الصفحات

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

حكم رتق غشاء البكارة "شامل "

رتق غشاء البكارة

 

د.هاني بن عبد الله الجبير



1- تعريف البكارة:
 
البكارة: فعالة من البكر، وهو أوَّل كلِّ شيء، والمرأة البكر هي العذراء، وهي التي لم تجامع بنكاح ولا غيره، وعلامة ذلك غشاء أو جلدة يكون في القبل يسمى غشاء البكارة أو الغشاء العُذْري [الموسوعة الطبية الفقهية ص(154)، القاموس الفقهي ص(41)].
 
وليس وجود الغشاء أو عدم وجوده دليل حتمي قاطع على حصول الوطء، فإن بعض البنات يولدن دون غشاء بكارة، كما قد تكون فتحة غشاء البكارة واسعة خلقةً لا تتأثر بالوطء، كما أن تمزقه قد يحصل نتيجة حادث عادي، وقد تحتاج المرأة لإجراء عملية لفتح غشاء بكارة مقفل يمنع خروج دم الحيض، ولكنه مع ذلك قرينة تدل على حصول الوطء من عدمه [رؤية لبعض القضايا الطبية، د. عبدالله باسلامة، ص(100)، الموسوعة الطبية، ص(154)]، ومعنى رتق الغشاء العذري أي إصلاحه طبيًّا ليعود إلى وضعه قبل التمزق.
 
2- حكم رتق غشاء البكارة:
 
أ - لا خلاف بين الباحثين المعاصرين ممن وقفت على رأيه أنَّ تمزق غشاء البكارة إذا كان سببه قد حصل بسبب وطء في عقد نكاح صحيح أنَّه يحرم رتقه، سواء كانت المرأة متزوجة أو مطلقة أو أرملة؛ لأنه بذلك لا مصلحة فيه.
 
ب - كما أنه لا خلاف بينهم أن تمزق غشاء البكارة إذا كان بسبب زنا اشتهر بين الناس، إما نتيجة صدور حكم على الفتاة بالزنا، أو لتكرره منها واشتهارها به؛ فإنه يحرم على الطبيب رتق غشاء البكارة لعدم المصلحة، واشتماله على المفسدة.
 
ج - واختلف الباحثون في حكم رتق غشاء البكارة إذا كان سبب التمزق حادثًا ليس وطئًا، أو إذا كان بسبب زنا لم يشتهر بين الناس على قولين [غشاء البكارة من منظور إسلامي، عز الدين الخطيب، رتق غشاء البكارة في ميزان المقاصد الشرعية، د. محمد نعيم ياسين، أحكام الجراحة الطبية، الشنقيطي، ص(428)، الموسوعة الطبية الفقهية، ص(156)]:
 
الأول: أنه لا يجوز الرتق مطلقًا.
 
الثاني: أنه يجوز في الحالتين السابقتين.
 
واستدل من منعه بعدة أدلة منها:
 
·    1-   أن رتق غشاء البكارة يسهل إرتكاب الزنا، وفيه اطلاع على العورة دون موجب ضروري، وأنه قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب، إذ قد تحمل المرأة من جماع سابق ثم تتزوج بعد الرتق فيلحق الحمل بالزوج، ولأنه نوع من غش الزوج والغش محرم، وأما الضرر اللاحق بالمرأة فيكفي في منعه إعطاؤها شهادة طبيَّة بحقيقة حالها.
 
·   2-    واستدل من أجاز بأن الستر مندوب إليه في الشرع والرتق يحقق ذلك، وأنه يمنع انتشار الفاحشة وإشاعة الحديث حولها، وهذا له أثرٌ تربوي عام في المجتمع، وأن المرأة في هذه الحالات بريئة من الفاحشة، وفي إجراء الرتق قفل لباب سوء الظن فيها، وقد اختار د. محمد الشنقيطي والشيخ عز الدين الخطيب وغيرهما تحريم الرتق مطلقًا.
 
والحقيقة أن المتأمل لهذه العملية، والذي يريد توصيف حكمها الشرعي، آخذًا في الاعتبار أثرها وكيفية تطبيقها؛ فإنه لا يمنعه ذلك من النظر الواقعي الذي ينزل الحكم عليه.
 
وتأمل رجلًا تقدم لخطبة فتاة يبرز لها أهلها قبل العقد تقريرًا طبيًّا بزوال عذريتها نتيجة اغتصاب لا ذنب لها فيه، أو أثرًا لعملية احتاجت لإجرائها، فهل هذا الحل الذي اقترحه أصحاب الفضيلة محققًا للغرض؟
 
وكيف يمكن أن يتساوى حال المرأة التي وقعت في الزنا، ومن زالت بكارتها بغير الوطء؟
 
هذه الأسئلة تحتاج لجواب أعتقد أنه لن يتفق مع ما اختاروه.
 
ولعل أقوى ما يتمسك به من منع الرتق أنه فيه سدًّا لذريعة انتشار الفساد، وسهولة ارتكاب الزنا، للعلم بإمكان الرتق بعد ذلك، وهذا وجيه جدًّا، لكن إعطاء المرأة شهادة طبية عند زوال بكارتها بغير ذنب منها؛ يفتح أيضًا الباب للفاسدات بأخذ شهادات طبيَّة مماثلة، ومعلوم أن كتابة التقرير الطبي سهل وأيسر من إجراء عملية الرتق.
 
وحيث إن أهل العلم عرَّفوا البكر بأنها التي لم تجامع، ووصفوا من زالت بكارتها بغير الوطء بأنها بكر حقيقة، وكما قال ابن قدامة: (وإذا ذهبت عذريتها بغير جماع كالوثبة، أو لشدة حيضة، أو بإصبع، أو عود ونحوه؛ فحكمها حكم الإبكار) [المغني، ابن قدامة، (9/411)].
 
وعليه فإن الظاهر لي أن من زالت بكارتها بغير وطء فإنَّه يجوز إصلاح غشائها العذري؛ لكونها بكرًا، ورتق غشاء البكارة دليل على حالها التي هي متصفة به، فلا يكون في ذلك غش ولا تدليس ولا كذب، وكشف العورة لذلك كشف لها لمصلحة، وهو جائز للحاجة.
 
وأما زوال البكارة بسبب الزنا؛ فإنه لا يظهر لي وجه جواز برتقه، وتبقى بعد ذلك الحاجة إلى ضبط هذا الإجراء، وعدم السماح به إلا تابعًا للعملية التي تم فيه علاجها من الحادث الذي تسبب في تمزق البكارة، والله أعلم.
 
3- رتق غشاء البكارة في حالات الاغتصاب:
 
معلوم أن الاغتصاب إكراه للمرأة على ممارسة جنسية، ونحتاج عند بيان حكم الرتق في هذه الحالة إلى بيان مقدمات:
 
أولًا: المكره غير مُؤاخذ:
 
المكره إكراهًا تامًّا غير مكلف إجماعًا، ولا إثم عليه [المستصفى، الغزالي (1/91)، شرح مختصر الروضة، (1/194)]، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106].
 
قال الشافعي: (إن الله تعالى لما وضع الكفر عمَّن تلفظ به حال الإكراه؛ أسقط عنه أحكام الكفر، كذلك سقط عن المكره ما دون الكفر، لأن الأعظم إذا سقط سقط ما هو دونه من باب أولى) [الأم، الشافعي، نقلًا عن الصنعاني في سبل السلام (3/370)].
 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) [رواه ابن ماجه، (2035) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (2043)].
 
ثانيًا: البكارة قد تزول بغير وطء وقد تبقى مع حصول الوطء:
 
وهذا مما يعرفه الأطباء ويقررونه، وإن كان الغالب أن زوال البكارة قرينة على حصول الوطء وقد سبق.
 
ثالثًا: إذا تزوج الرجل على أنها بكر فبانت ثيبًا فلا تردَّ في ذلك، فقد روى الزهري أن رجلًا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء فأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها إن الحيضة تُذْهِب العذرة [سنن سعيد بن منصور باب الرجل يحد امراته غير عذراء، (2/76)].
 
وكذلك ورد عن الحسن والشعبي وإبراهيم النخعي: أن الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء؛ فليس عليه شيء للعذرة، فإن الحيضة تُذهب العذرة، والوثبة والتعنس والحمل الثقيل (المصدر السابق، (2/75)).
 
وهو قول الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وهو رواية عن الإمام أحمد [الشرح الكبير، (20/429)]، وهذا إذا كان زوال البكارة بما لا تأثم فيه المرأة، أما لو كان زوالها بزنى هي فيه آثمة؛ فإن للزوج فسخ النكاح؛ لأنه يتبين به عدم عفتها.
 
وبناءً على المقدمات الثلاث السابقة، وحيث إن المغتصبة ونحوها غير آثمة، ولا هي زانية لغة ولا شرعًا، ولا ينسب إليها ما لم تفعله ولم ترض به، وقد ابتليت ببلاء كبير يمكن إزالته, ومن تزوجها وقد زالت بكارتها بسببٍ ليس من قِبَلِها ولم تأثم به, فإنه لا يكون مغشوشًا ولا مخدوعًا، إذ كان السلف يعتبرون من زالت عذريتها بغير الوطء بكرًا، ليس لزوجها فسخ نكاحها كما سبق, ومن تأمُّل المصلحة المترتبة على رتق المغتصبةـ فإنه لا يظهر لي مانع من إجراء عملية رتق الغشاء العذري لمن اغتصبت، سواء كانت كبيرة أو قاصرة، لكن بشرط أن يكون إجراؤها مبنيًّا على الإجراء الجنائي الذي يثبت التعرض للاغتصاب، وأن لا يجري الطبيب الرتق بدون ذلك سدًّا لباب التلاعب والتحايل.
 
وقد صدرت فتوى مفتي مصر في 26/6/1419هـ تتضمن: (أنه لا مانع شرعًا من العمليات الجراحية التي تجرى للأنثى التي اختطفت وأكرهت على مواقعتها جنسيًّا لإعادة بكارتها) [جريدة الشرق الأوسط الأربعاء غرة رجب عام 1419هـ]، كما لا يلزمها ولا أهلها إطلاع الخاطب الذي يتقدم لها بذلك والله أعلم.

لواء الشريعة 


السؤال :
السلام عليكم فضيلة الشيخ أود معرفة ما حكم ترقيع غشاء البكارة أفيدوني جزاكم الله خيرا فأنا في حيرة من أمري


الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. اختلف الفقهاء في حكم رتق غشاء البكارة وهي من المسائل المستجدة في هذا الزمن فمنهم من منع ذلك مطلقا على كال حال لوجود المفاسد فيه ومنهم من فصل فيه الحكم. والذي يظهر أن حكم ذلك يختلف بحسب اختلاف حال المرأة والسبب الباعث على إجراء العملية وتفصيله:

1- أن يكون الغشاء زال من المرأة بغير قصد منها أو اختيار كسقوطها أو اغتصابها أو مرض بها ونحو ذلك فهذا المصلحة راجحة في رتق البكارة لإزالة الضرر عن المرأة وتحصيل الستر لها ولا محظور فيه ومفسدة كشف العورة مغمورة في تحقيق المصلحة. فعلى ذلك يجوز لها في هذه الحالة إجراء العملية من باب دفع الضرر بناء على قاعدة: (الضرر يزال)..

2- أن يكون ذلك حصل من المرأة بإتلاف منها واستمتاع محرم عن طريق الزنا وغيره ولا تزال قائمة على المعصية والفساد فهذا لا يجوز رتق البكارة فيه ولا يشك في تحريمه لما فيه من المفاسد المتعددة ولا مصلحة فيه وإجراء العملية لها إعانة لها على الإثم والعدوان واستمرارها في سبيل الشيطان. قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

3- أن يكون حصل إتلاف البكارة منها عن طريق المعصية أيضا لكن تابت وندمت على ذلك وأصلحت حالها واستقام أمرها و ترغب في تحصيل الزواج و الإستقرار فهذا مما يتردد فيه النظر و تتنازعه الأصول وتتجاذبه الأدلة. والذي يظهر أنه جائز لما فيه من تحقيق الستر عليها والشريعة جاءت بهذا الأصل العظيم ففي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ستر مسلما ستره يوم القيامة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة). رواه أحمد. وأخرج الشيخان من حديث ابن مسعود قصة الرجل الذي مس المرأة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطهره فقال له عمر: (لقد سترك الله لو سترت نفسك). وفي الصحيحين أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه). و لأن فيه إعانة على إتمام توبتها وثباتها على الاستقامة والطاعة لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الشهوات وعظمت فيه الفتنة. ولأن حاجتها شديدة إلى إعفاف نفسها بالزواج وفي حالة إظهارها لهذا الأمر وإخبارها لمن تقدم إليها فلن يوافق غالبا أهل الغيرة والمروءة على الزواج بها وإذا رتقت بكارتها وسترت على نفسها تيسر لها الزواج بأهل الصلاح والستر فلن تتمكن من تحصيل الزواج إلا بذلك والزواج أمر مشروع في الدين وقد يكون واجبا فكل وسيلة إليه تكون مشروعة أيضا. فلأجل ذلك وغيره من المصالح لا يظهر مانع من إجراء رتق البكارة وإن كان ثم مفسدة وهي خشية التدليس على الزوج مما يوجب توقف وتردد بعض العلماء في الإباحة لكن هذه المصالح الكثيرة ترجح على تلك المفسدة. ولذلك لا يلزم أحد الزوجين شرعا إخبار صاحبه عما وقع منه قبل الزواج من ارتكابه للفواحش والذنوب إذا استقام حاله وأقلع عن ذلك. وإذا اطلع الزوج على حقيقة حالها أخبرته بالحقيقة وصدقت معه. ولا يخش في الترخيص في ذلك أن يكون سببا لتسهيل الوقوع في الفواحش وتساهل الفتيات في ذلك أو تساهل الأولياء بإخفاء فساد البنت ونحو ذلك مما يتوهم من المفاسد لأن الفتوى خاصة بمن تابت من الفاحشة وصدقت مع الله لا من استمرت أو أضمرت الفساد عند القدرة عليه والعياذ بالله وكل يدين بدينه ويوكل أمره إلى الله والفقيه المبصر يعرف أحوال الناس ويتوخى الصواب في فتواه.

4- أن يكون زال منها بسبب وطء شرعي صحيح فهذا لا يجوز رتقه لمفسدة التدليس والتغرير على الغير ولا مصلحة فيه ألبته ولا يلحقها عار بذلك ولا يضرها إخبار من تقدم لها بزواجها من قبل ولا يأنف أهل المروءة بقبول الزواج منها بعد العلم بثيبوبتها بسبب زواج شرعي.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة 
 صيد الفوائد 


حكم إجراء عملية رتق غشاء البكارة 
 
امرأة فقدت لسبب ما غشاء البكارة فهل يجوز لها رتق الغشاء بواسطة عملية جراحية ؟ 

الجواب :
الحمد لله
هذه المسألة تعتبر من المسائل النازلة في هذا العصر . ولهذا من المناسب ذكر كلا قولي العلماء في هذه المسألة وترجيح إحداهما :

القول الأول :

لا يجوز رتق البكارة مطلقاً

القول الثاني : التفصيل :


فإن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتا وظلما بسبب الأعراف ، والتقاليد كان إجراؤه واجباً .
وإن لم يغلب ذلك على ظن الطبيب كان إجراؤه مندوباً .
1-          إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلاً لا يعتبر في الشرع معصية ، وليس وطئاً في عقد نكاح يُنظر :

2-          إذا كان سبب التمزق وطئاً في عقد نكاح كما في المطلقة ، أو كان بسبب زنى اشتهر بين الناس فإنه يحرم إجراؤه .

3-           إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيراً بين إجرائه وعدم إجرائه ، وإجراؤه أولى .

تحديد محل الخلاف :

ينحصر محل الخلاف بين القولين في الحالة الأولى ، والثالثة ، أما في الحالة الثانية فإنهما متفقان على تحريم الرتق .

الأدلة :

(1) دليل القول الأول : ( لا يجوز مطلقاً )

أولاً : أن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق ، ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها ، وهذا يؤدي إلى إلحاق ذلك الحمل بالزوج واختلاط الحلال بالحرام .

ثانياً : أن رتق غشاء البكارة فيه اطّلاع على العورة المغلّظة .

ثالثاً : أن رتق غشاء البكارة يُسهّل للفتيات ارتكاب جريمة الزنى لعلمهن بإمكان رتق غشاء البكارة بعد الجماع .

رابعاً : أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك ، وإن تعذر الدرء والتحصيل ، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر ذلك فقهاء الإسلام .

وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه .

خامساً : أن من القواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر ، ومن فروع هذه القاعدة : ( لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره ) ومثل ذلك لا يجوز للفتاة وأمها أن يزيلا الضرر عنهما برتق الغشاء ويلحقانه بالزوج .

سادساً : أن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش ، والغش محرم شرعاً .

سابعاً : أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهم لإخفاء حقيقة السبب ، والكذب محرم شرعاً .

ثامناً : أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات الإجهاض ، وإسقاط الأجنّة بحجة السّتر .

دليل القول الثاني :

أولاً : أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر وندبه ، ورتق غشاء البكارة معين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها .

ثانياً : أن المرأة البريئة من الفاحشة إذا أجزنا لها فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها ، فيكون في ذلك دفع للظلم عنها ، وتحقيقاً لما شهدت النصوص الشرعية باعتباره وقصده من حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات .

ثالثاً : أن رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة ، فلو تركت المرأة من غير رتق واطلع الزوج على ذلك لأضرها ، واضر بأهلها ، وإذا شاع الأمر بين الناس فإن تلك الأسرة قد يمتنع من الزواج منهم ، فلذلك يشرع لهم دفع الضرر لأنهم بريئون من سببه .

رابعا : أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة له أثر تربوي عام في المجتمع ، وخاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة . 

 خامسا : أن مفسدة الغش في رتق غشاء البكارة ليست موجودة في الأحوال التي حكمنا بجواز الرتق فيها . 



الترجيح :

الذي يترجح والعلم عند الله هو القول بعدم جواز رتق غشاء البكارة مطلقاً لما يأتي :

أولاً : لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول في استدلالهم .

ثانياً : وأما استدلال أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي :

الجواب عن الوجه الأول :

أن الستر المطلوب هو الذي شهدت نصوص الشرع باعتبار وسيلته ، ورتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك ، بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة ، وفتح باب الفساد .

الجواب عن الوجه الثاني :

أن قفل باب سوء الظن يمكن تحقيقه عن طريق الإخبار قبل الزواج ، فإن رضي الزوج بالمرأة وإلا عوضها الله غيره .

الجواب عن الوجه الثالث :

أن المفسدة المذكورة لا تزول بالكلية بعملية الرتق لاحتمال اطلاعه على ذلك ، ولو عن طريق إخبار الغير له ، ثم إن هذه المفسدة تقع في حال تزويج المرأة بدون إخبار زوجها بزوال بكارتها ، والمنبغي إخباره ، واطلاعه ، فإن أقدم زالت تلك المفاسد وكذلك الحال لو أحجم .

الجواب عن الوجه الرابع :

أن هذا الإخفاء كما أن له هذه المصلحة كذلك تترتب عليه المفاسد ، ومنها تسهيل السبيل لفعل فاحشة الزنا ، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة .

الجواب عن الوجه الخامس :

أننا لا نسلم انتفاء الغش لأن هذه البكارة مستحدثة ، وليست هي البكارة الأصلية ، فلو سلمنا أن غش الزوج منتف في حال زوالها بالقفز ونحوه مما يوجب زوال البكارة طبيعة ، فإننا لا نسلم أن غشه منتف في حال زوالها بالاعتداء عليها .

ثانياً : أن سد الذريعة الذي اعتبره أصحاب القول الأول أمر مهم جداً خاصة فيما يعود إلى انتهاك حرمة الفروج ، والإبضاع والمفسدة لا شك مترتبة على القول بجواز رتق غشاء البكارة .

ثالثاً : أن الأصل يقتضي حرمة كشف العورة ولمسها والنظر إليها والأعذار التي ذكرها أصحاب القول الثاني ليست بقوية إلى درجة يمكن الحكم فيها باستثناء عملية الرتق من ذلك الأصل ، فوجب البقاء عليه والحكم بحرمة فعل جراحة الرتق .

خامساً : أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة وهذا السبيل هو أمثل السبل ، وعن طريقه تزول الحاجة إلى فعل جراحة الرتق . 


ولهذا كله فإنه لا يجوز للطبيب ولا للمرأة فعل هذا النوع من الجراحة ، والله تعالى أعلم .

أنظر كتاب أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها /د.محمد بن محمد المختار الشنقيطي ص 403

وقد أفتى بعض أهل العلم المعاصرين بجواز إجراء عملية الرّتق للمغتصبة والتائبة وأمّا غير التائبة فلا لأنّ في ذلك إعانة لها على الاستمرار في جريمتها ، وكذلك التي سبق وطؤها لا يجوز إجراء العملية لها لما في ذلك من الإعانة على الغشّ والتدليس حيث يظنّها من دخل بها بعد العملية بكرا وليست كذلك ، والله تعالى أعلم .

الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
 

هناك تعليق واحد: