الصفحات

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

خلاصة كتاب خلافات المتديّنين والعلمانيين في إسرائيل.. مواقف الصحافة العبرية

خلافات المتديّنين والعلمانيين في إسرائيل.. مواقف الصحافة العبرية
 
خلافات المتديّنين والعلمانيين في إسرائيل

المؤلف:الدكتور أحمد فؤاد أنور
الطبعه:الأولى- 2010
عدد الصفحات:488 صفحة من القطع المتوسط
الناشر:المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة- مصر
عرض:محمد بركة

رغم كثرة الكتابات عن إسرائيل فإنّ القليل منها هو ما يتمُّ بشكلٍ علميٍّ ويصدُر عن معرفةٍ حقيقيةٍ بالواقع والمصادر الإسرائيلية، ومن هنا تأتِي أهمية الدراسات التي يقوم بها المتخصِّصون في الشأن الإسرائيلي والعبري، ولقد  صدر حديثًا عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر كتاب تحت عنوان "خلافات المتدينين والعلمانيين في إسرائيل..  مواقف  الصحافة العبرية" للدكتور أحمد فؤاد أنور مدرس اللغة العبرية الحديث والفكر الصهيوني بكلية الآداب جامعة الأسكندرية المصرية، صاحب المؤلفات المتعددة والتي  تتناول الصراع العربي الصهيوني من أهمِّها: تاريخ اليهود، أشهر مجرمي الحرب عبر التاريخ، مرة واحد يهودي، إسرائيل ذلك المجهول، والصحافة الدينية في إسرائيل.

يرصد كتاب خلافات المتدينين والعلمانيين في إسرائيل..  مواقف الصحافة العبرية، ويحلّل تطوُّر الخلافات في السنوات الأخيرة ومعالجة الإعلام الإسرائيلي للخلاف بين المعسكريْن الديني والعلماني على صعيد القضايا الاجتماعية والثقافية والأمنية والتشريعية، التي وصَلَت إلى حدّ منعِ مشاهدة التلفزيون في الأحياء الدينية، وتعرّض مُخالِف هذا للضرب أو الإجبار على تَرْكِه مسكنَه في الحيّ الديني، مع خلافات لا تَهْدَأُ حول الزواج والطلاق والدفن وأسلوب إدارة المؤسسات الاقتصادية في إسرائيل.كما يسعَى الكتاب لاستِشْرَاف ما سيُسْفِر عنه تذمُّر المعسكر العلماني على التفرقة في التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين في صفوف الجيش الإسرائيلي.

اعتمد الكاتب على الصحف الثلاث الأكثر توزيعًا في إسرائيل وهي يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس، وهي صحف مُسْتقِلّة عامة يغلب عليها الطابع العلماني ولم يَلْتَفِتِ الباحث إلى الصحف المستقلة ذات التوجهات الدينية؛ لأنها- كما يرى- محدودةَ التأثيرِ والتوزيع غالبًا، ولا تعبِّر عن حزب له تمثيلٌ نيابيٌّ في الكنيست، وقد اختار العام 2000 بداية لدراسته؛ لأنه شهِد بلوغ العملية السلمية مع الفلسطينيين طريقًا مسدودًا بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2، وهو العام الذي شهِد قيام شارون زعيم المعارضة وقتها باقتحام المسجد الأقصى مِمَّا أدَّى إلى تفجُّر الانتفاضة الثانية، وشهدت تلك الفترة انسحاب إسرائيل من غزة من جانب واحدٍ ثُمَّ حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليختفِي بعد ذلك من المشهد وكذلك اختفاء آرئيل شارون بدخوله في غيبوبة، مازال بها حتى الآن، والأهمُّ من ذلك صعود الأحزاب الدينية ومشاركتها في الائتلاف الحكومي، فضلاً عن وجود ممثلين لها في الكنيست.

كما أكَّد الكاتب في مقدمة الكتاب أنَّ العلاقة بين الدِّين والدولة تشكِّل إحدى الإشكاليات المعقدة التي تمنع "إسرائيل" من الشعور بقدرٍ من التوازن، يُؤهِّلها لكي تكون دولة مستقرة، فإشكالية تلك العلاقة وبالتالِي ماهية الدولة ومقوماتها محلّ جدلٍ يصاحب الجميع في "إسرائيل"، مما يجعل العلاقة بين العلمانيين والمتدينين تتوتّر حتى على صعيد الحياة اليومية، لدرجة تَعُوقُهم في حالات كثيرة عن أبسط مظاهر التعايش الطبيعي مثل التربُّص أو إقامة تجارة أو إنجاز مشروع معًا.

بين المتدينين والعلمانيين.. خلافات قديمة

تناول الباب الأول جذورَ الخلافات بين المتدينين والعلمانيين، وبيَّن أنَّ الخلافات بين المتدينين والعلمانيين بدأت قبل قيام الدولة منذ نشأت الهسكالاه- حركة التنوير اليهودية-  في الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي، وارتفعت حِدَّتها التي وصلت الى درجة الغليان، نظرًا لشعور كل فريق بأنّه لم يَنَلْ من المكاسب ما يَتَناسب مع حجم قوَّته وتأثيره في المجتمع الإسرائيلي، وقد غابَت الوسطية بين المعسكرين مع عدم وجود قضايا ومحاور اجتماعية أو ثقافية مشتركة تَرْبِط المعسكريْن، باستثناء الخطر الخارجي وقد ثبَت أنَّ الخطر الخارجي يُهدِّئ من حِدَّة الخلافات الداخلية في إسرائيل لكنَّه لا يوقفها تمامًا، ولذا فقد قلَّ تناول الخلافات بين المتدينين والعلمانيين في الصحف الإسرائيلية مع بداية المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين في نهاية عام 2000 وبدايات عام 2001، لكنها عادت لتشتدَّ مع طرح وتنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة في عام 2005.

وإذا كان الخطر الخارجي يُخْفِي الخلافات بين المعسكرين فإنّ تحقيق السلام مع العرب وعدم استمرار الخطر الخارجي على إسرائيل سوف يؤدِّي إلى تفاقم الصراع بين الجانبين، ويقول الكاتب: إنّ الطلقة الأولى في معركة الانفجار الشامل داخل إسرائيل، سوف تأتِي من جانب معسكر المتدينين؛ لأنَّهم مازالوا الأقلية داخل المجتمع، الأمر الذي قد يدفع أفرادًا منهم إلى حالة من التطرُّف والتعصب تقودهم إلى العنف والحلول الانقلابية لتحقيق أفكارهم ورُؤاهُم التي لا يمكنهم تحقيقها بوسائل ديمقراطية.

ويلاحظ الكاتب أنَّ المتدينين يسيطر عليهم منطق تخوين وتكفير العلمانيين ويسعون دائمًا لفرض الإكراه الدينيّ والاستيلاء على أكبر قدرٍ من ميزانية الدولة من دون الالتزام بالخدمة العسكرية الكاملة في صفوف الجيش، بالإضافة إلى الارتفاع المتزايد في قوة التمثيل النيابِي للتيار الأكثر تشددًا وتطرفًا على حساب تيار ما يسمّى الصهيونية الدينية الأكثر اعتدالاً.

ويَسْعَى التيار الديني لإجبار العلمانيين على التراجع عن توجُّهاتهم والالتزام بالدين، وأن يُعْلِنوا توبتهم والتزامهم الكامل بالطقوس والواجبات الدينية في كل مناحِي الحياة، مستغلاً في ذلك التلويح بالعقاب الإلهي، وأدوات دنيوية مثل المشاركة في الائتلافات الحكومية، والسيطرة على ميزانيات مُبالَغ فيها تتيح له مزيدًا من التأثير في المجتمع، خاصةً بين الشرائح الفقيرة، وبالتالِي تحويل الدولة في النهاية إلى دولةِ شريعةٍ يهوديةٍ.

وقد لُوحِظ في هذا الإطار أنَّ من بين اتهامات العلمانيين للقادة الدينيين في إسرائيل أنَّ سلوكهم لا يتماشَى في الغالب مع توصيات الدين، من حيث ارتكاب أعداد منهم جرائم تمسّ الشرف، ومع ذلك يبدو للجميع حرصهم على أداء الطقوس الدينية اليهودية. وفي المقابل يصرّ المتدينون على الانصياع الكامل للتشريعات اليهودية بتفسيراتها الجامدة والحرفية، فيما يتعلّق بالموقف من المرأة، مما يُثِير غضبًا شديدًا في قطاعات عديدة من الرأي العام العلمانِي، ويدفع بالتالِي نحو زيادة الهوة بين المعسكر العلماني والمعسكر الديني. كما أنَّ الحصول على تمويل للمؤسسات الدينية، لا يتمُّ بمعايير ثابتة أو نَزِيهة في جميع الأحوال. وفي الوقت نفسه فإنَّ مجتمعات المجموعات الدينية ربما تَبْدُو متحدة ظاهريًّا فقط، لكن الخلافات الداخلية والبرجماتية للحصول على أقصى حدٍّ من المكاسب الوقتية تكشف واقعًا مختلفًا. وقد أدَّت التعقيدات التي أضفاها رجال الدين على النصوص المقدسة إلى تحوُّل الدين في إسرائيل إلى قائمة طويلة من المِهَن.

أما أنصار المعسكر العلماني يَرَوْن أنَّ كثيرًا من رجال الدين يعتبرونه مجرَّد وظيفة أو وسيلة لفرض وصاية على الآخرين أو ابتزازهم. وفِي المقابل يتشدَّد قطاع كبير من العلمانيين في إنكارهم لوجود ربّ لليهود، وفي عدائهم للمتدينين ومعتقداتهم مما يعقِّد العلاقة بين المعسكرين ويجعلها تصل كثيرًا إلى حدّ الاحتقان الخطير.

ونستطيع أن نُدْرِك قدرَ خطورة الخلافات بين المعسكرين العلماني والديني في إسرائيل، إذا وضعنا في الاعتبار أنَّ مؤسّسي الفكرة الصهيونية والدعاة لإعلان دولة إسرائيل هم من العلمانيين، وأنّ غالبية الإسرائيليين حاليًا من العلمانيين، وفي المقابل تتزايَد أعداد مواليد المتدينين، وبالتالِي أعداد ممثليهم في الكنيست، وكذلك ملاحظة أنّ إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية بأغلبية مُرِيحة أو مناسبة دون مشاركة القوى الحزبية الدينية الممثلة فى الكنيست يعدّ احتمالاً ضعيفًا ومحفوفًا بمخاطر سحب الثقة من الائتلاف عند حدوث أية أزمة سياسية.

خلافات في كل المجالات

كما تناول الكاتب في البابين الثاني والثالث رؤية الصحافة العبرية للخلافات بين المتدينين والعلمانيين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتشريعية،  وبيّن أنّ الصحافة الإسرائيلية عكست حقيقة أنّ الصراع بين المعسكرين يتمحوّر حول مَن هو صاحب البيت أو من هو صاحب الكلمة العُلْيَا في الدولة؟ من أسّسها بقوة السلاح وبلا مرجعية دينية أم من يحصل على الشرعية من السماء؟ وقد كان هناك اتفاق الوضع الراهن قبل تأسيس الدولة الذي جعل كلّ فريق يتقبل الآخر لكن هذا الاتفاق لم يَعُد كافيًا ولا يلبّي احتياجات وتطلعات كل فريق في ظلّ تنامي أعداد المتدينين في الدولة الصهيونية، فضلاً عن أنّ هناك موجة صعود الأصولية الدينية في العالم كله، في المقابل يرفض المعسكر العلماني قبول اتفاق وضع الراهن خاصة أنّ هذا الاتفاق لم يحدّ من الخلافات بين المعسكرين بل استغله المتدينون في توسيع صلاحياتهم ونفوذهم على حساب القواعد الديمقراطية.

ومن بين الخلافات المتنامية أوضح الدكتور أحمد فؤاد أنّ الخلاف حول الميزانيات وأوليات توزيعها، والعائد من تلك المخصصات، تعتبره الصحافة محلّ الدراسة قضية أساسية، يجب أن تَحْظَى باهتمام الرأي العام، وهي تسعَى لإثارة الرأي العام بإقناعه- بالإحصائيات والأرقام من خلال عقد المقارنات- بأنّ الأحزاب الدينية تبتزّ الأغلبية، مقابل تصويتها لصالح الائتلاف الحكومي، وتمرير بعض القوانين. وكثيرًا ما تلجأ الصحف محل الدراسة لفضح الشركات التي تدعم المتدينين اقتصاديًّا. لكي تكفّ عن تقديمها لهذا الدعم. وتعمل على تصعيد القضية الخلافِية أو طرح حلول بديلة تتبنّى وجهة نظر العلمانيين فقط للخلاف. وأنّ الأمور وصلت لحدّ استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية لفرض الرأي في هذا المجال.

وتتعاظَم أهمية تلك الخلافات على الصعيد العسكري في ظلّ حقيقة أنّ المجتمع المدني والمجتمع العسكري في إسرائيل يكادان يكونان وجهيْن لعملة واحدة، ولذلك شاعت مقولة إنّ إسرائيل جيش له دولة. أو أنها معسكر جيش كبير. والدليل على ذلك الإحصائيات التي تؤكّد أنّ 88% من الذكور في إسرائيل يخدمون في الجيش الإسرائيلي، سواء في القوات النظامية أو قوات الاحتياط، كما أنَّ 62 % من النساء في إسرائيل يخدمن في القوات النظامية، وهي نسبة مرتفعة إذا لاحظنا أنّ نحو 20 % من سكان إسرائيل هم من فلسطينيي ال48 وغالبيتهم لا يخدمون في الجيش، بجانب أنصار المعسكر الحريدي الذين يرفضون الخدمة أيضًا.

إذا كان المعسكر الديني منقسمًا إزاء الموقف من التجنيد- حيث يرى التيار الديني القومي أنّه لا مانع من التجنيد بشروط- فإنّ التيار الديني بشِقّيه يرى عدم السماح للفتاة الدينية في حال تجنيدها، بالخدمة في الوحدات المقاتلة. ويرتكز التيار الديني في موقفه هذا على فقرات من الكتب المقدسة تحضّ على أن تقبع المرأة اليهودية في بيتها لخدمة زوجها وأولادها، مما يشير إلى وجود مستويات من التشدُّد داخل معسكر المتدينين بالنسبة لهذه الإشكالية، وأنّ الانضمام للجيش لا يعني نهاية المعضلة، فهو في بعض الحالات يعدّ بداية لها.

مع مراعاة أنّ الحروب الطائفية الدينية بين اليهود لم تكن مستغربة، ففي العصور القديمة ظهرت فرقة الصدوقيين، وانتهت هذه الفرقة بدمار الهيكل الثاني عام 70م. وقد ظهرت فرقة مناوئة للصدوقيين سُمي أتباعها بالفريسيين عام 200 ق.م سيطروا على الحياة اليهودية حتى عام 200 م، وكانوا يتفنّون في تأويل النصّ بما يناسب أهواءهم. وتمثّل اليهودية الأورثوذكسية في الوقت الحاضر الفكر الفريسي أصدق تمثيل.

من ناحيةٍ أخرَى يوضِّح لنا الكتاب الهام الصحف العبرية المستقلة والأكثر توزيعًا في إسرائيل ترى أن التعامل الحالي بالنسبة لقضية تمثّل نحو 20 % من السكان اليهود والخاصة بتدخل المحاكم المدنية في قضايا الزواج والطلاق ضرورة يجب السعي لتحقيقها لتجاوز الجمود الذي تصرّ عليه المحاكم الحاخامية، كما تُسْهِب تلك الصحف في استعراض نماذج لفساد تلك المحاكم الحاخامية ومعاناة المرأة الشاكية وأبنائها من هذا الجمود والانحياز والفساد، وتنظر الصحافة محل الدراسة في الإطار نفسه للزواج المدنِي أو الزواج البديل، بشكل إيجابي، وتروج للمنظمات الداعية له، كما تخصّص مساحات كبيرة لاستعراض الأفكار غير التقليدية في السياق، مثل: زواج الإشهار وحذف بند الحالة الاجتماعية من بطاقة الهوية في إسرائيل. كما تضغط الصحف على القوي السياسية العلمانية لكي تدعم- عند التصويت في الكنيست- مشروعات قوانين جديدة تتيح الزواج المدني في إسرائيل دون عراقيل، وكل هذا ينمّ عن موقف متشدّد. مع ملاحظة أنّ هذه المعالجة وهذه المواقف أثمرت عن إعلان حزبي يسرائيل بيتينو وكاديما تأييدهما للزواج المدني وضمن كلاهما برنامجه الانتخابي ذلك في انتخابات 2006.

وفي الإطار نفسِه رصد الكتاب بعضَ القضايا الثقافية محلّ الخلاف الداخلي في إسرائيل، ومساعِي السيطرة على المحيط الثقافي في إسرائيل من القضايا المُحْتَدِمة على سطح الأحداث في المجتمع الإسرائيلي، باعتبار أنَّ الثقافة والمؤسسات الثقافية والتعليمية كالمضخّة التي تمدّ كل معسكر بمزيد من الأنصار، وهو ما جعل الخلاف يحتدم أيضًا حول المؤسسات التعليمية والمحتوى الثقافي الذي تتبنّاه وتزرعه في عقول التلاميذ. وغنِيّ عن البيان أن السلطة التشريعية لها صلاحيات من شأنها إعادة صياغة أوليات الدولة بشكلٍ مستمرّ. وهي سلطة لا تقلّ في تأثيرها عن السلطة التنفيذية. أحمد فؤاد رصد الخلافات من خلال محاور على غرار الخلاف حول توجهات التعليم الديني، والموقف من حرية الإبداع والمؤسسات الثقافية، مدى التجاوب مع ثقافة قبول الآخر..الخ، وإجراءات التهويد، والمحاكم الحاخامية اليهودية، والخلاف حول سنّ القوانين الجديدة والانصياع للسلطة القضائية، والانتقادات للحاخامية الرئيسية والدعوة لإلغائها..الخ.

كما عكست الصحف مَوْضِع الدراسة رؤية تقوم على أنّ تدعيم المعسكر العلماني يعمِّق المساواة بين المواطنين ويحمِي المجتمع المدني وحقوقه كما أنّه يبتعد بالمجتمع عن الجمود لكن المتدينين يرَوْن في ذلك كفرًا يجب التصدِّي له. وتلجأ الصحافة كثيرًا إلى السخرية في انتقاد مواقف معسكر المتدينين وتظهر تلك السخرية في مانشيتات الصحف ومقالات الرأي والريبورتاجات والرسوم الكاريكاتيرية مما يعمِّق الخلافات بين الجانبين وتبدو الصورة النمطية للمتدين في هذه الصحف بأنّه متخلف، ومنحرف، ومنافق ويرفض العمل وخدمة المجتمع كما يرفض الالتزام بالقوانين وعنصري تجاه المرأة، ولا تلجأ الصحف إلى المواجهة المباشرة والصريحة مع المتدينين لكنها تضع الانتقادات ضمنية في موادها وعلى صفحاتها.

وحرصت الصحف الإسرائيلية- موضع الدراسة- على أن تبرز تورّط المتدينين في جرائم اقتصادية بشكل متكرّر وقصدت بذلك تأكيد عدم ارتباط التديُّن بالالتزام الأخلاقي العام الذي تدعو إليه الديانات السماوية خاصة أنّ بعضهم يرتكب جرائم تمسّ الشرف والمعنى أنّ المتدينين في إسرائيل يحرصون على أداء الطقوس الدينية اليهودية فقط.

من الناحية الأمنية كشفت الصحف التي تناولتها الدراسة عن أنّه من غير المستبعد حدوث تقسيم للدولة الإسرائيلية لتصبح كيانين لهما استقلالية ما، على غرار تايوان والصين وكشفت الصحف أيضًا تذمُّرًا داخل صفوف الجيش من التفرقة في التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين، وقد يتحوّل هذا التذمر إلى خطوات عملية عنيفة قد تصل إلى حدوث انقلاب عسكري.

الخلاف خطير في إسرائيل خاصة أنّ مؤسسي الفكرة الصهيونية والدعاة لإنشاء دولة إسرائيل قبل إعلان قيامها كانوا من العلمانيين ومازالت أغلبية السكان من العلمانيين لكن طلاب المدارس الدينية في ازدياد وأعداد المتدينين في ازدياد مما يهدّد بتفاقم الأزمة. توقفت الدراسة عند نهاية سنة 2007 لكن مازلنا بحاجة لمواصلة هذا البحث في ضوء صعود حكومة متطرفة في إسرائيل وتبنّي تلك الحكومة لفكرة يهودية الدولة العبرية بما يعني مزيدًا من القوة للمتدينين ومزيدًا من العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب.

واختتم الكتاب  بملاحق تقدّم عرضًا مختصرًا لأهم المؤسسات الصحافية والتعليمية والقوى الدينية والعلمانية في "إسرائيل"، وخلفية مختصرة لتاريخ حركتي الهسكالاه والصهيونية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق