الصفحات

الخميس، 30 أغسطس 2012

رؤية حول قرض البنك الدولي رؤية حول قرض البنك الدولي

فضيلة الشيخ :- عبد الخالق حسن الشريف
 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
منذ التقى فخامة رئيس الجمهورية الدكتور / محمد مرسي ـ مع رئيسة البنك الدولي وأعلن بعدها أن البنك سيمنح مصر قرضا بمبلغ يقارب 5 مليار دولار وبنسبة تزيد على 1% بقليل ، منذ ذلك وأثيرت أسئلة كثيرة حول هذا الأمر، أسعى لبيان رؤية حولها.
أولاً : لماذا هاجم حزب الحرية والعدالة وحزب النور بمجلس الشعب، لماذا هاجموا الدكتور كمال الجنزوري عندما أراد قرضاً وامتنعوا عن الموافقة؟
وهذا سؤال وجيه والإجابة عليه أن الحكومة التي تطلب القرض لابد أن ينتظر لها أو للمسئول الأساسي عنها ـ رئيس الجمهورية ـ وقتاً حتى يتم سداده ، وإلا فيخشى أن يكون الأمر من باب تصدير المشكلات للحكومة القادمة ، وهذا أمر تقديري لكل فيه وجهة نظر وهي محل احترام دون أن يفرض أحد رأيه على الأخر.
ثانياً : هل النسبة التي ستحصل مع القرض تعد من باب المصاريف الإدارية أم من باب الفوائد؟
فإذا اعتبرت مصاريف إدارية فقد أغنت عن الحديث فيما سيرد في البند ثالثاً، فمع تعقيدات الحياة ووجود مؤسسات أو جهات تعطي قروضاً بدون فوائد. ولكن هذه المؤسسات تتحمل تكاليف مبانٍ وإيجارات وموظفين وأوراق وغيرها للقيام بهذا العمل، لذا فقد اتفق العلماء على تحمل المستفيدين بهذه المصاريف بضوابط.
ثالثاً : على فرض أن هذه النسبة ليست مصاريف إدارية فما حكمها الشرعي ؟
أسرع كثير من باب الغيرة على الدين ، وبعضهم لأمور أخرى بالحكم أن هذا من الربا المحرم والذي لا تدعو الضرورة للتعامل به  ولقد قامت الدعوات في الانتخاب على المرجعية الإسلامية فكيف يكون ذلك
وبين يدي هذا التوضيح، وبخصوص الحكم حول هذا القرض أبيّن الآتي :
1-  أن الربا من أواخر ما حرم في الإسلام حتى قال عمر ـ مات النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أود أن أسأله عن ثلاث منها (الربا ) وتحريم النبي لربا العباس بن عبد المطلب ــ كان في حجة الوداع أي قبل وفاة النبي بمدة يسيرة .
2- أن الكثير من التشريعات في بيان المحرمات سبقت تحريم الربا مثل تحريم الزنا وما ورد بشأن الأطعمة والخمر.
3- أن أمر الربا متعلق بالعلاقات الاقتصادية والمعاملات المالية وهي أمور متشابكة وتحتاج إلى دقة في تحديد الحكم الشرعي، فمثلاً الآن هل يمكن لمصر أن تخبر دولة اقترضت منها بفائدة أو مستورد يخبر مَن استوردَ منه أنه لن يرد له إلا أصل الدين لقوله تعالى " فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ " وتغفل عما سبقها " وَإِنْ تُبْتُمْ" وهذا يشمل طرفي العقد داخل منظومة دولة أعادت التشريعات الإسلامية لحياة المجتمع.
رابعاً : توجد مشكلات في التشريعات بخصوص الفوائد داخل مصر
1- أولاً الآراء التي صدرت بجواز ذلك، ولا أسميها فتاوى وإن كان أصحابها رسمياً متصدرين لهذا الأمر ، ولكن عموم علماء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها يرفضون هذه الآراء، بل مَن أصدرها خالف نفسه ، ولا أظن أنه من باب المراجعة ، وكذلك خالف رأي مجمع البحوث الإسلامية عام 1965م ، إن هذا الرأي أحدث ومازال يحدث بلبلة شديدة وفتنة شديدة في المجتمع وتطور الأمر من أحدهم بخصوص النقود الورقية وهل يقع فيها ربا أم لا.
2- البنوك المصرية ـ إلا القليل ـ يتعامل بهذه الفائدة ـ أعنى الربا ـ وأذونات الخزانة كذلك ، وما يلزم به البنك المركزي البنوك العاملة في مصر.
3- سعي حزب الحرية والعدالة وبعض القوى الإسلامية بعد الثورة إلى مخاطبة البنك المركزي للسماح للبنوك بالتعامل بالمنهج الإسلامي في أمر قروض الإسكان ولم يسمح البنك المركزي بذلك ولا أدري لذلك من أسباب اقتصادية اللهم إلا العناد ، وهذا أمر يحتاج إلى إصلاح وتعديلات تشريعية وبالتالي نحن في حاجة إلى إصلاح البيت من الداخل قبل الحديث مع الخارج.
خامساً: الفتوى الجماعية
حقيقة الأمر لقد أصبحنا في حاجة إلى الفتوى الجماعية خاصة فيما يتعلق بشئون الدولة ونظامها وكذلك الأمور العامة فكل هذا يحتاج إلى جمع من العلماء الشرعيين يساعدهم ويقدم لهم ما يلزم حول موضوع البحث أهل التخصص العلمي في الشأن موضوع الدارسة ففي مثل هذه الواقعة نحن في حاجة إلى:-
1- أن يقدم علماء المالية العامة والاقتصاد والنقود والموازنة توضيحات حول هذا القرض ومدى الحاجة إليه حقيقة في ضوء الرصيد النقدي ، الاستيراد للسلع الأساسية ، تأثير ذلك على السيولة وكذلك الرصيد الذي يغطي العملة الورقية وتأثير هبوط أرصدة النقد الأجنبي.
2- كذلك يقدم أهل التخصص بياناً واقعياً وحقيقيا عن البدائل ، وما هي؟ وما أثر استخدام أي بديل؟ فربما يكون من البدائل الآتي :-
أ- التقشف 
ب- رفع أسعار بعض السلع 
ج- رفع الدعم عن بعض السلع

وتقدم أجهزة مختلفة تدرس أحوال المجتمع للوصول إلى مدى استطاعة المجتمع تحمل هذه البدائل خاصة في وسط التداعيات الفئوية ، وأعمال أذناب النظام السابق الذين نهبوا البلاد في إفساد الحياة ، والبلطجة وغير ذلك مما نعلمه جميعا.
3- بعد ذلك يقوم أهل العلم الشرعي بدارسة ذلك في ضوء فقه النوازل، وفقه الواقع ، وفقه المآلات ،والموازنات ولا نتمسك فقط ـ خارج أمور العقيدة ـ بفقه سد الذرائع ونغفل عما يعرف بفقه " فتح الذرائع " مع مراعاة المصالح والمفاسد في ضوء الالتزام بالنصوص الشرعية وكذلك القواعد المقاصدية والكلية ، وباستخدام مثل هذا كله أجاز العلماء قتل أسرى المسلمين الذين يتحصن بهم العدو، مع أن هذا الأسير مسلم معصوم الدم لم يرتكب ما يوجب قتله ولكن ضرورة مواجهة العدو استلزمت ذلك.
4- وقد يرى العلماء أن هذا من باب الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة وهذه من القواعد الأصولية تستخدم في بابها حسبما يرى فقهاء الأمة.
إذن الفتوى الجماعية هي الحل في مثل هذه المعضلات التي لا يقوى عليها فرد أو أكثر مهما أوتي من علم ، مع بيان أسلوب ومنهج تطبيق ما تنتهي إليه الفتوى وما قد يستلزم ذلك من تدرج.
سادساً : ولكن قضية الدين عموماً تعتبر مشكلة اقتصادية تحتاج إلى نظرة عميقة ومنهجية لحلها سواء كان الدين الخارجي أو الداخلي ، حلاً يقلل هذا الهمّ الذي يزعج كل حر وكل مسئول، هل يمكن رد التأمينات إلى أهلها ، هل يمكن الإمساك عن إصدار أذون الخزانة ؟ هل يمكن سداد الدين الخارجي ؟ كيف يتم هذا؟ التبرعات من الشعب الكريم، لو صرخ العلمانيون ليل نهار؟ هل يستجيب لهم أحد؟ فلم يبق إلا الإسلاميون، وأحسب أنهم سيقومون بهذا الدور الكريم رغم كل الأبواق التي تهاجمهم ولكني أحسبهم والله حسيبهم يفعلون ذلك لوجه الله تعالى ثم لمصلحة هذا الوطن الغالي.
سابعاً : نريد أن تبين لنا الحكومة أوجه صرف هذا القرض، والعائد منه، وآثاره، والكيفية التي وضعت لسداده دون إرهاق للفرد المصري، وتكون الدراسة واقعية وليست متوهمة .
وأخيراً
1- لقد عانينا كثيراً من إهمال في مجال بيان فقه الدولة، والأحكام الشرعية المتعلقة بنوازل الأمة ،والاعتماد على الفتوى الفردية حتى ظهر لنا ما يؤذي في قانون الطفل وأمر ختان الأنثى وغير ذلك، إن صيانة المجتمع في حاجة إلى الفتوى الجماعية التي تضم كبار العلماء ليس فقط مَن صدر قرار بتعيينهم بل حولهم أضعافهم مثل أ.د علي السالوس ، أ.د/ عبد الستار فتح الله سعيد من هامات كان عدد غير قليل ممن عينوا تلاميذ لهم ، علاوة على المشهود لهم بالجهاد القولي أمام السلطان لا التبعية للسلطان.
2- أن الفتوى الجماعية الواضحة الجلية التي تعرض للأمة بوضوح أدلتها وبيان من وافق ومن خالف تجنب الأمة الآراء الفردية والفتاوى التي تؤدي إلى حدوث بلبلة في الأمة.
3- على أهل العلم ممن يجتمعون للفتوى الإعلان عن موضوعها مسبقاً وفتح الباب لكل صاحب علم أن يقدم بحثه في مجال الدراسة سواء من مصر أو من خارجها سواء كان أزهرياً أو غير ذلك وينظر إليه بعين الاعتبار متى كان مصاحباً بالدليل وحجة في بابه حتى تستفيد الأمة من طاقات أبنائها.
4- أنصح الأفراد بالإمساك عن التسرع في الفتاوى خاصة فيما يعم المجتمع.
5- أطالب الأزهر والأوقاف وعلماء الإخوان والجمعية الشرعية والسلف والجميع بالتعاون في مجال إرشاد المجتمع وحفظه خاصة في مجال الفتوى لأنها مؤثرة في حياة الفرد والأمة ، وبالله التوفيق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق