يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف المصري فى مقال بصحيفة "اللواء" اللبنانية :"القيم ليس خاصة بالجانب الأخلاقي فقط فهناك مجالات كثيرة للقيم مثل قيم الحق والخير والجمال· كما أن هناك قيماً دينية تتداخل مع هذه المجموعات من القيم التي تحكم حياة الإنسان أو التي ينبغي أن تحكم حياة الإنسان" ·
ويضيف :" والواقع أن مثل هذه القيم تُعد من الثوابت في حياة كل أمة· فهي قيم مطلقة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال· فلا يعقل أن يكون العدل أو الصدق أو الأمانة قيماً نسبية· فالقيم المطلقة تعد غاية في ذاتها· أما القيم النسبية فهي وسيلة لتحقيق غاية· ومن هنا يطلق على القيم النسبية أيضاً اسم القيم الوسيلية· فقيمة السيارة مثلاً مرهونة بما تؤديه من خدمات· والمال لا تكون له قيمة إلا من حيث هو وسيلة لكثير من الأمور المرغوب فيها في الحياة، والتمييز بين هذين الصنفين من القيم يعد أمراً بالغ الأهمية في مجال الأخلاق· إذ أن الحياة الخيرة هي التي تؤدي الى أقصى حد ممكن من الخير· وفي الوقت نفسه تنظم القيم الوسيلية على أنها تخدم القيم المطلقة"·
ويقول :"والإسلام يهتم بكل القيم التي ترتقي بالإنسان· وتهذب من أخلاقه، وتسمو بعواطفه، وترقق مشاعره· وتنمي إحساسه بالجمال الذي يلفت الإسلام أنظارنا إليه في كل مخلوقات الله· كما وردت الإشارة إلى ذلك في العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية· ويضع الإسلام القيم الأخلاقية بصفة خاصة في مرتبة عليا وفي قمة سلم القيم، ويجعلها حاكمة لغيرها من القيم، ومن هنا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"· ويمتدح القرآن الكريم محمداً بقوله: وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم 4)· ويحثنا النبي أيضاً على أن نتخلق بأخلاق الله في قوله: تخلقوا بأخلاق الله}· وهذا يعني أن تجعل من الصفات الإلهية مثلاص نهتدي بها· ونسير على هداها، لأنها تمثل معايير أخلاقية عليا مطلقة"·
ويخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأن أقرب الناس منه مجلساً يوم القيامة هم أحسنهم أخلاقاً: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً·
ويشدد زقزوق على ان قانون الأخلاق في الإسلام يرس للإنسان منهجاً لسلوكه في جميع مجالات نشاطاته وعلاقاته في شتى النواحي الفردية والاجتماعية· بل وفي علاقته بالكون كله· فليس هناك أي وجه من وجوه النشاط الإنساني لم يخضع لتقنين الأخلاق الإسلامية ،، وانه إذا كانت الأخلاق في الإسلام على الوحي الإلهي· فليس معنى ذلك أنها تتصادم مع ما يقرره العقل الإنساني فهذا أمر غير وارد إطلاقاً· كما أن الضمير الحي اليقظ لا يصدر منه إلا ما يتفق مع ما يأمر به قانون الأخلاق في الإسلام وهناك على ذلك شواهد لا حصر لها في القرآن والسنة· ونكتفي في هذا الصدد بقوله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة} (القيامة: 14)· وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه· وقوله: استفت قلبك واستفت نفسك· البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب· والإثم ما حاك في المفس· وتردد في الصدر· وإن أفتاك الناس وأفتوك·
ويشير الى ان الرسالات السماوية لم تأت لتغير الفطرة التي فطر الله الناس عليها· وإنما أتت مؤيدة ومكملة لها· ومن هنا يحرص الإسلام على أن تكون أوامره ونواهيه مطابقة للعقل وللحكمة· وحتى في مقام الحساب يوم القيامة يكون لسلطان الضمير هذا الدور الهام الذي تعبر عنه الآية الكريمة: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء: 14) ومن ذلك كله يتضح لنا أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في هذه الحياة بدون قيم تحكم سلوكه على المستوى الفردي والاجتماعي· بل وتحكم سلوكه ازاء الكائنات جميعاً· وهذا يؤكد أن الإنسان يعد كائناً أخلاقياً لديه بالفطرة ضمير يلزمه بالسلوك الأخلاقي· باستثناء من فسدت فطرتهم وصموا آذانهم وعقولهم عن صوت الضمير· وهؤلاء من الشواذ الذين لا يمثلون النوع الإنسان، ولا يؤثر وجودهم في جعلنا نفقد ثقتنا في الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم·
ويختتم بالقول ان الفطرة السليمة النقية التي فطر الله الناس عليها تدخل في حسن التقويم بطبيعة الحال وليس فيط التكوين البدني للإنسان، لأن الإسلام حين يتحدث عن الإنسان فإنه يتحدث عنه بوصفه كائناً متكاملاً من الجسم والروح والعقل والوجدان·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق