حرية التعبير في الإسلام بين النظرية والتطبيق (1) إطار عام وكليات أساسية
الكاتب / نبيل شبيب
مايحويه المقال :
منطلقات أولية - حرية الفكر المطلقة - حرية التعبير المنضبطة - استخدام المصطلحات - المقارنة والمفاضلة - حاضنة القيم - سياق تاريخي ومعاصر - الخلل في مقارنات عبثية -
من المنطلق الإسلامي
يواجه التيار الإسلامي في ميدان حرية الفكر والنقد انتقادات "الآخر" –إلى درجة حملات مكثفة- ممّا يمكن تحديد معالمه الكبرى في النقاط التالية:
- لا ترضى الحركات الإسلامية بنقد لها من خارج نطاقها..
- ولا تمارس نقدا ذاتيا داخل نطاقها..
- ولا تقبل بحرية الفكر في العالم المحيط بها..
ويوجد من يتجاوز ذلك إلى الزعم القائل:
- إن غياب حرية الفكر والنقد حركيا صادر عن غيابهما في الإسلام نفسه.
ورغم وجود نقد ذاتي بدرجات متفاوتة، وصلت لدى بعض الجهات الإسلامية إلى ما يشبه الانقلاب على الذات فيما سمّي "مراجعات" من داخل نطاقها، ووصلت لدى أخرى إلى نقد إسلامي جوهري من خارج صفوفها، كما وصلت على الصعيد الفكري إلى مراجعة أطروحات كبرى سابقة.. رغم ذلك لم تنقطع تلك الحملات.. لماذا؟..
قد يظهر الغرض الأهمّ عند ملاحظة أخذِ معظم تلك الحملات صيغةَ التشكيك في مصداقية ما أعلنت عنه جهات إسلامية عديدة، فكرية وحركية، بصدد قبول الاحتكام إلى الإرادة الشعبية على الصعيد السياسي، فالمطلوب من الحملات إذن تعليل الاتهام القائل إنّها تريد امتطاء الإرادة الشعبية عبر الانتخابات مثلا للوصول إلى السلطة، فإن حققت هدفها، انقلبت على سواها، وحجرت عليهم حرية الفكر والنقد وأسقطت مبدأ التداول على السلطة تحت عنوان "الديمقراطية".
ليس المقصود بالخواطر التالية الخوض في دفاع أو نقد إزاء "التيار الإسلامي" ولا مناقشة هذه الاتهامات أو تفنيدها، فهي من قبيل ممارسات لعبة سياسية، بوسائل مقبولة وغير مقبولة، نزيهة وغير نزيهة، وليس من شأن الاستغراق فيها أن يوضع حدّ لها، بل إنّ أهل اللعبة السياسية هم الأحوج إلى مراجعة أنفسهم، ولا تستقيم اللعبة السياسية على أسس نزيهة دون أرضية من القيم تنقّيها من شوائبها، وأرضية من القواعد المتوافق عليها لضبط مسارها، وليس هذا موضوع هذه الخواطر، إنما تستهدف التأمّل في الإطار العام الذي يدور فيه الجدل حول حرية الفكر والنقد من المنظور الإسلامي بالمقارنة مع سواه، سواء في ذلك ما يصدر عن خصوم التيار الإسلامي، أو ما يتردّد في نطاقه، مع الحرص على التبسيط للوصول بالحصيلة إلى أوسع دائرة ممكنة، وعلى وجه التحديد إلى جيل المستقبل من الصحوة الإسلامية، حول موضوع لا يصحّ حصره في نطاق فئة دون أخرى، وعسى تمهّد الحصيلة لخواطر أخرى تتناول استكشاف معالم عامة لِما ينبغي أن تكون عليه ضوابط ممارسة حرية الفكر والنقد إسلاميا في واقعنا المعاصر.
- لا ترضى الحركات الإسلامية بنقد لها من خارج نطاقها..
- ولا تمارس نقدا ذاتيا داخل نطاقها..
- ولا تقبل بحرية الفكر في العالم المحيط بها..
ويوجد من يتجاوز ذلك إلى الزعم القائل:
- إن غياب حرية الفكر والنقد حركيا صادر عن غيابهما في الإسلام نفسه.
ورغم وجود نقد ذاتي بدرجات متفاوتة، وصلت لدى بعض الجهات الإسلامية إلى ما يشبه الانقلاب على الذات فيما سمّي "مراجعات" من داخل نطاقها، ووصلت لدى أخرى إلى نقد إسلامي جوهري من خارج صفوفها، كما وصلت على الصعيد الفكري إلى مراجعة أطروحات كبرى سابقة.. رغم ذلك لم تنقطع تلك الحملات.. لماذا؟..
قد يظهر الغرض الأهمّ عند ملاحظة أخذِ معظم تلك الحملات صيغةَ التشكيك في مصداقية ما أعلنت عنه جهات إسلامية عديدة، فكرية وحركية، بصدد قبول الاحتكام إلى الإرادة الشعبية على الصعيد السياسي، فالمطلوب من الحملات إذن تعليل الاتهام القائل إنّها تريد امتطاء الإرادة الشعبية عبر الانتخابات مثلا للوصول إلى السلطة، فإن حققت هدفها، انقلبت على سواها، وحجرت عليهم حرية الفكر والنقد وأسقطت مبدأ التداول على السلطة تحت عنوان "الديمقراطية".
ليس المقصود بالخواطر التالية الخوض في دفاع أو نقد إزاء "التيار الإسلامي" ولا مناقشة هذه الاتهامات أو تفنيدها، فهي من قبيل ممارسات لعبة سياسية، بوسائل مقبولة وغير مقبولة، نزيهة وغير نزيهة، وليس من شأن الاستغراق فيها أن يوضع حدّ لها، بل إنّ أهل اللعبة السياسية هم الأحوج إلى مراجعة أنفسهم، ولا تستقيم اللعبة السياسية على أسس نزيهة دون أرضية من القيم تنقّيها من شوائبها، وأرضية من القواعد المتوافق عليها لضبط مسارها، وليس هذا موضوع هذه الخواطر، إنما تستهدف التأمّل في الإطار العام الذي يدور فيه الجدل حول حرية الفكر والنقد من المنظور الإسلامي بالمقارنة مع سواه، سواء في ذلك ما يصدر عن خصوم التيار الإسلامي، أو ما يتردّد في نطاقه، مع الحرص على التبسيط للوصول بالحصيلة إلى أوسع دائرة ممكنة، وعلى وجه التحديد إلى جيل المستقبل من الصحوة الإسلامية، حول موضوع لا يصحّ حصره في نطاق فئة دون أخرى، وعسى تمهّد الحصيلة لخواطر أخرى تتناول استكشاف معالم عامة لِما ينبغي أن تكون عليه ضوابط ممارسة حرية الفكر والنقد إسلاميا في واقعنا المعاصر.
منطلقات أولية
تستند الخواطر التالية إلى معطيات أو منطلقات أساسية، قد تمسّ في بعض جوانبها الحملات المشار إليها بطبيعة الحال، ولكن يأتي ذلك على هامش محاولة وصف الأرضية التي يتحرّك عليها أو ينبغي أن يتحرك عليها التيار الإسلامي على صعيد حرية الفكر والنقد.
من هذه المعطيات أو المنطلقات:
1- الحركات الإسلامية في حاجة دائمة إلى تطوير نفسها مع تطوّر العالم والعصر من حولها، ومن ذلك ما يوجب المراجعة والمحاسبة الذاتية أو النقد الذاتي، والتقويم والتصحيح باستمرار. 2- وجود الحركات الإسلامية مرتبط بانطلاقها من الإسلام نفسه، ويجب أن تستمدّ منه جميع نهجها، ومن ذلك ضوابط النقد الذاتي وحرية الفكر، وإن استفادت بطبيعة الحال من تصوّرات الآخرين وتجاربهم، فإن لم يكن الإسلام هو المصدر الأساسي والحاسم لها، يصبح وصفها بالإسلامية مجازيا، شأنها في ذلك شأن سواها ممّا يحمل مسمّيات أخرى، إذا تخلّى عمّا يلتزم به من مشاربه ومصادره الذاتية. 3- لا ينفصل واقع الحركات الإسلامية بصدد حرية الفكر وواجب النقد الذاتي في أطروحاتها وممارساتها داخليا وفي تعاملها مع الآخر، عن الوسط التاريخي والواقعي المحيط بها، فهي جزء منه ومن الأمّة التي تنتمي إليها، فلا ينبغي أيضا فصل الحديث عن إيجابياتها وسلبياتها عن مفعول المؤثرات المحيطة بها. 4- الحركات الإسلامية بحد ذاتها وسيلة مستحدثة قبل عقود معدودة، لتحقيق هدف أكبر منها، هو الثابت ما دام مرتبطا بالإسلام وواقع الأمة والعالم والعصر، فلا ينفي تطويرُ نفسها تبعا لذلك، أن ينطوي التطوير على تعديل الوسيلة من حيث الأساس، ويبقى الهدف، بل يمكن أن يقع الخيار على وسيلة بمعالم جديدة فيتابع العمل الإسلامي أو التيار الإسلامي مساره بصيغة مختلفة، غير الحركية التي كان عليها في عقود سابقة. 5- حرية الفكر والنقد الذاتي من "الواجبات" المبدئية الأساسية التي ترتبط صورها التطبيقية المتعددة على مستوى جماعي في جماعات وأحزاب واتحادات مصلحية، أو في دول ومجتمعات وتنظيمات أهلية، أو في نطاق الأسرة البشرية عموما، ارتباطا وثيقا بالرؤى والممارسات الفردية، على مستوى القيادات والنخب وعلى مستوى القواعد، فلا ينفصل الحديث عن هذه الواجبات المبدئية وتطبيقها جماعيا عن الحديث عنها على مستوى الفرد، وعناصر تكوينه، وبقدر ما يتحقق المطلوب في تصوّرات الأفراد وممارساتهم يتحقق المطلوب على المستوى الجماعي. 6- لا ينبغي في أي عملية نقد ذاتي وتطوير إهمال عنصر الزمن، لا سيما وأن سرعة تطوّرات العالم والعصر أصبحت أضعاف ما كانت عليه عند نشأة العمل الحركي الإسلامي.
حرية الفكر المطلقة
لئن وُجدت في نطاق أيّ منظومة تطبيقية للعلاقات البشرية حرية "مطلقة" فهي حرية الفكر، أو التفكير، وتنضوي تحت هذا العنوان حرية الإحساس أو المشاعر أو الأذواق.
هنا لا يوجد فارق بين منظومة وأخرى، لأن من طبيعة حرية الفكر استحالة تقييدها، لا في الإسلام ولا سواه، فالفكر محجوب عن حواسّ الآخرين، لا يمكن رصده، وبالتالي لا يستطيع بشر أن يحاسب بشرا عليه، ولا يوجد قضاء معتبر يحاسب على "النوايا" كما هو معروف، وعندما يقع ذلك (كما تصنع محاكمات عشوائية في أنظمة استبدادية، أو يصنع الاستبداد الدولي مع الدول الأضعف، وهو ما اشتهر مثلا في ميدان حظر صناعة السلاح النووي على مَن لا يملكه!!) يظهر للعيان مدى تجاوز الحدود العقلية المنطقية، تجاوزا خطيرا وقالتلا في كثير من الأحيان، بغض النظر عن اختلاف الرؤى والمعتقدات.
رغم ذلك نرصد المغالطات عند الحديث –بصيغة الاتهام غالبا- حول "حجر حريات الفكر" بينما المقصود هو حجر "حرية التعبير بالكلمة" أو "حرية التعبير الفني" أو "حرية التعبير نقدا" وما شابه ذلك ممّا يجتمع تحت عنوان "حرية التعبير".
هنا لا يوجد فارق بين منظومة وأخرى، لأن من طبيعة حرية الفكر استحالة تقييدها، لا في الإسلام ولا سواه، فالفكر محجوب عن حواسّ الآخرين، لا يمكن رصده، وبالتالي لا يستطيع بشر أن يحاسب بشرا عليه، ولا يوجد قضاء معتبر يحاسب على "النوايا" كما هو معروف، وعندما يقع ذلك (كما تصنع محاكمات عشوائية في أنظمة استبدادية، أو يصنع الاستبداد الدولي مع الدول الأضعف، وهو ما اشتهر مثلا في ميدان حظر صناعة السلاح النووي على مَن لا يملكه!!) يظهر للعيان مدى تجاوز الحدود العقلية المنطقية، تجاوزا خطيرا وقالتلا في كثير من الأحيان، بغض النظر عن اختلاف الرؤى والمعتقدات.
رغم ذلك نرصد المغالطات عند الحديث –بصيغة الاتهام غالبا- حول "حجر حريات الفكر" بينما المقصود هو حجر "حرية التعبير بالكلمة" أو "حرية التعبير الفني" أو "حرية التعبير نقدا" وما شابه ذلك ممّا يجتمع تحت عنوان "حرية التعبير".
حرية التعبير المنضبطة
يوجد عدد كبير من النظريات حول الحريات عموما، بما في ذلك حرية التعبير، إنّما لا توجد أيّ نظرية تقول إنّ حرية التعبير عن الأفكار والخواطر أو الأحاسيس والمشاعر أو الرؤى والتصوّرات مطلقة دون حدود ولا قيود ولا ضوابط، وأقصى ما يقترب من تلك الحالة المطلقة المتوهّمة -بمعنى استحالة تحقيقها على أرض الواقع- ما يربط بين حرية التعبير لدى طرف من الأطراف بحرية طرف آخر، وهذا ما اشتهر في عبارة "تنتهي حدود حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين"، ثم تتفاوت الرؤى من خلال "تفسير" هذه العبارة لتطبيق مقتضاها، فالمساس بحرية الآخرين عبر ممارسة حرية التعبير يشمل في نظر فريق المساسَ بالمعتقدات مثلا، وليس هذا ساريا في نظر فريق آخر، كما ظهر في الجدل المعروف حول "الإساءات" وبالتالي حول أولوية حرية التعبير في الغرب إزاء حرية المعتقدات الدينية وبالتحديد الإسلامية.
إذا قلنا تبعا لذلك: إن فكر العلمانية السائدة في الغرب ينطلق لأسباب تاريخية من إعطاء الأولوية لحرية التعبير تجاه حرية المعتقد، فلا يعني هذا القول أنّها حرية مطلقة.
إذا قلنا تبعا لذلك: إن فكر العلمانية السائدة في الغرب ينطلق لأسباب تاريخية من إعطاء الأولوية لحرية التعبير تجاه حرية المعتقد، فلا يعني هذا القول أنّها حرية مطلقة.
من الأدلة المعروفة على ذلك:
عندما تنطوي ممارسة حرية التعبير على المساس بكرامة إنسان آخر من خلال شتيمته مثلا، يمكن مقاضاة مَن مارسها على أنّه أساء استخدامها، بمعنى تجاوز "الحدود" التي تقيّدها، فهي في نهاية المطاف –كسواها من الحريات- مقيدة وليست مطلقة.
بل هذا ما يسري أيضا في المجتمعات العلمانية الغربية على الحرية الشخصية من حيث حرية تصرّف الفرد بما يملك، (وهذه الحرية مقدّمة على سواها في الرؤى الليبرالية السائدة مع العلمانية، لا سيما فيما يسمّى الليبرالية الجديدة) فإن استخدم الفرد ماله في "شراء أصوات انتخابية" ظهر أحد القيود التي تؤكّد أنها حرية مقيدة أيضا.
ليست الحريات مطلقة، ولكن شهد تقلّب تطبيقات النظم الوضعية مبالغاتٍ لحساب إحداها على الأخرى، وقد تصل المبالغات إلى درجات قصوى، فيطغى جانب على جانب، ومن ذلك ما يكشف عنه استخدامُ تعبير "الرأسمالية المتوحّشة" -بأقلام مفكرين غربيين- لوصف ما وصلت إليه تطبيقات "الليبرالية الجديدة".
استخدام المصلحات
الجدير بالتنويه في هذا الموضع تبعا لما سبق:
- وجوب الحذر إزاء تعابير تُستخدم كمصطلحات مثل "الحرية المطلقة" دون أن يكون لها مفهوم نظري ولا وجود تطبيقي..
- وكذلك الحذر مع ما هو من المصطلحات فعلا، مثل حرية التعبير أو الحرية الشخصية أو "الليبرالية"، نظرا إلى التقلبات الدائمة في الرؤى النظرية لتعريفها، ما بين جهة فلسفية وأخرى، وحقبة زمنية وحقبة، وكذلك التقلّبات في التطبيق العملي لهذه المصطلحات، في دار نشأتها الأولى، أي الدائرة المعرفية القديمة والحديثة في الغرب، ناهيك عن التقلّبات في فهمها وتطبيقها بعد استيرادها إلى الدائرة المعرفية الإسلامية..
- هذا مع ملاحظة أمر جوهري، وهو أنّ كلمة "استيراد" هنا لا تنفي حقيقة أنّ في الدائرة المعرفية الإسلامية، منذ نشأتها مع الإسلام، معينا ضخما وثابتا من المبادئ والواجبات، التي تنبثق عنها الحريات والحقوق الإنسانية الأساسية، سيّان هل جرى تعريفها عبر مسمّيات ومصطلحات حديثة، أم اعتُمد في تعريفها ما يتوافر من مسميات ومصطلحات ذاتية (كان العلماء المسلمون الأوائل يطلقون كلمة "المواضعة" على ما يعرف حديثا بتعبير "المصطلح"، وهم الأوائل في تاريخ المعرفة البشرية من حيث الأخذ بأسلوب تحديد المواضعة/ المصطلح بتعريفٍ يثبّت مفهوما مُحْكما).
المقارنة والمفاضلة
بالعودة إلى سياق الحديث، نعلم من حيث الأساس بوجود اختلاف في التنظير للحريات عموما، فضلا عن التطبيق، ونجد الاختلاف على سبيل المثال في ميدان تقييد الحرية الفردية المالية، إذ يُحظر على الفرد في المنظومة العلمانية أن يُلحق الضرر بسواه عبر إنفاق ماله في صناعة المخدّرات والتجارة بها، ولكن لا يُحظر عليه أن يلحق الضرر بسواه بإنفاق ماله في صناعة المشروبات الكحولية والتجارة بها، ممّا يرتبط بأسلوب التعريف التقنيني للضرر، وارتباطه بعوامل عديدة، منها المصلحة المالية، بينما لا تميّز المنظومة الإسلامية بين هذا وذاك، مهما بلغ شأن المصلحة المالية، فما ثبت ضرره على الإنسان يحرم الاتجار به بغض النظر عن المصلحة المالية، وفق المبدأ الأشمل: لا ضرر ولا ضرار.
ولا تضع المنظومة العلمانية –مثلا آخر- قيودا تُذكر على حرية الفرد المالية في الإنفاق على ما يلحق الضرر بنفسه، فإن صنع ذلك عبر شراء المخدّرات وتعاطيها، يُلاحَق التاجر بها بينما يُعتبر المدمن مريضا يعالج، وتقتصر العقوبات على "حيازة المخدرات" فلا تشمل تعاطيها، وفي المقابل يمكن أن تحظر المنظومة الإسلامية على المدمن حرية إنفاق ماله بنفسه، كيلا يلحق الضرر بنفسه، فتُفرض الوصاية عليه وفق المبدأ الأشمل: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، وإن اعتُبر المدمن في الوقت نفسه مريضا في حاجة إلى علاج.
إن مواطن الاختلاف في التنظير للتعبير عن الحرية الفكرية وما ينبثق عنها كحرية التعبير، تشابه مواطن الاختلاف في هذا المثال على صعيد الحرية الفردية المالية، ويزيد على ذلك أنّ من طبيعة حرية التعبير ما يضاعف صعوبة الصياغة المتوازنة للقيود أو الضوابط على صعيدها. هذا ما يسري على الإسلام، ويسري على العلمانية ومختلف التصوّرات البشرية الأخرى.
يبقى الثابت على أي حال:
السؤال الحاسم إذن: أي التصوّرات أقلّ تقييدا لحرية "الآخر" في دائرة سلطانه؟..
ولا يغيب عن الأذهان هنا، أنّ هذه الصياغة الإجمالية المبسّطة للسؤال، لا تنفي ما يتفرّع عنها، إذ لا يمكن أن يكون الجواب "كمّيا"، بل ينبغي أن يشمل ما يتفرّع عن هذا السؤال الإجمالي، ومن ذلك مثلا: ما هي الأسس والكيفية السارية المفعول على عملية تقنين القيود المعنية، ما هي الجدوى الإيجابية المتوخاة منها، كيف يتحقق التوازن بين الجدوى المتوخّاة وبين السلبيات بمنظور ما تشمله عملية التقييد حظرا... وغير ذلك ممّا يمسّ القيمة النوعية للقيود وجدواها. 1- على صعيد الحريات عموما: المفاضلة بين تصوّر وآخر (كالإسلامي والعلمانية) من حيث منظومة الحريات الفردية والجماعية، لا يمكن أن تقوم منهجيا إلا على أساس المفاضلة بين درجات تقييد الحريات، وليس عبر التعميم، كالقول إنّها مطلقة هنا ومقيدة هنا. 2- على صعيد حرية التعبير تخصيصا: إذا كان كلّ تصوّر يثبّت لأصحابه على كل حال حرية التعبير في نطاق الرؤى التي يلتزمها (بغض النظر عن شطحات تطبيقية لتقييد ما لا ينبغي تقييده من تعدّدية اجتهادية في نطاق كل تصوّر على حدة) فإنّ الجانب الحاسم من المفاضلة بين تصوّرين كالإسلام والعلمانية، يتركّز في نهاية المطاف على مساحة حرية التعبير التي يتيحها لأصحاب التصورات الأخرى، أو مدى القيود التي يفرضها.
ولا تضع المنظومة العلمانية –مثلا آخر- قيودا تُذكر على حرية الفرد المالية في الإنفاق على ما يلحق الضرر بنفسه، فإن صنع ذلك عبر شراء المخدّرات وتعاطيها، يُلاحَق التاجر بها بينما يُعتبر المدمن مريضا يعالج، وتقتصر العقوبات على "حيازة المخدرات" فلا تشمل تعاطيها، وفي المقابل يمكن أن تحظر المنظومة الإسلامية على المدمن حرية إنفاق ماله بنفسه، كيلا يلحق الضرر بنفسه، فتُفرض الوصاية عليه وفق المبدأ الأشمل: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، وإن اعتُبر المدمن في الوقت نفسه مريضا في حاجة إلى علاج.
إن مواطن الاختلاف في التنظير للتعبير عن الحرية الفكرية وما ينبثق عنها كحرية التعبير، تشابه مواطن الاختلاف في هذا المثال على صعيد الحرية الفردية المالية، ويزيد على ذلك أنّ من طبيعة حرية التعبير ما يضاعف صعوبة الصياغة المتوازنة للقيود أو الضوابط على صعيدها. هذا ما يسري على الإسلام، ويسري على العلمانية ومختلف التصوّرات البشرية الأخرى.
يبقى الثابت على أي حال:
السؤال الحاسم إذن: أي التصوّرات أقلّ تقييدا لحرية "الآخر" في دائرة سلطانه؟..
ولا يغيب عن الأذهان هنا، أنّ هذه الصياغة الإجمالية المبسّطة للسؤال، لا تنفي ما يتفرّع عنها، إذ لا يمكن أن يكون الجواب "كمّيا"، بل ينبغي أن يشمل ما يتفرّع عن هذا السؤال الإجمالي، ومن ذلك مثلا: ما هي الأسس والكيفية السارية المفعول على عملية تقنين القيود المعنية، ما هي الجدوى الإيجابية المتوخاة منها، كيف يتحقق التوازن بين الجدوى المتوخّاة وبين السلبيات بمنظور ما تشمله عملية التقييد حظرا... وغير ذلك ممّا يمسّ القيمة النوعية للقيود وجدواها. 1- على صعيد الحريات عموما: المفاضلة بين تصوّر وآخر (كالإسلامي والعلمانية) من حيث منظومة الحريات الفردية والجماعية، لا يمكن أن تقوم منهجيا إلا على أساس المفاضلة بين درجات تقييد الحريات، وليس عبر التعميم، كالقول إنّها مطلقة هنا ومقيدة هنا. 2- على صعيد حرية التعبير تخصيصا: إذا كان كلّ تصوّر يثبّت لأصحابه على كل حال حرية التعبير في نطاق الرؤى التي يلتزمها (بغض النظر عن شطحات تطبيقية لتقييد ما لا ينبغي تقييده من تعدّدية اجتهادية في نطاق كل تصوّر على حدة) فإنّ الجانب الحاسم من المفاضلة بين تصوّرين كالإسلام والعلمانية، يتركّز في نهاية المطاف على مساحة حرية التعبير التي يتيحها لأصحاب التصورات الأخرى، أو مدى القيود التي يفرضها.
حاضنة القيم
من المعروف بداهة وقياسا على المثالين السابقين بصدد الحرية الفردية المالية:
إن حرية التعبير بالمنظور الإسلامي تفقد خواصّها الأساسية ومقاصدها وما تحققه على أرض الواقع في حالة انتزاعها والأخذ بها منفصلة عن سواها لتطبيقها في نطاق منظومة علمانية.
والعكس صحيح.
هذا ما يسري على الحريات الأخرى، إنّما لا يسري على بعض التفاصيل والوسائل، ولهذا نرصد في الوقت الحاضر مثلا أطروحات غربية تريد الأخذ ببعض "القواعد والوسائل" المستمدّة من المنظومة الإسلامية في عالم المعاملات المالية، وتوطينها في المنظومة المالية العلمانية الرأسمالية/ الليبرالية الغربية، إنّما لا يمكن أن تأخذ منظومة علمانية بالأسس الإسلامية التي تقوم عليها العلاقات المالية من حقوق وواجبات وبالتالي الحريات المقنّنة، لتوطينها في صيغة تطبيقية علمانية.
والعكس صحيح.
الإشكالية كامنة في ترابط عناصر المنظومة المعنية، الإسلامية أو العلمانية، مع بعضها بعضا، والتأثير المتبادل ما بين تلك العناصر في جميع الميادين، تنظيرا وتطبيقا، فهذا ما يعطي التصوّر العام صيغة "منظومة" شمولية، ويميّزها عن سواها. ولئن كانت الحريات عموما كحرية إنفاق المال، مرتبطة بعوامل عديدة أخرى تؤثّر على تقنين تقييدها، فإن حريّة التعبير وجميع ما ينبثق من حرية الفكر، أشدّ ارتباطا وتشابكا مع عوامل عديدة أخرى، فلا يمكن انتزاعها من هذه الدائرة أصلا.
بتعبير آخر: لا تستقيم المقارنة بين حرية التعبير في المنظومة الإسلامية وحرية التعبير في المنظومة العلمانية إلا في إطار أشمل ينطوي على ما ترتبط به من تصوّرات وقواعد شاملة للمنظومة المعنية بأكملها.
إن المبادئ الأساسية ذات العلاقة المباشرة بالحريات والحقوق الإنسانية المعنوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بجملة من القيم، هي التي تميّز منظومة عن أخرى، وتصوّرا عن تصوّر، وتميز بالتالي ما بين الإسلام والعلمانية، فلا يمكن نقل المبادئ والقيم أو نقل بعضها، وإن أمكن تناقل بعض الوسائل الآليّة التطبيقية الصالحة لسريان مفعول المبادئ والقيم الأساسية رغم اختلافها عن بعضها بعضا، كآلية بعض المعاملات المالية الإسلامية في منظومة علمانية كما ورد آنفا، أو آلية الانتخاب الحديثة نسبيا مثلا آخر، فهي آلية صالحة للتعبير عن إرادة شعبية، سواء في نطاق منظومة علمانية أو منظومة إسلامية.
سياق تاريخي ومعاصر
1- إنّ ما طرحته العلمانية نظريا وطبقه العلمانيون عمليا على صعيد حرية التعبير وثيق الصلة (أ) بالسياق التاريخي لنشأة العلمانية في أرضها، وفي عالمها وعصرها آنذاك، والذي انطلق العلمانيون منه في عملية تغيير ما زالت متواصلة إلى العصر الحاضر.. (ب) بالتطوّرات التاريخية اللاحقة للأشكال التطبيقية، سلبا وإيجابا، التزاما وانحرافا، وهذا ما وصل تدريجيا إلى "الحالة الآنية" لحرية التعبير.. (ت) وذلك ضمن إطار الحالة الآنية لمجموعة قيم أخرى وضعتها المصادر البشرية للعلمانية، وتجد تطبيقها بدرجات متفاوتة حاليا، فما يُطبق منها يؤثر على مشهد "حرية التعبير" في نطاق الصورة الشاملة، تأثيرا إيجابيا بالمقاييس العلمانية، وما لا يُطبق من القيم الأخرى يؤثّر غيابه على ذلك المشهد، تأثيرا سلبيا بالمقاييس العلمانية.
مثال توضيحي:
استقلال القضاء قيمة من القيم التي تجد التطبيق على نطاق واسع نسبيا، فتترك أثرها الإيجابي على قطاع حرية التعبير أيضا. واستفحلت بالمقابل انحرافات تطبيق الحرية الشخصية على الصعيد المالي/ المادي، فأدّى فيما أدّى إليه إلى احتكار مالي لوسائل التعبير، وترك ذلك أثره سلبيا عبر تغييب نصيب كبير من جدوى ممارسة حرية التعبير الفردي.
من حيث المبدأ: لا يختلف السياق التاريخي والمعاصر من حيث تأثيره على عنصر معين كحرية التعبير في المنظومة الإسلامية عن المشهد المذكور في ظلّ المنظومة العلمانية إجمالا. فما طرحه الإسلام نظريا وطبقه المسلمون على صعيد حرية التعبير وثيق الصلة (أ) بالسياق التاريخي الذي عاصر تنزيل الوحي محليا وعالميا، والذي انطلق الإسلام منه في عملية التغيير الحضارية الكبرى، المتواصلة ما دامت حياة البشرية متواصلة.. (ب) بالتطوّرات التاريخية اللاحقة للأشكال التطبيقية، سلبا وإيجابا، التزاما وانحرافا، والتي وصلت تدريجيا إلى "الحالة الآنية".. (ت) وذلك ضمن إطار الحالة الآنية لمجموعة قيم إسلامية أخرى، من حيث تطبيقها وعدم تطبيقها، وبالتالي تأثير التطبيق إيجابيا على موقع "حرية التعبير" في الصورة الشاملة بمجموعها، أو تأثير عدم التطبيق سلبيا على ذلك الموقع.
وهنا يظهر للعيان فارق جوهري بعيد التأثير:
إنّ الواقع التطبيقي للمنظومة العلمانية في مواطنها وبعض المواطن التي انتشرت فيها، شامل في الوقت الحاضر لنسبة عالية من منظومة قيمها ورؤى منظّريها، وشامل لعملية تطوير لا تتعرّض عموما لقيود وعراقيل داخل حدود سريان مفعولها رسميا، حيث تهيمن على السلطة تصوّرات من نسيج المنظومة العلمانية.
أمّا الواقع التطبيقي للمنظومة الإسلامية فمنحسر في الوقت الحاضر على صعيد نسبة عالية من منظومة قيمها ومقاصدها التشريعية وكلياتها الكبرى، كما أنّ كلّ عملية تطوير بمعنى التجديد، معرّضة لقيود وعراقيل داخل حدود الدائرة الحضارية الإسلامية نفسها، ومن خارج نطاقها، نتيجة هيمنة تصوّرات متسلّطة، غير منبثقة عن هذه المنظومة.
لا نجد تبعا لذلك قابلية إجراء مقارنة منهجية قويمة في أحكام تعميمية حول حرية التعبير حاليا كمثال، فسيّان كيف تجري المقارنة بصدد "عنصر واحد" فهي لا تراعي العوامل الإضافية المؤثّرة، من حاضنة القيم، ولا من سياق مجرى التاريخ، ولا من الواقع التطبيقي المعاصر.
بل يبلغ انحراف المقارنات والأحكام المستلخصة منها درجة صارخة، عندما يقال مثلا: إن حرية التعبير في المنطقة الحضارية الغربية واسعة النطاق، مقابل انعدام حرية التعبير نسبيا في المنطقة الحضارية الإسلامية، وهذا عامل يستدعي تفضيل العلمانية السائدة في تطبيقات الغرب، على الإسلام(...).
والانحراف ظاهر في غياب تكملة العبارة: "الإسلام الذي لا يجد التطبيق كما ينبغي في المنطقة الحضارية الإسلامية"، فهذه التكملة تُظهر تلقائيا خلل المقارنة، إذ كيف يُعزى إلى الإسلام المغيّب نقص قائم في غيابه، ناهيك عن إحلال كثير من الرؤى العلمانية مكانه، مقترنة بالاستبداد وما يقيم من عراقيل في وجه العودة إليه حياة وحكما!..
إذا كان واقع حرية التعبير في الدائرة الحضارية الإسلامية سلبيا، مرفوضا، جديرا بالتنديد والإدانة، فإنّ كل مقارنة تزعم نتائجها إن هذا يعود إلى الإسلام، رغم تغييب منظومته عن الحياة والحكم، وحصار الدعوة إلى العودة إليه حياة وحكما، هي مقارنة باطلة، سلبية، مرفوضة، جديرة بالتنديد والإدانة.
مثال توضيحي:
استقلال القضاء قيمة من القيم التي تجد التطبيق على نطاق واسع نسبيا، فتترك أثرها الإيجابي على قطاع حرية التعبير أيضا. واستفحلت بالمقابل انحرافات تطبيق الحرية الشخصية على الصعيد المالي/ المادي، فأدّى فيما أدّى إليه إلى احتكار مالي لوسائل التعبير، وترك ذلك أثره سلبيا عبر تغييب نصيب كبير من جدوى ممارسة حرية التعبير الفردي.
من حيث المبدأ: لا يختلف السياق التاريخي والمعاصر من حيث تأثيره على عنصر معين كحرية التعبير في المنظومة الإسلامية عن المشهد المذكور في ظلّ المنظومة العلمانية إجمالا. فما طرحه الإسلام نظريا وطبقه المسلمون على صعيد حرية التعبير وثيق الصلة (أ) بالسياق التاريخي الذي عاصر تنزيل الوحي محليا وعالميا، والذي انطلق الإسلام منه في عملية التغيير الحضارية الكبرى، المتواصلة ما دامت حياة البشرية متواصلة.. (ب) بالتطوّرات التاريخية اللاحقة للأشكال التطبيقية، سلبا وإيجابا، التزاما وانحرافا، والتي وصلت تدريجيا إلى "الحالة الآنية".. (ت) وذلك ضمن إطار الحالة الآنية لمجموعة قيم إسلامية أخرى، من حيث تطبيقها وعدم تطبيقها، وبالتالي تأثير التطبيق إيجابيا على موقع "حرية التعبير" في الصورة الشاملة بمجموعها، أو تأثير عدم التطبيق سلبيا على ذلك الموقع.
وهنا يظهر للعيان فارق جوهري بعيد التأثير:
إنّ الواقع التطبيقي للمنظومة العلمانية في مواطنها وبعض المواطن التي انتشرت فيها، شامل في الوقت الحاضر لنسبة عالية من منظومة قيمها ورؤى منظّريها، وشامل لعملية تطوير لا تتعرّض عموما لقيود وعراقيل داخل حدود سريان مفعولها رسميا، حيث تهيمن على السلطة تصوّرات من نسيج المنظومة العلمانية.
أمّا الواقع التطبيقي للمنظومة الإسلامية فمنحسر في الوقت الحاضر على صعيد نسبة عالية من منظومة قيمها ومقاصدها التشريعية وكلياتها الكبرى، كما أنّ كلّ عملية تطوير بمعنى التجديد، معرّضة لقيود وعراقيل داخل حدود الدائرة الحضارية الإسلامية نفسها، ومن خارج نطاقها، نتيجة هيمنة تصوّرات متسلّطة، غير منبثقة عن هذه المنظومة.
لا نجد تبعا لذلك قابلية إجراء مقارنة منهجية قويمة في أحكام تعميمية حول حرية التعبير حاليا كمثال، فسيّان كيف تجري المقارنة بصدد "عنصر واحد" فهي لا تراعي العوامل الإضافية المؤثّرة، من حاضنة القيم، ولا من سياق مجرى التاريخ، ولا من الواقع التطبيقي المعاصر.
بل يبلغ انحراف المقارنات والأحكام المستلخصة منها درجة صارخة، عندما يقال مثلا: إن حرية التعبير في المنطقة الحضارية الغربية واسعة النطاق، مقابل انعدام حرية التعبير نسبيا في المنطقة الحضارية الإسلامية، وهذا عامل يستدعي تفضيل العلمانية السائدة في تطبيقات الغرب، على الإسلام(...).
والانحراف ظاهر في غياب تكملة العبارة: "الإسلام الذي لا يجد التطبيق كما ينبغي في المنطقة الحضارية الإسلامية"، فهذه التكملة تُظهر تلقائيا خلل المقارنة، إذ كيف يُعزى إلى الإسلام المغيّب نقص قائم في غيابه، ناهيك عن إحلال كثير من الرؤى العلمانية مكانه، مقترنة بالاستبداد وما يقيم من عراقيل في وجه العودة إليه حياة وحكما!..
إذا كان واقع حرية التعبير في الدائرة الحضارية الإسلامية سلبيا، مرفوضا، جديرا بالتنديد والإدانة، فإنّ كل مقارنة تزعم نتائجها إن هذا يعود إلى الإسلام، رغم تغييب منظومته عن الحياة والحكم، وحصار الدعوة إلى العودة إليه حياة وحكما، هي مقارنة باطلة، سلبية، مرفوضة، جديرة بالتنديد والإدانة.
الخلل في مقارنات عبثية
يضاف إلى ما سبق حول المقارنة التعميمية أنّه لا يمكن أن تستقيم أي مقارنة جزئية أيضا بقصد المفاضلة بين المنظومتين في ميدان ما، كميدان حرية التعبير، عند إسقاط الاعتبارات الأساسية للحفاظ على منهجية المقارنة نفسها:
وبالمقابل: من البدهي أن يظهر الخلل الأكبر في كل مقارنة تخلط الحابل بالنابل، تنظيرا وتطبيقا، تاريخيا وجغرافيا، ناهيك عن خلل متعمّد غالبا –والحديث هنا عن حرية التعبير- عند انتقاء عهود استبدادية في أنظمة تنسب نفسها للإسلام، وعهود غير استبدادية في أنظمة تنسب نفسها للعلمانية، ثم استخلاص أحكام ما، فهي فاسدة ابتداءً عندما ترى الأفضلية لحرية التعبير في العلمانية بحدّ ذاتها تجاه الإسلام بحد ذاته.
سيّان ما هي النتائج المستخلصة من مقارنات أصبحت تُعقد وتوصل إلى أحكام سلبية أو إيجابية، فالعنصر الحاسم هو ضرورة إقصاء الخلل الأكبر في معظم تلك المقارنات، وهو عدم استيفاء شروط منهجية ضرورية لسلامتها بحد ذاتها، علاوة على تغييب الشرط الأساسي بشأن استحالة الفصل بين "جانب واحد" وحاضنة القيم التي ينبثق عنها في المنظومة المعنية. 1- يمكن أن نقارن بين تطبيق حرية التعبير في نطاق منظومة علمانية سارية المفعول الآن في بلد أو أكثر (فرنسا مثلا) وبين تطبيقها في نطاق منظومة إسلامية سارية المفعول الآن في بلد أو أكثر (إيران مثلا).. وسنصل إلى نتائج ما، ترتبط بعملية التطبيق نفسها وبالجهة التي تقوم عليها، فنقول إنّ حرية التعبير موضع ممارسةٍ أضمن أو أفضل هنا أو هنا، ولكن يستحيل استخلاص أحكام ترتبط بالجانب التأسيسي التنظيري لكل من الإسلام والعلمانية، فالإشكالية هنا إشكالية تطبيقٍ صالح أو فاسد، وليست إشكالية فوارق في التصوّرات الأساسية التي يقال بتطبيقها. 2- يمكن بالمقابل أن نقارن "مقارنة أكاديمية" بين التنظير الإسلامي وفق مصادره الأولى لحرية التعبير وبين التنظير العلماني وفق مصادره المعتبرة لحرية التعبير.. وسنصل إلى نتائج ما، ترتبط بالجانب التنظيري، ولكن بغض النظر عن حسن التطبيق أو سوء التطبيق، فلا يمكن تعميم النتائج على سائر الجماعات أو أنظمة الحكم، التي تعتبر نفسها إسلامية أو تعتبر نفسها علمانية. 3- يمكن إجراء مقارنة تاريخية، مع الأخذ بالجانبين التنظيري والتطبيقي، وهنا يمكن أن نصل إلى نتائج "متقابلة" على حسب المرحلة التاريخية المشتركة المعنية، فعند اختيار القرن الهجري الأول الموازي للقرن الميلادي، نصل إلى نتائج مغايرة لما نصل إليه عند اختيار القرن الخامس عشر الهجري المعاصر الموازي للقرن الميلادي الحادي والعشرين..
وبالمقابل: من البدهي أن يظهر الخلل الأكبر في كل مقارنة تخلط الحابل بالنابل، تنظيرا وتطبيقا، تاريخيا وجغرافيا، ناهيك عن خلل متعمّد غالبا –والحديث هنا عن حرية التعبير- عند انتقاء عهود استبدادية في أنظمة تنسب نفسها للإسلام، وعهود غير استبدادية في أنظمة تنسب نفسها للعلمانية، ثم استخلاص أحكام ما، فهي فاسدة ابتداءً عندما ترى الأفضلية لحرية التعبير في العلمانية بحدّ ذاتها تجاه الإسلام بحد ذاته.
سيّان ما هي النتائج المستخلصة من مقارنات أصبحت تُعقد وتوصل إلى أحكام سلبية أو إيجابية، فالعنصر الحاسم هو ضرورة إقصاء الخلل الأكبر في معظم تلك المقارنات، وهو عدم استيفاء شروط منهجية ضرورية لسلامتها بحد ذاتها، علاوة على تغييب الشرط الأساسي بشأن استحالة الفصل بين "جانب واحد" وحاضنة القيم التي ينبثق عنها في المنظومة المعنية. 1- يمكن أن نقارن بين تطبيق حرية التعبير في نطاق منظومة علمانية سارية المفعول الآن في بلد أو أكثر (فرنسا مثلا) وبين تطبيقها في نطاق منظومة إسلامية سارية المفعول الآن في بلد أو أكثر (إيران مثلا).. وسنصل إلى نتائج ما، ترتبط بعملية التطبيق نفسها وبالجهة التي تقوم عليها، فنقول إنّ حرية التعبير موضع ممارسةٍ أضمن أو أفضل هنا أو هنا، ولكن يستحيل استخلاص أحكام ترتبط بالجانب التأسيسي التنظيري لكل من الإسلام والعلمانية، فالإشكالية هنا إشكالية تطبيقٍ صالح أو فاسد، وليست إشكالية فوارق في التصوّرات الأساسية التي يقال بتطبيقها. 2- يمكن بالمقابل أن نقارن "مقارنة أكاديمية" بين التنظير الإسلامي وفق مصادره الأولى لحرية التعبير وبين التنظير العلماني وفق مصادره المعتبرة لحرية التعبير.. وسنصل إلى نتائج ما، ترتبط بالجانب التنظيري، ولكن بغض النظر عن حسن التطبيق أو سوء التطبيق، فلا يمكن تعميم النتائج على سائر الجماعات أو أنظمة الحكم، التي تعتبر نفسها إسلامية أو تعتبر نفسها علمانية. 3- يمكن إجراء مقارنة تاريخية، مع الأخذ بالجانبين التنظيري والتطبيقي، وهنا يمكن أن نصل إلى نتائج "متقابلة" على حسب المرحلة التاريخية المشتركة المعنية، فعند اختيار القرن الهجري الأول الموازي للقرن الميلادي، نصل إلى نتائج مغايرة لما نصل إليه عند اختيار القرن الخامس عشر الهجري المعاصر الموازي للقرن الميلادي الحادي والعشرين..
من المنطلق الإسلامي
ممّا ثبّته المصدر الرباني للإسلام، ما كان في نطاق كليات لا خلاف حولها، وممّا تركه مفتوحا تفاصيل لا يضرّ الاختلاف حولها، فحدّد تبعا لذلك ما لا يقبل التغيير أسسا ومنطلقات، وما يقبل التغيير والتعديل في مواكبة تطوّر الوجود البشري إلى قيام الساعة.
ويمكن عند التأمّل في وقت واحد في الأصل التنظيري والسياق التاريخي والواقع المعاصر، أن نفصل في أي بحث منهجي ما بين الجانبين النظري والتطبيقي، وسنجد أنّ الحدّ الفاصل بين الإسلام والعلمانية في كل ميدان، ومن ذلك ميدان الحريات والحقوق، ومن بينها حرية التعبير، هو ما يرتبط بالمصدر أولا (رباني.. وبشري) وبحاضنة القيم ثانيا (كليات ثابتة مختلفة وصيغ متبدّلة)، وسيبقى هذا الحدّ الفاصل قائما، مهما تبدّلت وتطوّرت المعطيات المكانية والزمانية والحالية في الحياة البشرية، ومهما شهدت التطبيقات العملية على أرض الواقع، نهوضا وانحسارا.
وانطلاقا من هذا الحدّ الفاصل يمكن أن نتأمّل –دون مقارنات- فيما ورد في المصادر التشريعية الإسلامية وفي تطبيقاتها من العهد الأوّل (وهو ما يحتاج إلى بحث منفصل وتفصيل) إنّما ستبقى الحصيلة أنّ ضوابط حرية التعبير بجميع أشكالها، تقتصر بالنسبة إلى المسلم على أربع كليات كبرى (أ) العقيدة وهي الأساس الذي تقوم المنظومة الإسلامية عليه ابتداء و(ب) إلحاق الضرر بالجماعة/ الأمّة وهي مناط تجسيد المنظومة الإسلامية على أرض الواقع و(ت) إلحاق الضرر بالنفس كالتبجّح بالذنب وهو ممّا تتميّز به المنظومة الإسلامية عن سواها و(ث) إلحاق الضرر بالآخر، من الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم وتصوّراتهم ومواقعهم.
عند مقارنة هذه الكليات والتفاصيل المنبثقة عنها (ليس فيما يتعلق بحرية التعبير فقط) مع أطروحات منظومة أخرى كالعلمانية، لا نجد مجالا للشكّ في أفضلية ما قرّره الوحي تجاه ما وضع صياغته البشر وتقلّب وتبدّل ولا يزال يتقلّب ويتبدّل، إنّما نجد أن ما تحتاج إليه هذه المنطلقات هو التطبيق في الواقع البشري المعاصر، وذاك جوهر ما تعنيه أمانة حمل الرسالة الإسلامية للبشرية في كل مكان وزمان.
وللكلام صلة.
ويمكن عند التأمّل في وقت واحد في الأصل التنظيري والسياق التاريخي والواقع المعاصر، أن نفصل في أي بحث منهجي ما بين الجانبين النظري والتطبيقي، وسنجد أنّ الحدّ الفاصل بين الإسلام والعلمانية في كل ميدان، ومن ذلك ميدان الحريات والحقوق، ومن بينها حرية التعبير، هو ما يرتبط بالمصدر أولا (رباني.. وبشري) وبحاضنة القيم ثانيا (كليات ثابتة مختلفة وصيغ متبدّلة)، وسيبقى هذا الحدّ الفاصل قائما، مهما تبدّلت وتطوّرت المعطيات المكانية والزمانية والحالية في الحياة البشرية، ومهما شهدت التطبيقات العملية على أرض الواقع، نهوضا وانحسارا.
وانطلاقا من هذا الحدّ الفاصل يمكن أن نتأمّل –دون مقارنات- فيما ورد في المصادر التشريعية الإسلامية وفي تطبيقاتها من العهد الأوّل (وهو ما يحتاج إلى بحث منفصل وتفصيل) إنّما ستبقى الحصيلة أنّ ضوابط حرية التعبير بجميع أشكالها، تقتصر بالنسبة إلى المسلم على أربع كليات كبرى (أ) العقيدة وهي الأساس الذي تقوم المنظومة الإسلامية عليه ابتداء و(ب) إلحاق الضرر بالجماعة/ الأمّة وهي مناط تجسيد المنظومة الإسلامية على أرض الواقع و(ت) إلحاق الضرر بالنفس كالتبجّح بالذنب وهو ممّا تتميّز به المنظومة الإسلامية عن سواها و(ث) إلحاق الضرر بالآخر، من الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم وتصوّراتهم ومواقعهم.
عند مقارنة هذه الكليات والتفاصيل المنبثقة عنها (ليس فيما يتعلق بحرية التعبير فقط) مع أطروحات منظومة أخرى كالعلمانية، لا نجد مجالا للشكّ في أفضلية ما قرّره الوحي تجاه ما وضع صياغته البشر وتقلّب وتبدّل ولا يزال يتقلّب ويتبدّل، إنّما نجد أن ما تحتاج إليه هذه المنطلقات هو التطبيق في الواقع البشري المعاصر، وذاك جوهر ما تعنيه أمانة حمل الرسالة الإسلامية للبشرية في كل مكان وزمان.
وللكلام صلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق