بقلم : د. محمد داود
المجتمع المسلم يتعرض لحرب جديدة .. أخطر من كل
الحروب العسكرية ، إنها حرب الأفكار والثقافات ، وما يصاحبها من حروب نفسية من نشر
الشائعات الكاذبة المغرضة ، ومحاولة تشويه الرموز الفكرية والعلمية ، وهدم الأسوة
والقدوة بتشويه القادة ، وكل ذلك يهدف إلى تحويل المجتمع المسلم إلى نسيج مهلهل
... مستسلم ، وإن كانت الحروب العسكرية التي يقوم بها الغرب ضد العرب والمسلمين
تدفع المجتمعات إلى الفقر وتدميرها ، ويكون الفقر مقدمة تمهد لفرض السياسات
والأفكار بعد ذلك ...
إن الحروب الفكرية الممنهجة هي الية تدمير
الإنسان معنويا وصناعة الهزائم النفسية .
- ليس عبثا ولا سدى أن يدعم انتشار
الأفلام الجنسية والمخدرات في بلاد المسلمين .. ففي اخر الإحصائيات في 2013م
تم رصد أكثر من 2 مليون موقع لتداول المسائل الجنسية وإشاعتها ، وعشرات
القنوات ومئات المواقع التي تشكك في القران ونبي القران وسنته .. وفي كل ماهو إسلامي .. إنهم يخترقون القلب بالشهوات والعقل بالشبهات .
- ليس عبثا إعلان وزير الخارجية
الأمريكي عن مشروعهم " الفوضى الخلاقة " .. عفوا " الفوضى
الهدامة " .. واستخدموا كل أنواع الحروب لتحقيقها ، ثم أرسلوا موجة
عاتية من الحروب الفكرية .. منها موجة الإلحاد .. يقابل كل هذه الحروب
والهجمات الخارجية واقع داخلي مرير مليء بالسلبيات التي ساعدت على ظهور
الإلحاد ، ومن أهم هذه السلبيات :
1- الطرح المشوه للدين ..
بين الإفراط والغلو والتشدد . والتفريط والتساهل ، وتحول المرجعية في الدين إلى
الشهرة بدلا من التخصص والكفاءة .. وأسهم الإعلام في ذلك من خلال تقديم من لايحق
له أن يتصدر العلم والفتوى ، وظهر في بعض القنوات الخاصة الاعتبار التجاري الذي يهدف
إلى الربح على حساب الرسالة الإعلامية .. وظهر اتجاه قوي في هذه القنوات ... ادفع
وتكلم " ادفع وقووووول" . وحدث خلط بين القيمة والشهرة .
2- الانفصام في المجتمع
بين الشعارات الدينية البراقة .. والواقع المؤلم الذي نعيشه جميعا ألما ومعاناة ..
فالمجتمعات العربية على قمة قوائم الفساد في العالم .. وأصبح الفساد قانونيا
" يعني يتم باساءة استخدام القانون لصالح الفساد " .. حتى صار في كثير
من مؤسسات المجتمع ..اتجاه " ادفع وخالف " .
3- افتقاد الأسوة الحسنة
والقدوة الطيبة في كثير من الكبار "بالمعنى الاجتماعي " والوجهاء والمسئولين
والعلماء وطغت النرجيسية والأنانية والطمع ، ونسي هؤلاء رسالتهم ومسئوليتهم ..
بعيدا عن جلال الإيمان وربانية المؤمن .
4- السقوط العلمي
للمجتمعات الإسلامية والعربية أمام الحضارة الغربية ، فليس للمسلمين حضور على
الخريطة العلمية العالمية . ولا إسهام في صنع الحضارة وإنما هم في موقع الاستهلاك الحضاري .. ومن هنا
شاعت أكذوبة " أن الإسلام ضد العلم " و " أن الإسلام سبب التأخر
" .. إلخ ، وترتب على ذلك سحب الصراع الذي كان بين الكنيسة والعلم في القرن
السابع عشر في أوربا على الإسلام وفي إطار
هذه الفتن والثقافات المضادة الوافدة .. اتسعت مساحة الأسئلة وتجاوزت السؤال :
ماذا أفعل ؟ لتصل إلى السؤال : لماذا أفعل ؟ !!! وما كان من المسلمات في الماضي
" المقدسات وأمور الغيب " أصبح الان موضع نقاش .. ويستلزم هذا أن يتسع
الصدر لكل الاسئلة .. وأن نبين بالعلم والعقل الإجابات المقنعة لهذه الأسئلة
الجديدة .
5 - ولا يخفى
على وعي عاقل بصير بأن التقنية الحديثة يستخدمها الاخر في إتقان صناعة الزيف في
حياتنا ، وتسهم عمليات التزوير اللغوي في ذلك .. فالتحرش الجنسي تحرر جنسي وحرية
شخصية !!! ، والأجساد العارية جمال إنساني !!! ، والجرأة على تأويل نصوص القران
بغير علم تحت عنوان : الفكر حرية !!! ، وبحجة مواجهة التشدد والتطرف يُباح الإنحلال
والتسيب !!! ، ونحن الشرق الأوسط ولسنا الشرق العربي أو الإسلامي !!! إلخ .
وعندي في
هذا الصدد رؤية في مواجهة الإلحاد .. تتمثل في عدد من النقاط التالية :
* إدخال مناهج التفكير العلمي في المدارس
والجامعات ، مع بيان موقف الاسلام من العقل والعلم ، وكيف أن الايمان في الاسلام
يقوم على العلم ، والعقل هو أساس التكليف
في الاسلام ، وهو المخاطب بايات القران ، وأن العلم في الاسلام ضرورة حضارية .
* تحويل لغة الدعوة من الخطاب النقلي التلقيني
إلى الخطاب العلمي الذي يقنع ويؤسس لإيمان راسخ على علم .
* بيان منهج القران في الرد العلمي على
الافتراءات والشبهات ، واتساع الصدر والفكر لاستيعاب الاسئلة الجديدة عن الإله
وعن المقدسات التي كانت من المسلمات قبل ذلك دون نقاش .
* إحياء المنهج العلمي في الحوار .. وعدم التعجل
في تكفير الاخر ووصفه بالأوصاف السلبية ، وإنما يكون الحوار في بيان الحقائق ..
بالأدلة العقلية والعلمية ، فالإسلام لا يخشى النقد .. والأزمة تتولد حين يكون
حامل لواء الباطل أذكى من حامل لواء الحق .
* ملء الفراغ لدى الشباب حتى نخرجهم من حالة
الاغتراب السياسي والاجتماعي والعلمي الذي هم فيه !
* إنقاذ التعليم من الحالة الكارثية التي وصل
إليها التعليم في مصر .. لأنه معلوم لدى العلماء .. والخبراء .. أن التعليم هو
البداية الصحيحة ... والأساس لكل إصلاح ، وحين يكون التعليم بخير ... يكون الوطن
بخير ... وحين يتخلف التعليم يكون الوطن كله في أزمة ...!!!
فالتعليم هو سفينة الإنقاذ .
- وحين يعود الأزهر إلى دوره ..
ويكون التناغم وليس التضاد أو الصراع بين المؤسسات الثقافية وبين المؤسسات
التعليمية وبين المؤسسات الدينية سوف يكون الإنقاذ الحقيقي ..
- وينبغي أن ندرك دورنا في إطار
الثقافات المعاصرة وفي الزمن الذي نعيشه .. والفائز حقا والمنتصر حقا من يدرك
دوره ... والله المستعان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق