صورة من إضراب إسرائيل
المقدمــــة:
نظمت الشريعة الإسلامية الغراء العلاقة بين العبد وربه ولم تترك خيراً يقرب العبد من ربه إلا ودلته عليه وما تركت شراُ يبعد العبد من ربه إلا وحذرته منه قال - تعالى -(ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقال أيضاً: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) كل ذلك تحت عنوان العبادات في الفقه الإسلامي. كما نظمت العلاقة بين الناس بعضهم بعضا وورد ذلك تحت عنوان المعاملات في الفقه الإسلامي فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله وما سكت عنه فهو مما عفا الله عنه.
والشريعة تحارب استغلال القوى للضعيف في كل صوره فهي إذاً قد نظمت العلاقة بين العامل من جهة ورب العمل من جهة أخرى وأرشدت كلاً من هما إلى واجبه تجاه الآخر سواء أ كان رب العمل هذا ممثلاً في الدولة أو في القطاع الخاص في العصر الحديث.
والإضراب الذي نحن بصدد الحديث عنه ما هو إلا نوع من اعتراض العامل على عقد العمل الذي يربط بينه وبين رب العمل سواء كان الهدف منه المطالبة بزيادة أجور أو دفع رواتب متأخرة أو غير ذلك.
ولذلك لزم علينا أن نبين طبيعة العقد الذي يربط العامل برب العمل وحقوق العامل في الإسلام وحكم الإخلال بعقد العمل بينهما وتاريخ الإضرابات في الإسلام وما هي آثار تلك الإضرابات على المجتمع وما هي شروط الإضراب وأنواعه ثم ما هو حكم الإضراب عن الطعام.
وهذا ما نحاول تبيينه في هذا البحث هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من زلل أو خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه برآء.
الفصـــل الأول: التعريـــف بالعقــــد وأحكامــــه
المبحـــث الأول: -
تعريــف العقــــد لغـــةً واصطـــلاحـــاً: -
أولاَ: - تعريــف العقـــد لغــــةً: -
العقد بفتح العين وسكون القاف مصدر عقد والجمع عقود وهى أوكد العهود ومن ذلك قوله - تعالى -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويرد في اللغة ويراد به عدة معان.
1- قيل إنه يعنى الربط والشد والإحكام والإبرام والتوثيق.
2- وقيل إنه يعنى العهد والجمع عهود فيقال عهدت إلى فلان في كذا وفى كذا وتأويله ألزمته بذلك والعهد اتفاق بين طرفين يلتزم فيه كلا منهما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ولابد فيه من إيجاب وقبول.
3- وقيل هو التوثيق والتوكيد ومنه عقدت اليمين وعقدتها بالتشديد وقيل هو من عقدت الحبل عقداً فانعقد وقيل إحكام الشيء وإبرامه مثل عقدة النكاح وغيره وقيل ما يدين به الإنسان وذلك مثل اعتقدت كذا أي عقدت عليه القلب والضمير.
وعلى هذا فالعقد في اللغة يطلق على كل ما يدل على الالتزام سواء أكان من جانبين أم من جانب واحد وذلك لوجود معنى على الربط والإحكام.
ثانيــــــــاً: - تعريــف العقـــد شرعــــــاً: -
العقد عند الفقهاء له معنيان معنى عام ومعنى خاص.
أما المعنى العام فيشمل كل تصرف للإنسان ينشأ عنه حكم شرعي سواءُ أكان صادراً عن طرف واحد وذلك كالنذر والطلاق والصدقة أم كان صادراً عن طرفين متقابلين كالبيع والإجارة.
أما المعنى الخاص فهو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجه مشروع.
يتبين أثره في المعقود عليه (محل العقد) بما يدل على ذلك من عبارة أو كتابة أو إشارة أو فعل ويترتب عليه إلزام كل واحد من العاقدين بما أوجب به للطرف الآخر سواءَ أكان عملاً أم كان تركاً وهذا المعنى هو الشائع عن جمهور الفقهاء.
والبعض من الفقهاء يعرف العقد بأنه ارتباط القبول بالإيجاب على وجه يحقق الأثر المقصود في المعقود عليه. وعلى ذلك فإن العقد في الشرع يشمل كل التصرفات الشرعية سواءَ كانت واردة في محيط المعاملات المالية أو غيرها كعقد الزواج.
وعلى ذلك فالعقد: - كل ما ألزم الله - تعالى -به عباده من تكاليف وما يعقدونه بينهم من عقود في مجال المعاملات وغيرها وهذا يتفق مع معنى العقد في اللغة حيث يراد به الربط بين الشيئين والالتزام بالشيء عملاً كان أو تركاً.
المبحـــث الثاني: - شرعية العقود في الفقه الإسلامي: -
أولاً: - الدليل من الكتاب قوله - تعالى -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله تعالى(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا).
ثانيــــاً: - الدليل من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - (إنما البيع عن تراض) رواه بن ماجه.
ثالثـــــاً: - الإجماع: فقد أجمعت الأمة منذ عهده صلى الله علية وسلم إلى يومنا هذا على شرعية العقود لأنها وسيلة من وسائل التعامل بين الناس.
رابعـــاً: - المعقول: فإن العقل يعرف أن الحاجة تدعو ا إلى التعامل بالعقود سواءَ كانت بالنسبة للأفراد أو الجماعات وذلك حيث أنها وسيلة إلى الغرض من غير حرج أو مشقة أو استغلال
المبحث الثالث: حقـــوق العامــل ورب العمـــل في الإســلام: -
أولا: - حقوق العامل في الإسلام: -
أعطى الإسلام حقوقا للعامل وهو لغة: - القائم بالفعل واصطلاحا: الوكيل على الشيء أي الموكل من قبل شخص بأداء فعل أو القيام بمهنة معينة. والعامل الآن يمكن إطلاقه على كل من العمال في المصانع وموظفي الدولة في الهيئات والمؤسسات والشركات والزراعيين في الأرض سواء أكان رب العمل هو الدولة أو الشخص(القطاع الخاص في العصر الحديث)كما أوجب عليه حقوقا وواجبات ولنبين أولا حق العامل في الإسلام:
1- حق الفرد في كفالة الدولة (التعيين وإيجاد العمل) (وإذا كان العمل مندوبا في نظر الشرع والسؤال محظورا والدولة الإسلامية ما قامت إلا لتحقيق ما يحبه الشرع ومحو ما يكرهه فمن البديهي أن تقوم الدولة الإسلامية بتسهيل سبل العمل والكسب للأفراد فهذا بعض ما عليها للمواطنين فتوجد العمل للعاطلين وتقوم بإيجاد المشاريع النافعة لتشغيل الأفراد ولا تنفق أموال بيت المال على التوافه وعلى ما لا ينفع وحتى إذا اقتضى الأمر لتشغيل الأفراد أن تقوم بإقراضهم من بيت المال فالقرض جائز وهو من أفضل الصدقة.
وقد صرح بهذا الفقيه المعروف أبو يوسف صاحب أبي حنيفة فقال (إن صاحب الأرض الخراجية إذا عجز عن زراعة أرضه لفقره دفع إليه كفايته من بيت المال قرضا ليعمل ويستغل أرضه)
2 حق المعاملة الكريمة (حماية الدولة لكرامته وعزته)ولا تقف حماية الدولة للفرد عند حد حمايته من الاعتداء على حياته وجسمه وعرضه بل تمتد إلى حماية كرامته وعزته من الإهانة والإذلال فلا تذله هي ولا تسمح بإذلاله، لأن المسلم يجب أن يكون عزيزا قال - تعالى -(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ولا خير في الذليل المهين ولن يصلح لحمل رسالة الإسلام إلا الحر العزيز ومن ثم فإن الدولة الإسلامية تربى في المسلم معاني العزة كما أراد الله وتمنع كلما يثلمها أو يمسها فعمر بن الخطاب كان يقول لولاته (لا تضربوا المسلمين فتذلوهم) ويأمرهم بالحضور في موسم الحج إذا اجتمعوا خطب في الناس وقال لهم (يا أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم فمن فعل به غير ذلك فليقم)
3- حق إستيفاء العامل للأجر العادل كاملاً.
وهو أهم حقوق العامل في الإسلام وله علاقة وطيدة بموضوع الإضراب، ففي الحديث (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) وروى أن علياً كان يضمن الأجير.
وكلمة الأجر شرعاً تحتمل العدل أي أنه يجب أن يكون الأجر معادلاً للعمل وما يبذل فيه من جهد وقد جاء الأجر في القرآن في مائة وخمسين موضعاً وجاء وروده بالمعنى المتداول في الحياة العملية وفى الحديث (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة. رجلَ أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره).
4- حقه في الحصول على حقوقه التي اشترطها صاحب العمل.
فالإسلام يحرم الغبن ويقرر أنه لا ضرر ولا ضرار كما يجب على صاحب العمل أن يحفظ حق العامل كاملاً إذا غاب أو نسيه وعليه ألا يؤخر إعطاءه حقه بعد انتهاء عمله أو بعد حلول أجله المضروب كما يجب على صاحب العمل ألا يضن على العامل بزيادة في الأجر إن أدى عملاً زائداً على المقرر المتفق عليه فإن الله يأمرنا بتقدير كل مجهود ومكافأة كل عمل.
5- حقه في عدم الإضرار بصحته.
قال الرجل الصالح لموسى - عليه السلام - عندما أستأجره (وما أريد أن أشق عليك) أي لا أكلفك فوق طاقتك والله يقول (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وللعامل حق فسخ العقد أو رفع الأمر إلى المسئولين ليرفع عنه حيف رب العمل.
6-حقه في الاستمرار في عمله إذا ضعفت قوته، فليس لصاحب العمل فصل العامل لعدم مقدرته على الإنتاج لمرض أو هرم والدليل حديث الرسول صلى الله - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى رجلا أرهق جملا له في العمل فهرم فأراد أن يذبحه ليستريح من عبء مؤونته فقال له - صلى الله عليه وسلم -: (أكلت شبابه حتى إذا عجز أردت أن تنحره! فتركه الرجل).
7- حقه في الشكوى والتقاضي، فالظلم حرام ورفعه واجب يقول الله - تعالى -: (وما الله يريد ظلما للعباد) وفى الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) وحديث: (إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).
8-حق العامل في الضمان، كلمة ضمان أو تضمين أقرب ما تؤدى المعنى المراد من المسئولية المدنية في الفقه الحديث ومن الواضح أن تضمين الإنسان عبارة عن الحكم بتعويض الضرر الذي أصاب الغير من جهته وقد قرر الإسلام ذلك قال - تعالى -: (ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة.... ) وفي معنى الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: (أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فكسرتها فضمها وجعل فيها الطعام ثم أبدلها بأخرى من عند عائشة ووضع فيها طعاما وقال طعام بطعام وإناء بإناء. وفى الحديث: (على اليد ما أخذت حتى ترد) فللعامل أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بتعويض ما أصابه من ضرر ففي الحديث: (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن شيئا يسيرا يا رسول الله فقال وإن قضيبا من أراك).
مما سبق يتبين لنا أن للعامل الحق في الحصول على الأجر كاملاً المتفق عليه مع رب العمل وأي نقص أو إخلال بذلك يعطى للعامل الحق في التقاضي أولاً بالطرق السلمية والمطالبة بأجره كما أنه له الحق في المطالبة بزيادة مقابل عمل زائد يقوم به أو لأن الأجر لا يتناسب مع متطلباته المعيشية.
ثانيــاً: - حقـــوق رب العمـــل في الإســـلام: -
قال الله - تعالى -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فالآية تأمر كلا الطرفين بالوفاء فكما أمرت رب العمل بإعطاء الأجر أمرت العامل بأن يؤدى عمله على أكمل وجه ففي الحديث (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
المبحث الرابع: - تاريخ الإضراب في الإسلام: -
أورد الحافظ بن كثير في تفسيره عن الطبراني في كتاب العشرة بسنده عن سعد بن مالك قال أنزلت هذه الآية: (وإن جاهداك على أن تشرك به ما ليس لك به علم فلا تطعهما) قال كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه فقلت لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني لهذا لشيء فمكثت يوماً وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها فلما رأيت ذلك قلت يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني لشيء فإن شئت فكلى وإن شئت لا تأكلي فأكلت).
وفى هذه القصة إضراب واضح عن الطعام من أم سعد لإجباره على الرجوع عن دينه ولعلها تكون أول محاولة للإضراب في التاريخ الإسلامي.
تاريخ الإضراب في العصر الحديث: -
كانت هناك محاولات عديدة للإضراب منها:
1-إقدام المتظاهرات في سبيل منح المرأة حق الانتخاب في إنجلترا على الإضراب عن الطعام خلال الفترة ما بين 1913-1918 ومنذ عام 1912 استخدم المواطنون الأيرلنديون وسيلة الإضراب عن الطعام في سبيل الحصول على الاستقلال.
2-فيما بين عامي 1917-1919 استخدم الإضراب عن الطعام في أمريكا من جانب المطالبات بحق الانتخاب ومن الممتنعين عن الاشتراك في الحرب بسبب عقائدهم الدينية ممن كانوا معتقلين في السجون.
ومن هذا نأخذ أن الإضرابات المعاصرة لها شواهد في تاريخنا الإسلامي والمعاصر فهي ليست مستحدثة في حد ذاتها وإن كانت تأخذ أشكالا وصورا متعددة الآن.
الفصــــــل الثاني:
المبحث الأول: - تعريف الإضراب لغة واصطلاحا: -
أولا: - تعريـــف الإضــــــراب لغــــة: -
قال بن منظور(أضربت عن الشيء كففت وأعرضت وضرب عنه الذكر وأضرب عنه صرفه وأضرب عنه أي أعرض والأصل في قوله ضربت عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفه عن جهته ضربه بعصاه ليعدله عن الجهة التي يريدها فوضع الضرب موضع الصرف والعدل يقال ضربت عنه وأضربت ويقال ضربت فلانا عن فلان أي كففته عنه فأضرب عنه إضرابا إذا كف وأضرب فلان عن الأمر فهو مضرب إذا كف) فالإضراب لغة مضمن معنى الكف والإعراض عن الشيء والامتناع عنه.
ثانيــا: - تعريف الإضراب اصطلاحا: -
هو توقف أو امتناع العامل عن أداء مهامه التي وكل بها بدون سابق إذن من موكله أو رب العمل لغرض الحصول على إحدى حقوقه بالعدل.
المبحث الثاني: - مقومـــــات الإضــراب: -
يستلزم الإضراب وجود عمل وعامل وعقد بينهما ولابد من وجود إخلال من طرف رب العمل بأحد حقوق العامل السابق ذكرها حتى يبرر العامل إضرابه بوجود سبب واضح له.
المبحث الثالث: -أنواع الإضــــراب: -
1-الإضراب عن الطعام: -وغالبا ما يقوم به الأسير في مكانه وهو نوع من الضغط على معتقليه ليفرجوا عنه.
2-الإضراب الفئوي: - وهو الذي تقوم به فئة معينة من الشعب تجمعهم مهنة أو وظيفة واحدة وكانت البداية الحقيقية له مع ميلاد الثورة الصناعية وتسلط النظام الرأسمالي على العمال.
3-الإضراب العام: -وغالبا ما يكون نتيجة لأن صاحب العمل وهو الدولة قام بإهدار حق من حقوق العامل ألا وهو استيفاء الأجر العادل كاملا ويكون هناك فجوة بين أجور العمال ومتطلباتهم المعيشية ويكاد يكون هذا النوع هو المنتشر في هذه الأيام خاصة في مصر.
المبحث الرابع: - شروط الإضراب: -
من استعراضنا لطبيعة العلاقة بين العامل ورب العمل والعقد الذي يربطهما وطبيعة العمل وحقوق رب العمل والعامل في الإسلام نستطيع أن نضع بعض القيود والشروط لوقوع الإضراب أي لكي يكون للعامل الحق في الإضراب عن العمل.
1 - سلب العامل أحد حقوقه السالفة الذكر.
2- عدم جدوى مطالبة العامل بحقه شفهيا أو بالطرق الاعتيادية.
3 - عدم تدخل الدولة لإقامة العدل وتسوية الخلاف.
4- عدم جدوى الضغط الشعبي على الدولة و عدم رضوخها عند التهديد بالإضراب.
5- عدم تسبب هذا الإضراب عن العمل بإيذاء أحد من المسلمين بسبب التوقف عن العمل أكبر من إيذاء العمال الواقع عليهم الظلم وذلك تبعا لما قرره الفقهاء في قاعدة (يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام).
6 - وجود فجوة فعلية ما بين الأجر المعطى للعامل ومتطلبات الحياة أي عدم توافر حد الكفاية للعامل.
المبحث الخامس: - حكم الإضــــراب: -
أولا: - حكم الإضراب عن الطعام: -
يقول الله - تعالى -: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال: (ولا تقتلوا أنفسكم) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولا ضرار).
وقد ثبت نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة عن الوصال في الصوم.
مما سبق يتبين لنا أن النفس البشرية لها أهميتها في الإسلام لذا حرص الإسلام على بقاء تلك النفس حتى أنه أباح لها أكل الميتة في حالة الضرورة وما ذلك إلا لأنه يريد بقاءها والحفاظ عليها قال القرطبي في تفسير (ولا تقتلوا أنفسكم) أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهى عن أن يقتل بعض الناس بعضا ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه على الغرر المؤدى إلى التلف.
وفى الصحيحين: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأبها بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا).
ومما سبق نستطيع القول أن الإضراب عن الطعام الذي يسبب لصاحبه الضرر أو يوصله إلى الهلاك لا شك أنه غير جائز مهما كانت الدوافع إليه لأن الله - عز وجل - أمر بالمحافظة على النفس البشرية وأباح لنا الطيبات وحرم كل ما يضر بالإنسان في بدنه من مطعم ومشرب وما إلى ذلك وما ذلك إلا لأنه يريد بقاء النفس البشرية لعبادته ولتعمير الأرض. أما إذا كان الإضراب عن الطعام لا يلحق ضررا وتعين وسيلة لبلوغ أهداف مشروعة لا سبيل لتحقيقها إلا به ففي هذه الحالة يجوز له الاستمرار في الإضراب ما لم يؤدى هذا إلى الضرر فإن أضر بنفسه فلا شك من وقوعه في الحرمة وعليه فورا الإقلاع عن ذلك.
فإن استمر حتى مات فهو قاتل لنفسه وقد نهى الله - عز وجل - عن ذلك بقوله: (ولا تقتلوا أنفسكم).
هذا وقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء المحدثون حول الإضراب فقد أفتى كلا من (الشيخ عطية صقر - رحمه الله -والأستاذ الدكتور حسن عبد الغنى أبو غده) أن الإضراب عن الطعام محرم شرعا، وأنه ليس في الدين شيء اسمه الإضراب عن الطعام أو الشراب لتحقيق غرض من الأغراض، فهو وسيلة سلبية يجب ألا يأخذ بها أحد، والوسائل المشروعة كثيرة، ومن سلك هذا المسلك فقد أضرَّ نفسه بالجوع والعطش في غير طاعة، ومن مات بهذا الإضراب يكون مُنْتَحِرًا، والانتحار من كبائر الذنوب، فإن استحلَّه كان كافرًا، لا يُغَسَّل ولا يُصَلَّى عليه ولا يُدْفن في مقابر المسلمين، أما الفريق الثاني (الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمستشار الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، والسيد محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي اللبناني، والدكتور محمد محروس المدرسي الأعظمي رئيس لجنة الإفتاء بهيئة علماء المسلمين في العراق، والشيخ الداعية ناصر بن سليمان العمر، والشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية) أفتي أصحاب هذا الرأي بمشروعية الإضراب عن الطعام طالما أنه هو السلاح الأخير في أيدي هؤلاء الأسرى، ما داموا يرون أنه الوسيلة الفعالة والأكثر تأثيرا لدى الآسرين، وأنه الأسلوب الذي يغيظ الاحتلال وأهله، فكل ما يغيظ الكفار فهو ممدوح شرعا، كما قال - تعالى -في مدح الصحابة: "يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" الفتح: 29. وقال في شأن المجاهدين: "ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح". التوبة: 120.
فهم يعبرون فيه عن رأيهم، ويلفتون أنظار المجتمع الدولي إليهم، وبينوا أن هؤلاء المناضلين أصحاب قضية عادلة، والإضراب حق معترف به عالميًّا لفضح الجرائم وكشف الظلم الذي يقع عليهم، كما أفتوا بأنه يجوز للسجناء ولو في بلادنا الإسلامية، استخدام أسلوب الإضراب المفتوح عن الطعام إذا كانوا يتعرّضون لانتهاكات تطال حقوقهم الإنسانية طالما أن هذا الأسلوب هو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى نتيجة في هذا العصر، وحتى إذا لم يؤدِّ إلى نتيجة إيجابية بحقّ السجناء، فإنه يلفت نظر الرأي العام المحلّي والدولي إلى الممارسات غير الإنسانية بحقّ السجناء.
ثانيا: - حكم الإضراب العام أو الفئوي: -
يقول بن تيمية في كتابه السياسة الشرعية (فأما إذا كان ولى الأمر يستخرج من العمال ما يريد أن يختص به هو وذويه فلا ينبغي إعانة واحد منهما إذ كل منهما ظالم كلص سرق من لص ولا يحل للرجل أن يكون عونا على الظلم) ويقول في موضع أخر (ويكنز الولاة من مال الله ما لا يحل كنزه والأصل في ذلك أن كل من عليه مال يجب أداؤه كرجل عنده وديعة أو مضاربة أو شركة أو مال يتيم وهو قادر على أدائه إذا امتنع عن أداء الحق الواجب من عين أو دين وعرف أنه قادر على أدائه فإنه يستحق العقوبة حتى يظهر المال أو بدله مكانه وكذلك لو امتنع عن أداء النفقة الواجبة عليه مع القدرة عليها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)وقوله أيضا (مطل الغنى ظلم ومن أتبع على ملئ فليتبع).
ما يؤخذ من كلام بن تيمية:
امتناع الموسر عن دفع ما عليه من التزامات مادية ومماطلته في الدفع يحل عرضه وعقوبته وهذا ظلم من جهة الشرع فما بالنا إذا كان المماطل هو رب العمل فيجب على الدولة التدخل لفض النزاع ومعاقبة رب العمل لأنه ماطل في الدفع أما إذا كانت الدولة هي نفسها رب العمل فيسقط حقها في مطالبة العامل بالاستمرار في العمل.
الإضراب وإنكار المنكر:
الإضراب صورة من إنكار المنكر مع مراعاة شروط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهو أبسط صور الإنكار دون استخدام اليد أو القوة وقد أمرنا الله بذلك في كتابه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر... ).
وما رواه حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (والذي نفسي بيده لتآمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله - عز وجل - أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
وعن جرير - رضي الله عنه - مرفوعا أنه قال: (ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله - عز وجل - بعذاب) وما ورد عن أبى بكر الصديق قال: -يا أيها الناس تقرءون هذه الآية: (يا أيها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله - تعالى - بعذاب منه).
الإضراب والخروج على الحاكم:
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) فإذا كان هدف الإضراب إسقاط نظام الحكم فلا بد من توافر عدة شروط: -
1 -أن يكون ذلك بسبب تيقن وجود الكفر لا الفسق ونحوه.
2 - كونه كفرا بواحا أي معلنا صريحا لا تأويل فيه.
3- كونه مبنيا على دليل قاطع من الأدلة الشرعية المعروفة.
4 - قدرة المضربين على إسقاط نظام الدولة بالفعل حتى لا يترتب ضرر أكبر من الضرر المترتب على السكوت عن الكفر البواح.
الإضراب لتحقيق مصالح للعامل أو تحسين الأوضاع:
الإضراب عن العمل إخلال بالواجب ويتنافى مع الوفاء بالعقد المأمور به في الآية (يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود) فلا بد من قيام العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضى الله - تعالى -وعلى رب العمل كذلك أن يلتزم بدفع الرواتب المتفق عليها.
فإذا أخل رب العمل بدفع الرواتب جاز للعامل هنا الانقطاع عن العمل حتى يدفع له أجره لقوله - عليه الصلاة والسلام -: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).
وإذا أراد العمال زيادة رواتبهم فلا حرج في المطالبة أولا بالزيادة ولكن لا يحق لهم الانقطاع عن العمل إلا عند رفض رب العمل الزيادة ولهم حينئذ الانتقال إلى عمل آخر إذا كانوا عمالا في القطاع الخاص أما عمال الحكومة فلهم حينئذ الإضراب لتحسين الأوضاع ولكن بعد سلوك الطرق السلمية أولا.
الإضراب وسيلة من الوسائل المشروعة:
مما سبق نستطيع القول أن الإضراب وسيلة من الوسائل يعتبر فيها أمران:
1 - مدى مشروعية الوسيلة.
2- مدى مشروعية الغاية منها.
فإذا كانت الوسيلة مباحة والغاية واجبة فإن الوسيلة تصبح واجبة فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. أما إذا كانت الوسيلة محرمة أو كانت مشروعة وتتخذ لغاية غير مشروعة فلا خلاف في عدم جواز ذلك كمن يسرق ليبنى مسجدا. فلا يجوز الإضراب لأخذ ما ليس حقا للعامل أو لمنع الغير من الحصول على حقه وكذلك إذا كان يترتب عليه مفسدة عظيمة كتعطيل المستشفيات والصيدليات التي لا غنى للناس عنها لأن القاعدة الشرعية تقول(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)
ويقول الشاطبي (إن أحكام الشريعة ما شرعت إلا لمصالح الناس وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله)0 ويقول بن القيم (إن الله - سبحانه وتعالى - أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه فثم وجه الله ودينه) ويقول العز بن عبد السلام (إن الشريعة كلها مصالح إما درء مفاسد أو جلب مصالح)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها)) وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز لأن رب العمل أخل بالعقد فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره.
آثـــــــار الإضـــراب:
1- هل يستحق المشارك في الإضراب أجرة عن المدة التي شارك فيها؟
الإضراب منه ما هو مشروع ومنه ما ليس كذلك فما كان منه مشروعا محققا لمقصد معتبر شرعا نال حكمه من تحقيق ذلك المقصد لأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد وبناءا على هذا فإذا كان الإضراب مشروعا وعقد العمل لا يتنافى مع التعويض للعامل عن فترته فإن العامل يستحق الأجر كاملا، وإذا لم يكن الإضراب مشروعا أثم المشارك فيه ولا يستحق إلا أجر الزمن الذي عمل فيه ولا يستحق الأجر إذا كان عقد عمله ينص على عدم التعويض عن فترته ولو كان الإضراب مشروعا.
2- هل يتنافى الإضراب مع إتقان العمل المأمور به؟
إذا كان الإضراب مشروعا فلا يتنافى قطعا مع إتقان العمل المأمور به أما إذا كان غير مشروع فإنه يتنافى مع إتقان العمل المأمور.
ـــــــــــــــــ
أهم المراجع:
1 -القران العظيم.
2: - المصباح المنير.
3: - المعجم الوسيط.
4: - البحر الرائق لابن نجيم.
5: عبد الكريم زيدان (حقوق الأفراد في دار الإسلام).
6: - تفسير القرآن العظيم.
7: -سنن بن ماجه.
8: - صحيح البخاري.
9: - صحيح مسلم.
10- الأوسط للطبراني.
11- مسند الإمام أحمد.
12- سنن الدارمي.
13- السلسة الصحيحة للألباني.
14- سبل السلام للصنعانى.
15- معجم لغة الفقهاء.
16- الأشباه والنظائر للسيوطى.
17- الأشباه والنظائر لابن نجيم.
18- الموافقات للشاطبى.
المختار الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق