إدارة المعاهد الأزهرية
إن إدارة المعاهد الأزهرية تشرف الآن على ستة آلاف معهد: ابتدائي وإعدادي وثانوي، للبنين والبنات، بالإضافة إلى معاهد القراءات ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم، وتنتشر هذه المعاهد من أسوان إلى العريش والإسكندرية، وتتغلغل في كل مدن وقرى ونجوع مصر، ولإدارة المعاهد مناطق أزهرية بعدد محافظات مصر.
ومع ذلك يتولى هذه الإدارة ويديرها مسئول بدرجة وكيل وزارة، يقتصر عمله على الأمور الإدارية الصرفة، ولا يملك إصدار قرارات جوهرية، وهو يتلقى أوامره من مكتب شيخ الأزهر أو وكيل الأزهر
وأصبح منصب مدير الإدارة المركزية للمعاهد الأزهرية درجة مالية وليس موقعا قياديا، ويكاد ينحصر هذا المنصب فيمن شارف على التقاعد فيكرم بإسناد هذه الوظيفة إليه تحسينا لمعاشه
والأمر جد خطير، ولذا فنحن نقترح أن يكون منصب مدير المعاهد الأزهرية بدرجة وزير، ويصدر بتعيينه قرارا جمهوريا، وتكون مدة شغل هذا المنصب أربع سنوات يمكن تجديدها لفترة أخرى مماثلة ولا يزاد عليها بحال من الأحوال.
ويتمتع هذا المدير بصلاحيات كاملة في إدارة المعاهد، تتساوى مع صلاحيات وزير التعليم العام، وتستقل هذه الإدارة في كافة شئونها العلمية والإدارية والمالية استقلال الجامعة، ويتولاها شخص له كفاءة واجتهاد، وله مؤهلات عليا تتناسب مع الرسالة المنوطة به
وبهذا نخطو خطوة إيجابية نحو إصلاح التعليم الأزهري، وندع لشيخ الأزهر وقتا وجهدا يستثمره في قضايا أخرى تنفع الإسلام والمسلمين، بدل أن يبدد وقته في نقل عامل أو تعيين موظف أو اعتماد الترقيات والنتائج أو زيادة المكافئات أو توقيع الجزاءات.. إلخ
وحين يستشعر مدير المعاهد مسئوليته ويكون أهلا للأمانة يتسابق لإثبات شخصيته والنهوض بالرسالة الملقاة على عاتقه، ويحاول إبراز مواهبه خلال أربع سنوات متصلة تسمح بالتطوير والتجديد والتنفيذ والمتابعة
الجامعة
حظيت جامعة الأزهر بما لم تحظ به هيئة أزهرية أخرى، فكان لها استقلاها المالي والإداري، وبدأت شامخة على أيدي عمالقة كبار أمثال الدكتور محمد البهي والشيخ أحمد حسن الباقوري، وتوالى على رئاستها أساتذة أجلاء
وكتب الله النجاح لجامعة الأزهر، فانتشرت في ربوع مصر والعالم الإسلامي، وتضم الآن داخل مصر عشرات الكليات للبنين والبنات في الدراسات النظرية والعملية، وتخرج منها دعاة أطباء ومهندسون ومحاسبون وزراعيون يجيدون علوم القرآن والسنة ولغة الضاد
ومع ذلك فإن لنا مقترحات يتكامل بها النجاح ويزداد
1- تحويل فرع جامعة الأزهر للبنات إلى جامعة أزهرية للبنات مستقلة، يتولى أمورها رئيس يصدر به قرار جمهوري، فإن عبء الجامعة الآن ينوء به العصبة من الرؤساء
2- تأنيث هيئة التدريس في جميع كليات البنات، ومنع تعيين أي عضو من الرجال، فإن ذلك أطهر لقلوبهم وقلوبهن
3- زيادة المنهج الشرعي في الكليات العملية بما يتناسب مع رسالة الأزهر والهدف المنشود من هذه الكليات، ولا يكفي ما هو قائم الآن من منهج أو منهجين في كل سنة دراسية
4- ملاءمة منهج التفسير والحديث لطبيعة كل كلية عملية بما يدعم تخصصها، وعلى سبيل المثال تكون آيات وأحاديث الطب في كلية الطب، وآيات وأحاديث الفلك في كلية الهندسة والعلوم، وآيات وأحاديث الزراعة في كلية الزراعة، وآيات وأحاديث الاقتصاد في كلية التجارة.. إلخ
5- إنقاذ الدراسات العليا من الفوضى المستشرية فيها الآن، حيث يكال بمكاييل متعددة وتخضع لظروف الزمان والمكان، فهي في الإسكندرية غير القاهرة غير المنصورة غير أسيوط.. إلخ
والمقترح أن تتجمع الدراسات العليا مركزية في القاهرة تحت كلية خاصة بها تقوم أساسا على توجيه الأساتذة المحالين للتقاعد، مع الاستعانة بباقي الأساتذة من الكليات المختلفة
إدارة الدعوة الإسلامية
ينقسم الدعاة اليوم إلى فئتين:
- فئة تتبع وزارة الأوقاف وهم أئمة المساجد
- فئة تتبع الأزهر وهم الوعاظ
والواقع يؤكد تداخل أعمال الفئتين، فكلاهما يؤم المسلمين ويؤدي خطبة الجمعة ويلقي الدروس، فهم جميعا أئمة للمساجد، وهم جميعا وعاظ يذكرون الناس بأحكام دينهم وأخلاق إسلامهم وحق العبادة والعباد
ولا نرى وجها لهذا التقسيم وذلك التعدد في الإدارة، ومن الخير أن يعود الفرع إلى أصله، فالأزهر الذي يخرج الدعاة ويتولى تعليمهم هو أحق بهم في إدارة شئون أعمالهم والإشراف على رسالتهم العملية
فينبغي أن تكون هناك إدارة للدعوة تابعة للأزهر الشريف تضم كلا الفريقين (الأئمة والوعاظ) وتشرف على كل ما يتعلق بالدعوة إلى الله تعالى داخل المساجد وخارجها، ويكون لها استقلال مالي وإداري كاستقلال الجامعة، ويتولى مسئوليتها رئيس أو مدير بدرجة وزير يصدر به قرار جمهوري بناء على ترشيح شيخ الأزهر، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لفترة أخرى مماثلة ولا يزاد عليها
وبذلك تتوحد الأنظمة المالية والإدارية، ولا يحدث تنازع في الاختصاص بين ما هو وعظ وما هو إمامة، ويتحقق التجديد المستمر في الدعوة والنهوض بها والاهتمام بقضاياها ومتابعة شئونها
ويصبح المسئول عن إدارة الدعوة شخصا له بصره واجتهاده ورؤيته المستقلة التي يحرص على النجاح فيها
إن الدعوة إلى الله تعالى من خلال الأزهر الشريف هي الحل الأمثل لكثير من مشكلات الدعوة المعاصرة حتى تستطيع مواجهة الأعداء وحتى تنحي عن طريقها الدخلاء
دار الإفتاء المصرية
إن الفتوى الدينية لا تعرف إلا من الأزهر داخل مصر وخارجها، فإن كلمة الأزهر هي الفيصل فيما شجر بين المسلمين، وقد أتى حين من الدهر لا يعرف الناس إلا عالم الأزهر وحده، هو المفتي والمصلح والقاضي والداعي إلى الله على بصيرة
وعندنا الآن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وهي تكاد تكون جهة شعبية تلبي مطالب الناس اليومية، وتفصح عن الحكم الشرعي فيما يعرض عليها من قضايا المسلمين، وعندنا دار الإفتاء المصرية، وهي تابعة لوزارة العدل، ولا يعرف الناس عن المفتي إلا تحديده لأوائل الشهور العربية، واستشارته في أحكام الإعدام التي يصدرها القضاء المدني
وقد ثارت في الحقبة الأخيرة مشكلة مرجعية الفتوى بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء، وحاول المفتي يومئذ انتزاع الفتوى من الأزهر الشريف مخالفا بذلك كافة القوانين الرسمية، إلى أن صدرت قرارات أخيرة بزلزلة لجنة الفتوى وتفريغها من العلماء المجتهدين، وإسناد مهمتها إلى باحثين مبتدئين في محاولة لتحويل الأنظار عن لجنة الفتوى إلى دار الإفتاء
نحن نرى أن الفتوى لا تكون إلا أزهرية، وأن الأزهر هو المرجع الأعلى فيما يصدر من فتاوى وأحكام، ولا معنى للإمام الأكبر بدون هذه المرجعية، ولا قيمة لمجمع البحوث الإسلامية إلا بقيادة كافة آفاق العمل الإسلامي
ولذا نقترح أن تكون دار الإفتاء المصرية هيئة تابعة للأزهر الشريف، لها استقلال الجامعة، يتولاها أحد العلماء الأكفاء بدرجة وزير، يعينه رئيس الجمهورية بناء على ترشيح شيخ الأزهر، ويشرف على كل ما يتعلق بالفتوى الصادرة من الأزهر، ويكون له اختصاص المفتي الحالي ورئيس لجنة الفتوى
وبهذا نحافظ على وحدة الفتوى، ونحفظ للأزهر هيبته وريادته الإسلامية
مجمع البحوث الإسلامية
مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا التي تضم صفوة العلماء في كافة التخصصات الشرعية واللغوية والثقافية، وهو الهيئة المنوط بها أمر الاجتهاد في قضايا المسلمين الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية
ولكي ينهض المجمع برسالته ويحقق الآمال المعقودة عليه نرى أن يعاد للمجمع اسمه السابق وهو: "هيئة كبار العلماء" فالوصف بكبار العلماء له دلالته العميقة وإيحاءاته النورانية وسبقه الزمني
ونقترح أن يتكون المجمع من
1- أعضاء دائمين من داخل مصر يمثلون الثلثين
2- أعضاء دائمين من خارج مصر يمثلون الثلث، ويختارون من كل قارات الدنيا، ويكون هناك عدد ثابت للمنطقة العربية ولقارة إفريقيا ولقارة آسيا ولقارة أستراليا ولقارة أوروبا وللأمريكتين
3- ويصدر قرار جمهوري بتعيين هؤلاء الأعضاء الدائمين من ذوي الكفاءات العلمية الممتازة والبحوث الإسلامية العميقة، والمهتمين بقضايا الأمة الإسلامية
4- أعضاء بحكم مناصبهم، وهم: رئيس جامعة الأزهر، وعمداء كليات أصول الدين والشريعة واللغة، ومفتي الديار المصرية، ومدير التعليم الأزهري، ومدير الدعوة الإسلامية.. إلخ
5- ويناط بهذا المجمع مهمة اختيار شيخ الأزهر، بحيث يجتمع الأعضاء عقب خلو المنصب في مدة أقصاها أسبوعان، ويجرون اقتراعا سريا على مرحلتين:
الأولى: لاختيار ثلاثة علماء، سواء كانوا دائمين أو بحكم مناصبهم، من غير ترشيح أو دعاية أو توجيه، فكل عضو يختار -بما يرضي الله- ثلاثة يراهم أهلا لهذا المنصب
الثانية: اختيار عالم واحد من بين الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات في المرحلة الأولى، يكون هو شيخا للأزهر وإماما أكبر للمسلمين
ويتم الاقتراع بمرحلتيه في جلسة واحدة يرأسها وكيل الأزهر أو أكبر الأعضاء سنا
وبهذا يصل إلى المشيخة الكفء الذي يحظى بثقة علماء الدنيا، ويتعامل مع قضايا المسلمين كافة من منطلق الأمانة والمسئولية الشرعية دون رهبة أو رغبة من بشر إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
وزارة الأوقاف
إذا ضممنا أئمة المساجد إلى الوعاظ في إدارة واحدة للدعوة تحت لواء الأزهر الشريف، فماذا بقي لوزارة الأوقاف؟
والجواب هو أن وزارة الأوقاف في مصر تختلف عن مثيلاتها في العالم الإسلامي، فإن الأزهر الشريف لا يعرف إلا في مصر، ومصر لا تعرف إلا بالأزهر، فالأزهر هو حامي الحمى، وهو حامل اللواء، وهو الأب الحنون والأم الرءوم لكل عمل إسلامي في أرض الكنانة
ويمكن أن تظل وزارة الأوقاف ويكون دورها فيما يلي:
1- رعاية شئون أوقاف المسلمين التي جادت بها نفوس خيرة في الماضي، والدعوة إلى الوقف الخيري بين أبناء المسلمين في الحاضر
2- بناء المساجد والإشراف على عمارتها
3- التعبير عن صوت الأزهر في مجلس الوزراء
4- تقديم المنح الدراسية لأبناء العالم الإسلامي
5- الإشراف على الجمعيات الإسلامية والتنسيق بينها
6- إدارة المقارئ وشئون القراء
7- رعاية الأقليات والمراكز الإسلامية في دول العالم
وبذلك نحقق لوزارة الأوقاف دورها المناسب الذي لا ينافس الأزهر ولا يشاركه، وتظل للأزهر الشريف ريادته ووحدته العضوية، ويصبح المنارة الشامخة في مصر المحروسة والعالم الإسلامي، يحمل الإسلام نورا وهدى للعالمين
وبعد؛ فهذه رؤيتي لإصلاح الأزهر والانطلاق به والتمكين له، أطرحها للمناقشة بين المخلصين من علماء الأزهر ومفكري الأمة، ولست حريصا على من يرضى أو يسخط حمية أو أنفة أو استعلاء، ولا أبتغي إلا وجه الله عز وجل، وأتمثل قول نبي الله شعيب (ِإنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
وأذكر الجميع بقول هذا النبي الكريمَ بقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
كتبه : العلامة فضيلة الدكتور : محمد المسير "رحمه الله "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق