هل يمكن أن يحدث زواج بين الإنس والجن ؟
الجواب
الكلام فى هذا الموضوع فى مقامين ، الأول إمكان حدوثه والثانى مشروعيته . وقد فصل هذين المقامين المحدث الشبلى الحنفى المتوفى سنة 769 هـ فى كتابه " آكام المرجان " كما تحدث عن ذلك الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " .
أولا - إمكان التزاوج بين الإنس والجن ، قد أثبته الجمهور مستدلين بقوله تعالى لإبليس { وشاركهم فى الأموال والأولاد} الإسراء : 64 ، ويوضح هذه المشاركة ما ذكره ابن جرير فى " تهذيب الآثار " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى إحليله فيجامع معه " .
ويقول الشبلى : إن المنكرين لإمكان المناكحة اعترضوا بأن الجن خلقوا من نار ، والإنس من العناصر الأربعة . وهذا يمنع وجود النطفة الإنسانية فى رحم الجنية - ثم يرد عليهم بأن الجن وإن كانوا خلقوا من نار إلا أنهم لم يبقوا على عنصريتهم النارية ، بل استحالوا عنها بالأكل والشرب والتوالد ، كما استحال بنو آدم من عنصرهم الترابى بذلك .
ويقول أيضا : إن الذى خلق من نار هو أبو الجن ، كما خلق آدم أبو الإنس من تراب وأما ذرية كل منهما فليست مخلوقة مما خلق منه أبوهما ، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأنه وجد برد لسان الشيطان الذى عرض له فى صلاته على يده لما خنقه . وفى رواية قال النبى صلى الله عليه وسلم " فما زلت أخنقه حتى برد لعابه " فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه انتقل عن العنصر النارى .
ثم يقول الشبلى أيضا فى رده على المنكرين : لو سلمنا عدم إمكان العلوق -أى وجود نطفة الإنس فى رحم الجنية - فلا يلزم منه عدم إمكان الوطء فى نفس الأمر، كذلك لا يلزم من عدم إمكان العلوق عدم جواز النكاح شرعا ، لان الصغيرة والآيسة والعقيم اللاتى لا يمكن العلوق معهن يجوز نكاحهن شرعا .
هذه هى أدلته النظرية ، ويورد أدلة واقعية فينقل أخبارا عمن يثق بهم ، أن هذه المناكحات حدثت بالفعل .
ثانيا - أما مشروعية النكاح بين الجنسين فيذكر الشبلى عنها أن للعلماء فى ذلك رأيين :
الأول : المنع ، ونص عليه جماعة من أئمة الحنابلة . وينقل عن الفتاوى السراجية النهى عنه ، واستدلوا بقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} النحل : 72 ، وقوله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21 ، موجهين استدلالهم باختلاف الجنسين ، وتفسير المودة بالجماع ، والرحمة بالولد . كما يستدلون بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عنه .
والرأى الثانى الجواز، ونقل عن الحسن البصرى وقتادة وغيرهما .
وشهد الأعمش نكاحا للجن بجهة " كوثى " كما ذكره أبو بكر الخرائطى، وسيأتى ما نسب إلى مالك فى ذلك . وحجة هؤلاء فى عدم المنع أن الأصل فى التكليف أنه يعم الفريقين الإنس والجن ، وليس هناك ما يخصص هذا التعميم بالنسبة للمناكحة بينهما كما قالوا : إن فى أدلة المانعين نظرا ، لأن الآيتين المذكورتين لا تنصان على التحريم . فاختلاف الجنس لا نص على منعه من النكاح ، والمودة والرحمة لا يتعين تفسيرهما بالجماع والولد . وحديث النهى عنه مردود بأنه مرسل ومن طريق ابن لهيعة، وهو مطعون فيه ، وإن صح فيجوز حمله على الكراهه لا التحريم .
وأصحاب الرأى القائل بالجواز يكرهون هذا النكاح ، لأنه لا يحدث به تمام المودة والرحمة ، لاختلاف الجنس ، ولعدم الاطمئنان على حل المشكلات التى تحدث بين الزوجين ، من لعان وإيلاء وطلاق وتحصيل نفقة، وما إلى ذلك من الأمور التى ذكرها الفقهاء فى هذا الصدد .
كما أن الإمام مالكا أورد وجهة نظر فى الكراهة لها قيمتها ، فقد قيل له : إن ها هنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ، فقال : ما أرى بذلك بأسا فى الدين ، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد فى الإسلام بذلك ، يريد أن الزانية قد تبرر حملها بزواجها من جنى وقد أورد ذلك أبو عثمان سعيد بن العباس الرازى فى كتاب " الإلهام والوسوسة" فى باب نكاح الجن .
وهذا فى تزوج الجنى من الإنسية ، أما العكس فظاهر كلامه عدم الكراهة انتهى .
بعد هذا أرى أن الأصل فى نكاح الجن هو الحل ، لعدم ورود ما يمنعه ، ولكنه مكروه طبعا . . وفى الإنس متسع لمن يريد المودة والرحمة واستقرار الحياة الزوجية وخدمة المجتمع البشرى " انظر الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق