الصفحات

الخميس، 8 نوفمبر 2012

قراءة في كتاب قصة الثروة في مصر -للدكتور ياسر ثابت


قصة الثروة في مصر
غلاف الكتاب

د. ياسر ثابت
الكتاب:
قصة الثروة في مصر
المؤلف:
الدكتور ياسر ثابت
الطبعة:
الأولى 2012م
عدد الصفحات:
482 صفحة من القطع الكبير
الناشر:
دار ميريت - القاهرة - مصر
عرض:
محمد بركة

صدر مؤخرًا في القاهرة كتاب تحت عنوان "قصة الثروة في مصر" للكاتب الدكتور ياسر ثابت، وفيه يستعرض قصة الثروة في مصر خلال القرنين الأخيرين مسجلًا أنَّ كثيرًا من الأثرياء حققوا ثرواتهم في الآونة الأخيرة في أسواق غير منتجة، وبطرق تعتمد على قنص الريع، وتداول الأصول المعروضة لا الإنتاج والتصنيع الذي يُعنى بالدور الاجتماعي للثروة.
يقول ثابت في كتابه "قصة الثروة في مصر":
"إنَّ الصفقات المالية ذات الأرقام الفلكية كانت تحرك مصر في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس السابق حسني مبارك، الذي خلعته انتفاضة شعبية حاشدة في فبراير 2011م بعد 30 عامًا في الحكم؛ حيث أصبح الربحُ السريع الوطنَ الوحيد لأثرياء جمعوا أموالهم من المضاربة في البورصة أو الاحتكار".
ويضرب المثل بكيفية انتقالات لاعبي كرة القدم في مواسم انتخابات رؤساء الأندية الرياضية والتي يراها سوقًا حملت بعض الأثرياء إلى المقصورة في الإستاد، ثم إلى المناصب التنفيذية إذ إنَّه عندما يتكلم المال يصمت كل شيء، في ظل ما يصفه بغياب التراكم الضروري لترسيخ الروح الرأسمالية.
ويؤكِّد على أنَّ سياسة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها في السبعينيات الرئيسُ الأسبق أنور السادات- أربكت الخريطة الاجتماعية والاقتصادية، ثم أصبحت الثروة في عصر مبارك لا تعني النشاط الاستثماري بقدر الدلالة على ارتباط الأثرياء بدوائر النفوذ.
ويرى أنَّ لزواج المال بالسلطة أثرًا خطيرًا إذ يحول التاجر إلى حاكم والحاكم إلى تاجر، ومع غياب ما يسميه ثقافة التعامل مع الثراء تولد الثروة المتوحشة وتؤدي إلى حرائق بدلًا من إطفائها.
أثرياء مصر
ويقول ثابت: إنَّ مصر شهدت أول مليونير خلال الحملة الفرنسية (1798م - 1801م)، ثم شهدت أول ملياردير في عصر مبارك، وإنَّ الحياة في مصر بين هذين التاريخين تغيرت كثيرًا سواء الوجوه وأرقام الثروات.
ويسجل أنَّ حسن طوبار، الزعيم البارز بمحافظة الدقهلية في الدلتا، والذي يرجح أنَّه كان أغنى رجل في مصر، وكان واسع الثروة والنفوذ محبوبًا من سكان إقليمه، وكان في حالة من الرواج كفيلة بأنْ تقعِده عن اتخاذ موقف يمكن أنْ يهدد ثروته، لكنه فضَّل عز مقاومة المحتل الفرنسي على ذل العيش في بحبوحة تحت حكم المحتل؛ حيث قدر أحد جنرالات الحملة الفرنسية ثروة الشيخ طوبار بأنَّها في حدود خمسة ملايين فرنك سخرها كلها لمقاومة الفرنسيين منذ بداية الحملة تقريبًا.
كما يسجل أيضًا أنَّه في مقابل طوبار الثري المصري، الذي تزعم مقاومة الغزاة، جاء الوالي الألباني محمد علي، الذي حكم البلاد بين عامي (1805م و1848م) الذي تعامل مع مصر كلها على أنَّها أملاكه؛ فقد اعتصر الفلاحين اعتصارًا، وكان عقاب التأخير في توريد المحاصيل للحكومة يصل أحيانًا إلى الإعدام، إلا أنَّ اهتمام محمد علي بماله وأملاكه- التي اتسعت لتشمل أرض مصر- لم يكن بالنسبة للمصريين شرًّا مطلقًا، كما لم يكن خيرًا مطلقًا، كما يقول الكاتب؛ فقد كان همه أنْ ينشىء في مصر جيشًا وصناعةً وتعليمًا وغيرها من أسباب الحضارة والمجد؛ حيث شق الترع، وأنشأ الجسور، والقناطر، والسدود، وأوفد عددًا من الطلاب المصريين إلى الخارج لدراسة فن الزراعة وغيره من العلوم المختلفة.
على مهل كانت الثروة في مصر تشق مجرى جديدًا في الوطن، لم يكن التحول في ليلة وضحاها، وإنَّما امتد لعقود طويلة، لكنه شهد أبرز محطاته في عصرين: محمد علي وإسماعيل، هكذا يقول الكاتب في بداية فصل بعنوان "ظهور الأفندية وصعود الشوام" الذي يتطرق فيه إلى أنَّ محمد علي وضع البذور التاريخية للرأسمالية المصرية؛ بتشكيله طبقةً من كبار الملاك لتكون عونًا له في حكمه، إلى أنْ جاء عصر إسماعيل، الذي ولد فيه أشهر رجال المال والأعمال في ذلك الزمان، وفي مقدمتهم اليهود الذين كانوا يبحثون عن المال فوق الأرض وتحتها أيضًا؛ فقد أسس اليهودي إميل عدس الشركة المصرية للبترول في بداية عشرينيات القرن العشرين، كما احتكر إيزاك ناكامولي تجارة الورق في مصر، واحتكر اليهود معظم مجالات التجارة والصناعة إلى جانب العقارات والأراضي الزراعية، واستطاعوا تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت ذروتها في الفترة من عام 1940م حتى عام 1946م.
وانتقل الكاتب إلى الجالية اليونانية، ومنهم كوتسيكا الذي أنشأ مصنعًا للكحول في منطقة طره، والذي كانت ثروته قبل بزوغ القرن العشرين تقدر بأربعة ملايين جنيه، ويضيف أنَّ قوائم الأغنياء في مطلع القرن العشرين شهدت أسماء مصريين مثل أحمد المنشاوي باشا، وهو من أعيان الغربية، وقدرت ثروته بنحو مليوني جنيه، وكان الحسُّ الوطني واضحًا في أعمال الخير لديه.
ومن أثرياء مطلع القرن العشرين يذكر الكاتب فخري بك عبد النور، وعمر سلطان، وإدريس بك راغب، والأمير عزيز حسن، حفيد الخديوي إسماعيل، ومؤسس نادي السيارات، يضاف إليهم البارون البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان، مؤسس ضاحية مصر الجديدة.
أما أول قائمة مرتبة للأغنياء المصريين فقد ظهرت بعد تأسيس بنك مصر عام 1920م وكان ترتيبها كالتالي: الأمير عمر طوسون، الأمير أحمد سيف الدين، الأمير يوسف كمال، الشواربي باشا، البدراوي باشا، علي شعراوي باشا، علي فهمي المهندس، ميشال سرسق، حبيب باشا سكاكيني، ميرزا، محمود سليمان باشا، محمود خليل باشا؛ الذين روى الكاتب قصة كل منهم بالتفصيل.
ويرى المؤلف أنَّ أحمد عبود باشا مليونير عصامي، وأنَّه تحول من شاب يملك أبوه حمامًا شعبيا في حي شعبي بالقاهرة إلى رجل أعمال يملك إمبراطورية ضخمة من صناعة السكر والصناعات الكيميائية والورق والشحن والقطن تبلغ قيمتها 100 مليون دولار... رحلة جمعت بين الاستثمار والسياسة والفساد، موضحًا أنَّ إمبراطوريته امتدت إلى دوائر الرياضة والسياسة.
فيروي أنَّ عبود كان يُؤثِّر على صناعة القرار السياسي، بل إنَّه اتفق مع بعض مستشاري الملك فاروق على رشوة الملك بمليون فرنك لإقالة وزارة نجيب الهلالي، التي رفعت شعار التطهير عام 1952م، معلقًا على ذلك بالقول: إنَّه دفع رشوة مليون فرنك ليتخلص من خمسة ملايين دولار ضرائب، ولكن صدور القوانين الاشتراكية في مطلع الستينيات دفع عبود لتحويل أمواله وأعماله إلى أوروبا إلى أنْ تُوفِّي في لندن عام 1964م.
ثروات الرؤساء
وفي فصل عنوانه "ثروات الرؤساء... فتش عن الأنجال" يذكر أنَّ رؤساء مصر الأربعة السابقين- بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952م في القضاء على أسرة محمد علي، وإعلان الجمهورية- نشأوا في أسر بسيطة أو متوسطة؛ وهم محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، والسادات، ومبارك.
ويسجل أنَّ نجيب عاش حياة متقشفة؛ إذ تنازل عن نصف راتبه كرئيس لمصر، وأنَّ عبد الناصر لم يكن مهتمًّا بأنْ يترك ثروة يُؤَمِّن بها حياةً لأولاده؛ كان كل ما تركه قرابة أربعة آلاف جنيه مصري،2500 منها قيمة بوليصة تأمين على حياته، عقدها قبل ذهابه إلى حرب فلسطين عام 1948م، والتي عاد منها ليشكل تنظيم الضباط الأحرار الذي ثار على ملك مصر السابق فاروق.
ويقول ثابت: إنَّ سياسة الانفتاح الاقتصادي أدت إلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ تبناها السادات، وإنَّ ذلك كان بداية لما يصفه بظهور مليونيرات المعونة الأمريكية؛ حيث تدفقت أموال هذه المعونة على مصر بعد إبرامها معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م، وتزامن ذلك مع خصخصة القطاع العام، وتراجع زراعة المحاصيل الاستراتيجية.
ويرى أنَّ مصر عرفت لزمن طويل مقولة "المنصب يجلب الثروة"، ولكنها شهدت في عصر مبارك تجربة فريدة قوامها أنَّ الثروة تُعَبِّد الطريق إلى المنصب، إضافةً إلى الفساد الذي أدى لتراكم الثروات بطرق غير مشروعة، وأرسى قاعدة "النقود تقود".
وختم المؤلف كتابه عن الثروة في مصر بالحديث عن فئة رجال الأعمال، الذين فتح لهم مبارك باب امتلاك أراضي مصر واحتكار ثرواتها، من عَيِّنَة حسين سالم، وأحمد عز، وهشام طلعت مصطفى، كما يتناول بتفصيل موثق أسرار أغنياء مصر مثل آل ساويرس، ومحمد شفيق جبر، وغيرهما الكثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق