ستيفان لاكوروا
الكتاب:
|
سلطة الحديث في السلفية المعاصرة.. قراءة في تأثير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومدرسته
|
المؤلف:
|
ستيفان لاكوروا
|
ترجمة:
|
عومرية سلطاني
|
الطبعة:
|
الأولى 2012م
|
الناشر:
|
وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية- مصر
|
عرض:
|
نادية سعد معوض
|
عندما
توفي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الفاتح من شهر أكتوبر عام 1999م
عن عُمْرٍ ناهز خمسة وثمانين عامًا- دخل الكثيرون من العالم الإسلامي في
حِدَاد؛ لقد كان الألباني واحدًا من أعلى الوجوه الدينية مكانةً في السلفية
المعاصرة، إلى جانب المفتي السابق للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد
العزيز بن باز (1912م - 1999م)، والشيخ محمد بن عثيمين (1926م - 2001م)
الذي كان يمثل الرقم الثاني بعد ابن باز في المؤسسة الدينية الرسمية
السعودية.
واحتفت الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية السلفية بمن كان يعتبر محدث العصر، أو بكلمات أخرى بأكثر العارفين بالحديث في جيله.
ولقد
صدر حديثًا- عن وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية- العددُ
السادس من سلسلة مراصد، متضمنًا دراسةً بعنوان سُلْطة الحديث في السلفية
المعاصرة... قراءة في تأثير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومدرسته،
للباحث ستيفان لاكوروا، وترجمة عومرية سلطاني.
الألباني عَلَمٌ من أعلام الفكر السلفي
يندرج
فكر محمد ناصر الدين الألباني ضمن صيرورة المدرسة الوهابية السلفية، وإذا
كان لفظ السلفية يحيل تقليديًّا إلى الموقف الديني الذي يهدف إلى اتِّباع
السلف الصالح؛ بحيث لا تستند الفتوى إلا على الكتاب والسنة، كما وردت في
أفهام الأجيال الثلاثة الأولى للإسلام- فإنَّها في شكلها الحالي تصف بشكل
خاص مجموع التهجينات الفكرية التي طالت جوهر الوهابية خلال عقود القرن
العشرين، وخاصة منذ سنوات الستينيات.
في
هذه المرحلة بالفعل أصبحت المملكةُ- بفضل الله ثم سياسة التضامن الإسلامي
التي خطها الملك فيصل لمواجهة نفوذ عبد الناصر وحلفائه- البؤرةَ الدينية
الحقيقية التي لجأ إليها كل أولئك الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب نشاطهم
السياسي في العالم الإسلامي.
وتُبين
الدراسة أنَّ الألباني كان واحدًا من أعلى الوجوه الدينية مكانةً في
السلفية المعاصرة، ويندرج فكره ضمن صيرورة المدرسة الوهَّابيَّة التي وصل
من خلالها إلى المطالبة بتجديد للوهابية، وتطهيرها من اللاتجانس الذي كانت
تحويه، وفق رأيه.
وُلِدَ
محمد ناصر الدين الألباني في ألبانيا عام 1914م لأبٍ كان عالِمًا متبعًا
للمذهب الحنفي، وفي عام 1923م- غداة وصول سلطة علمانية إلى حكم البلاد، بعد
استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية المنهارة- قررت الأسرة مغادرة البلاد
للاستقرار في دمشق.
بدأ
ناصر الدين الشاب- أولًا- بتعلم اللغة العربية، ثم مهنة الساعاتي، بينما
كان والده يلقنه الأساسيات الدينية، كما وردت في تقاليد الفقه الحنفي.
وتشير
الدراسة إلى أنَّه سيذيع صيت الألباني في سوريا بالضبط خلال سنوات
الخمسينيات من القرن الميلادي المنصرم؛ بسبب معرفته للحديث الذي سيبدأ في
تدريسه أسبوعيًّا بدءًا من العام 1954م في مجلس لم يكن رسميًّا، وفي العام
1960م ستكلفه الشعبية التي صار يتمتع بها الخضوع لمراقبة أمنية رغم ابتعاده
عن أية نشاطات سياسية.
نشر
الألباني كتابه المعنون "حجاب المرأة المسلمة"، والذي أعاد فيه قياس صحة
عدد من الأحاديث المقبولة من قِبَل العلماء الوهَّابيِّين؛ فأفتى بحق
النساء في عدم تغطية الوجه كاملًا.
ومِنْ
ثَمَّ لن يتردد الألباني في قبول منصبٍ للتدريس في الجامعة الإسلامية
المؤسسة حديثًا في المدينة المنورة، وكان الشيخ عبد العزيز بن باز، نائب
رئيس الجامعة، قد اقترح اسم الألباني- الذي يقاربه فكريًّا وشخصيًّا- لهذا
المنصب.
لقد
تأثر ابن باز- حين كان طالبًا شابًّا- بالتعليم الذي تلقاه على يد الشيخ
سعد بن عتيق (1850م – 1930م) الذي كان واحدًا ممن اختيروا من العلماء
الوهابيين، وأرسلوا إلى الهند في نهاية القرن التاسع عشر ليتتلمذوا على يد
حركة أهل الحديث الهندية، وقد حمل ابن عتيق معه من رحلته إلى الهند
اهتمامًا خاصًّا بتجديد الحديث, وقد نقله لاحقًا لتلميذه ابن باز.
بَيْدَ
أنَّ النصر في المعركة مع الوهابيين التقليديين لم يكن بعدُ قد تحقق
بالنسبة للألباني؛ فقد أثار وجوده منذ اللحظة الأولى جدلًا قويًّا في
الأوساط الدينية السعودية، التي لم تزل تحت هيمنة أنصار المذهب الحنبلي
الكامنين، بدءًا بالمفتي محمد بن إبراهيم الشيخ (1893م - 1969م)؛ فدعوة
الألباني لاجتهادٍ يمارَس خارج إطار المذاهب الفقهية كان يُشكِّل بالنسبة
له طعنًا مباشرًا في سلطة العلماء الوهابيين.
يضاف
إلى ذلك، مما لم يكن مقبولًا أنَّ الألباني كان يُعْتَبَر دخيلًا بالنسبة
للمجال الديني السعودي، الذي يظل تحت هيمنة أرستقراطية دينية محدودة ذات
أصول تنتمي إلى سلسلة قرى تقع في منطقة نجد في المملكة.
لقد
اعتبروا أنَّ الألباني كان يتحدى سلطتهم في المقام الأول، بَيْدَ أنَّ
المشكل برمته كان يكمن في أنَّ هؤلاء وجدوا أنفسهم وقد وقعوا في حرج؛
فالوهابية التي يدَّعون أنَّهم حراسها تميزت منذ ولادتها بالازدواجية التي
ذكرناها سابقًا؛ بين طموح نحو الاجتهاد يتم التأكيد عليه مرات عديدة- وهو
الطموح الذي يعتد به الألباني بشدة- من جهة، وبين ممارسة فقهية تقع في
النهاية في استمرارية مع المذهب الحنبلي من جهة ثانية.
علاوة
على ذلك، لم يكن من السهل الطعن في سلطة الألباني الدينية طالما أنَّ
مفهومه للعقيدة كان في الواقع وهَّابيًّا لا غبار عليه؛ لقد أثارت فتاوى
الألباني في مرات متكررة ضجة في المؤسسة الدينية.
الألباني وأهل الحديث
وتُبين
الدراسة أنَّ مواقف الألباني ستصاغ على يد أهل الحديث الجدد في شكل نموذج
أيديولوجي، وسيولد عنها خطاب مضاد للإخوان المسلمين ومن بعدهم لتيار الصحوة
بشكل أكثر منهجية.
ويقول
الباحث: إنَّه إذا كان الألباني تمكن من أنْ يحتل المكانة التي وصل إليها
اليوم داخل حقل الإسلام السلفي؛ فلأنَّه عرف كيف يبني خطابًا دينيًّا
قويًّا كان قادرًا- في الوقت ذاته- على تقويض شرعية أولئك الذين طالما
هيمنوا على هذا المجال.
إضافة
إلى ذلك- وعلى منوال الألباني، ذلك الساعاتي ذو الأصول الألبانية، الذي
أصبح "محدث العصر"- فإنَّ الأفراد الذين تم إقصاؤهم من شبكات العلم
التقليدية هم الذين انجذبوا نحو هذا الخطاب.
ويضيف
الباحث: لقد كان الأمر يقع خارج إرادة الألباني جزئيًّا حين بدا أنَّه
وفر- من خلال مواقفه الفقهية المتميزة- المساق المذهبي الضروري لظهور هذا
التيار القوي الذي يمثله أهل الحديث الجدد؛ ذلك أنَّه إذا كان أهل الحديث
الجدد هؤلاء ينسبون أنفسهم إلى تعاليمه فعلًا؛ فإنَّ الألباني ومنذ سنوات
الثمانينات كان انفصل عن القسم الأكبر منهم ليتبنى لغةً أكثر توافقية.
ومع
ذلك- كما نرى من خلال أمثلة الألباني وطلابه- يبدو أنَّ هذه السلفية ذات
النمط الخاص لعبت دورًا حقيقيًّا بوصفها سلمًا اجتماعيًّا داخل المجال
الديني؛ لتجسد ما نسميه هنا ومن خلال ما سبق "سلطة الحديث".
يذكر
أنَّ مراصد سلسلة كراسات علمية محكمة، تصدر عن وحدة الدراسات المستقبلية
بمكتبة الإسكندرية تُعنى برصد أهم الظواهر الاجتماعية الجديدة، لاسيما في
الاجتماع الديني العربي والإسلامي.
المصدر : الاسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق