كَشفت الولايات المتحدة الأمريكيَّة عن وجهها القبيح فيما يتعلق بتجميد تدخُّلها العسكري في ليبيا بدعوى إسقاط العقيد معمر القذافي، في أن عملياتها العسكرية لم تكن بغرض إسقاط القذافي أو نظامه، بقدر ما كانت تهيئة لأجواء الاستقرار لها في ليبيا، وإقامة منطقة عازلة بين بني غازي، حيث تمركُز الثوار، وبين طرابلس حيث تمترس القذافي وكتائبه.
ولهذا كانت الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على أمرين طوال طلعاتها العسكرية على طرابلس وضواحيها في عدم إسقاط القذافي من ناحية، وفي الوقت نفسه عدم إحراز الثوَّار للعديد من المكاسب على الأرض بالاقتراب من العاصمة طرابلس من ناحية أخرى؛ لأنه في حال تحقيق ذلك، فإنه كاد ينسف أهدافها، فضريبة الطلعات الجوية العسكرية ينبعي أن يدفع فاتورتها أضعاف مضاعفة النفط الليبي وليس غيره من الخزينة الأمريكيَّة.
ومن هنا عندما أحست الولايات المتحدة أنها يمكن أن تهدي إلى الثوار مكسبًا سياسيًّا وعسكريًّا بالاقتراب أكثر من طرابلس، أو أن تكون طلعاتها وبالا على القذافي ونظامه، سرعان ما كان قرارها بتجميد هذه الطلعات، والتفكير في المرحلة التالية بما يحقِّق معها مصالحها، ويخدم أهدافها.
وفي المقابل حرصت الإدارة الأمريكيَّة على أن تحقق مكسبًا داخليًّا في واشنطن ذاتها، نزولا لرغبة المعارضة لاستمرار عملياتها العسكريَّة في ليبيا، لعدم إرهاق قواتها، وحتى لا يتمّ استنزاف الكثير منها، على نحو ما حدث في العراق وأفغانستان، وكذلك لعدم إثارة العرب والمسلمين بالوجود العسكري في طرابلس أكثر من ذلك، في ظلّ حالة السخط الشعبي بالعالم العربي على دعمها للأنظمة التسلطيَّة.
كما جاء القرار بتجميد العمليات العسكريَّة وسط مخاوف الطبقة السياسيَّة الأمريكيَّة، والتي كانت تتزايد مع مرور كل يوم على العمليات العسكريَّة في ليبيا بسبب غياب جدول زمني يحدد فترة التدخل العسكري لتنفيذ قرار مجلس الأمن. فمع استمرار الغارات الجوية على ليبيا، كانت تشتد فيه الانتقادات للرئيس الأمريكي باراك أوباما حول دور الولايات المتحدة في هذه العمليَّات، فضلا عن التكاليف الكبيرة التي كانت تتحملها الخزينة الأمريكيَّة.
جاءت هذه الانتقادات من عدد من نواب الحزب الجمهوري المعارضين لسياسة أوباما في العديد من القطاعات، بعدما عبر رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر عن قلقه من استمرار العمليات العسكرية في ليبيا إلى أجل غير معروف.
وتساءل بينر في رسالة وجهها للرئيس الأمريكي عن مدى قيام وزارة الدفاع الأمريكية بتقييم حقيقي لتكلفة العمليات العسكرية في ليبيا، خصوصًا في ظلّ تقارير تحدثت عن تكبد الولايات المتحدة 100 مليون دولار يوميًّا من خلال مشاركتها في فرض الحظر الجوي على ليبيا.
وحسب عدد من الخبراء الأمريكيين فإن التكلفة قد ترتفع لتصل إلى مليار دولار إذا عادت الولايات المتحدة الأمريكيَّة لعملياتها العسكريَّة، مهما كانت نتائج العملية العسكرية، وما كانت ستعجِّل برحيل معمر القذافي من عدمه.
وفي حال استئناف هذه العمليات يعتقد المحللون أن البيت الأبيض سيكون أمام احتمالين، أولهما اللجوء إلى الاقتراض لتمويل ما تبقى من العمليات العسكريَّة، أما الثاني فيتمثل في اللجوء إلى الكونجرس لطلب تمويل طارئ.
ويرى المراقبون أن الرئيس باراك أوباما سيجد صعوبةً كبيرة في استكمال عملياته العسكرية لإقناع نواب الكونجرس بتخصيص تمويل إضافي مستعجل للعمليات العسكريَّة، في ظلّ حالة الاحتقان بين النواب الجمهوريين والرئيس الأمريكي حول عمليات الإنفاق التي يطالب المعارضون بتقليصها، حيث سبق للكونجرس أن أعلن عن رغبته في تقليص ميزانيَّة الدفاع للسنة الجارية بمقدار 23 مليار دولار، بهدف تقليص الإنفاق الحكومي.
ويربط الكثير من السياسيين الأمريكيين بين المشاركة الأمريكية في العمليات العسكرية في ليبيا من جهة، واحتمال رحيل القذافي من عدمه، حيث تساءل العديد من المتتبعين عن جدوى هذه العمليات التي تهدف، حسب قرار مجلس الأمن، إلى حماية الليبيين، ودون التطرُّق إلى رحيل القذافي، في الوقت الذي ما زالت فيه الولايات المتحدة مصرة على رحيل هذا الأخير، دون أن تحدد"سيناريو" لهذا الرحيل، ليأتي إيقاف عملياتها العسكرية لتكشف مزيدًا من عدائها ضدّ العرب والمسلمين.
وبالقدر الذي يتصوره البعض من أن تجميد مثل هذه العمليات استجابة لحالة الغضب الشديدة التي تسود العالم العربي والإسلامية ومنه ليبيا نفسه، فإن هناك الكثير من التسريبات التي كشفت عنها صحيفة "الشروق" المصرية في مصر عن أن القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان وشخصيَّة فلسطينيَّة أخرى من أصل عراقي "متورطون في صفقة توريد أسلحة بطريقة سرية من شركة إسرائيليَّة في الأراضي المحتلة إلى العقيد معمر القذافي عبر سفينة قادمة من اليونان، وصلته خصيصا تلبية لطلبه من ناحية، ولقمع الثوار من ناحية أخرى.
ونقلت الصحيفة عن المعارض الليبي عمر الخضراوي قوله: إن "القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان والمدعو محمد رشيد، وهو كردي من أصل عراقي واسمه الحقيقي خالد سلام، وكان مستشارًا للرئيس الراحل ياسر عرفات، هو من يقف وراء صفقة توريد الأسلحة المحرمة دوليًّا إلى العقيد القذافي، والتي قصف بها سكان مدينة مصراتة في الغرب الليبي" .
ويؤكد الخضراوي الذي يعدُّ من القيادات السياسيَّة للثوار في المنطقة الغربيَّة أن المدعو محمد رشيد هو من جاء بالباخرة المحملة بالأسلحة الإسرائيلية من اليونان إلى ميناء طرابلس، مضيفا أن الثوار في مصراتة تمكَّنوا من غنم جزء من هذه الأسلحة التي بثت فضائية الجزيرة القطرية صورًا عنها من بينها قنابل عنقودية عليها نجمة داود السداسيَّة، رمز إسرائيل واليهود .
وفي هذا السياق يوضِّح عمر الخضراوي أن "العقيد القذافي يتظاهر بعداوته لإسرائيل، لكنه في حقيقة الأمر تربطه أوثق الصلات مع جهات إسرائيليَّة عبر محمد دحلان وزير الأمن السابق في السلطة الفلسطينيَّة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق