بسم الله الرحمن الرحيم
من خصائص هذا الدين الحنيف
1. أنه رباني المنهج ، رباني الغاية رباني الوجهة ،
2. وأن هذا الدين الحنيف إنسـاني الطابع ،
3. يشمل كل مكان وكل زمان ،
4. ويصلح لكل مكان وكل زمان ،
5. وأن هذا الدين الحنيف واقعـي ، بمعنى أنه لا يقبل الواقع السيئ ، لكنه يطوره بأدوات واقعية ،
6. وأن هذا الدين الحنيف واضح لا يزيغ عنه إلا ضال ،
7. وأنه يجمع بشكل معجز بين الثبات والتطور ،
8. ومن أبرز خصائص هذا الدين الحنيف الوسطية أو التوازن ، وهو موضوع الخطبة اليوم ، وسيكون تناول هذا الموضوع إن شاء الله تعالى من زاوية معان الوسطية في الإسلام ، ومن زاوية مظاهرها في العقيدة ، والمنهج ، والعبادات ، والمعاملات ، والأخلاق ، والنظم .
تعريف الوسطية في الإسلام
إن من أبرز خصائص هذا الدين القويم الوسطية أو التوازن ، ونعني بالوسطية التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين ، حيث لا ينفرد أحدهما في التأثير ، ويطرد الطرف الآخر ، حيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه ، ويطغى على الطرف الآخر ، ويحيف عليه ، فلا إفراط ، ولا تفريط ، ولا غلو ، ولا تقصير ، ولا طغيان ، ولا إخسار ، ولا شطط ، ولا وكس ، بل كلٌ يأخذ حقه بالقسطاس المستقيم .
وسطية الإسلام بين:
فالإسلام أيها الإخوة وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة ،
بين الواقعية المرة والمثالية التخيلية ،
بين الفردية الطاغية والجماعية الساحقة ،
بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب ،
بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة ،
بين العقلانية الباردة والعاطفية المتقدة ،
بين نوازع الجسد ومتطلبات الروح .
والوسطية في الإسلام تنطلق من قوله تعالى :
[سورة البقرة 143]
الوسطية شعار الأمة الإسلامية
يا أيها الإخوة الأكارم ، من حكمة الله تعالى أنه اختار الوسطية أو التوازن شعاراً مميزاً لهذه الأمة ، التي هي آخر الأمم ، ولهذه الرسالة التي ختمت بها الرسالات ، إذ بعث بها خاتم أنبيائه رسولاً للناس جميعاً ، ورحمة للعالمين قاطبةً ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسطية في قوله تعالى :
معاني الوسطية
1. العدل
والعدل هو توسط بين طرفين متنازعين دون ميل أو تحيز لطرف أو لجهة ، والعدل إعطاء كل ذي حق حقه دون بخس أو جور ، قال المفسرون في قوله تعالى :
[سورة القلم]
أوسطهم أي أعدلهم ، فأعدل بقاع الشيء وسطه ، ووسط الدائرة مركزها ، ثم استُعير الوسط للخصال البشرية المحمودة ، لأنها وسط بين الخصال المذمومة ، فالشجاعة مثلاً وسط بين الجبن وبين التهور .
2. استقامة المنهج ، والبعد عن الميل والانحراف
فالصراط المستقيم هو كما قال أحد المفسرين الطريق السوي ، الواقع وسط الطرف المنحرفة عن القصد ، فإذا فرضنا خطوطاً كثيرةً واصلة بين نقطتين متقابلتين ، فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية أو المنكسرة ، هو وسطها، وأقصرها إلى الهدف ، والمسلم أيها الإخوة يسأل ربه أن يهديه إلى الصراط المستقيم كل يوم ما لا يقلُّ عن سبع عشرة مرة ، وذلك حينما يقرأ الفاتحة ،
فالمغضوب عليهم هم الذين أفرطوا ، والضالون هم الذين فرطوا ، المغضوب عليهم هم الذين عرفوا وانحرفوا ، والضالون هم الذين جهلوا فانحرفوا .
3. والوسطية في الإسلام تعني الخيرية ، والفضل ، والتميز في الأمور المادية المعنوية
فأفضل حبات العقد في واسطته ، ورئيس القوم في الوسط والأتباع من حوله ، وفي الأمور المعنوية نجد التوسط خير من التطرف ، ومن حكم العرب : خير الأمور الوسط ، وقال أحد الحكماء : الفضيلة وسط بين رذيلتين ، وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) الوسط هاهنا الخيار والأجود ، كما يقال قريش أوسط العرب نسباً ، أي خيرها ، وكان عليه الصلاة والسلام وسطاً في قومه ، أي أشرفهم نسباً ، والصلاة الوسطى أفضل الصلوات .
في الإسلام جانب فكري ، وجانب نفسي ، وجانب سلوكي ، فحينما ينمو جانب من هذه الجوانب نمواً زائداً عن حده الطبيعي ، ويكون هذا عادة على حساب الجوانب الأخرى عندئذ يكون التطرف ، أما حينما تنمو الجوانب الثلاثة نمواً طبيعياً متوازناً حيث لا يطغى جانب على جانب عندئذ يكون التفوق ، فنحن نتطلع إلى التفوق لا إلى التطرف .
4. الوسطية أيضاً تمثل الأمان والبعد عن الخطر
فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد ، بخلاف الوسط ، فهو محمي محروس بما حوله ، والتوسط أمن واستقرار ، والتطرف غلو وانحراف وفساد ، والوسطية تمثل القوة ، فالوسط هو مركز القوة ، أشعة الشمس لا تكون أقوى تأثيراً إضاءة وحرارة إلا وهي في وسط النهار وفي وسط قبة السماء ، ولا يكون الإنسان في أقوى حالاته إلا في شبابه وهو وسط بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة
5. والوسطية ، تمثل نقطة الوحدة ومركز التلاقي
فعلى حين تتعدد الأطراف تعدداً قد لا يتناهى يبقى الوسط واحداً يمكن لكل الأطراف أن تلتقي عنده ، فهو المنتصف وهو المركز ، مركز الدائرة في وسطها ، فيمكن الآيبة من المحيط أن تلتقي عنده والفكرة الوسطى يمكن لك الأفكار المتطرفة أن تلتقي بها في نقطة ما ، اذاً فالتوسط والاعتدال هو طريف الوحدة الفكرية ومركزها ، ولهذا أيها الإخوة تثير الأفكار المتطرفة من الفرقة والخلاف في أبناء الأمة الواحدة ما لا تثيره المذاهب المعتدلة في العادة التي وفق الكتاب والسنة .
مظاهر الوسطية في الإسلام
في العقيدة
1. الإسلام وسط بين اعتقاد الخرافيين الذين يصدقون كل شيء ، ويؤمنون بكل برهان ، وبين الماديين الذين ينكرون كل شيء وراء الحس ، ولا يصغون إلى صوت الفطرة ، ولا إلى نداء العقل ، ولا إلى صراخ المعجزة ، فالإسلام الحق يدعو إلى الإيمان ، والاعتقاد بما قام عليه الدليل القطعي ، والبرهان ليقيني ، ويعد اليقين الحسي ، واليقين الاستدلالي ، واليقين الإخباري مسالك يقينية للتلقي ، ويرفض كل ما وراء ذلك من الأوهام.
2. والإسلام وسط بين الذين يعدون الكون هو الوجود الحق ، وما عداه مما لا تراه العين خرافة ، ووهم ، وبين الذين يعدون الكون وهماً لا حقيقة له ، وسرابًا يحسبه الظمآن ماء ، فالإسلام يعد الكون حقيقة ، ولكنه يعبر من هذه الحقيقة إلى حقيقة أكبر منها يعبر من الكون إلى المكون ، ومن الخلق إلى الخالق ، ومن النظام إلى المنظم ، ومن الصور إلى المصور ، ومن التسيير إلى المسير ، ومن التربيـة إلى المربي ، فالكون حقيقة ينقلنا إلى حقيقة أكبر ، وهي أن لهذا الكون خالقاً ، ومربياً ، ومسيراً ، موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً .
3. الإسلام وسط في نظرته إلى الأنبيـاء، فهم بشر مثلنا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ولكثير منهم أزواج وذرية ، ولكنهم قمم في معرفة ربهم ، وطاعتهم له ، وإخلاصهم إليه ، اصطفاهم ، وطهرهم ، وعصمهم ، وامتن عليهم بالوحي ، وأيدهم بالمعجزات ، هذه نظرة الإسلام إلى الأنبياء .
في منهج البحث
والإسلام وسط بين الذين يؤمنون بالعقل وحده أداة لمعرفة حقائق الوجود ، وبين الذين لا يؤمنون إلا عن طريق الإلهام ، أو الأوهام ، ولا يعترفون للعقل بدور في نفي أو إثبات ، إن الإسلام يقرر أن الدين في الأصل وحي ونقل ، وبما أن أخطر ما في النقل صحته فللعقل مهمتان حيال النقل ، مهمة إثبات صحة النقل ، ومهمة فهم النقل تمهيداً لتطبيقه ، فبالعقل تصل إلى الإيمان بالله يقيناً ، وبالعقل تؤمن بكتابه يقيناً عن طريق إعجازه ، وبالعقل تؤمن برسوله يقينا عن طريق الكتاب ، وهنا ينتهي دور العقل في البحث ليبدأ دوره في التلقي إثباتاً وفهماً ، فالحقائق التي عجز العقل عن إدراكها لافتقارها إلى آثار تدل عليها يتلقاها العقل عن الوحي دون أن يكون حكماً عليها ، وهذه وسطية الإسلام في منهج التلقي .
في العبادات والمعاملات
والإسلام وسط في العبادات التي فرضها ، فهو في العبادات الشعائرية بين إلغائها وبين الانقطاع لها ، فالعبادات الشعائرية في الإسلام محدودة ومعقولة ومعللة بمصالح الخلق ، وهي فضلاً عن هذا فهي مرتبطة بالعبادات التعاملية فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لا يعد مصلياً ، ومن لم يدع قول الزور والعمل به لا يعد صائماً ، ومن حج بمال حرام يقال له عند التلبية إذا قال ، لبيك اللهم لبيك ، يقال له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ، والإنفاق مع الفسق غير متقبل.وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، والخلط هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وترك درهم من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عبادته وعمله ،
فالإسلام عبادة وعمل عبادة متقبلة أساسها عمل صالح ، وعمل الصالح ينطلق من عبادة صحيحة .
وفي المعاملات الإسلام وسط وسطي أيضاً ، قال تعالى :
[سورة الشعراء]
[سورة الشورى]
[سورة النحل]
إخوة الإيمان في كل مكان ، يتضح من هذه الآيات الكريمة أن على المسيء أن يدفع ثمن إساءته ملزماً ، وأن لصاحب الحق أن يعفو عنه مختاراً ، فالعدل قسري ، والعفو والإحسان طوعي .
في الأخلاق
وفي الأخلاق ، الإسلام وسط بين غلاة المثاليين الذين تصوروا الإنسان ملاكاً أو شبه ملاك ليس غير ، فرسموا له مستوى لم يستطع أن يصل إليه ، وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوا الإنسان حيوان أو كالحيوان يعيش لشهوة ، ولكن الإسلام ينطلق من أن الإنسان ركب من عقل وشهوة ، فإن قاده عقله معرفة ربه ، وضبط شهوته وفق منهج خالقه سما وسما حتى تجاوز في سموه الملائكة المقربين ، وإن عطل عقله ، أو أساء استخدامه فنسي سر وجوده ، وجهل منهج ربه ، وتحكمت به شهواته ونزواته سقط حتى صار أدنى من الحيوان .
في النظرة للحياة
1. والإسلام وسط في نظرته إلى الحياة الدنيا ، فهو بين الذين عدوا الحياة الدنيا هي كل شيء ، وقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، وما نحن بمبعوثين ، فعبدوا شهواتهم ومصالحهم المادية ، وبين الذين عدوا وجودهم في الدنيا شراً فانسحبوا من الحياة ، وحرموا أنفسهم من زينتها المشروعة ، لقد عد الإسلام الحياتين الدنيا والآخرة متكاملتين ، فالأولى مطية الثانية .
2. والإسلام يحقق توازناً بين الروحية والمادية ، وهو وسط بينهما ، بين الدين والدنيا ، بين القيم والحاجات بين الغريزة والعقل ، بين الشهوة وبين المبدأ ، الإنسان كما أراده الله عز وجل ليس الذي ينقطع عن العالم ، وينسحب من الحياة ، ويتفرغ للعبادة ، ويتبتل فلا يعمل ، ويتقشف فلا يتمتع ، ويتبتل فلا يتزوج ، ويتعبد فلا يفتر ، ليله قائم ، ونهاره صائم ، يده من الدنيا صفر ، وحظه من الحياة خبز الشعير ، ولبس المرقع ، ليس هذا هو الإنسان الذي أراده الله ، كما أنه ليس كصاحب الجنتين يفخر على صاحبه منتفخاً بثروته مختالاً بجنته قائلاً : أنا أكثر منك مالاً ، وأعز نفراً ، قال تعالى :
[سورة الكهف]
فأرسل الله على جنته حسباناً من السماء فأصبحت صعيداً زلقاً ، وأصبح ماؤها غوراً، وليس كقارون الذي آتاه الله من الكنوز ما إن فاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، فبغى على قومه ، واغتر بماله ، وعزا الفضل إلى نفسه ، وقال : إنما أوتيته على علم عندي ، فخسف الله به وبداره الأرض ، الإنسان الحق ليس هذا ولا ذاك ، فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مزدوج الطبيعة ، يقوم كيانه على قبضة من طين الأرض ، ونفخة من روح الله ، قال تعالى:
[سورة ص]
الإنسان بعنصره الطيني المادي قادر على أن يسعى في الأرض ، وعلى أن يعمرها على أن يكتشف ما أودع الله فيها من كنوز ونعم ، وعلى أن يسخر قواها لمنفعته ، والنهوض بمهمته ، وهو بعنصره الروحي مهيأ للتحليق في أفق أعلى ، والتطلع إلى عالم أرقى ، والسعي إلى حياة هي خير وأبقى ، وبهذا يسخر المسلم المادة ، ولا تسخره ، ويستخدم ما على الأرض من ثروات وخيرات دون أن تستخدمه ، ودون أن تستعبده .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من طيبات الحياة الدنيا ، ولم يحرمها على نفسه ، ولكنه لم يجعلها شغل نفسه ، ولا محور تفكيره ، وكان من دعائه : ((اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)) ، وكان صلى الله عليه وسلم حينما يرى من بعض أصحابه إفراطاً في التعبد ، والصيام ، والقيام على حساب الجسم والأهل والعمل يقول له : ((إن لبدنك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً وإن لزورك - أي ضيوفك - عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه)) ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول : ((أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس من أمتي)) ، وكان عليه الصلاة والسلام يحذر أصحابه من أن تفتنهم الدنيا فيقول : ((والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكـم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلكم كما أهلكتهم)) .
أيها الإخوة الكرام ، هنا محل الإشارة إلى أن بر الوالدين من خلال الأحاديث النبوية العديدة يعدل الجهاد في سبيل الله ، وأن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ، وأن حسن تربية الأولاد ، ولاسيما البنات منهم طريق إلى الجنة وهو العمل الذي لا ينقطع عند موت صاحبه ، بل إن العمل الذي يرتزق منه المسلم إذا كان في الأصل مشروعاً ، وسلك فيه الطرق والأساليب المشروعة ، وأراد منه المسلم كفاية نفسه ، وأهله وخدمة المسلمين ، ولم يشغله عن فرض ديني ، أو واجب ، أو طاعة ، أو طلب علم أصبح عمل المسلم أو حرفته نوعاً من أنواع العبادة يتقرب بها إلى الله تعالى .
في النظم الحاكمة للفرد والمجتمع
فبالإسلام تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة رائعة تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة ، وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات ، وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم ، إن المشرع في الإسلام هو خالق الإنسان ، فمن المستحيل أن يشرع الخالق الحكيم من الأحكام والنظم ما يعطل فطرة الإنسان ، أو يصادمها ، وقد خلق الله الإنسان على طبيعة مزدوجة فردية واجتماعية في آن واحد ، فالفردية جزء أصيل في كيان الإنسان ، ولهذا يحب الإنسان وجوده ، وسلامة وجوده ، وكمال وجوده ، واستمرار وجوده ، ومع ذلك نرى فيه نزعة فطرية إلى الاجتماع بغيره ، لذلك تضطرب نفسه ، ويختل توازنه لو عزل نفسه عن المجتمع ، أو عزل مقهوراً بالحبس الانفرادي ، والنظام الأكمل لهذا الإنسان هو الذي يرعى فيه هذين الجانبين الفردية والجماعية ، فلا يطغى أحدهما على الآخر ، لذلك فلا عجب أن يكون الإسلام ، وهو دين الفطرة نظاماً وسطاً عدلاً ، فلا يجور على الفرد لحساب المجتمع ، ولا يحيف على المجتمع من أجل الفرد ، ولا يدلل الفرد بكثرة الحقوق التي تمنح له ، ولا يرهقه بكثرة الواجبات التي تلقى عليه ، وإنما يكلفه من الواجبات في حدود وسعه من دون حرج ولا إعنات .
والإسلام بوسطيته يقرر للإنسان من الحقوق ما يكافئ واجباته ، ويلبي حاجاته ، ويحفظ له كرامته ، ويصون له إنسانيته ، لهذا ومراعاة للجانب الفردي في الإنسان قرر الإسلام حرمة الدم ، فحفظ للفرد حق الحياة ، وأعلن القرآن أنه :
[سورة المائدة : 32]
لذلك أوجبت الشريعة القصاص في القتل ، وأكدت أن في القصاص حياةً للفرد والمجتمع .
وقرر الإسلام حرية الاعتقاد ، فلا يجوز أن يكره الإنسان على ترك دينة ، واعتناق دين آخر،
وقرر الإسلام حرمة العرض ، أي سمعة الإنسان ، فصان للفرد حق الكرامة فلا يجوز أن يهان في حضرته ، ولا أن يؤذى في غيبته .
وأكد الإسلام حرمة المال ، فصان للفرد حق التملك ، فلا يجوز أخذ ماله إلا بطيب نفس منه .
وأكد الإسلام حرمة البيت ، فصان بذلك للفرد حق الاستقلال الشخصي ، فلا يجوز لأحد أن يقتحم عليه بيته بغير إذنه .
وأكد الإسلام حرية النقد البناء المخلص.
وأكد الإسلام المسئولية الفردية التي هي ثمرة التكليف ، وحرية الكسب ، وحتمية الجزاء .
أيها الإخوة الكرام ، ثم إن الإسلام مراعاة للجانب الاجتماعي للإنسان ، فقد فرض عليه للمجتمع واجبات تكافئ حقوقه عليه ، وقيد هذه الحقوق والحريات والفردية بأن تكون في حدود مصلحة الجماعة ، وألاّ يكون فيها مضرة للغير ، وليس للفرد في مجتمع المسلمين أن يستخدم حقه فيما يؤذي الجماعة ، ويضرها ، كما أن حق الفرد إذا تعارض مع حقوق الجماعة ، فإن حق الجماعة أولى بالتقديم.
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق