الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين وبعد:
فهذه
جملة مختصرة من أحكام عيد الأضحى المبارك وفضائله، حرصت فيها أن تكون
جامعة، ومستمدة من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، ورمت فيها سهولة
وصولها إلى القراء، ومن الله أستمد العون والتوفيق، وهو حسبي وعليه اتكالي،
ولا حول ولا قوة إلا به، إنه على كل شيء قدير.
فضيلة عيد الأضحى وأيام التشريق
قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) .
و قال عز وجل (واذكروا الله في أيام معدودات) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فنح الباري ج 3 ص521:
(( روى
ابن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:" الأيام
المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، والمعدودات أيام
التشريق " إسناد صحيح، وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق.
وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عباس " أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده " ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)
فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر. انتهى. و هذا لا يمنع تسمية أيام العشر
معلومات، ولا أيام التشريق معدودات، بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق
عليه لقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات)
وقد قيل: إنها إنما سميت معدودات، لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرا أي
في حكم حصر العدد والله أعلم.)) انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
وروى البخاري في صحيحه رقم 969 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا
الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ قَالُوا وَلَا
الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ
بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري":
قوله:
(ما العمل في أيام أفضل منها في هذه) كذا لأكثر الرواة بالإبهام، ووقع في
رواية كريمة عن الكشميهني " ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه "
وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن
فسرت بأنها أيام التشريق - وسميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون اللحم أي
ينشرونه ليجف في الشمس ليتزودوا به -، وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري،
وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة
في هذا الحديث بأنها أيام التشريق، وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار
المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط ".
ثم نقل عن الإمام ابن أبي حمرة - رحمه الله - قوله:
"
الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره, قال: ولا
يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة، ولا ما صح من قوله
عليه الصلاة والسلام " أنها أيام أكل وشرب " كما رواه مسلم، لأن ذلك لا
يمنع العمل فيها، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى، ولم
يمنع فيها منها إلا الصيام".
قال:
"وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على
غيرها، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على
العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وفي أفضلية أيام
التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه
بالفداء، فثبت لها الفضل بذلك.اهـ.
ثم قال الحافظ ابن حجر عقبه:
"وهو
توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه، والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ
مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ " ما
العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر " وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن
شعبة بالإسناد المذكور.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال " في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة " وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة.
ووقع في
رواية وكيع المقدم ذكرها " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من
هذه الأيام " يعني أيام العشر، وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن
الأعمش، ورواه الترمذي عن رواية أبي معاوية فقال " من هذه الأيام العشر "
بدون يعني، وقد ظن بعض الناس أن قوله " يعني أيام العشر " تفسير من بعض
رواته، لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر.
وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ " ما من عمل أزكى عند الله ولا
أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى " وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة
وابن حبان " ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة " فظهر أن
المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة، لكنه مشكل على ترجمة
البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة:
أحدها:
أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر،
وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام
التشريق.
ثانيها:
أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه، وبقية أعمال الحج تقع في
أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل
الفضل، ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها، وبهذا تظهر
مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس كما تقدمت
الإشارة إليها.
ثالثها:
أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد، وكما أنه خاتمة
أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق، فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل
شاركتها فيه أيام التشريق، لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها
وشريفه وعظيمه، وهو يوم الحج الأكبر".
ثم قال الحافظ رحمه الله:
وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله. وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة.
وفضل
أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر
الصيام أو علق عملاً من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوماً منها تعين
يوم عرفة، لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكورة، فإن أراد أفضل أيام
الأسبوع تعين يوم الجمعة، جمعاً بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة
مرفوعا: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة " رواه مسلم، أشار إلى ذلك
كله النووي في شرحه.
وقال الداودي:
لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد
يكون فيها يوم الجمعة، يعني فيلزم تفضيل الشيء على نفسه. وتعقب بأن المراد
أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة
أم لا، ويوم الجمعة فيه أفضل من الجمعة في غيره لاجتماع الفضلين فيه.
ثم نبه
الحافظ على ضعف الزيادة في حديث أيام العشر بأن:"صيام يوم منها يعدل صيام
سنة، والعمل بسبعمائة ضعف"، وكذا اللفظ الآخر:" يعدل صيام كل يوم منها
بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر".
هذا عيدنا أهل الإسلام
روى
البخاري ومسلم عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله
عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ
تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ
قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْم.
وروى
البخاري أيضا عن عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ
بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا
فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ
وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ
فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا
بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فَاذْهَبِي.
وبوب
البخاري في صحيحه وقال فيه: باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ
وَالْقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا
عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ). هكذا ذكر البخاري الحديث تعليقاً.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري":
قوله: ( لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام ):
(( هذا
الحديث لم أره هكذا، وإنما أوله في حديث عائشة في قصة المغنيتين، وقد تقدم
في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ " إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " وأما
باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " أيام منى عيدنا أهل
الإسلام " وهو في السنن وصححه ابن خزيمة.
قلت:
ولفظ الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ
وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ
أَكْلٍ وَشُرْبٍ.
وروى الترمذي بسنده عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً)
وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا
لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ
فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو
عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أحكام عيد الأضحى المبارك وآدابه
لعيد الأضحى المبارك سنن وآداب أوجزها بما يلي:
1) التكبير في أيام العيد (يوم العيد: وهو العاشر من ذي الحجة، وأيام النحر: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشؤ من ذي الحجة).
لما في
صحيح البخاري عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ
يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ
الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ
وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَطُهْرَتَهُ.
ويستمر التكبير أيضًا أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم العيد وهي (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة) .
ويستمر
من ليلة العيد إلى نهاية نهار ثالث أيام التشريق، وبيان ذلك أن يوم العيد
داخل ضمن أيام العشر من ذي الحجة لعموم (العمل الصالح) المذكور في الحديث
السابق في فضل أيام العشر، ولما جاء في الرواية الأخرى التي سبق ذكرها
أيضاً: " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير "، ويتأكد في ليلة العيد إلى
آخر أيام التشريق، وأما الحاج فيبدأ من صبيحة يوم عرفة، قال الحافظ في
الفتح: ج3 ص 828:
"وأصح
ما ورد فيه - أي التكبير - عن الصحابة قول علي وابن مسعود إنه من صبح يوم
عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه ابن المنذر وغيره ولله أعلم".
وأما صيغة التكبير الثابتة
عن الصحابة فيما وقفت عليه فهي: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا "
و" الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
".
قال
الحافظ في الفتح: ج3 ص 828: "وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه
عبدالرزاق بسند صحيح عن سلمان قال:" كبروا الله الله أكبر الله أكبر الله
أكبر كبيرا "،ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه
جعفر الفريابي في " كتاب العيدين " من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول
الشافعي و زاد " ولله الحمد " وقيل يكبر ثلاثا ويزيد " لا إله إلا الله
وحده لا شريك له إلخ "، وقيل يكبر ثنتين بعدهما " لا إله إلا الله، والله
أكبر الله أكبر، ولله الحمد " جاء ذلك عن عمر وعن ابن مسعود نحوه، وبه قال
أحمد وإسحاق، وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها )) انتهى
كلامه رحمه الله.
قلت:
وبهذا يظهر أن ما عدا ذلك من صيغ التكبير والزيادات التي نسمعها في عدد من
المساجد والإذاعات هذه الأيام، مما لا يعلم صحته عن أحد من الصحابة رضي
الله عنهم، والله أعلم.
2) صلاة العيد.
أظهر الأقوال: أنها واجبة على الأعيان كالجمعة. وهو قول أبي حنيفة، ولكنه لا يسميها فرضاً.
وقال الشافعي - كما في " مختصر المزني " - : "من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين". وهذا صريح في أنها واجبة على الأعيان.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول أبي حنيفة ومن وافقه لقوته فقال: وأيضا فسجود القرآن هو من شعائر الإسلام الظاهرة
... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبى حنيفة وغيره
وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد. وقول من قال لا تجب في
غاية البعد فإنها من أعظم شعائر الإسلام والناس يجتمعون لها أعظم من
الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. وقول من قال هي فرض على الكفاية لا ينضبط
فانه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلا لم يحصل المقصود وانما يحصل
بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة.
وقال
الشوكاني: واعلم أن النبي لازم هذه الصلاة في العيدين ولم يتركها في عيد
من الأعياد وأمر الناس بالخروج إليها حتى أمر بخروج النساء العواتق وذوات
الخدور والحيض وأمر الحيض أن يعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين
حتى أمر من لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتها من جلبابها وهذا كله يدل على أن
هذه الصلاة واجبة وجوبا مؤكدا على الأعيان لا على الكفاية.
3) الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر
لما
رواه البخاري في الصحيح رقم 986 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
وقال
ابن القيم رحمه الله: وكان رحمه الله يخالف الطريق يوم العيد فيذهب في طريق
ويرجع في آخر، فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان،
وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر
الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام
شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى
خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل: وهو الأصح
إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.
4) اصطحاب النساء والأطفال والصبيان دون استثناء حتى الحيض و العواتق وذوات الخدور
لما ثبت
في صحيح البخاري 980 عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ كُنَّا
نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ
امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ
زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي
سِتِّ غَزَوَاتٍ فَقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي
الْكَلْمَى فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا
لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا
صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ
الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ
أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ
بِأَبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي قَالَ لِيَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ
أَوْ قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ شَكَّ أَيُّوبُ
وَالْحُيَّضُ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى وَلْيَشْهَدْنَ
الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا الْحُيَّضُ
قَالَتْ نَعَمْ أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا
وَتَشْهَدُ كَذَا.
5) الاغتسال لصلاة العيد.
لم يثبت
فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن روى مالك في الموطأ عن ابن
عمر رضي الله عنه أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى .
وروى البيهقي عن عروة بن الزبير أنه قال: "السنة أن يغتسل يوم العيدين"، وعن سعيد بن المسيب قال: "السنة أن يغتسل يوم العيدين".
قال
الشافعي رحمه الله: كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه
أحسن وأعرف وأنظف وأن قد فعله قوم صالحون لا أنه حتم بأنه سنة رسول الله .
6) لبس أحسن الثياب والتطيب.
لما
رواه الإمامان البخاري ومسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ
أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا
فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ
وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ :"إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ"، فَلَبِثَ
عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ
بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ:"إِنَّمَا هَذِهِ
لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ"، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"
تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ".
وذكر
ابن القيم رحمه الله أنه ليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان
كذلك لم يكن بردا وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار
ما فيه من ذلك".
7) عدم الأكل قبل الصلاة و الأكل من الأضحية بعد العودة لمن كان مضحياً
إذ (( كان النبي لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي )) رواه الترمذي وغيره.
قال ابن
القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات
ويأكلهن وترا، وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل
من أضحيته.
8) وقت صلاة العيد.
اختلف العلماء في أول وقت صلاة العيد:
فقال أبو حنيفة وأحمد، وهو وجه للشافعية: أول وقتها إذا ارتفعت الشمس، وزال وقت النهي.
وقال
مالك، وهو وجه للشافعية: أول وقتها إذا طلعت الشمس، وإن لم يزل وقت النهي.
وعمل السلف يدل على الأول؛ فإنه قد روي عن ابن عمر ورافع بن خديج وجماعة من
التابعين أنهم كانوا لا يخرجون إلى العيد حتَّى تطلع الشمس، وكان بعضهم
يصلي الضحى في المسجد قبل أن يخرج إلى العيد، وهذا يدل على أن صلاتها إنما
كانت تفعل بعد زوال وقت النهي.
9)صلاة العيد في المصلى هي السنة.
وهذا
الذي جرى عليه عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد أنه كان
يؤديها في المصلى دون المسجد، فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: "كان رسول
اللَّهِ e يَخْرُجُ يوم الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلى الْمُصَلَّى ..."
الحديث .
قال ابن
القيم رحمه الله: "كان يصلي العيدين في المصلى وهو المصلى الذي على باب
المدينة الشرقي وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده
إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث، وهو في
سنن أبي داود وابن ماجة وهديه كان فعلهما في المصلى دائما " .
والصلاة في المسجد لسبب أو لآخر جائزة.
10) صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة.
عن
جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ مع رسول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ غير مَرَّةٍ ولا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ
ولا إِقَامَةٍ".
وعن
عَطَاءٌ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ
قالا: لم يَكُنْ يُؤَذَّنُ يوم الْفِطْرِ ولا يوم الْأَضْحَى ثُمَّ
سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِينٍ عن ذلك فَأَخْبَرَنِي قال أخبرني جَابِرُ بن عبد
اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يوم الْفِطْرِ حين
يَخْرُجُ الْإِمَامُ ولا بَعْدَ ما يَخْرُجُ ولا إِقَامَةَ ولا نِدَاءَ ولا
شَيْءَ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ ولا إِقَامَةَ.
11) الصلاة قبل الخطبة.
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّهِ e وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قبل الْخُطْبَةِ".
وعن أبي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال كان رسول اللَّهِ e يَخْرُجُ يوم الْفِطْرِ
وَالْأَضْحَى إلى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ
ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ الناس وَالنَّاسُ جُلُوسٌ على
صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كان يُرِيدُ
أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أو يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ
يَنْصَرِفُ. قال أبو سَعِيدٍ: فلم يَزَلْ الناس على ذلك حتى خَرَجْتُ مع
مَرْوَانَ وهو أَمِيرُ الْمَدِينَةِ في أَضْحًى أو فِطْرٍ فلما أَتَيْنَا
الْمُصَلَّى إذا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بن الصَّلْتِ فإذا مَرْوَانُ
يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قبل أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ
فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قبل الصَّلَاةِ فقلت له: غَيَّرْتُمْ
والله. فقال: أَبَا سَعِيدٍ قد ذَهَبَ ما تَعْلَمُ. فقلت: ما أَعْلَمُ
والله خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ. فقال: إِنَّ الناس لم يَكُونُوا
يَجْلِسُونَ لنا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قبل الصَّلَاةِ.
وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أنَّ النبي e خَرَجَ يوم الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخُطْبَةِ
فدلت
هذه الأحاديث على أن المشروع تقديم صلاة العيد على الخطبة، وهو الذي كان
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده.
ومن شاء انصرف قبل الخطبة من المأمومين، وحضورها سنة.
12) ليس للعيد سنة قبلية ولا بعدية
لما
رواه البخاري برقم 989 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَمَعَهُ
بِلَالٌ وإنما إذا صليت في المسجد صلى المرء تحية المسجد.
13) صلاة العيد ركعتان
يكبر في
الأولى سبع تكبيرات قبل الفاتحة عدا تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس
تكبيرات عدا تكبيرة الإحرام وتوضع السترة للإمام في المصلى.
14) الاستماع إلى الخطبة التي بعد صلاة العيد
وهي سنة ثابتة ومن شاء انصرف بعد الصلاة.
15) موعظة الإمام للنساء يوم العيد
لما في
البخاري وغيره حديث 961 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه
أِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَبَدَأَ
بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ
فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ
ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً ".
16) التهنئة بالعيد:
ليس
هناك شيء من السنة يثبت عن رسول الله في ذلك،وإنما جاء عن جبير بن نفير قال
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى يوم العيد يقول بعضهم
لبعض: تقبل منا ومنك.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: إسناده حسن.
17) الأخد من الشعور المطلوب - دون المحرم منها - إزالتها وقص الأظفار بعد الأضحية
يشرع
لمن شاء لأن من أراد الأضحية كان عليه أن يمسك عن ذلك لما جاء في صحيح مسلم
برقم 1977 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم هلال ذي الحجة و
أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره و أظفاره".
18) الضرب بالدف للنساء:
لما في
الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه و
سلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو
بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه و سلم فأقبل
عليه رسول الله عليه السلام فقال: ( دعهما ). فلما غفل غمزتهما فخرجتا،
وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه و
سلم وإما قال ( تشتهين تنظرين ). فقلت نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو
يقول ( دونكم يا بني أرفدة ). حتى إذا مللت قال ( حسبك ). قلت نعم قال (
فاذهبي ).
أقول:
وهذا الحديث العظيم من سماحة الإسلام وقد رَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ " لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي
دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي بُعِثْت بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ "وانظر السلسلة
الصحيحة 1829.
19) الأضحية ولها أحكامها.
بدع العيد معاصيه
حري بك
أخي المسلم أن تعلم محدثات أيام العيد لتجتنبها لأن كل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار،كما صح ذلك عن الصادق المصدوق صلى الله عليه
وسلم، وسأجمل لك طائفة مما وقفت على بدعيته في ذلك.
1)
النداء له بالصلاة جامعة ونحو ذلك إذ لم يكن لها أذان ولا إقامة ولا نداء ب
الصلاة جامعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد.
2) الزيادة في التكبير على الصيغ الواردة عن الصحابة كما سبق.
3)
التكبير بالعيد بالمسجد أو المصلى بالصيغ الجماعية على شكل فريقين يكبر
الفريق الأول ويجيب الفريق الآخر وهذه طريقة محدثة والمطلوب أن يكبر كل
واحد بانفراد ولو حصل اتفاق فلا ضير، وأما على الطريق المتبعة في بعض
البلاد فيكبر فريق والآخر يستمع حتى يأتي دوره فهو محدث.
4)
زيارة القبور يوم العيد وتقديم الحلوى و الورود والأكاليل و نحوها على
المقابر كل ذلك من البدع وبعضها من تقاليد غير المسلمين، وفي التشبه بهم
محذورات كثيرة.
وأما
زيارة القبور فهي مستحبة بدون تخصيص موعد محدد لها، إذ حث الشرع عليها كما
في الحديث الشريف عند ابن ماجة برقم 1569عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".
5)
تبادل بطاقات التهاني المسماة ( بطاقة المعايدة ) أو كروت المعايدة فهذا من
تقاليد النصارى وعاداتهم، ولقد كنت سمعت شيخنا العلامة الألباني تغمده
بالرحمة نبه على ذلك.
6)
القيام ليلتي العيد لأن لم يثبت في ذلك حديث، وأما حديث: "مَنْ قَامَ
لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ
تَمُوتُ الْقُلُوبُ "فرواه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده إبراهيم بن محمد
بن أبي يحيى الأسلمي قال فيه الإمامان النسائي والدارقطني متروك.
ومن معاصي العيد:
1) صيام يوم العيد وأيام التشريق التي عقبه إلا أنه في أيام التشريق رخص للمتمتع إن لم يجد الهدي أن يصومها.
لما في
صحيح البخاري 1859عن عائشة و ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم
قَالَا:"لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا
لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ"،وهي كما روى مسلم في صحيحه 2733عَنْ
نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم
قال « أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ».
2)
تزين بعض الرجال بحلق اللحى يم العيد إذ الواجب إعفاؤها في كل وقت وحلقها
حرام لما دلت عليه النصوص الشرعية، وبالتحريم يقول الأئمة الأربعة رحمهم
الله.
3)
المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات ( غير المحارم ) إذ هذا من المحرمات
والكبائر، وقد صح في الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير للطبراني
عَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ
حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ".
4) ومن
الإسراف المحرم بذل الأموال الطائلة في المفرقعات والألعاب النارية دون
جدوى، وحري أن تصرف هذه المبالغ على الفقراء والمساكين والمحتاجين وما
أكثرهم وما أحوجهم !.
5)
انتشار ظاهرة اللعب بالميسر والمقامرة في بعض الدول يوم العيد وخاصة عند
الصغار وهذا من الكبائر العظيمة فعلى الآباء مراقبة أبنائهم وتحذيرهم من
ذلك.
6)
الغناء الماجن والفاحش، استعمال الموسيقى. وأما الغناء ذو المعاني الجميلة
الطيبة فجائز للنساء بالدف لما سبق عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا
قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ
إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ".