الكاتب: أ./ هدي سيد
الطفل القيادي له شخصية مميزة يجب أن يحسن الوالدان استثمارها في الاتِّجاه الإيجابي حتى تثمر انسانًا قويًا ذا عزيمة وبصيرة؛ يحسن التصرُّف في المواقف المختلفة، محبوبًا من الناس يتقن فنَّ الاحتواء والإنصات، وهذا ما ننتظره في الجيل القادم، وعلى العكس إذا أهمل الوالدان تنمية هذه السِّمَة فقد يتحول الابن الى ديكتاتور صغير لا يحبُّ سوى نفسه يصمُّ أذنيه عن سماع صوت الحق فيبغضه الناس ولا يرَى منهم سوى العصيان والثورة..
الترويض أولاً
أوضح د. رمضان درويش (أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الأزهر) سمات الشخصية القيادية التي تكون ظاهرة لدى الطفل من خلال الجرأة في التعبير عن الرأي وعدم التهيُّب ومواجهة المواقف الصعبة وعدم الخجل والمبادأة والمخاطرة المحسوبة والجرأة في اتِّخاذ القرار والثقة في النفس والقدرة على تحمُّل المسئولية والمبادرة بذلك والتفوق العلمي والخلقي والاجتماعي والإقدام والشجاعة، ولكن هذه السمات تفتقر إلى التروِّي والتفكير، ولذلك فإنَّ على الوالدين أن يُتْقِنا فنَّ التعامل مع طفلهم القيادي وترويض تلك الصفات فيه بشكلٍ ينمِّي ويهذِّب لديه هذه الخصائص.
وأكِّد على أنَّ اتباع الأسلوب الديمقراطي في التعامل مع الطفل القيادي ووجود مساحة من التسامح والحرص على الإنجاز والاستقلالية، فهذه الأساليب الأسرية من شأنها تنمية وإبراز سمات الشخصية القيادية لدى الطفل، بينما يؤدِّي العنف والقسوة والقمع والديكتاتورية من الوالدين أو الإهمال والرفض والنبذ إلَى كَبْت الشخصية القيادية للأبناء وقد تُحوِّلها إلى شخصية سيكوباتية وتستبدل شخصيتهم القيادية الى أخرى عدوانية متسلطة تميل الى العنف والإيذاء.
دور المدرسة
وأشار د. درويش الى أنَّ صفة القيادة لدى الطفل قد تكون موروثةً من أحد الوالدين وقد تكون مكتسبةً منهما أو من البيئة المحيطة؛ فالوراثة والبيئة لا ينفصلان فهي عملية دينامية فالبيئة قد تصقل صفة وراثية في الطفل أو تضمرها والعكس صحيح فقد تُمِدّ البيئة الطفل بصفات لم يرثها.
أما بالنسبة للدور المدرسي فعلى الأسرة أن تتكاتف مع المدرسة التي تعد البيت الثانِي للطفل عن طريق الإدارة المدرسية الحكيمة والمدرِّس الحكيم حتى لا تبنِي الأسرة وتهدم المدرسة والعكس والصفة القيادية في الأطفال لابدَّ أن يدركها المدرس الواعي ويتم عمل برامج تدريبية للمعلمين للتعامل مع الأطفال الموهوبين مثل القيادة والتعليم وغيرها وكيفية التعامل مع الأطفال المميزين.
الديمقراطية هي الحل
وبيَّن أستاذ الصحة النفسية أنَّ الصحة النفسية تُعْنَى بتنمية الإنسان السليم وبالجانب الوقائي أيضًا إذا صار الطفل متسلطًا أو ديكتاتورًا أو نبتت بداخله بذرة التسلط وحب الزعامة، فهذا دور المرشد النفسي ولو حدث تقاعس أو إهمال وعدم تكامل سيدمِّر الطرف المتقاعس ما يبنيه الآخر. ونتخلص من الإحساس بعدم العدل والمساواة بين الأطفال في الفصول بالانتخاب للقائد وليس التعيين ويتمّ عمل تعاقد بين الطفل القائد وأقرانه ولابدَّ من تدريب أبنائنا على الديمقراطية منذ الصغر.
سيكودراما
وللتخلص من سلبية التسلُّط في الشخصية القيادية أكِّد درويش على أن يتم عمل برنامج تدريبي من خلال ما يسمى بلعب الدور أو السيكودراما كأن يلعب الطفل محبّ الزعامة دور القائد المستبد وكل من يتبعونه لا يرضون عليه ويكرهونه وليعرف الثمن الذي سيدفعه إذا استمرّ بهذا النمط حتى يغير هو بنفسه من سلوكياته، وعلى الجانب الآخر يلعب دور القائد العادل الطيب المحبوب من الرعية، وبذلك أنمِّي سمة القيادة في الاتجاه الإيجابي وليس السلبي، فلعب الدور العكسي لو طفل خجول يلعب دور شجاع والعكس لو طفل شجاع يلعب دور خجول ويبين عيوب الخجل والدور العكسي مفيد جدًا في ضوء العمر والنوع والقدرات الفردية للأطفال.
ولابدَّ من التشجيع على الدراسة والعلم لنعوّضه عن عدم قدرته على القيادة وعندما يحصل على درجات أعلى من القائد يشعر بالراحة والرضا عن النفس وليس من الممكن أن نكون كلنا قادة فمن يتولّى قيادة هذه المهمة ليس أفضل الموجودين ومن يكون قائدًا ولا يحبه الناس فقيادته ليس لها معنى وهي تكليف وليست تشريفًا.
فيمكن تعويض النقص في المدرسة أنَّها ليست نهاية العالم ونحدِّد للأبناء هدفًا واضح المعالم يتناسب مع إمكاناتهم وعمرهم وقدراتهم لأنّ الإنسان الذي يفتقد للهدف إنسان عشوائي ويتعب في حياته والهدف هو التفوق والتميُّز مع عدم الضغط على الأبناء بما لا يتناسب مع قدراتهم فتحديد هدف أكبر من طموحات الطفل وقدراته ويكون مرتفع عن قدراته وإمكاناته يؤدِّي الى إحساسه بالإحباط إذا لم يتحقق.
تبادل الأدوار
وبيَّن معتز شاهين (الاستشاري التربوي) أن المشكلة في التعامل مع الطفل القيادي أنه طفل متقلِّب المزاج فإذا تعاملنا معه بالقهر والكبت وعدم اللِّين فيتحول الى إنسان ممسوخ ليست لديه شخصية ولو تعاملنا معه باستهزاء أو بتضخيم هذا ما سيحوِّله الى ديكتاتور فعلينا أن ننمِّي الناحية القيادية وننزع منه نقطة الأنانية وكذلك نتعامل مع الأنانية بحرص وعدم كبت فنوضِّح له أنه اليوم قائد وغدًا فرد ضمن المجموعة.
وأضاف: "لابدَّ من تنمية روح التعاون والبذل والعطاء وتحمل المسئولية للبنت والولد فالقيادة مسئولية بحيث لا تطغَى عليها جزئية الأنانية والقيادة يكتسبها الطفل ممن حوله وأهم شيء في القيادة أنها ليست مكاسب فقط، بل إنَّ هناك ثوابًا وعقابًا لأنَّها مسئولية، ولكن أوضح له هذا بدرجة لا تخيفه فالتربية حالة وسط بين كل حالتين فبين القيادة والأنانية شعرة لا ينبغي قطعها، وهي معادلة صعبة يجب على الوالدين والمربين أن يحسنوا التعامل معها".
خير القادة
وبيّن شاهين أنّ الطفل القيادي يجب أن يكون محبوبًا من أقرانه يستمع لنصائحهم وينفّذ أفكارهم ويأخذ بمشورتهم وينصاع لأوامرهم حتى يحبّوه ولا يكرهوه كما كان خير القادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان قائدًا للأمة لم تعرف البشرية في مثل تواضعه واحتوائه لصحابته واحترامه للناس جميعًا.
ولو تعامل الطفل بصيغة التعالِي على أخوته داخل البيت والشعور بالتعالِي والاستحواذ فأمنعه من القيادة لأنّ هذا يوجعه نفسيًا و يمكن إجراء انتخابات لاختيار وزير المالية مثلاً، وإذا لم يحسن لمدة معينة نستبدله فيحصل تبادل أدوار فهو مهم جدًّا على نفسية الطفل ولا نكثر منه حتى لا تذوب هذه السمة البارزة لديه ويشعر بالهزيمة النفسية والفشل والإحباط، ولكن ليدرك أنَّ القيادة لا تدوم لأحد ويتهيأ نفسيًّا أن يكون مرة القائد وأخرى المَقُود وأنّ القيادة ما هي إلا حسن تصرُّف وحسن اختيار من البداية
هدى الاسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق