الغرب والعلمانية :
إن علاقة الغرب بالكنيسة علاقة معقدة ، ولن
نتحدث هنا عن تحالف الكنيسة مع الإقطاع ولا صكوك الغفران ولا جملة الإعدامات لصفوة
من علماء الغرب ، فكل هذه الممارسات مدونة في الضمير الأوربي ، فالكنيسة في أوربا
حرفت تعاليم السيد المسيح – عليه السلام – وتحولت إلى كهنوت عازل ومتجبر يشعل
الحروب والفتن ، ولم تعرف أوربا حضارة مسيحية بالمعنى الحرفي والاصطلاحي للمفهوم ،
بل إن المؤسسة الكنسية أدخلت أوربا في النفق المظلم ، نفق الكهنوت والغطرسة .
إن الدين المسيحي في الأصل ديانة توحيد ومحبة
ورحمة وحوار ، ولكن لأغراض دنيوية حرفت الكنيسة تعاليم دين عظيم مثل المسيحية
لتحقيق مصالح ذاتية لطبقة رجال الدين ، وفي ضوء ما سبق ، ندرك بداهة الأهمية
الخاصة لفصل المؤسسة الكنسية عن الدولة في الغرب ، ونرى أن التاريخ الكنسي نفسه
يبرر ذلك الفصل .
بالمقابل ، فإن الدين الإسلامي نزل على أمة
أمية ، مجموعة قبائل وثنية متنافرة جاهلة ، فحولها الدين إلى أمة قادت حضارة
الإنسانية في عصور الظلام الدامسة .
فتحول الجاهل الوثني إلى داعية حق وهدى
واستقامة ، وطفق ينشر العدالة بين الأمم ويبشر بدين الإسلام .
وقد تميزت حضارة الإسلام بثرائها الروحي
وغناها المعرفي وسموها الأخلاقي وقدرتها على الانتشار بين الشعوب في زمن كان
الاتصال فيه للجمل أو للفرس ، والعالم يتباعد بشكل مذهل ، ومع ذلك فقد تمكنت حضارة
الإسلام من ترسيخ قيم ونظم أخلاقية ومعرفية متميزة .
والدين الإسلامي – على عكس المؤسسة الكنسية –
هو دين يرفض الكهنوت والطقوس السرية والقداسة المفتعلة للأفراد ، من كانوا وأينما
كانوا ، لأنه دين توحيد والعبودية فيه لله وحده ، ومصادر الدين الإسلامي ( الكتاب
والسنة ) حُفظت كما نزلت على محمد بن عبد الله ، بلا تحريف أو حذف أو إضافة .
ومن هنا ، فإن الخطأ الذي يقع فيه دعاة
العلمانية ، هو المقارنة الظالمة بين دين الله والكهنوت البشري ، بين تاريخ دين
تميز بالإشراق الروحي والإنساني ، وبين تاريخ معروف بمجاوزته الفظة المعارضة للدين
، أي دين مهما كانت الظروف والملابسات والادعاءات .
من كتاب المؤلف : أفي الله شك ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق