باتريك سيل*/ صحيفة الجارديان
ترجمة/ شيماء نعمان
مفكرة الاسلام: بينما تتواصل الاحتجاجات الشعبية في المدن السورية مطالبة بالإطاحة بالرئيس "بشار الأسد"، وتسعى الحكومة إلى احتواء الوضع، فإن الحقائق على أرض الواقع تشير إلى أن حدوث أي تغيير بالنظام السوري ستصحبه تغييرات في التحالفات القديمة القائمة في المنطقة؛ وهو ما قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط.
ويرى المحلل السياسي والمؤرخ البريطاني "باتريك سيل" أن الرئيس السوري ليس هو فقط من يتابع بترقب مسار الاحتجاجات، بل كذلك جميع الأطراف في منطقة الشرق الأوسط.
وتحت عنوان "إذا سقط الأسد، سنشهد تفكك جميع تحالفات المنطقة"، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالاً لـ "باتريك سيل" نعرضه في السطور التالية:
لقد قرر النظام السوري، الذي طالما كان لاعبًا رئيسيًا في لعبة القوى في الشرق الأوسط، المواجهة بقوة تامة. حيث يبدو أنه مصرًا على إحباط موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي تسببت في انهيار أنظمة الحكم في تونس ومصر، والتي تهدد كذلك الحكام في كلٍ من ليبيا واليمن والبحرين كما تتحدى الآن قوة الدولة في عدة مدن سورية.
وفي حال أخفق النظام السوري بقيادة الرئيس "بشار الأسد" في إعادة فرض سلطته من جديد، أو تعرض للسقوط أو حتى حل به الضعف جراء فترة مطولة من الاضطرابات الشعبية، فإن التداعيات الجيوسياسية قد تكون ضخمة. وسيواجه حلفاء سوريا – الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحركة المقاومة الشيعية "حزب الله" في لبنان وحكومة "حماس" في غزة- جميعهم ضغوطًا. وبالنسبة للأطراف الثلاثة فإن خسارة المساندة السورية ستكون موجعة.
وبلا شك سترى "إسرائيل" مثل هذه التطورات بعين الرضا. فطالما قد سعت لإعاقة محور (طهران- دمشق- "حزب الله"- "حماس") الذي مثل تحديًا لتفوقها الإقليمي- وحتى اكتسابهم نوع من القدرة الرادعة كان أمر غير محتمل بالنسبة لـ "إسرائيل". إلا أن تلك المشاعر "الإسرائيلية" ربما قد يهديء منها الخوف من أن يحل محل نظام الأسد نظامًا إسلاميًا قد يكون أكثر تهديدًا لمصالحها وأمنها.
إن كل ما يمكن قوله في هذه اللحظة هو أن التنازلات والوعود التي أعلن عنها الأسد حتى الآن ظلت زهيدة ومتأخرة كما أنها لم تنجح في إرضاء المحتجين. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية موجة جديدة من الاحتجاجات التي بدأت تبدو مع تضخم أعدادها وشعاراتها الغاضبة والمعادية للنظام مثل حالة من العصيان. ورد النظام عليها باستخدام الذخيرة الحية وحظر التجول والاعتقالات الجماعية وفرض طوق أمني حول بعض المدن والقرى. كما قُتل على الأرجح نحو مائتين من المحتجين.
لقد خُلعت القفازات الآن. ففي تحذير مخيف أعلنت وزارة الداخلية السورية في نهاية الأسبوع: "أنه لم يعد هناك مجال للتساهل أو التسامح في تنفيذ القانون والحفاظ على أمن البلاد والمواطنين وحماية النظام العام".
وبكل المقاييس، فقد فاز المتشددون من داخل النظام بالمناقشة على الإصلاحيين، إذا ما كانت هناك مناقشة في الواقع. وهو ما جعل المحتجون بدورهم يشددون من موقفهم كنتيجة للرد القاسي من قبل النظام.
وبالإشارة بإصبع الاتهام على أقارب هامين للرئيس- هما شقيقه "ماهر الأسد"، قائد الحرس الجمهوري، وابن خاله "رامي مخلوف"، رجل الأعمال فادح الثراء- يطالب البعض ليس فقط بمجرد إصلاحات في الأسلوب الذي تدار به سوريا ولكن بتغيير النظام بأكمله.
ويبدو واضحًا أنه في خطابه يوم الثلاثين من مارس- وهو الظهور العلني الوحيد له حتى الآن- فقد الرئيس فرصة هامة لتأكيد زعامته وإعادة الأوضاع بعيدًا عن حافة الهاوية. ولو كان قد أعلن عن تدابير طال أمد انتظارها- مثل رفع قانون الطواريء وإطلاق سراح السجناء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان وإحالة رموز الفساد في النظام إلى المحاكمة وتقويض سلطات الأجهزة الأمنية والسماح بظهور أحزاب سياسية جديدة تتحدى احتكار حزب "البعث" للنصف قرن الماضية- لكان ربما تمكن من قيادة بلاده نحو ديموقراطية على النموذج التركي، كما نصحه صديقه وحليفه رئيس وزراء تركيا "رجب طيب أردوجان".
وكان يمكن أن يحل الأزمة بإعلان مفاجيء عن إصلاحات فورية. إلا أن المصالح ذات الأهمية والتي تعتمد على النظام قد تجعل مثل هذا التغيير الجذري أمرًا مستحيلاً. وقد تكون سوريا تعاني من صراع مرير بين النظام والمعارضة، تدور رحاه في الشوارع مع تصاعد في حدة العنف. ويمكن للقوة المسلحة للنظام أن تضمن له اليد العليا، ولكن بثمن باهظ من شرعيته المهتزة بالفعل على نحو سيء.
تغير التحالفات في الشرق الأوسط
أما بصورة أوسع نطاقًا، فإن المنطقة تشهد حاليًا تفككًا لتحالفات كانت قد تكونت في فترات حرجة خلال العقود الثلاثة الماضية والتي شهدت معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" عام 1979، وكذلك الثورة الإيرانية في العام نفسه، والغزو "الإسرائيلي" الكاسح للبنان عام 1982، والذي أعقبه احتلالها للجنوب على مدى 18 عامًا ؛ والذي أدى إلى ظهور جماعة "حزب الله". وبعد أن كانت مصر حليفًا لسوريا أثناء حرب عام 1973، غيرت مصر من وجهتها وأصبحت شريكًا لـ "إسرائيل" في عملية السلام. أما إيران- التي كانت حليفًا لـ "إسرائيل" في حقبة الشاه- فقد غيرت من وجهتها بعد قيام الجمهورية الإسلامية لتصبح شريكًا لسوريا بدلاً من ذلك. أي أن سوريا و"إسرائيل" قد تبادلتا شركائهما.
إلا أن هذه الترتيبات تقع الآن تحت التهديد. فمصر بعد مبارك على الأرجح ستنأى بنفسها عن "إسرائيل" وتنضم من جديد إلى المعسكر العربي، بينما يمكن لتحالف سوريا وإيران – الذي لا يحظى بشعبية بين الغالبية السنية- أن يتعرض للخطر إذا ما حدث أي تغيير في النظام بدمشق.
ومن بين أهم التغيرات الأخرى بالخريطة الجيوسياسية للمنطقة هو ظهور تركيا بدور اللاعب الكيس الذي يعزز التجارة وحل الصراعات، وكذلك العودة البطيئة للعراق كقوة عربية كبرى بعد حالة الدمار التي ألحقها بها كلاً من "توني بلير" و"جورج بوش" والمحافظون الجدد الأمريكيون المؤيدين لـ "إسرائيل".
هل نحن إذن على مشارف أن نشهد بعض التغيير في التحالفات التي تشكلت قبل 30 عامًا؟ إن العراق وإيران اللتين خاضتا حربًا مريرة في الثمانينات يمكن أن يتقاربا الآن كون كلاهما تحت قيادة شيعية. وهما معًا سيشكلان كتلة قوة هائلة. وستبدو استثمارات أمريكا الضخمة في القوة البشرية والأموال في حرب العراق عديمة الجدوى أكثر من أي وقت مضى.
ومع ذلك، يمكن لبعض الأمور أن تبقى كما هي. فبمجرد أن تهدأ الأزمة، ستواصل تركيا تنمية صداقتها مع سوريا مهما كانت طبيعة النظام بها؛ حيث أن سوريا ستظل محورًا رئيسيًا لسياسة تركيا الطموحة إزاء العالم العربي. وفي الحقيقة، قد تحل تركيا محل إيران كحليف إقليمي أساسي لسوريا.
كما أنه من المستبعد أن تتسبب الأزمة في تقليص نفوذ سوريا في لبنان؛ حيث من غير الممكن لأي نظام سوري مهما كان اتجاهه أن يتحمل وجود حكومة معادية في بيروت. فأمن البلاد- وخصوصًا فيما يتعلق بـ "إسرائيل"- مرتبط بقوة بأمن لبنان المجاورة.
إن موجة الاحتجاجات التي تندلع في أرجاء العالم العربي قد دفعت بالصراع (العربي- الإسرائيلي) إلى مرتبة ثانية. غير أن ذلك يمكن فقط أن يحدث لفترة مؤقتة. فالمنطقة لن تعرف أي استقرار أو سلام حتى يتم حل القضية.
----------------------------------------
* باتريك سيل: مؤرخ بريطاني معني بالشئون العربية، وصاحب كتاب " الأسد والصراع على الشرق الأوسط".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق