له عن غيره.
(18) المورثات(Genes): يقسم كل صبغي علي طوله بعدد من العلامات المميزة(Markers) إلي وحدات طولية في كل منها عدد من المورثات التي يتحكم كل منها في صفة واحدة أو في عدد من صفات الخلية الحية, وبالتالي صفات الجسد الذي يحملها. والمورث هو جزء من جزيء الـ(DNA) يتحكم في إصدار الأمر بإنتاج بروتين أو بيبتيد(Peptide) معين. وتوجد المورثات في زوجية واضحة يحتل كل مورث منهما مكانه علي أحد جداري اللفيفة مزدوجة الجدار.
(19) الشفيرات(Codons): يتكون كل مورث من عدد محدد من الشفيرات, تتكون كل واحدة منها من ثلاث نويدات.
(20) النويدات(Nucleotides): تتكون النويدة من زوج من القواعد النيتروجينية تستند كل قاعدة منهما إلي جزيئين أحدهما من السكر والآخر من الفوسفات, حيث تكون جزيئات السكر والفوسفات جداري اللفيفة الحلزونية المزدوجة الجدار للحمض النووي(DNA) وتنتشر بينها أزواج القواعد النيتروجينية علي هيئة درجات السلم الخشبي المتوازي الجانبين في علاقات تبادلية محكمة.
(21) بروتينات الخلية الحية
(TheLivingCellProteins):
أعطي الخالق( سبحانه وتعالي) الخلية الحية من خلايا جسم الإنسان القدرة علي إنتاج أكثر من ثمانين ألف نوع مختلف من البروتينات, وهذه البروتينات تتكون من عشرين نوعا فقط من الأحماض الأمينية التي تترتب ذراتها ترتيبا يساريا في أجساد كل الكائنات الحية, وتترتب ترتيبا يساريا كذلك في بناء جزيئات جميع البروتينات, وترتبط مع بعضها البعض برباط واحد اسمه الرباط البيبتيدي(ThePeptideBond), ولكن بمجرد وفاة الخلية الحية يعيد كل ذلك ترتيب ذراته ترتيبا يمينيا بمعدلات ثابتة تمكن الدارسين من تحديد لحظة الوفاة للخلية بدقة بالغة.
هذا التعقيد المذهل في بناء الخلية الحية, وفي الوظائف التي تقوم بها لا يترك مجالا لعاقل إلا أن يسلم بحقيقة الخلق, وعظمة الخالق, وذلك لأن النقلة من طين الأرض إلي هذا البناء المذهل للخلية الحية لا يمكن لها أن تتم إلا بتدبير من الله القادر العليم الخبير الحكيم.
وإذا كان المنطق السوي يستبعد إمكانية تكون خلية حية واحدة من طين الأرض بطريقة تلقائية, عفوية, فإن خلق إنسان بالغ بجسد يضم تريليونا من الخلايا في المتوسط, وهي خلايا متخصصة, تنتظمها أنسجة متخصصة, في أعضاء متخصصة, في نظم متخصصة, تعمل جميعها في توافق عجيب لخدمة ذلك الجسد الإنساني فإن خلق ذلك يكون أشد استحالة علي العشوائية أو العفوية والصدفة ومن هنا كان التأكيد علي حقيقة الخلق بقول ربنا( تبارك وتعالي):
ياأيها الإنسان ماغرك بربك الكريم* الذي خلقك...*
(الانفطار:7,6)
ثانيا: في قوله تعالي( فسواك..):
إذا كان المقصود بالخلق هو التقدير المستقيم في إبداع شيء علي غير مثال سابق فإن ذلك يشمل خلق الإنسان الأول كما يشمل خلق النطف, وإذا كان المقصود بالخلق هو إيجاد شيء من شيء آخر فإن ذلك يشمل كل مراحل الجنين الإنساني, أما التسوية فتشمل تهيئة النطفة الأمشاج تهيئة كاملة لكي تكون جنينا ناجحا بصفات محددة. والتسوية هي مرحلة بعد طور النطفة الأمشاج وقبل نفخ الروح الذي يتم بعد طور المضغة بدليل قول ربنا( تبارك وتعالي):
* وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين*
(الحجر:29,28).
* قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا*.( الكهف:37).
* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين* ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون*.( السجدة:7 ـ9)
* إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين*.( ص:72,71)
* أيحسب الإنسان أن يترك سدي* ألم يك نطفة من مني يمني* ثم كان علقة فخلق فسوي* فجعل منه الزوجين الذكر والأنثي* أليس ذلك بقادر علي أن يحيي الموتي*
(القيامة:36 ـ40).
* سبح اسم ربك الأعلي* الذي خلق فسوي*( الأعلي:2,1).
* وتتأكد حقيقة أن نفخ الروح في الجنين يتم بعد طور المضغة من أقوال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) التي منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود( رضي الله عنه) قال: حدثنا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ـ قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما, ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك, ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
* ومنها مارواه عن حذيفة( رضي الله عنه) أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها, وخلق سمعها, وبصرها, وجلدها, ولحمها, وعظامها, ثم قال: يارب أذكر أم أنثي, فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك.
ومعني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المذكورة أعلاه أن تسوية خلقة الجنين تتم في مرحلتي العلقة والمضغة, وطور العلقة يبدأ في اليوم الخامس عشر بعد الإخصاب ويستمر إلي اليوم الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من عمر الجنين, بينما يبدأ طور المضغة من اليوم الرابع والعشرين إلي السادس والعشرين ويستمر إلي نهاية الأسبوع السادس من عمر الجنين أي إلي اليوم الثاني والأربعين كما حدده رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وإلي هذه المرحلة والجنين ليست له أية ملامح بشرية ولكن مع بداية الأسبوع السابع من عمر الجنين فإن الهيكل الغضروفي يبدأ في الانتشار في المضغة, ثم يتكلس معظم هذه الغضاريف فتتحول بإرادة الله( تعالي) إلي العظام ومن ثم تكسي العظام باللحم( العضلات والجلد).
ثالثا: في قوله تعالي:( فعدلك):
تعتبر مرحلة العظام وكسوتها باللحم نهاية فترة التخلق ولذلك يبدأ الجنين في اتخاذ المظهر الآدمي, ولعل هذه النقلة النوعية هي المقصودة بقول ربنا( تبارك وتعالي):
الذي خلقك فسواك فعدلك*( الانفطار:7)
وقد أطلق القرآن الكريم علي طور العظام وكسوتها باللحم( العضلات والجلد) تعبير التعديل وذلك بسبب الاستواء الطاريء علي مظهر الجنين, وما يصاحب ذلك الاستواء من علاقات جديدة بين مختلف خلايا وأنسجة وأعضاء وأنظمة جسد ذلك الجنين, فيأخذ في الاعتدال واكتساب الهيئة الآدمية الأولية التي تتميز بكثير من التناسق مما يمكن الجنين من البدء في التحرك في بطن أمه.
وتبدأ كسوة العظام باللحم في الأسبوع الثامن من عمر الجنين( من اليوم الخمسين إلي السادس والخمسين من عمر الجنين) وتعتبر نهاية الأسبوع الثامن( اليوم السادس والخمسين من عمر الجنين) حدا فاصلا بين مرحلتي الجنين(Embryo) والحميل(Foetus).
وهذه المراحل المتتالية من الخلق, والتسوية, والتعديل, لم تدرك إلا بعد تطور علم الأجنة في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وسبق القرآن الكريم بالاشارة إليها في هذه السورة المباركة, وتسميتها بأسمائها المحددة في أكثر من مائة موضع من مواضع كتاب الله الكريم لمما يقطع لكل ذي بصيرة بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية, حفظه حفظا كاملا وتعهد( سبحانه وتعالي) بذلك الحفظ إلي قيام الساعة حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الناس كافة إلي يوم الدين.
فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بالدين الخاتم الذي ختمت به رسالات السماء, وانقطعت النبوة فلا يرتضي ربنا( تبارك وتعالي) من عباده دينا سواه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق