الزواج العرفي وحكم الشرع فيه
الزواج العرفي من المشكلات الخطيرة التي طرحت نفسها بقوة على الساحة، وخصوصًا في الآونة الأخيرة، بعد أن تفشت وعمَّت وطمَّت في فئات المجتمع المختلفة، وهي بذلك قد اقتربت من أن تكون كارثة أخلاقية وتشريعية واجتماعية؛ لما تخلفه من آثار خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع ككل، وازداد الإحساس بخطرها عندما تفشت بين طلاب وطالبات الجامعة وكأن الأمر لا شيء فيه.
فلقد كنا نسمع عن هذه المشكلة في أوساط اجتماعية خاصة؛ كرجال الأعمال والفنانين والفنانات، ثم بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم بين طلاب وطالبات الجامعة.
فما أسهل أن يتفق الطالب مع زميلته في الكلية على الزواج عرفيًّا في السر دون علم الأهل، ثم يقوما بكتابة ورقة عرفية يوقع عليها شاهدان من زملائهما في الجامعة وبذلك يعتقدان ـ خطأً ـ أن زواجهما العرفي أصبح حلالًا شرعًا، ولذلك كان علينا أن نبين الحكم الشرعي، عسى الله أن يحمي شباب وفتيات الأمة الإسلامية من هذا البلاء المبين.
أسباب الزواج العرفي:
1) الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل ودور العلم والرحلات:
وضع الله عزَّ وجلَّ حواجز وموانع وسياج للحيلولة دون وصول الرجل إلى المرأة والعكس، فمن الخطر والمفسدة أن نسعى في تكسير الحواجز الموضوعة بينهما، بحيث تتولد بعد ذلك صداقة وزمالة فتضيع الحشمة والحياء، ويشتهي كلٌّ منهما الآخر، وقد قالوا: "نظرة فابتسامة، فسلام فكلام، فموعد فلقاء".
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا كان ثالثهما الشيطان) [رواه الترمذي، (1204)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1171)]، والحديث يعم كل الرجال وكل النساء، الأتقياء منهم والفجار، والكبار والشباب.
وينشأ عن هذا الاختلاط عاطفة كاذبة، سرعان ما تزول لتصطدم رأس الفتاة بصخرة الواقع، بمجرد أن ينطفئ لهيب الشهوة ويقضي كلٌّ منهما وطره من الآخر، ويعكر عليها سعادتها المزيفة هذا الجنين الذي بدء يتحرك في أحشائها، والذي يشكوها يوم القيامة إلى الله عز وجلَّ بعد ما يفر ذلك الزوج الوهمي ويهرب بعيدًا، وتتحمل هي على عاتقها جزاء جرمها وما تلاقيه بعد ذلك من لوم وتقريع من أهلها ومن المجتمع ككل.
بل ربما يصل الأمر إلى القتل بعدما يتفشى هذا الأمر بين أفراد الأسرة؛ فتجدها منبوذة ممقوتة، ليس من الأسرة فقط بل من المجتمع بأسره، فهذه صرخة إنذار وحبل نجاة، لعل الله ينقذ به فتاة كادت أن تغرق في وحل الرذيلة.
2) تفسُّخ وتفكك الأسر وانعدام الرقابة:
فأغلب بيوت المسلمين تفتقد للأُسوة الحسنة والقدوة الطيبة، بل وللأسف الشديد امتلأت البيوت بأجهزة الفساد المليئة بالرقص والغناء والعري والمناظر الخليعة، ويجلس رب الأسرة ومن حوله زوجته وأولاده بنين وبنات يشاهدون ما يندى له الجبين، وكأن لسان حاله يقول: "اسكتوا عني وأسكت عنكم".
وصدق القائل حيث قال: "إذا كان رب البيت بالدف ضارب؛ فشيمة أهل البيت الرقص"، فهذا الرجل قد فرط في الأمانة وضيع رعيته بعدم امتثاله لأمر الله عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وفي الحديث الصحيح: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه؛ حفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) [رواه ابن حبان، (345)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، (1966)]، فحفظ الأهل يكون بمنع المنكرات وإقامة النفس والأولاد على شرع الله، وإن فرَّط فلا يلومن إلا نفسه.
3) التبرج في المدارس والجامعات وأماكن العمل:
وقد جاءت النصوص القرآنية تأمر بالصيانة والتحجب والتعفف والتستر؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].
ولا يخفى علينا ما يحدث الآن في دور العلم وأماكن العمل وشواطئ البحر، من التنافس في العري والخلاعة ومتابعة الموضات، والذي لا يقل عن تبرج الجاهلية الأولى.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [رواه مسلم، (5704)].
فعلينا أن نسعى في وأد الفتنة وإطفاء نيران الشهوات المحرمة، وذلك عن طريق الدعوة إلى التزام الحجاب، والبعد عن مواطن التهم والريب والشكوك، وأن يقوم أولياء الأمور بالواجب عليهم؛ صيانةً للأمانة، وإبراءً للذمة، وتخليصًا للنفس من عذاب أليم.
4) التحلل والحرية بلا ضوابط:
رُفعت الشعارات والهتافات والصيحات بالحرية؛ حرية الرأي والفكر ـ وإن كان ضد الدين ـ والحرية الشخصية وحرية التملك وحرية المرأة، حريات صارت أشبه بالسيارات التي تنطلق بلا مكابح، حتى وجدنا في أجواء تلك الحرية الزائفة من يطالب بإباحة الشذوذ الجنسي ـ اللواط والسحاق ـ وكل هذا يسمونه تحرر، نعم؛ إنه تحرر من عبودية الله إلى عبودية الهوى؛ قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43]، فالإنسان إما أن يكون عبدًا لله وهذه هي الحرية الحقيقية، وإما أن يكون عبدًا لهواه وهذا هو الأسر والوقوع في قيد شهوات النفس والأوهام والأفكار التي لا تقف عند حد.
5) غياب الوعي الديني والجهل بأحكام الدين:
قديمًا عاش المجتمع الإسلامي حياة الطهر والعفاف، وكانت الرذيلة فيه منبوذة مستورة، ومن أُقيم عليه الحد كان يُعد على أصابع اليد الواحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي الواحد بنفسه لإقامة الحد عليه ـ كما في قصة ماعز والغامدية ـ لشعوره برقابة الله، وأن عذاب الدنيا أهون من عذابِ الآخرة، ومعرفة هؤلاء أن الأمر إما جنة وإما نار.
أما الآن؛ فنتيجة غياب الوعي الديني والبعد عن أحكام الدين صرنا إلى حالة غير مسبوقة، وصار التهتك والفجور موضع مُباهاة وفخر، وصرنا نسمع عن الذئاب البشرية وجرائم الاغتصاب في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الخلق، وانتشر الزواج العرفي بلا رادع من دين، وغياب مراقبة الأهل، وصرنا كأننا قطعة من أوروبا.
6) تأخير سن الزواج:
نظرًا للتكاليف الباهظة التي يتكلفها الأهل لإتمام عملية الزواج؛ فإنك تجد كثيرًا من الشباب لا يقدمون على أمر الزواج، ومن ثم يبحثون عن منافذ لتصريف هذه الشهوة المشتعلة بداخلهم والتي يؤجج نارها كل شيء حولهم؛ فيلجئون لمثل هذا الزواج إخمادًا زائفًا لوخز الضمير، وإقناعًا للنفس بمشروعية الأمر.
7) الفتن المحيطة بالشباب، وخاصة فتنة النساء:
والتي حذَّر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [متفق عليه، رواه البخاري، (5096)، ومسلم، (7121)]، وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت النساء) [رواه مسلم، (7124)].
8) امتناع الولي من تزويج موليته من الكُفء بدون سبب وجيه أو شرعي.
حكم الزواج العرفي:
الزواج العرفي محرم شرعًا؛ وذلك لما يلي:
1- افتقاده لشرط الولي، وهو من شروط صحة النكاح، بحيث يبطل عقد النكاح بفواته، والولي: هو الذي يلي عقد النكاح على المرأة ولا يدعها تستبد بالعقد دونه، وقد ذهب الجماهير من السلف والخلف؛ منهم: عمر وعلي، وابن مسعود وأبو هريرة، وعائشة، ومالك والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبو عبيد والثوري، وأهل الظاهر إلى: أن الولي شرط لصحة النكاح، فإذا زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل؛ واستدلوا بما يلي:
1. قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى ولو كان التزويج عائدًا إلى النساء لما وجه الخطاب للرجال، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: (وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي وهو قول أكثر العلماء) [تفسير القرطبي، (12/239)].
2. قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} [البقرة: 221]، مع قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، قال إمام المفسرين وشيخ المحدثين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هذا القول من الله تعالى ذكره دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة) [تفسير الطبري، (2/379)].
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية دليلًا على اعتبار الولي في النكاح: (فإن قليلًا من التدبر في ورود الفعل المضارع "تنكحوا" مرتين في الآية بصورة مختلفة عن الأخرى لهو القول الفصل في هذا الشأن، وليس بعد قول الله تعالى قول؛ فقد جاء الفعل "تَنكحوا"، وماضيه "نكح"، وبعده "المشركات"، فكأنه يخاطب الذين يريدون الزواج ألا يتزوجوا المشركات حتى يؤمنَّ.
وأما في المرة الثانية؛ فإنه لا يخاطب الزوجات ولكنه يخاطب الأولياء، ذلك لأن وروده في المرة الثانية جاء وقد ضُم فيه حرف المُضارعة التاء "تُنكحوا"، وماضيه "أنكح"، فهو إلى الأولياء ألا ينكحوا مولياتهم للمشركين حتى يؤمنوا، فهل بعد هذا البلاغ بلاغ آخر؟!) [تفسير السعدي، (1/164)].
3. قوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، فاشترط إذن ولي الأمة لصحة النكاح؛ فدل على أن لا يكفي عقدها لنفسها.
4. وقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، والولاية من القوامة المنصوص عليها.
5. وقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232]، وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه البخاري عن الحسن قال: (حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ـ هذه الآية ـ قال: زوجتُ أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتُكَ وفرشتُكَ وأكرمتُكَ فطلقتَها ثم جئتَ تخطبها؛ لا والله لا تعود إليها أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه؛ فأنزل الله هذه الآية {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ}، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجتها إياه) [رواه البخاري، (5130)].
ففي هذه الآية نهي الأولياء عن عضل النساء عن العودة إلى أزواجهن، وفي هذا أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها؛ لذا قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله ـ أي لمنعه ـ معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يُقال: "إن غيره منعه منه") [فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، (14/384)].
6. ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) [رواه الترمذي، (1124)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1102)]، وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) [رواه الترمذي، (1125)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1102)].
7. أخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها في وصف نكاح الجاهلية؛ قالت: (فنكاح منها كنكاح الناس اليوم؛ يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها) [رواه البخاري، (5127)].
8. وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: (لا تزوج المرأة نفسها؛ فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) [رواه ابن ماجه، (1956)، وصححه الألباني في صحيح سنن الألباني، (1882)].
2- افتقاده لشرط الشهود العدول، فلا يكاد الزواج العرفي يقوم على شهادة مستوفية لشرائطها الشرعية وفقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) [رواه البيهقي في سننه، (14016)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، (7557)]، وحول هذه المسألة يقول الدكتور نبيل غنايم، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم: (لابد في النكاح من أربعة أشخاص: (الولي، والزوج، والشاهدان)، ولأن الزواج يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد؛ فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه، وإذا كانت الشهادة مطلوبة في المعاملات المالية؛ كالبيع ونحوه، فهي في النكاح أولى وأهم، ومعلوم أن الشهود يجب أن يكونوا عدولًا، والعدل: هو من يقوم بالفرائض والواجبات والسنن، ويجتنب المحرمات من كبائر وصغائر، فأين الزواج العرفي من هذين الشاهدين؟ وأين شهود الزواج العرفي المستأجرون من شرط العدالة؟ وهل شهادة اثنين في مكتب محامٍ أو شهادة طالبين ممن لا يعرفون أمور دينهم ويقعون في الحرام ويفرطون في الواجبات شهادة صحيحة؟!
3- افتقاده لشرطي الإشهار والإعلان؛ فإن الشارع الحكيم ندب إلى إعلان عقد الزواج بما يحقق له الذيوع والشهرة حتى يعلم عامة الناس أن المرأة المعقود عليها صارت زوجة لمن عقد عليها، فلا تلومها ألسنة الناس بالسوء، ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون: أن الإعلان والإشهار اعتبره الإمام مالك ركنًا من أركان عقد الزواج، في حين اعتبره بقية الأئمة والفقهاء شرطًا من شروط صحة عقد الزواج، واستدلوا على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف) [رواه الترمذي، (1112)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، (1089)، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة: رواه الترمذي وضعفه، وقال السخاوي في المقاصد: لكنه قد توبع كما في ابن ماجه وغيره]، وافتقاد الزواج العرفي لشرط الإعلان والإشهار يجعله أقرب إلى نكاح السر، وهو نكاح باطل عند جمهور الفقهاء، ومنهم المالكية والحنابلة.
4- افتقاده لشرطي النفقة والسكنى؛ فمن المعاشرة بالمعروف أن ينفق الزوج على زوجته ما تحتاج إليه من طعام وملبس ودواء وإن كانت غنية موسرة، وهذه النفقة واجبة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، وهي من تمام القوامة، وينبغي عليه أن يطعمها وأولادها حلالًا؛ قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
وللرجل ثواب في نفقته على أهله؛ فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها؛ كانت له صدقة) [متفق عليه، رواه البخاري، (5351)، ومسلم، (2369)].
فإذا منع الزوج النفقة المستحقة الواجبة عليه؛ جاز لزوجته أن تأخذ قدر ما يكفيها وأولادها بالمعروف؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن هندًا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيح وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف) [متفق عليه، رواه البخاري، (7180)، ومسلم، (4574)]، أي المتعارف عليه وبما يحقق الكفاية ويرتفع به الحرج والمشقة، وتبعًا للإعسار واليسار، وتقدير ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص.
والدخول بالمرأة ـ وفق الضوابط الشرعية ـ في مقابلة النفقة والسكنى، هذا وقد يتم الإخلال بأمر الإنفاق على الزوجة في الزواج العرفي؛ فعندما تزوج المرأة نفسها سرًّا فالوالد هو الذي ينفق عليها، ومن تزوجته يقضي وطره ويحقق لذاته وشهوته ويعاشرها معاشرة الأزواج دون أن يكلف نفسه أن ينفق عليها [نقلًا من "الزواج العرفي"، الشيخ سعيد عبد العظيم].
5- تشابهه مع نكاح السر؛ قال تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، قال الشيخ القرطبي في "غير مسافحات": (أي غير زوانٍ معلناتٍ بالزنى، "ولا متخذات أخدان": أصدقاء على الفاحشة، وقيل "المسافحة": المجاهرة بالزنا، أي التي تُكري نفسها لذلك، و"ذات الخدن": هي التي تزني سرًّا أو التي تزني بواحد) [تفسير القرطبي، (5/142)].
قال ابن كثير في تفسيره: (قال ابن عباس: "المسافحات": هنَّ الزواني المعلنات، يعني الزواني اللآتي لا يمنعهنَّ أحد أرادهنَّ بالفاحشة، وقال ابن عباس: و"متخذات أخدان": يعني أخلاء، وكذا رُوي عن أبي هريرة ومجاهد، والشعبي ومقاتل، وابن حبان والسدي، قالوا: أخلاء، وقال الحسن البصري: يعني الصديق) [تفسير ابن كثير، (1/451)].
وقال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا ... فنكاح السر من جنس ذوات الأخدان) [مجموع فتاوى ابن تيمية، (3/119)]، فالزواج العرفي من جنس نكاح السر ونكاح البغايا وذوات الأخدان.
ما يترتب على الزواج العرفي أو السري من أحكام
أولًا ـ وجوب فسخ الزواج العرفي:
الزواج العرفي لا طلاق فيه وإنما يجب الفسخ والتفريق بين الزوجين، ويحكم بهذا الفسخ الحاكم طالما أن الزواج العرفي اختلف فيه بعض الفقهاء وليس مُجمعًا عليه في عصرنا.
أما إن كان بطلانه مجمعًا عليه في وقت من الأوقات؛ فللزوجين الفسخ بنفسيهما من غير حكم قاضٍ، وسبب توقفه على حكم القاضي؛ هو أنه مبني على أمور هي محل تقدير بين يدي القضاء، فسرية الزواج قد تكون مختلفة في قدرها بين الفقهاء، ومن هنا احتاج الأمر إلى نظر الحاكم.
ثم إن تزويج المرأة من غير فُرقة يوقعها القاضي يجعل المرأة تعتقد أن زواجها العرفي انتهى، على حين يعتقد زوجها أنها زوجته وأن نكاحها لم ينفسخ منه، وهذا يُفضي إلى تسلط زوجين عليها، كل يعتقد حِلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز.
وعلى هذا؛ متى تزوجت بآخر قبل التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزوجها حتى يطلق الأول أو يفسخ نكاحها، والمرأة إن تزوجت من رجلين معًا وكان أحدهما سريًّا؛ فهي للزوج الصحيح الشرعي لا السري [المغني، ابن قدامة، (6/454،511)].
وهذا واقع ومشاهد في الزواج العرفي، فإننا نرى الأزواج السريين لا يُطلقون عند الانفصال ولكن يكتفون في لحظة طيش وغضب بتمزيق الورقة التي تسطر فيها العقد العرفي أمام الزوجة السرية أو من ورائها، وقد يحتال بعض هؤلاء لأخذ ورقة الزوجة وتمزيقها، أو هم يختفون فجأة ويظهرون فجأة، أو يُنكرون أي معرفة أو علاقة لهم بالزوجة السرية، وكل هذا يؤكد أنهم لم يقصدوا نكاحًا شرعيًّا وأنه لم يكن كذلك.
تنبيه: الحكم بفساد الزواج العرفي يحل مشكلة كثير من الفتيات اللآتي اختفى أزواجهنَّ السريون أو امتنعوا عن تطليقهنَّ، وتركوهنَّ مرهونات معلقات تخشى كل واحدة منهنَّ إظهار ورقة الزواج العرفي المرفوضة؛ فيمكن لهؤلاء الحصول على الفسخ قضاءً دون حاجة إلى طلاق الزوج السري الهارب أو خوفًا من جريمة الجمع بين زوجين في وقتٍ واحد.
ثانيًا ـ وجوب المهر في الزواج العرفي:
يجب المهر على الرجل في الزواج العرفي بالدخول بالمرأة ووطئها على مذاهب كل العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أصحاب السنن عدا النسائي: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها) [رواه الترمذي، (1125)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (1102)]، فإن كانت المرأة عالمة بالتحريم؛ فلا مهر لها كالمطاوعة على الزنا، أما إن جهلت المرأة التحريم فلها المهر، ويجب للمرأة مهر المثل إن لم يُسمِّ لها مهرًا، أو الأقل من المسمى ومن مهر المثل إن سمَّى لها مهرًا في العقد [بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، (2/19)].
وقد اختلف العلماء؛ هل يستقر المهر بالخلوة في النكاح الفاسد أم لا؟ والراجح أنه يجب لها المهر بالخلوة الصحيحة، وهي التي يجتمع فيها الزوجان في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما، ولم يكن ثمَّة مانع يمنع من الدخول الحقيقي، ولو لم يحصل جماع.
ونُقل إجماع الصحابة (على أن من أغلق بابًا أو أرخى سترًا؛ فقد وجب المهر ووجبت العدة) [المغني، ابن قدامة، (15/422)]، والظن بهذه الخلوة أن يكون فيها مقدمات الجماع إن لم يكن فيها جماع، وخصوصًا في أصحاب الزواج العرفي.
وذهب الإمام أحمد أن مقدمات الدخول؛ كالتقبيل، أو اللمس بشهوة، أو النظر بشهوة، يؤكد المهر كالخول ولو حصل في غير خلوة، وقد رجح الشيخ محمد أبو زهرة ذلك وقال: إنه نظر سليم لو أُخِذَ به في مصر وطبَّقته المحاكم الشرعية لكان فيه احتياط للفتاة وأسرتها؛ ولهذا حجة في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، فالاستمتاع يدخل فيه مقدمات الجماع من تقبيل ومس بشهوة ونظر بشهوة كما يشمل الجماع أيضًا.
ثالثًا ـ وجوب العدة في الزواج العرفي:
المقصود بالعدة التعرف على براءة الرحم، قال بعضهم: تعتد المتزوجة زواجًا سريًّا (عرفيًّا) بعد التفريق بثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض وإلا فثلاثة أشهر، فإن كانت حاملًا فعدتها إلى وضع حملها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المنكوحة نكاحًا فاسدًا: (إنما تعتبر بحيضة كما مضت به السنَّة، وهذا هو الراجح؛ لأنه شبيه بالزنا وأن الزانية تعتد بحيضة واحدة) [مجموع فتاوى ابن تيمية، (32/352)].
وقد اختلف العلماء في صحة زواج من كان وطأها في نكاح فاسد في أثناء عدتها منه؛ فمذهب الشافعي ورواية عن أحمد: يجوز له أن ينكحها في عدتها منه لأن النسب لاحق في كليهما، ومذهب مالك والرواية الأخرى عن أحمد: لا يجوز؛ ليميز بين ماء الوطء الفاسد وماء الوطء المُباح.
رابعًا ـ ثبوت النسب في الزواج العرفي:
يثبت نسب الولد الذي تحمل به المرأة من الدخول في هذا الزواج الفاسد لحفظ حق الوليد من الضياع؛ والدليل ما أخرجه الجماعة إلا أبا داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) [متفق عليه، رواه البخاري، (2218)، ومسلم، (3686)]، وفي لفظ: (لصاحب الفراش) [رواه البخاري، (6750)].
يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف موضحًا ذلك في كتابه "أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية": (إذا ولدت الزوجة المدخول بها بعقد زواج فاسد ولدًا قبل مُفارقة زوجها لأقل من ستة أشهر من تاريخ الدخول الحقيقي بها لا يثبت نسب ولدها من زوجها؛ لأنها حملت به قبل أن تكون فراشًا له بالدخول بها، وإذا ولدت لتمام ستة أشهر أو أكثر من تاريخ الدخول الحقيقي بها ثبت نسب ولدها من زوجها؛ لأنها حملت به بعد أن صارت فراشًا له بالدخول بها.
ولا يمكن أن يُنفى نسب هذا الولد أصلًا؛ لأن النفي في حال قيام الزواج الصحيح إنما كان بعد اللعان، ولا لعان بين الزوجين بزواج فاسد؛ لأن الآية واردة في الذين يرمون أزواجهم، والزوج عند إطلاق الشارع لا ينصرف إلا إلى الزواج بعقد صحيح.
ودعاوى النسب في الزواج الفاسد غير المسجل بوثيقة رسمية تُسمع في المحاكم المصرية بمقتضى قانون رقم 25 لسنة 1929م؛ إذ منع سماع الدعاوى في الزواج غير الموثق رسميًّا لا تشمل النسب لأن هذا المنع لا تأثير له شرعًا في النسب) [أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، عبد الوهاب خلاف، ص(189)].
خامسًا ـ هل يجب في الزواج العرفي عقوبة أو حدٌّ؟
لا يجب الحد في النكاح الفاسد عمومًا؛ لأن الوطء فيه كان بشبهة، والشبهة هي صورة العقد، والحدود تدرأ بالشبهات؛ لقول عمر رضي الله عنه: (لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات) [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، (71)]، وأقوى الشبهات هي أن بعض المشايخ أفتوا بصحة الزواج العرفي.
سادسًا ـ هل تجب النفقة والسكنى في الزواج العرفي؟
السبب في وجوب النفقة "الزوجية" هو العقد الصحيح بشرط وجوب الاحتباس أو الاستعداد له، والعقد الفاسد لا يوجب نفقة قط، ويعلل ابن قدامة المقدسي ذلك؛ بأن المرأة تبين بالفسخ كما تبين بطلاق ثلاث، ولا يستحق زوجها عليها رجعة، فلم تجب لها سكنى ولا نفقة؛ ذلك لما أخرجه النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس: (إنما السُكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة) [رواه النسائي، (3416)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3403)].
وإذا كان الزواج العرفي لا حدَّ فيه إلا أن هذا لا يمنع ولي الأمر من تعزير من يتزوج سرًّا، فإن كان الزوجان السريان عالمين بفساده فإنهما يكونان زانيين يجب عليهما الحد، ولو فرق القاضي بينهما ثم وطئها بعد التفريق يلزم الحد [انظر المغني، ابن قدامة، (6/657)، والأحوال الشخصية، أبو زهرة، ص(230)].
قال شيخ الإسلام: (وكان عمر بن الخطاب يضرب على نكاح السر، فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به، لاسيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا، فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له إلا قال تزوجتها، ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر أنه يزني بها، إلا قال ذلك فلابد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] ...)، إلى أن قال رحمه الله: (فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان
لواء الشريعة
ماحكم تزوج امرأة بدون ولي
السؤال :
أعيش في بلد أجنبي وتزوجت فتاة نصرانية أجنبية عن هذا البلد أيضاً وليس لنا أي أقارب فتقدمت لها فقبلتني ثم تلونا صيغة الإيجاب والقبول ونسيت المهر ثم دفعت لها مبلغاً وليس لها وصي فهي بالغة ومستقلة ولم يكن هناك شهود
هل هذا زواج صحيح . فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه . ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح . هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها ؟.
هل هذا زواج صحيح . فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه . ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح . هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بأدلة منها :
قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وقوله تعالى : { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .
وقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله : " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وعن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 1840 ) .
(اشتجروا ) : أي تنازعوا
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .
ثالثاً : فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها للحديث السابق ( … فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان زوجها رجل له سلطان في مكانها ، ككبير القرية ، أو حاكم الولاية ما أشبه ذلك ، فإن لم يوجد فإنها توكل رجلاً مسلماً أميناً يزوجها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وأمير القافلة ونحوه . الإختيارات ( ص : 350 ) .
وقال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها . المغني ( 9 / 362 ) .
وقال الشيخ عمر الأشقر:
إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقا كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها ، وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص 70 ) .
ويجب أن يشهد على عقد النكاح رجلان مسلمان بالغان عاقلان . انظر سؤال رقم ( 2127 )
ولذا فإن زواجكما الأول باطل فعليك أن تعيد العقد ولابد من وجود ولي للمرأة كما سبق وشاهدين .
والله أعلم
حكم الزواج العرفي ، وهل يجوز للزوجة أن تنتقل لولي آخر بإرادتها؟
تعج بلدنا ببؤر الشر والفساد ، ويزداد الأمر سوءاً في الجامعات ، ولهذا السبب فإن الطلاب يتطلعون للزواج قبل تخرجهم ، لكن الأهل يمثلون أكبر عائق أمامهم ، وفيما يتعلق بالشاب فإننا نسمع أنهم لا يحتاجون لإذن من أوليائهم ، لكن بالنسبة للفتيات فنحن نروغ من هذا عن طريق التقدم بالخطبة ، وإذا تحجج والد إحداهن بسبب غير إسلامي ، مثلا : أنا لا أريدك أن تتزوجي الآن ، أنا لا تعجبني قبيلته ، أنا غير مسرور من بنطاله الوسيع أو لحيته أو دينه ، إذا كان الشاب سنيّاً صالحاً وكان ولي الفتاة على خلاف ذلك : فإننا نتركه ونذهب للجد أو الأخ ، وإذا رفض أي منهما فإننا نتمم الزواج بإذن أمير جماعتنا - جماعة الطلاب المسلمين - هل فعلنا هذا صحيح ؟ وكيف يتم ذلك بطريقة صحيحة ؟ أرجو أن توضح كل شيء حول هذه المسألة ؛ لأنها الطريقة الوحيدة ، وهذا الإجراء منتشر الآن بشكل واسع حولنا ، وإذا كان خطأ فكيف يتصرف أولئك الذين تزوجوا بهذه الطريقة وبعضهم له أبناء الآن ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير إذن وليِّها ، بل لا بد لها من ولي لها يزوجها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085) وصححه الشيخ الألباني ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) رواه الترمذي وحسَّنه ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) ابن ماجه ( 1879 ) من حديث عائشة ، صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
وقال الترمذي تعليقا عليه :
" والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا : لا نكاح إلا بولي ، منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحق . انتهى .
وفي جواب السؤال ( 2127 ) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه ، وشروط الولي .
وفي جواب السؤال ( 7989 ) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح .
ثانياً :
وقد أمر الله تعالى الأولياء أن يزوِّجوا من تحت ولايتهم من النساء ، وأن لا يعضلوهن بمنعهن من النكاح لغير سبب شرعي ، قال سبحانه : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء ألا يمتنعوا من تزويج من ولاهم الله عليهن من النساء في حال تقدم الخاطب الصالح في دينه وخلقه فقال : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي ( 1084 ) وحسَّنه ، حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1868) .
وفي كل من الآية والحديث المذكورين دلالتان واضحتان وهما :
1. أن الشرع خاطبَ الوليَّ بالتزويج ، وهذا يدل على أن الأمر متعلق به لا يتم النكاح إلا بأن يباشر هو تزويج موليته لخاطبها ، وما ذكرناه من الأحاديث يوضح هذا ويؤكده .
2. أنه لا يحل للولي عضل موليته ومنعها حقها في النكاح وأن ذلك من الظلم الذي يؤدي إلى الفساد الكبير في الدين والدنيا .
وإذا عمل كلٌّ من النساء وأوليائهن بمقتضى ذلك حصل الأمن الأسري ، وارتفع كثير من الشر والفساد في الدين والأخلاق .
فإن امتنع الولي من إعطائها حقها في الزواج بغير عذر شرعي : جاز أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد كأخيها الأكبر أو عمها أو جدها ، على أن يكون ذلك من قبَل القاضي الشرعي ، لا من قبَلها هي ولا من قبَل أوليائها ، فإن تعذر الولي من أهلها جاز أن يتولى تزويجها القاضي أو من في حكمه ؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) وسبق تخريجه وتصحيحه .
وبناء عليه فلا حرج على المرأة إن منعها وليها حقها في الزواج أن ترفع الأمر إلى القاضي الشرعي فيجعل الولاية لجدها أو عمها أو أخيها الأكبر .
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن مسألة قريبة من هذه فأجاب :
" لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها ، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً ؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) .
أما ما ذكرت السائلة من أنها قرأت في بعض كتب الفقه أن المرأة تزوج نفسها : فهذا قول مرجوح ، والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه .
وأما ما ذكرتْ من واقعتها وأن لها رأياً يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجاً ذا حسب ونسب يكافئها ، وهي لا ترى ذلك ، وإنما تميل إلى أن تتزوج شخصاً ترى أنه ذو دين وإن لم يكن ذا حسب ونسب ، فالحق مع أبيها في هذا ، وأبوها أبعد منها نظراً ، فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح ، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها ، وإذا تحقق أن شخصاً غيره يصلح لها ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه وأبى أبوها أن يزوجها به : فإنه حينئذ يكون عاضلاً وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء ، ولكن هنا لابد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء ، وليس لها هي أن تتصرف أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضى أبيها ، لا بد من الرجوع إلى القاضي الشرعي وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة ، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر نقلها حسب المصلحة : فلا بدَّ من ضبط الأمور في الزواج . . . " انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 242 ، 243 ) .
ثالثاً :
ومن تزوجت بطريقة غير شرعية ، كأن تتزوج المرأة من غير ولي : فنكاحها فاسد ، ويجب التفريق بينهما فوراً ، والأبناء ينسبون إلى من تزوجها إن كانوا يظنون أن ما فعلوه جائزاً ، فإن كانوا يعلمون بطلان نكاحهم فلا ينسب الأبناء إلا إلى أمهم .
ولهذا النكاح الباطل مفاسد كثيرة تترتب عليه ، منها : ضياع حقوق المرأة ؛ لعدم وجود ما يثبت هذا النكاح ، فلا يثبت لها مهر ، ولا نفقة به . ومنها : انتشار الرذائل والفساد في المجتمعات ، وخاصة الطلابية منها ؛ إذ يمكن من خلال هذه العقود الفاسدة أن تدَّعي كل امرأة حامل ، أو رجل وامرأة وُجدا في وضع مشين ، أنهما متزوجان زواجاً عرفيّاً . ومنها : أنه لا يمكن من خلال هذا الزواج إثبات نسب الأولاد حال وجودهم - كما ذكرنا - ؛ وهو ما يعني ضياعهم وضياع نسبهم .
والسبيل إلى تصحيح هذا الوضع : هو بالذهاب إلى الولي ومصارحته بما حصل ، ثم يتم العقد مرة أخرى بموافقته ، فإن لم يوافق فُرِّق بينهما .
والله أعلم .
ملخّص مهم في أركان النّكاح وشروطه وشروط الوليّ
ما هي أركان عقد النكاح ؟ وما شروطه ؟ .
الحمد لله
أركان عقد النكاح في الإسلام ثلاثة :
أولا : وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك .
ثانيا : حصول الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول للزوج زوجتك فلانة ونحو ذلك .
ثالثا : حصول القبول وهو اللفظ الصّادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول : قبلت ونحو ذلك .
وأمّا شروط صحة النكاح فهي :
أولا : تعيين كل من الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الوصف ونحو ذلك .
ثانيا : رضى كلّ من الزوجين بالآخر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ ( وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق ) حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ( أي يُطلب الأمر منها فلا بدّ من تصريحها ) وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ( أي حتى توافق بكلام أو سكوت ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا ( أي لأنها تستحيي ) قَالَ أَنْ تَسْكُتَ رواه البخاري 4741
ثالثا : أن يعقد للمرأة وليّها لأنّ الله خاطب الأولياء بالنكاح فقال : ( وأَنْكِحوا الأيامى منكم ) ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " رواه الترمذي 1021 وغيره وهو حديث صحيح .
رابعا : الشّهادة على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع 7558
ويتأكّد إعلان النّكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : " أَعْلِنُوا النِّكَاحَ . " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 1072
فأما الولي فيُشترط فيه ما يلي :
1- العقل
2- البلوغ
3- الحريّة
4- اتحاد الدّين فلا ولاية لكافر على مسلم ولا مسلمة وكذلك لا ولاية لمسلم على كافر أو كافرة ، وتثبت للكافر ولاية التزويج على الكافرة ولو اختلف دينهما ، ولا ولاية لمرتدّ على أحد
5- العدالة : المنافية للفسق وهي شرط عند بعض العلماء واكتفى بعضهم بالعدالة الظّاهرة وقال بعضهم يكفي أن يحصل منه النّظر في مصلحة من تولّى أمر تزويجها .
6- الذّكورة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . " رواه ابن ماجة 1782 وهو في صحيح الجامع 7298
7- الرّشد : وهو القدرة على معرفة الكفؤ ومصالح النكاح .
وللأولياء ترتيب عند الفقهاء فلا يجوز تعدّي الولي الأقرب إلا عند فقده أو فقد شروطه . ووليّ المرأة أبوها ثمّ وصيّه فيها ثمّ جدّها لأب وإن علا ثمّ ابنها ثم بنوه وإن نزلوا ثمّ أخوها لأبوين ثم أخوها لأب ثمّ بنوهما ثمّ عمّها لأبوين ثمّ عمها لأب ثمّ بنوهما ثمّ الأقرب فالأقرب نسبا من العصبة كالإرث ، والسّلطان المسلم ( ومن ينوب عنه كالقاضي ) وليّ من لا وليّ له . والله تعالى أعلم.
الاسلام سؤال وجواب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق