الله يتعب ويجهل ويندم ويأكل ويصارع!! هكذا يقول اليهود
الكاتب : العلامة الشيخ : محمد الغزالي -رحمه الله تعالى -
هل يمكن أن يتعب الله، وأن يأخذه الإعياء بعد عمل ما ؟
القرآن الكريم يجب على هذا السؤال: “ أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى ؟ بلى إنه على كل شىء قدير “ (الأحقاف: 33)
ومن البدائه أن يكون الخلاق الكبير فوق الإجهاد، وذهاب القوة: “ وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلى العظيم “ (البقرة: 255) .
ولذلك يقول مثبتاً هذه الحقيقة: “ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب” (ق: 38)
لكن العهد القديم يذهب غير المذهب، ويصف الله فيقول:
“ وفرغ الله فى اليوم السادس من عمله فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل، وبارك الله السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقاً “ (سفر التكوين: الاصحاح الثانى) .
ودعك من الركاكة التى صيغت بها هذه العبارات، فقد يكون المترجم هابط الأسلوب فى التعبير عن معنى ما، لكنك لا تستطيع أن تفهم معنى آخر من هذا الكلام، إلا أن الله “ استراح “ من جميع أعماله فى اليوم السابع، هذه الأعمال التى أداها بوصفه خالقاً .
واليهود يحرمون العمل يوم السبت، ويقدسونه، وجاء فى التوراة أن موسى أمر بأن يقتل رجماً أحد الحطابين الذين أبوا إلا الكدح فى هذا اليوم !
كيف جرى الحديث عن الله بهذه الكلمات ؟ لعلها غلطة ناقل، لكن الحديث عن عجز الله تبعه حديث آخر عن جهله !!
واسمع إلى وصف العهد القديم لآدم وزوجه بعدما أكلا من الشجرة:
“ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فى وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت ؟ فقال: سمعت صوتك فى الجنة فخشيت لأنى عريان فاختبأت . فقال: من أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها ؟ .. “ (سفر التكوين: الاصحاح الثالث)
ما هذا ؟ كان الإله يتمشى فى الجنة خالى البال مما حدث، ثم تكشفت له الأمور شيئاً فشيئاً، فعرف أن آدم خالف عهده، وأكل من الشجرة المحرمة !
تصوير ساذج يبدو فيه رب العالمين وكأنه فلاح وقع فى حقله ما لم ينتظر !
ما أبعد الشقة بين هذا التصوير وبين وصف الله لنفسه فى القرآن العظيم: “ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد “ (ق: 16) “ وما تكون فى شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه “ (يونس: 61)
وقد أعقب هذا “ الجهل الإلهى “ قلق غريب، فإن الله يبدو وكأن ملكه مهدد بهذا التمرد الآدمى .
لقد أكل آدم من الشجرة ـ شجرة المعرفة ـ وارتفع بهذا العصيان إلى مصاف الآلهة فقد أدرك الخير والشر، وكان الرب عندما خلقه حريصاً على بقائه جاهلاً بهما .
ومن يدرى ربما ازداد تمرده وأكل من شجرة الخلد وظفر بالخلود، إنه عندئذ سوف ينازع الله حقه، إذن فليطرد قبل استفحال أمره .
جاء فى العهد القديم:
“ وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التى أخذ منها، وطرد الإنسان وأقام شرقى جنة عدن الكروييم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة “ (التكوين: الاصحاح الثالث).
لكن سيرة آدم وأبنائه على ظهر الأرض لم تكن مرضية لله . إن منهجه فى الحياة ضل بالآثام والمتاعب، ولم يكن الله حين خلقه يعرف أنه سيكون شريراً إلى هذا الحد، لقد فوجئ بما وقع، ومن أجل ذلك حزن الرب وتأسف فى قلبه أن خلق آدم وأبناء آدم ..
قال العهد القديم:
“ فحزن الرب أنه عمل الإنسان، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذى خلقته، .. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأنى حزنت أنى عملتهم..“ (التكوين: الاصحاح السادس) .
الحق أننى أدهش كل الدهشة للطفولة الغريرة التى تضح من هذا الحديث الخرافى عن الله جل جلاله.
إن الإله فى هذه السياقات الصبيانية كائن قاصر .. متقلب .. ضعيف .
وما أشك فى أن مؤلف هذه السطور كان سجين تصورات وثنية عن حقيقة الألوهية وما ينبغى لها ..
وأول ما نستبعده حين نقرأ هذه العبارات أن تكون وحياً، أو شبه وحى ..
ومع ذلك فإن اليهود والنصارى يقدسون ذلك الكلام، ويقول أحد القساوسة: “ الكتاب المقدس ـ يعنى العهدين معاً ـ هو صوت الجالس على العرش، كل سفر من أسفاره أو اصحاح من اصحاحاته أو آية من آياته هو حديث نطق به الكائن الأعلى ! “ .
والمرء لا يسعه إلا أن يستغرق فى الضحك وهو يسمع هذا الكلام ! إنه إله أبله هذا الذى ينزل وحياً يصف فيه نفسه بالجهل والضعف والطيش والندم .
ونحن المسلمون نعتقد أن الكتاب النازل على موسى برىء من هذا اللغو، أما التوراة الحالية فهى تأليف بشرى سيطرت عليه أمور ثلاثة:
الأول: وصف الله بما لا ينبغى أن يوصف به، وإسقاط صورة ذهنية معتلة على ذاته “ سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً “ .
الثانى: إبراز بنى إسرائيل وكأنهم محور العالم، وأكسير الحياة، وغاية الوجود .. فهم الشعب المختار للسيادة والقيادة لا يجوز أن ينازعوا فى ذلك .
الثالث: تحقير الأمم الأخرى، وإرخاص حقوقها، وإلحاق أشنع الأوصاف بها وبأنبيائها وقادتها .
وقد تتخلل هذه الأمور بقايا من الوحى الصادق، والتوجيهات المبرأة، بيد أن الأسفار الشائعة الآن تغلب عليها الصبغة التى لاحظناها .
وها نحن أولاء نسوق الأدلة على ما قلنا مكتفين بالشواهد من سفر التكوين وحده، لأن الانتقال إلى غيره يطيل حبل الحديث .
فى هذا السفر أعلن الله ندمه على إغراق الأرض بالطوفان .
وقال لنوح: لن أرتكب هذه الفعلة مرة أخرى ! وسأضع علامة تذكرنى بذلك حتى لا أعاود إهلاك الحياة والأحياء،
وهاك النص:
“ وكلم الله نوحاً وبينه معه قائلاً: .. أقيم ميثاقى معكم فلا ينقرض كل ذى جسد أيضاً بمياه الطوفان، ولا يكون أيضاً طوفان ليخرب الأرض، وقال الله: هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التى معكم إلى أجيال الدهر، وضعت قوسى فى السحاب فتتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض، فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس فى السحاب .. فمتى كان القوس فى السحاب أبصرها لأذكر ميثاقاً أبدياً بين الله وبين كل نفس حية فى كل جسد على الأرض .. “ (الاصحاح التاسع من سفر التكوين) .
هذا هو التفسير لقوس قزح، وتحلل اللون الأبيض إلى عناصره المعروفة بألوان الطيف، كما شرح ذلك علماء الطبيعة .. قوس قزح هى قوس الله يبرزها فى الأفق إشارة إلى العهد الذى أخذه على نفسه كى لا يغرق الأرض مرة أخرى، إنه يرى هذه القوس فيتذكر، حتى لا يتورط فى طوفان آخر !!
ورأيى أن الطوفان القديم كان عقوبة لقوم نوح وحدهم، وأنه ليس غرقاً استوعب سكان القارات الخمس . فما ذنب هؤلاء المساكين ونوح رسالته محلية لا عالمية، اللهم إلا إذا كان المعمور يومئذ من هذا الكوكب ديار نوح وحسب .
وأياً ما كان الأمر، فإن وصف الله بالضيق لما ارتكب من إغراق الأرض، وتعهده ألا يفعل ذلك، أمر يليق بالخلق لا بالخالق .. بالناس لا برب الناس .
على أن هذه القصة أيسر من دعوة الله إلى ضيافة نبيه إبراهيم، لقد قدم الله فى شكل رجل مع اثنين من ملائكته، وأقام لهم إبراهيم وليمة دسمة، فأكلوا منها جميعاً !!
وكان إبراهيم حريصاً على إحراز هذا الشرف، شرف أن يأكل الله فى بيته، فلما لبى الله الدعوة أسرع الرجل الكريم فى إعداد مائدة مناسبة ! وهاك القصة كما رواها سفر التكوين:
“ وظهر له الرب .. ونظر وإذا ثلاثة رجال .. وقال: يا سيد (يقصد الله) إن كنت قد وجدت نعمة فى عينيك فلا تتجاوز عبدك .. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: اعجنى واصنعى خبز ملة، ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وحيداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذى عمله ووضعها قدامهم وإذا كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا، وقالوا له: .. ويكون لسارة امرأتك ابن .. فضحكت سارة فى باطنها قائلة: بعد فنائى يكون لى تنعم وسيدى قد شاخ ! فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة .. ؟ هل يستحيل على الرب شىء ؟ “ (الاصحاح الثامن عشر من سفر التكوين)
ونتجاوز هذه المائدة الدسمة التى أكل منها الرب وملائكته، لنقف بإزاء قصة أخرى من أغرب وأفجر ما اختلق الروائيون !!
القصة الجديدة تحكى مصارعة بين “ الله “ وعبده “ يعقوب “ !
.. وهذه المصارعة دامت ليلاً طويلاً، وكاد يعقوب يفوز فيها لولا أن الطرف الآخر فى
المصارعة ـ وهو الله !! ـ لجأ إلى حيلة غير رياضية هزم بعدها يعقوب !
ومع ذلك فإن يعقوب تشبث بالله وأبى أن يطلقه حتى نال منه لقب “ إسرائيل “ !!
ومنحه الله هذا “ اللقب الفخرى “ ثم تركه ليصعد إلى العرش ويدير أمر السماء والأرض، بعد تلك المصارعة الرهيبة !!
أى سخف هذا، وأى هزل ؟؟
أى عقل مريض أوحى بهذا القصص السفيه ؟؟
ولكن اليهود يريدون أن يرفعوا مكانة جدهم الأعلى، ولا عليهم أن يختلقوا ما يستغربه الخيال، وهاك القصة بأحرفها من سفر التكوين:
“ فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه، وقال: أطلقنى ! .. فقال: لا أطلقك إن لم تباركنى ! فقال له: ما اسمك ؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فى ما بعد يعقوب بل إسرائيل ..
وسأل يعقوب وقال: أخبرنى باسمك
فقال: لماذا تسأل عن اسمى ؟ وباركه هناك . فدعا يعقوب اسم المكان “ فينيئل “ قائلاً: لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجيت نفسى .. لذلك لا يأكل بنو إسرائيل “ عرق النسا “ الذى على حق الفخذ إلى هذا اليوم لأنه (الله) ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النساء !! “ (سفر التكوين الاصحاح: 32)
.. نعم تخليداً لذكرى هذه المصارعة نشأ حكم فقهى بتحريم العمل يوم الراحة الإلهية .
وكم يفخر اليهود إذ كان أبوهم بهذه المثابة من القوة التى عاجزت الإله، وكادت توقع به الهزيمة !!
القرآن الكريم يجب على هذا السؤال: “ أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى ؟ بلى إنه على كل شىء قدير “ (الأحقاف: 33)
ومن البدائه أن يكون الخلاق الكبير فوق الإجهاد، وذهاب القوة: “ وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلى العظيم “ (البقرة: 255) .
ولذلك يقول مثبتاً هذه الحقيقة: “ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب” (ق: 38)
لكن العهد القديم يذهب غير المذهب، ويصف الله فيقول:
“ وفرغ الله فى اليوم السادس من عمله فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل، وبارك الله السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقاً “ (سفر التكوين: الاصحاح الثانى) .
ودعك من الركاكة التى صيغت بها هذه العبارات، فقد يكون المترجم هابط الأسلوب فى التعبير عن معنى ما، لكنك لا تستطيع أن تفهم معنى آخر من هذا الكلام، إلا أن الله “ استراح “ من جميع أعماله فى اليوم السابع، هذه الأعمال التى أداها بوصفه خالقاً .
واليهود يحرمون العمل يوم السبت، ويقدسونه، وجاء فى التوراة أن موسى أمر بأن يقتل رجماً أحد الحطابين الذين أبوا إلا الكدح فى هذا اليوم !
كيف جرى الحديث عن الله بهذه الكلمات ؟ لعلها غلطة ناقل، لكن الحديث عن عجز الله تبعه حديث آخر عن جهله !!
واسمع إلى وصف العهد القديم لآدم وزوجه بعدما أكلا من الشجرة:
“ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فى وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت ؟ فقال: سمعت صوتك فى الجنة فخشيت لأنى عريان فاختبأت . فقال: من أعلمك أنك عريان، هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها ؟ .. “ (سفر التكوين: الاصحاح الثالث)
ما هذا ؟ كان الإله يتمشى فى الجنة خالى البال مما حدث، ثم تكشفت له الأمور شيئاً فشيئاً، فعرف أن آدم خالف عهده، وأكل من الشجرة المحرمة !
تصوير ساذج يبدو فيه رب العالمين وكأنه فلاح وقع فى حقله ما لم ينتظر !
ما أبعد الشقة بين هذا التصوير وبين وصف الله لنفسه فى القرآن العظيم: “ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد “ (ق: 16) “ وما تكون فى شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه “ (يونس: 61)
وقد أعقب هذا “ الجهل الإلهى “ قلق غريب، فإن الله يبدو وكأن ملكه مهدد بهذا التمرد الآدمى .
لقد أكل آدم من الشجرة ـ شجرة المعرفة ـ وارتفع بهذا العصيان إلى مصاف الآلهة فقد أدرك الخير والشر، وكان الرب عندما خلقه حريصاً على بقائه جاهلاً بهما .
ومن يدرى ربما ازداد تمرده وأكل من شجرة الخلد وظفر بالخلود، إنه عندئذ سوف ينازع الله حقه، إذن فليطرد قبل استفحال أمره .
جاء فى العهد القديم:
“ وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التى أخذ منها، وطرد الإنسان وأقام شرقى جنة عدن الكروييم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة “ (التكوين: الاصحاح الثالث).
لكن سيرة آدم وأبنائه على ظهر الأرض لم تكن مرضية لله . إن منهجه فى الحياة ضل بالآثام والمتاعب، ولم يكن الله حين خلقه يعرف أنه سيكون شريراً إلى هذا الحد، لقد فوجئ بما وقع، ومن أجل ذلك حزن الرب وتأسف فى قلبه أن خلق آدم وأبناء آدم ..
قال العهد القديم:
“ فحزن الرب أنه عمل الإنسان، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذى خلقته، .. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأنى حزنت أنى عملتهم..“ (التكوين: الاصحاح السادس) .
الحق أننى أدهش كل الدهشة للطفولة الغريرة التى تضح من هذا الحديث الخرافى عن الله جل جلاله.
إن الإله فى هذه السياقات الصبيانية كائن قاصر .. متقلب .. ضعيف .
وما أشك فى أن مؤلف هذه السطور كان سجين تصورات وثنية عن حقيقة الألوهية وما ينبغى لها ..
وأول ما نستبعده حين نقرأ هذه العبارات أن تكون وحياً، أو شبه وحى ..
ومع ذلك فإن اليهود والنصارى يقدسون ذلك الكلام، ويقول أحد القساوسة: “ الكتاب المقدس ـ يعنى العهدين معاً ـ هو صوت الجالس على العرش، كل سفر من أسفاره أو اصحاح من اصحاحاته أو آية من آياته هو حديث نطق به الكائن الأعلى ! “ .
والمرء لا يسعه إلا أن يستغرق فى الضحك وهو يسمع هذا الكلام ! إنه إله أبله هذا الذى ينزل وحياً يصف فيه نفسه بالجهل والضعف والطيش والندم .
ونحن المسلمون نعتقد أن الكتاب النازل على موسى برىء من هذا اللغو، أما التوراة الحالية فهى تأليف بشرى سيطرت عليه أمور ثلاثة:
الأول: وصف الله بما لا ينبغى أن يوصف به، وإسقاط صورة ذهنية معتلة على ذاته “ سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً “ .
الثانى: إبراز بنى إسرائيل وكأنهم محور العالم، وأكسير الحياة، وغاية الوجود .. فهم الشعب المختار للسيادة والقيادة لا يجوز أن ينازعوا فى ذلك .
الثالث: تحقير الأمم الأخرى، وإرخاص حقوقها، وإلحاق أشنع الأوصاف بها وبأنبيائها وقادتها .
وقد تتخلل هذه الأمور بقايا من الوحى الصادق، والتوجيهات المبرأة، بيد أن الأسفار الشائعة الآن تغلب عليها الصبغة التى لاحظناها .
وها نحن أولاء نسوق الأدلة على ما قلنا مكتفين بالشواهد من سفر التكوين وحده، لأن الانتقال إلى غيره يطيل حبل الحديث .
فى هذا السفر أعلن الله ندمه على إغراق الأرض بالطوفان .
وقال لنوح: لن أرتكب هذه الفعلة مرة أخرى ! وسأضع علامة تذكرنى بذلك حتى لا أعاود إهلاك الحياة والأحياء،
وهاك النص:
“ وكلم الله نوحاً وبينه معه قائلاً: .. أقيم ميثاقى معكم فلا ينقرض كل ذى جسد أيضاً بمياه الطوفان، ولا يكون أيضاً طوفان ليخرب الأرض، وقال الله: هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التى معكم إلى أجيال الدهر، وضعت قوسى فى السحاب فتتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض، فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس فى السحاب .. فمتى كان القوس فى السحاب أبصرها لأذكر ميثاقاً أبدياً بين الله وبين كل نفس حية فى كل جسد على الأرض .. “ (الاصحاح التاسع من سفر التكوين) .
هذا هو التفسير لقوس قزح، وتحلل اللون الأبيض إلى عناصره المعروفة بألوان الطيف، كما شرح ذلك علماء الطبيعة .. قوس قزح هى قوس الله يبرزها فى الأفق إشارة إلى العهد الذى أخذه على نفسه كى لا يغرق الأرض مرة أخرى، إنه يرى هذه القوس فيتذكر، حتى لا يتورط فى طوفان آخر !!
ورأيى أن الطوفان القديم كان عقوبة لقوم نوح وحدهم، وأنه ليس غرقاً استوعب سكان القارات الخمس . فما ذنب هؤلاء المساكين ونوح رسالته محلية لا عالمية، اللهم إلا إذا كان المعمور يومئذ من هذا الكوكب ديار نوح وحسب .
وأياً ما كان الأمر، فإن وصف الله بالضيق لما ارتكب من إغراق الأرض، وتعهده ألا يفعل ذلك، أمر يليق بالخلق لا بالخالق .. بالناس لا برب الناس .
على أن هذه القصة أيسر من دعوة الله إلى ضيافة نبيه إبراهيم، لقد قدم الله فى شكل رجل مع اثنين من ملائكته، وأقام لهم إبراهيم وليمة دسمة، فأكلوا منها جميعاً !!
وكان إبراهيم حريصاً على إحراز هذا الشرف، شرف أن يأكل الله فى بيته، فلما لبى الله الدعوة أسرع الرجل الكريم فى إعداد مائدة مناسبة ! وهاك القصة كما رواها سفر التكوين:
“ وظهر له الرب .. ونظر وإذا ثلاثة رجال .. وقال: يا سيد (يقصد الله) إن كنت قد وجدت نعمة فى عينيك فلا تتجاوز عبدك .. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: اعجنى واصنعى خبز ملة، ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وحيداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذى عمله ووضعها قدامهم وإذا كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا، وقالوا له: .. ويكون لسارة امرأتك ابن .. فضحكت سارة فى باطنها قائلة: بعد فنائى يكون لى تنعم وسيدى قد شاخ ! فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة .. ؟ هل يستحيل على الرب شىء ؟ “ (الاصحاح الثامن عشر من سفر التكوين)
ونتجاوز هذه المائدة الدسمة التى أكل منها الرب وملائكته، لنقف بإزاء قصة أخرى من أغرب وأفجر ما اختلق الروائيون !!
القصة الجديدة تحكى مصارعة بين “ الله “ وعبده “ يعقوب “ !
.. وهذه المصارعة دامت ليلاً طويلاً، وكاد يعقوب يفوز فيها لولا أن الطرف الآخر فى
المصارعة ـ وهو الله !! ـ لجأ إلى حيلة غير رياضية هزم بعدها يعقوب !
ومع ذلك فإن يعقوب تشبث بالله وأبى أن يطلقه حتى نال منه لقب “ إسرائيل “ !!
ومنحه الله هذا “ اللقب الفخرى “ ثم تركه ليصعد إلى العرش ويدير أمر السماء والأرض، بعد تلك المصارعة الرهيبة !!
أى سخف هذا، وأى هزل ؟؟
أى عقل مريض أوحى بهذا القصص السفيه ؟؟
ولكن اليهود يريدون أن يرفعوا مكانة جدهم الأعلى، ولا عليهم أن يختلقوا ما يستغربه الخيال، وهاك القصة بأحرفها من سفر التكوين:
“ فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه، وقال: أطلقنى ! .. فقال: لا أطلقك إن لم تباركنى ! فقال له: ما اسمك ؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فى ما بعد يعقوب بل إسرائيل ..
وسأل يعقوب وقال: أخبرنى باسمك
فقال: لماذا تسأل عن اسمى ؟ وباركه هناك . فدعا يعقوب اسم المكان “ فينيئل “ قائلاً: لأنى نظرت الله وجهاً لوجه ونجيت نفسى .. لذلك لا يأكل بنو إسرائيل “ عرق النسا “ الذى على حق الفخذ إلى هذا اليوم لأنه (الله) ضرب حق فخذ يعقوب على عرق النساء !! “ (سفر التكوين الاصحاح: 32)
.. نعم تخليداً لذكرى هذه المصارعة نشأ حكم فقهى بتحريم العمل يوم الراحة الإلهية .
وكم يفخر اليهود إذ كان أبوهم بهذه المثابة من القوة التى عاجزت الإله، وكادت توقع به الهزيمة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق