الجمعة، 29 يوليو 2011

الفكر العلماني

الفكر العلماني


سعيد بن ناصر الغامدي

السؤال

من هم العلمانيون؟ وماذا يريدون؟ وما هي صفاتهم؟ وما هو السبيل إلى معرفتهم والرد على أفكارهم؟ أرجو من فضيلتكم التوضيح والتفصيل.

الجواب

العلمانيون هم: كل من ينسب أو ينتسب للمذهب العلماني، وينتمي إلى العلمانية فكراً أو ممارسة.

وأصل العلمانية ترجمة للكلمة الإنجليزية (secularism) وهي من العلم فتكون بكسر العين، أو من العالَم فتكون بفتح العين وهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة، لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي (لا دينية أولا غيبية أو الدنيوية أولا مقدس).

نشأت العلمانية في الغرب نشأة طبيعية نتيجة لظروف ومعطيات تاريخية –دينية واجتماعية وسياسية وعلمانية واقتصادية- خلال قرون من التدريج والنمو، والتجريب، حتى وصلت لصورتها التي هي عليها اليوم..
ثم وفدت العلمانية إلى الشرق في ظلال الحرب العسكرية، وعبر فوهات مدافع البوارج البحرية، ولئن كانت العلمانية في الغرب نتائج ظروف ومعطيات محلية متدرجة عبر أزمنة متطاولة، فقد ظهرت في الشرق وافداً أجنبياً في الرؤى والإيديولوجيات والبرامج، يطبق تحت تهديد السلاح وبالقسر والإكراه؛ لأن الظروف التي نشأت فيها العلمانية وتكامل مفهومها عبر السنين تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف البلدان التي جلبت إليها جاهزة متكاملة في الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والحضارية، فالشرط الحضاري الاجتماعي التاريخي الذي أدى إلى نجاح العلمانية في الغرب مفقود في البلاد الإسلامية، بل فيها النقيض الكامل للعلمانية، ولذلك كانت النتائج مختلفة تماماً، وحين نشأت الدولة العربية الحديثة كانت عالة على الغربيين الذين كانوا حاضرين خلال الهيمنة الغربية في المنطقة، ومن خلال المستشارين الغربيين أو من درسوا في الغرب واعتنقوا العلمانية، فكانت العلمانية في أحسن الأحوال أحد المكونات الرئيسية للإدارة في مرحلة تأسيسها، وهكذا بذرت بذور العلمانية على المستوى الرسمي قبل جلاء جيوش الاستعمار عن البلاد الإسلامية التي ابتليت بها.
ومن خلال البعثات التي ذهب من الشرق إلى الغرب عاد الكثير منها بالعلمانية لا بالعلم، ذهبوا لدراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات فعادوا بالأدب واللغات والاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية والنفسية، بل وبدراسة الأديان وبالذات الدين الإسلامي في الجامعات الغربية، ولك أن تتصور حال شاب مراهق ذهب يحمل الشهادة الثانوية ويلقى به بين أساطين الفكر العلماني الغربي على اختلاف مدارسه، بعد أن يكون قد سقط أو أسقط في حمأة الإباحية والتحلل الأخلاقي وما أوجد كل ذلك لديه من صدمة نفسية واضطراب فكري، ليعود بعد عقد من السنين بأعلى الألقاب الأكاديمية، وفي أهم المراكز العلمانية بل والقيادية في وسط أمة أصبح ينظر إليها بازدراء، وإلى تاريخها بريبة واحتقار، وإلى قيمها ومعتقداتها وأخلاقها –في أحسن الأحوال- بشفقة ورثاء، إنه لن يكون بالضرورة إلا وكيلاً تجارياً لمن علموه وثقفوه ومدّنوه، وهو لا يملك غير ذلك.
ثم أصبحت الحواضر العربية الكبرى مثل: (القاهرة-بغداد-دمشق) بعد ذلك من مراكز التصدير العلماني للبلاد العربية الأخرى، من خلال جامعاتها وتنظيماتها وأحزابها، وبالذات دول الجزيرة العربية، وقل من يسلم من تلك اللوثات الفكرية العلمانية، حتى أصبح في داخل الأمة طابور خامس، وجهته غير وجهتها، وقبلته غير قبلتها، إنهم لأكبر مشكلة تواجة الأمة لفترة من الزمن ليست بالقليلة.
ثم كان للبعثات التبشيرية دورها، فالمنظمات التبشيرية النصرانية التي جابت العالم الإسلامي شرقاً وغرباً من شتى الفرق والمذاهب النصرانية، جعلت هدفها الأول زعزعة ثقة المسلمين في دينهم، وإخراجهم منه، وتشكيكهم فيه.
ثم كان للمدارس والجامعات الأجنبية المقامة في البلاد الإسلامية دورها في نشر وترسيخ العلمانية.

ثم كان الدور الأكبر للجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية التي انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، ما بين يسارية وليبرالية، وقومية وأممية، سياسية واجتماعية وثقافية وأدبية بجميع الألوان والأطياف، وفي جميع البلدان حيث إن النخب الثقافية في غالب الأحيان كانوا إما من خريجي الجامعات الغربية أو الجامعات السائرة على النهج ذاته في الشرق، وبعد أن تكاثروا في المجتمع عمدوا إلى إنشاء الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الليبرالية، وجميعها تتفق في الطرح العلماني، وكذلك أقاموا الجمعيات الأدبية والمنظمات الإقليمية أو المهنية، وقد تختلف هذه التجمعات في أي شيء إلا في تبني العلمانية، والسعي لعلمنة الأمة كل من زاوية اهتمامه، والجانب الذي يعمل من خلاله.

ولا يمكن إغفال دور البعثات الدبلوماسية: سواء كانت بعثات للدول الغربية في الشرق، أو للدول الشرقية في الغرب، فقد أصبحت في الأعم الأغلب جسوراً تمر خلالها علمانية الغرب الأقوى إلى الشرق الأضعف، ومن خلال المنح الدراسية وحلقات البحث العلمي والتواصل الاجتماعي والمناسبات والحفلات ومن خلال الضغوط الدبلوماسية والابتزاز الاقتصادي، وليس بسر أن بعض الدول الكبرى أكثر أهمية وسلطة من القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء في تلك الدول الضعيفة التابعة.

ولا يخفى على كل لبيب دور وسائل الإعلام المختلفة، مسموعة أو مرئية أو مقروءة، لأن هذه الوسائل كانت من الناحية الشكلية من منتجات الحضارة الغربية –صحافة أو إذاعة أو تلفزة- فاستقبلها الشرق واستقبل معها فلسفتها ومضمون رسالتها، وكان الرواد في تسويق هذه الرسائل وتشغيلها والاستفادة منها إما من النصارى أو من العلمانيين من أبناء المسلمين، فكان لها الدول الأكبر في الوصول لجميع طبقات الأمة، ونشر مبادئ وأفكار وقيم العلمانية، وبالذات من خلال الفن، وفي الجانب الاجتماعي بصورة أكبر.

ثم كان هناك التأليف والنشر في فنون شتى من العلوم وبالأخص في الفكر والأدب والذي استعمل أداة لنشر الفكر والممارسة العلمانية.

فقد جاءت العلمانية وافدة في كثير من الأحيان تحت شعارات المدارس الأدبية المختلفة، متدثرة بدعوى رداء التجديد والحداثة، معلنة الإقصاء والإلغاء والنبذ والإبعاد لكل قديم في الشكل والمضمون، وفي الأسلوب والمحتوى، ومثل ذلك في الدراسات الفكرية في علوم الاجتماع والنفس والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث قدمت لنا نتائج كبار ملاحدة الغرب وعلمانييه على أنه الحق المطلق، بل العلم الأوحد ولا علم سواه في هذه الفنون، وتجاوز الأمر التأليف والنشر إلى الكثير من الكليات والجامعات والأقسام العلمية التي تنتسب لأمتنا اسماً، ولغيرها حقيقة.
ولا يستطيع أحد جحد دور الشركات الغربية الكبرى التي وفدت لبلاد المسلمين مستثمرة في الجانب الاقتصادي.

هكذا سرت العلمانية في كيان الأمة، ووصلت إلى جميع طبقاتها قبل أن يصلها الدواء والغذاء والتعليم في كثير من الأحيان، ولو كانت الأمة حين تلقت هذا المنهج العصري تعيش في مرحلة قوة وشموخ وأصالة لوظفت هذه الوسائل توظيفاً آخر يتفق مع رسالتها وقيمها وحضارتها وتاريخها وأصالتها.

بعض ملامح العلمانية:

لقد أصبح حَملة العلمانية الوافدة في بلاد الشرق بعد مائة عام من وفودهم تياراً واسعاً نافذاً متغلباً في الميادين المختلفة، فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية، وكان يتقاسم هذا التيار الواسع في الجملة اتجاهان:

أ: الاتجاه اليساري الراديكالي الثوري، ويمثله –في الجملة- أحزاب وحركات وثورات ابتليت بها المنطقة ردحاً من الزمن، فشتت شمل الأمة ومزقت صفوفها, وجرت عليها الهزائم والدمار والفقر وكل بلاء، وكانت وجهة هؤلاء الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، سواء كانوا شيوعين أمميين، أو قوميين عنصريين.

ب: الاتحاد الليبرالي ذي الوجهة الغربية لأمريكا ومن دار في فلكها من دول الغرب، وهؤلاء يمثلهم أحزاب وشخصيات قد جنوا على الأمة بالإباحية والتحليل والتفسخ والسقوط الأخلاقي والعداء لدين الأمة وتاريخها.

وللاتجاهين ملامح متميزة أهمها:

1- مواجهة التراث الإسلامي، إما برفضه بالكلية واعتباره من مخلفات عصور الظلام والانحطاط والتخلف –كما عند غلاة العلمانية-، أو بإعادة قراءته قراءة عصرية –كما يزعمون- لتوظيفه توظيفاً علمانياً من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية، ولغة عربية، وأعراف اجتماعية، ولم ينج من غاراتهم تلك حتى القرآن والسنة، إما بدعوى بشرية الوحي، أو بدعوى أنه نزل لجيل خاص أو لأمة خاصة، أو بدعوى أنه مبادئ أخلاقية عامة، أو مواعظ روحية لا شأن لها بتنظيم الحياة، ولا ببيان العلم وحقائقه، ولعل من الأمثلة الصارخة للرافضين للتراث، والمتجاوزين له (أدونيس)و (محمود درويش)و (البياتي)و (جابر عصفور).
أما الذي يسعون لإعادة قراءته وتأويله وتوظيفه فمن أشهرهم: (حسن حنفي)و (محمد أركون) و (محمد عابد الجابري)و (حسين أمين)، ومن على شاكلتهم، ولم ينج من أذاهم شيء من هذا التراث في جميع جوانبه.

2- اتهام التاريخ الإسلامي بأنه تاريخ دموي استعماري عنصري غير حضاري، وتفسيره تفسيراً مادياً، بإسقاط نظريات تفسير التاريخ الغربية العلمانية على أحداثه، وقراءته قراءة انتقائية غير نزيهة ولا موضوعية، لتدعيم الرؤى والأفكار السوداء المسبقة حيال هذا التاريخ، وتجاهل ما فيه من صفحات مضيئة مشرقة، والخلط المتعمد بين الممارسة البشرية والنهج الإسلامي الرباني، ومحاولة إبراز الحركات الباطنية والأحداث الشاذة النشاز وتضخيمها، والإشادة بها، والثناء عليها، على اعتبار أنها حركات التحرر والتقدم والمساواة والثورة على الظلم، مثل: (ثورة الزنج) و (ثورة القرامطة) ومثل ذلك الحركات الفكرية الشاذة عن الإسلام الحق، وتكريس أنها من الإسلام بل هي الإسلام، مثل القول بوحدة الوجود، والاعتزال وما شابه ذلك من أمور تؤدي في نهاية الأمر إلى تشويه الصور المضيئة للتاريخ الإسلامي لدى ناشئة الأمة، وأجياله المتعاقبة.

3- السعي الدؤوب لإزالة أو زعزعة مصادر المعرفة والعلم الراسخة في وجدان المسلم، والمسيرة المؤطرة للفكر والفهم الإسلامي في تاريخه كله، من خلال استبعاد الوحي كمصدر للمعرفة والعلم، أو تهميشه –على الأقل- وجعله تابعاً لغيره من المصادر، كالعقل والحس، وما هذا إلا أثر من آثار الإنكار العلماني للغيب، والسخرية من الإيمان بالغيب، واعتبارها -في أحسن الأحوال- جزءاً من الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية، والترويج لما يسمى بالعقلانية والواقعية والإنسانية، وجعل ذلك هو البديل الموازي للإيمان في مفهومه الشرعي الأصيل، وكسر الحواجز النفسية بين الإيمان الكفر، ليعيش الجميع تحت مظلة العلمانية في عصر العولمة، وفي كتابات (محمد عابد الجابري)و (حسن حنفي)و (حسين مروة) و (العروي) وأمثالهم الأدلة على هذا الأمر.

4- خلخلة القيم الخلقية الراسخة في المجتمع الإسلامي، والمسيرة للعلاقات الاجتماعية القائمة على معاني الأخوة والإيثار والطهر والعفاف وحفظ العهود وطلب الأجر وأحاسيس الجسد الواحد، واستبدال ذلك بقيم الصراع والاستغلال والنفع وأحاسيس قانون الغاب والافتراس، والتحلل، والإباحية من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية، والأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية، مما هز المجتمع الشرقي من أساسه، ونشر فيه من الجرائم والصراع ما لم يعهده أو يعرفه في تاريخه، ولعل رواية (وليمة عشاء لأعشاب البحر) –السيئة الذكر- من أحدث الأمثلة على ذلك، والقائمة طويلة من إنتاج (محمد شكري) و (الطاهر بن جلون) و (الطاهر وطّار) و (تركي الحمد) وغيرهم الكثير تتزاحم لتؤدي دورها في هدم الأساس الخلقي الذي قام عليه المجتمع، واستبداله بأسس أخرى.

5- رفع مصطلح الحداثة كلافتة فلسفية اصطلاحية بديلة لشعار التوحيد، والحداثة كمصطلح فكري ذي دلالات محددة تقوم على مادية الحياة، وهدم القيم والثوابت، ونشر الانحلال والإباحية، وأنسنة الإله وتلويث المقدسات، وجعل ذلك إطاراً فكرياً للأعمال الأدبية، والدراسات الاجتماعية، مما أوقع الأمة في أسوأ صور التخريب الفكري الثقافي.

6- استبعاد مقولة الغزو الفكري من ميادين الفكر والثقافة، واستبدالها بمقولة حوار الثقافات، مع أن الواقع يؤكد أن الغزو الفكري حقيقة تاريخية قائمة لا يمكن إنكارها كإحدى مظاهر سنة التدافع التي فطر الله عليها الحياة، وأن ذلك لا يمنع الحوار، لكنها سياسة التخدير والخداع والتضليل التي يتبعها التيار العلماني، ليسهل تحت ستارها ترويج مبادئ الفكر العلماني، بعد أن تفقد الأمة مناعتها وينام حراس ثغوره، وتتسلل في أجزائها جراثيم وفيروسات الغزو العلماني القاتل.

7- وصم الإسلام بالأصولية والتطرف وممارسة الإرهاب الفكري، عبر غوغائية ديماجوجية إعلامية غير شريفة، ولا أخلاقية، لتخويف الناس من الالتزام بالإسلام، والاستماع لدعاته، وعلى الرغم من وقوع الأخطاء –وأحياناً الفظيعة- من بعض المنتمين أو المدعين إلى الإسلام، إلا أنها نقطة في بحر التطرف والإرهاب العلماني الذي يمارس على شعوب بأكملها، وعبر عقود من السنين، لكنه عدم المصداقية والكيل بمكيالين، والتعامي عن الأصولية والنصرانية، واليهودية، والموغلة في الظلامية والعنصرية والتخلف.

8- تمييع قضية الحل والحرمة في المعاملات والأخلاق، والفكر والسياسة، وإحلال مفهوم اللذة والمنفعة والربح المادي محلها، واستخدام هذه المفاهيم في تحليل المواقف والأحداث، ودراسة المشاريع والبرامج، أي فك الارتباط بين الدنيا والآخرة في وجدان وفكر وعقل الإنسان، ومن هنا ترى التخبط الواضح في كثير من جوانب الحياة الذي يعجب له من نور الله قلبه بالإيمان، ولكن أكثرهم لا يعلمون.

9- دق طبول العولمة واعتبارها القدر المحتوم الذي لا مفر منه ولا خلاص إلا به، دون التمييز بين المقبول والمرفوض على مقتضى المعايير الشرعية، بل إنهم ليصرخون بأن أي شيء في حياتنا يجب أن يكون محل التساؤل، دون التفريق بين الثوابت والمتغيرات، مما يؤدي إلى تحويل بلاد الشرق إلى سوق استهلاكية لمنتجات الحضارة الغربية، والتوسل لذلك بذرائعية نفعية محضة لا يسيّرها غير أهواء الدنيا وشهواتها.

10- الاستهزاء والسخرية والتشكيك في وجه أي محاولة لأسلمة بعض جوانب الحياة المختلفة المعاصرة في الاقتصاد والإعلام والقوانين، وإن مرروا هجومهم وحقدهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرياته، ونسوا أو تناسوا الشعوب التي تسحق وتدمر وتقتل وتغصب بعشرات الآلاف، دون أن نسمع صوتاً واحداً من هذه الأصوات النشاز يبكي لها ويدافع عنها، لا لشيء إلا أن الجهات التي تقوم بانتهاك تلك الحقوق، وتدمير تلك الشعوب أنظمة علمانية تدور في فلك المصالح الغربية.

11- الترويج للمظاهر الاجتماعية الغربية، وبخاصة في الفن والرياضة وشركات الطيران والأزياء والعطور والحفلات الرسمية، والاتكاء القوي على قضية المرأة، ولإن كانت هذه شكليات ومظاهر لكنها تعبر عن قيم خلقية، ومنطلقات عقائدية، وفلسفة خاصة للحياة، من هنا كان الاهتمام العلماني المبالغ فيه بموضة المرأة، والسعي لنزع حجابها، وإخراجها للحياة العامة، وتعطيل دورها الذي لا يمكن أن يقوم به غيرها، في تربية الأسرة ورعاية الأطفال، وهكذا العلمانيون يفلسفون الحياة. يعطل مئات الآلاف من الرجال عن العمل لتعمل المرأة، ويستقدم مئات الآلاف من العاملات في المنازل لتسد مكان المرأة في رعاية الأطفال، والقيام بشؤون المنزل، ولئن كانت بعض الأعمال النسائية يجب أن تناط بالمرأة، فما المبرر لمزاحمتها للرجل في كل موقع؟

12- الاهتمام الشديد والترويج الدائم للنظريات العلمانية الغربية في الاجتماع والأدب، وتقديم أصحابها في وسائل الإعلام، بل وفي الكليات والجامعات على أنهم رواد العلم، وأساطين الفكر وعظماء الأدب، وما أسماء: (دارون)و (فرويد), (دوركايم)و (أليوت وشتراوس وكانط) وغيرهم بخافية على المهتم بهذا الشأن، وحتى أن بعض هؤلاء قد تجاوزه علمانيو الغرب، ولكن صداه ما زال يتردد في عالم الأتباع في البلاد الإسلامية.

العلمانية "تعريفها -وتأسيسها-واتجاهاتها-ومعتقداتها-ولماذا يرفضها الاسلام"

 

التعريف:

العلمانية Secularism وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين. وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم SCIENCE وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.

ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.

تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة. وهذا واضح فيما يُنسب إلى السيد المسيح من قوله: "إعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله". أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: 162].


التأسيس وأبرز الشخصيات:

انتشرت هذه الدعوة في أوروبا وعمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي والتغلغل الشيوعي. وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها وأفكارها وقد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:

- تحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران.
- وقوف الكنيسة ضد العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيلها لمحاكم التفتيش واتهام العلماء بالهرطقة، مثل:

1- كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.

2- جرادانو: صنع التلسكوب فعُذب عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.

3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الموت مسلولاً.

4- جون لوك : طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.

- ظهور مبدأ العقل والطبيعة: فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله على الطبيعة.

- الثورة الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة من جهة وبين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب. وهناك من يرى أن الماسون استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.

- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين، سبينوزا يهودي يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجاً للحياة والسلوك وله رسالة في اللاهوت والسياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية ودعوته فيه دعوة علمانية صريحة.

- ميرابو الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.


- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل وشعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى الحرية والمساواة والإخاء وهو شعار ماسوني و"لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين وقد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم وبين أجهزة الدولة وإذابة الفوارق الدينية وتحولت الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.

- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها. وهذه النظرية أدت إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد وقد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث.

- ظهور نيتشة: وفلسفته التي تزعم بأن الإله قد مات وأن الإنسان الأعلى السوبر مان ينبغي أن يحل محله.

- دور كايم اليهودي: جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي.

- فرويد اليهودي: اعتمد الدافع الجنسي مفسراً لكل الظواهر والإنسان في نظره حيوان جنسي.

- كارل ماركس اليهودي: صاحب التفسير المادي للتاريخ الذي يؤمن بالتطور الحتمي وهو داعية الشيوعية ومؤسسها الأول الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.

- جان بول سارتر: في الوجودية وكولن ولسون في اللامنتمي يدعوان إلى الوجودية والإلحاد.

- الاتجاهات العلمانية في العالم العربي والإسلامي نذكر نماذج منها:

1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت. وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة. أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م. وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.

2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز وانتهت تماماً في أواسط القرن التاسع عشر.

3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.

4- تونس: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.

5- المغرب: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.

6- تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.

7- العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيهما.

8- معظم أفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار.

9- أندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.

10- انتشار الأحزاب العلمانية والنزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية، القومية العربية.

11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخراً، وغيرهم.

الأفكار والمعتقدات:

• بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً. وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان.

• الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب.

• إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية.

• فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.

• تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة.

• اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق.

• نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.

أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار والتبشير فهي:

- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.

- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.

- الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.

- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.

- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.

- تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح.

- إحياء الحضارات القديمة.

- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.

- تربية الأجيال تربية لا دينية.

• إذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً لأنه لا يعطل قانوناً فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله.

ومن ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائماً في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوشها من الرهبان والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت ولا أكليروس، وصدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


الجذور الفكرية والعقائدية:

• العداء المطلق للكنيسة أولاً، وللدين ثانياً أيًّا كان، سواء وقف إلى جانب العلم أم عاداه.

• لليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين أمم الأرض.

• يقول ألفرد هوايت هيو: "ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين" وهذا القول إن صح بين العلم واللاهوت في أوروبا فهو قول مردود ولا يصح بحال فيما يخص الإسلام حيث لا تعارض إطلاقاً بين الإسلام وبين حقائق العلم، ولم يقم بينهما أي صراع كما حدث في النصرانية. وقد نقل عن أحد الصحابة قوله عن الإسلام: "ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولانهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به". وهذا القول تصدقه الحقائق العلمية والموضوعية وقد أذعن لذلك صفوة من علماء الغرب وأفصحوا عن إعجابهم وتصديقهم لتلك الحقيقة في مئات النصوص الصادرة عنهم.

- تعميم نظرية العداء بين العلم من جهة والدين من جهة لتشمل الدين الإسلامي على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يقف موقف الكنيسة ضد الحياة والعلم بل كان الإسلام سباقاً إلى تطبيق المنهج التجريبي ونشر العلوم.

• إنكار الآخرة وعدم العمل لها واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد للمتع والملذات.

• لماذا يرفض الإسلام العلمانية:

- لأنها تغفل طبيعة الإنسان البشرية باعتباره مكوناً من جسم وروح فتهتم بمطالب جسمه ولاتلقي اعتباراً لأشواق روحه.

- لأنها نبتت في البيئة الغربية وفقاً لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتعتبر فكراً غريباً في بيئتنا الشرقية.

- لأنها تفصل الدين عن الدولة فتفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية.

- لأنها تفسح المجال لانتشار الإلحاد وعدم الإنتماء والاغتراب والتفسخ والفساد والانحلال.

- لأنها تجعلنا نفكر بعقلية الغرب، فلا ندين العلاقات الحرة بين الجنسين وندوس على أخلاقيات المجتمع ونفتح الأبواب على مصراعيها للممارسات الدنيئة، وتبيح التعامل بالربا وتعلي من قدر الفن للفن، ويسعى كل إنسان لإسعاد نفسه ولو على حساب غيره.

- لأنها تنقل إلينا أمراض المجتمع الغربي من إنكار الحساب في اليوم الآخر ومن ثم تسعى لأن يعيش الإنسان حياة متقلبة منطلقة من قيد الوازع الديني، مهيجة للغرائز الدنيوية كالطمع والمنفعة وتنازع البقاء ويصبح صوت الضمير عدماً.

- مع ظهور العلمانية يتم تكريس التعليم لدراسة ظواهر الحياة الخاضعة للتجريب والمشاهدة وتُهمل أمور الغيب من إيمان بالله والبعث والثواب والعقاب، وينشأ بذلك مجتمع غايته متاع الحياة وكل لهو رخيص.

الانتشار ومواقع النفوذ :

• بدأت العلمانية في أوروبا وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة الفرنسية سنة 1789م. وقد عمت أوروبا في القرن التاسع عشر وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار والتبشر.

يتضح مما سبق:


• أن العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل بعيداً عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلاَّ في أضيق الحدود. وعلى ذلك فإن الذي يؤمن بالعلمانية بديلاً عن الدين ولا يقبل تحكيم الشرعية الإسلامية في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتداً ولا ينتمي إلى الإسلام. والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حظيرة الإسلام وإلا جرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة.



مراجع للتوسع :

- جاهلية القرن العشرين، محمد قطب.
- المستقبل لهذا الدين، سيد قطب.
- تهافت العلمانية، عماد الدين خليل.
- الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين.
- العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
- تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبدالله عنان.
- الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد قطب.
- الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي.
- الفكر الإسلامي في مواجهة الأفكار الغربية، محمد المبارك.
- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي.
- الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، د. يوسف القرضاوي.
- العلمانية: النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد.
- وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية للخروج من دائرة الكفر الاعتقادي، د. محمد شتا أبو سعد، القاهرة، 1413هـ.
- جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج دار الوفاء المنصورة 1990م.
-علماني وعلمانية، د. السيد أحمد فرج – بحث ضمن المعجمية الدولية بتونس 1986م.



إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

الأبعاد العمليـــة لمدرسة الصيام

الأبعاد العمليـــة لمدرسة الصيام
(1من2)
جمال زواري أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم


إن شهر الصيام مدرسة عملية ، ينخرط في صفوفها المؤمنون ، ليتعلّموا من خلالها ما يؤهّلهم إلى المراتب العالية عند بارئهم ، ويتشرّبوا في أحضانها لذّة العبودية ، ويتذوّقوا في رحابها حلاوة القرب والمناجاة ، ويتفيئوا في ظلالها مقامات الاستعلاء الإيماني والترقّي الروحي ، ويثأرون فيها من عدوهم المتربص بهم في كل وقت وينتقمون منه شرّ انتقام ، مستثمرين تصفيده وتكبيله في هذا الشهر الكريم ، ويعملون بجدّ على تقوية رصيدهم وتكثيره من الأعمال الصالحة والقربات الفاضلة ، تجاوبا مع كرم الكريم عز وجل وتتالي عطاياه وتنوّعها فيه.
ليبشّروا في نهاية المطاف بالوصول ، ويلجوا من باب الريان الذي فضّل الله به الصائمين دون غيرهم ، قال صلى الله عليه وسلم:( إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) (رواه البخاري).
ويزفّوا إلى :( جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(آل عمران133).
هذه التقوى التي اكتسبوها وكالوا منها الكيل الأوفى في رحاب هذا الشهر، والتي هي غايته العظمى ، كما بيّن رب العزّة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(البقرة183).
وقد قهروا نفوسهم وروّضوها وقدّموها مهرا مستحقّا إلى تلكم الجنّة التي قيل أنها عروس ومهرها قهر النفوس .
ولقد أراد المولى عز وجل لشهر الصيام أن يكون محطة تزوّد وفرصة تحوّل ومناسبة تغيير نحو الأفضل والأحسن والأنجى لجموع المؤمنين.
ولا يتم كل ذلك ، إلا إذا أدركنا الأبعاد العملية للصيام وحققناها بنسب مقبولة في مدرسته على أرض الواقع ، وأن نزن مدى قبولنا في هذه المدرسة أو رسوبنا فيها ، من خلال تحقيقنا لهذه الأبعاد وممارستها والعمل على ترسيخها وتثبيتها على المستوى الفردي والجماعي ، والانتقال بذلك من صيام العادة والتقليد والمحاكاة ــ الذي يمارسه عدد كبير من المسلمين للأسف الشديد ــ إلى صيام العبادة بمفهومها الشامل والإيجابي كما أراده مشرّعه سبحانه .
ولعل أهم هذه الأبعاد العملية لمدرسة الصيام هي:

1) ــ البعد الروحي :


ففي مدرسة الصيام يصقل المؤمنون أرواحهم ، ويضاعفوا من شفافيتها ورقتها وخشوعها وإقبالها على مولاها بصدق ورغبة وخشية وحب ، كما أنهم يعمقون صفاءها ويجلّون غبشها وصدأها الناتج عن الأكدار والأقذار الدنيوية التي تراكمت عليها خلال السنة كلها ، وكذا الغوص بهذه الأرواح في الأجواء الإيمانية لشهر الصيام وتذوق طعم العبادات بمختلف أنواعها واستشعار لذتها فيه ، وذلك للانتقال بها في درجات العبودية والترقي بها في مدارج السالكين الراغبين في الوصول ، والصعود بها في معارج القبول.
وتكتسب بفيوضات الصيام التي تتدفق عليها تترى ، مناعة وحصانة ويقظة ، بحيث يرهف حسها بعد ذلك لكل ما يكدّر صفوها ويهدد جلاءها ويفسد ذوقها ويطفئ نورها وإشراقها ويثني من عزمها وينزل من سقف إرادتها وإقبالها.
ومن فقد هذا البعد للصيام ولم يذق طعمه ويعيشه عمليا ويخرج به في نهاية السباق واكتمال العدد ، ولم يجد أثاره الطيبة على روحه وقلبه ، فقد حرم خيرات الشهر ومنع بركاته وضيّع فرصه ، وإن أراد وأدّعى.
ولعل ما يشير إلى هذا البعد في الصيام الآية الكريمة سالفة الذكر ، وحديث:( إذا كان أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطين ومردة الجان ، وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )( رواه الحاكم).
وحديث: (من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)(متفق عليه).
وحديث :(رَغِمَ أنف رجل ذكرتُ عنده فلم يصلِ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يُدخلاه الجنة)(رواه أحمد وابن حبان والترمذي).

2) ــ البعد التربوي والأخلاقي:


كذلك فمدرسة الصيام تعتبر معهدا تربويا بامتياز ودورة تربوية مركّزة ، يتناول من خلالها الصائمون الكثير من المواد التربوية والأخلاقية ويطبّقونها ميدانيا وعمليا .
ففي ظلال هذه المدرسة يتربّى المؤمن على سلامة الصدر وطهارة القلب من كل الأمراض التي رانت عليه وتسببت في ظلمته ووحشته وكثفت من حجبه ، والتي عجز أن يتخلص منها بقية الأيام ، فيأتي شهر الصيام ببركاته وآثاره وروحانياته وأجوائه ، فينسف هذه الأمراض من قلوب المؤمنين نسفا ويزيل حجبها ويغسلها من كل ذلك ، فيخرجها في نهايته بيضاء نقية سليمة.
وفي هذه المدرسة كذلك يتربى المؤمن الصائم ويتمرّن على إمساك لسانه ولجمه عن كل ما من شأنه أن يؤدي به إلى الإفلاس في الدنيا والآخرة ، والتخلص بذلك من حبائله وحصائده المهلكة والمكبّة في النار على الوجوه ، فيمتلك بتربية الصيام هذه بحق لسانه وما يسببه له من المصائب ، حساسية مفرطة منه على طول العام تكون سببا للنجاة .
وفي هذه المدرسة أيضا يتربى المؤمن الصائم على مكارم الأخلاق ويخرج في تمامه بكنوز معتبرة منها ، تكون له خير زاد فيما عداه من الشهور.
فالصيام تربية عملية على الإخلاص والإحسان والصدق والصبر والحلم والتواضع والحياء والزهد والقناعة والتسامح والأمانة وحسن المعاملة وغيرها من أمهات الأخلاق التي جاء بها الإسلام وحث عليها ورغّب فيها وجعلها ميزان التفاضل عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، كما أنه بالمقابل يطهر النفوس المؤمنة من رذائل الأخلاق كالشح والبخل والكبر والحسد والرياء وغيرها .
فمن لم يستشعر بأثر الصيام الإيجابي في أخلاقه وتربيته ، ولم يحس بأنه قد زاد في إخلاصه وحلمه وصبره وتواضعه وحيائه على ما كانت عليه قبل شهر الصيام ، وبأن هناك تغيرا ملحوظا وتطورا محسوسا في مستواه التربوي والأخلاقي نحو الأفضل ، وبأنه قد خرج بزاد تربوي كبير على مستوى أخلاقه ومعاملاته في نهاية الشهر ، فليعلم بأنه حرم بعدا مهما من الأبعاد التي فرض من أجلها الصيام .
ويشير إلى هذا البعد للصيام الحديث القدسي:( كل عمل بن آدم له إلا الصيام ؛ فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنّة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) (رواه البخاري و مسلم).
وحديث(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)( رواه البخاري) .
وقول ابن مسعود رضي الله عنه:( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا)( رواه عنه الإمام أحمد في الزهد).
فكذلك صومه وحجه وزكاته وسائر عباداته.

3) ــ البعد الاجتماعي:


كذلك من الأبعاد المهمة للصيام والدروس العملية لمدرسته البعد الاجتماعي ، بحيث يغرس الروح الجماعية والاجتماعية لدى المؤمن ، فيعمق لديه الشعور بآلام الآخرين وحاجاتهم ومعاناتهم ، عندما يعرف عمليا معنى الجوع وفقدان الطعام والشراب ، الأمر الذي يدفعه إلى السعي الحثيث ليساهم في سد حاجات الفقراء والمساكين وأهل الحاجة من المؤمنين والعمل على تحسس معاناتهم والمشاركة في دفعها ما استطاع.
كما أن أجواء الصيام الروحية والإيمانية تساعد على إصلاح ذات البين والتغلب على الخصومات والمشاحنات والتصارم والشنآن الحاصل بين أهل الإيمان فيما قبل رمضان ، فيأتي الصيام ليكون فرصة سانحة وعملية لتجاوز كل ذلك وتنقية القلوب وطي الصفحة والانطلاق من جديد وبنفس جديد وأجواء جديدة يسودها الصفاء والتآلف والود.
كما يعتبر شهر الصيام فرصة كذلك لمضاعفة بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران تعميق الإخاء بين الإخوان وإجبار النقص والكسر الحادث في هذه العلاقات الاجتماعية قبل رمضان ، والخروج منه بعلاقات أكثر متانة وصلات أكثر وثوقا ، أعطاها الصيام من روحه وبركانه وخيراته وفضائله لتستمر بسقف مرتفع ومستوى متميز ، لتعم إيجابياتها وثمارها الطيبة المجتمع ككل والأمة جمعاء.
فالصيام دواء فعال لمرض الأنا المتضخم لدى البعض ، فيضيق دوائره في نفس المؤمن الصائم ، لتحل محلها الروح الجماعية وحب الخير للناس ، وتتسع لديه لتشمل الجميع الصغير والكبير والقريب والبعيد والمحسن والمسيء .
ويشير إلى هذا البعد في الصيام حديث:( مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيء)(رواه الترمذي).
حديث:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة )(رواه البخاري).

يتبــــع ...
 


الأبعاد العمليـــة لمدرسة الصيام(2 من 2)
الكاتب: جمال زواري أحمد
 
لقد أشرنا في الجزء السابق من المقال إلى ثلاثة أبعاد مهمة لمدرسة الصيام هي : البعد الروحي والبعد التربوي والأخلاقي والبعد الاجتماعي ، ونكمل في الجزء الثاني بقية الأبعاد التي ينبغي أن تكون حاضرة عمليا لدى المؤمنين الصائمين ليكونوا قد فقهوا دروس مدرسة الثلاثين يوما ونالوا فيها الدرجات العالية التي تؤهلهم للفوز والنجاح والقبول في النهاية وهي:

4) ــ البعد الصحي والوقائي:
 
كذلك تعتبر مدرسة الصيام فرصة وقائية وعلاجية ، يتخلص فيها جسم الصائم من الكثير من السموم المسببة للعديد من الأمراض ، كما أن الصيام يساهم مساهمة فعالة في عملية الهدم التي يلفظ فيها الجسم الخلايا القديمة والزائدة عن حاجته ، بحيث يقوم الصيام مقام مبضع الجراح في إزالة الخلايا التالفة والضعيفة والزيادات الضارة ، ليسترد جسم الصائم من خلال ذلك سلامته وحيويته ونشاطه.
كما يعتبر الصيام طبيب تخسيس بامتياز ، بحيث يؤدي إلى إنقاص الوزن والتخلص من الشحوم وتحفيز حرق السعرات الحرارية والوقاية بذلك من مضاعفات السمنة والبدانة وكوارثها على الجسم .
كما أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من الكلسترول الضار وتخفيضه والرفع من الكلسترول الحميد وكذا السيطرة على ارتفاع ضغط الدم وداء النقرس وضبط مستوى السكر في الدم بالنسبة لمرضى السكري المسموح لهم بالصيام.
أيضا للصيام تأثير إيجابي على الذهن وتنمية الذاكرة وتنشيطها لدى الصائم ليمتلك بذلك القدرة على التفكير السليم.
كما أن الصيام يزيد من عناصر المناعة ويقويها لدى جسم الصائم ، وكم من أناس في هذا العالم ــ ومنهم الكثير من المسلمين للأسف الشديد ــ جرّت عليهم شهواتهم الزائدة وشراهتهم النهمة لأنواع الأطعمة الكوارث الصحية على أجسادهم جرّاء ذلك ، ولو أنهم التزموا بمدرسة الصيام ووعوا أبعادها وأدركوا فوائدها وذاقوا لذائذها وأعطوها من الاهتمام والعناية الروحية والصحية والأخلاقية والاجتماعية ، لكان ذلك خير لهم وأسلم لأجسامهم وأرواحهم ونفوسهم ومجتمعاتهم على كل الأصعدة مصداقا لقوله تعالى :(وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )(البقرة184 ).
ولأهمية البعد الصحي والوقائي للصيام وفعاليته العلاجية والوقائية ، جعلت غير المسلمين يعترفون بتأثيره الإيجابي وقدرته العلاجية للكثير من الأمراض ، الأمر الذي دفع بعض الدول الأوربية ــ كألمانيا ــ أن تفتح أقسام طبية تستخدم الصيام على الطريقة الإسلامية في علاجها لبعض الأمراض .
يشير إلى هذا البعد للصيام حديث :(صوموا تصحوا)(رواه الطبراني ). الحديث وإن كان ضعيفا إلا أن معناه صحيح.

5) ــ البعد الدعوي:
 
كذلك فإن لشهر الصيام بعدا دعويا ، بحيث تكون أجواؤه الإيمانية والروحية وعطايا المولى عز وجل المضاعفة فيه وتصفيد الشياطين وتكبيلها خلال أيامه ، وكذا ترطيبها وتعطيرها بالقران الكريم تلاوة وسماعا في التراويح والتهجد والقيام وغير ذلك في كل الأنحاء والربوع والنجوع ، كل ذلك يضفي على نفوس المؤمنين الصائمين وأرواحهم رقة وخشية ورغبة في الخير وإقبالا عليه ، يجعلها مهيأة لتلقي كل توجيه ونصيحة وموعظة وتصويب وترغيب ، كما يجعل قلوبهم إلى الخير أقرب ومفتوحة لتقبل كل ما يلقى إليها من تذكير ووعظ ، لذا ينبغي على الدعاة والأئمة والموجهين استثمار هذه الأجواء التي يضفيها الصيام على القلوب والنفوس ، ليكثفوا حملاتهم الدعوية وتخول الناس بالموعظة وترغيبهم في التوبة والرجوع إلى الله ، وتشريع الأبواب على مصراعيها ، لتلج من خلالها قوافل التائبين والراجعين إلى الحق والراغبين في طي صفحة الغفلة والانغماس في بحور الرذائل والآثام وترك طرق الغواية والشهوات ، والانطلاق بنفوس جديدة وقلوب طاهرة يحدوها حب الله ورسوله ودينه والطمع في عفوه ومغفرته وقبوله ، والتجاوز عن سيئاتهم وذنوبهم ، لينضموا إلى بقية إخوانهم الذين أدركوا نعمة الهداية قبلهم وذاقوا لذتها وتمتعوا بنعمها وخيراتها ، ليشملهم كل ذلك هم أيضا ويستدركوا ما فاتهم منها في سالف الأيام.
على الدعاة أن يفعلوا كل ذلك ويضاعفوا جهودهم مقتنصين فرصة جاهزية أجهزة الاستقبال لدى الغالبية من الصائمين ، ليكون الرصيد زاخرا وتتضاعف أعداد التائبين الراغبين في سلوك طريق الله بشوق وحب وندم وحسرة على ما ضاع منهم فيما مضى من أعمارهم ، بحيث يتركون الشيطان وجنده يسفون الملّ غيظا وكمدا وحزنا على خسارتهم لهذه الأعداد الهائلة من رصيدهم.
لكن هذا البعد المهم لشهر الصيام ينبغي على الدعاة أن يستمروا في تفعيله وتشغيله بعد رمضان ، للحفاظ على هذه الجموع التائبة وتحصينها حتى لا تنتكس بعد فقدانها للجرعات الإيمانية والروحية الهائلة التي تلقوها في مدرسة الصيام ، فلا بد من مواصلة العلاقة بهؤلاء ومداومة إمدادهم بشيء من هذه الجرعات بما يثبتهم ويقطع صلتهم نهائيا بوضعهم الذي كانوا عليه قبل التوبة ، وتزويدهم بالزاد الروحي والإيماني والتربوي والأخلاقي والعلمي بشكل مستمر ، كي يخسرهم معسكر الشيطان إلى الأبد ومن غير رجعة إن شاء الله.
لعله يشير إلى هذا البعد للصيام حديث :( أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهى بكم ملائكته، فأَرُوا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مَن حُرم فيه رحمة الله عز وجل)(رواه الطبراني).

6) ــ البعد السياسي: 
 
كذلك فإن لمدرسة الصيام بعدا سياسيا ، بحيث يكون هذا الشهر الكريم مظهرا من مظاهر وحدة الأمة ونموذجا عمليا لذلك في إتحاد مشاعرها وشعائرها وشرائعها في كل البقاع ، حكامها ومحكوميها أسودها وأبيضها وأصفرها أغنيائها وفقرائها عربها وعجمها ، الأمر الذي يحرك أشواق أبناء الأمة وتطلعهم إلى إمكانية عودة الكيان الدولي الموحد لأمة التوحيد ، وتوحي إليهم الوحدة العملية التي مارسوها وعاشوها بمشاعرهم وأحاسيسهم خلال شهر الصيام ، أن بعث كيان الأمة الموحد من جديد ممكن التحقيق وليس أضغاث أحلام كما يريد أن يصور أعداؤها وبعض اليائسين المنهزمين المستلبين حضاريا من أبنائها.
كذلك فإن قائمة الانتصارات التي حققتها الأمة على مدار تاريخها في شهر رمضان من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى غيرها من الانتصارات القديمة والمعاصرة ، كلها تسترجع الأمة من خلال تذكرها ثقتها في قدراتها وتدفعها إلى اليقين في إمكانية تكرار ذلك في معاركها مع أعدائها في الكثير من الميادين المفتوحة في العصر الحديث ، وتغريها هذه الانتصارات باستنساخها من جديد ، إذا وفرت شروطها التي وفرها أسلافها ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
كذلك فإن من الثمار المهمة لشهر الصيام لدى المؤمنين ، هو تعميق الشعور والاهتمام لديهم بقضايا الأمة وجراحها النازفة في العديد من الساحات وقي مقدمتها فلسطين ، مع منحه لدافعية أكبر من أجل تحرير الأراضي المغتصبة وترسيخ خيار مقاومة المحتلين ، تيمّنا بالانتصارات العظيمة التي أنجزها أبناء الأمة في شهر رمضان ، وقد أشار بعض الأفاضل ــ لتأكيد هذا المعنى ــ أن آيات فرض الصيام :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة183) ، قد توسطت آيات فرض القصاص:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)( البقرة178) ، وآيات فرض القتال:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)( البقرة216) لإثبات العلاقة الوثيقة بين شهر الصيام وجهاد المحتلين والقصاص منهم ومقاومتهم وإمكانية تحقيق الانتصار عليهم.
ومن مظاهر البعد السياسي للصيام كذلك هو أن أجواءه الروحية تضيق هوامش الجرائم إلى حد كبير ، الأمر الذي يساهم في استقرار المجتمعات والأوطان .

7) ــ البعد الاقتصادي:
 
كذلك فإن لمدرسة الصيام بعدا اقتصاديا أيضا ، يضاف إلى بقية الأبعاد ، بحيث تتمثل الجوانب الاقتصادية لشهر الصيام في كونه وسيلة مهمة في ترشيد الاستهلاك وتربية الصائمين على ذلك ، كما أنه يحدّ من ظواهر الإسراف والتبذير وليس العكس كما نرى في واقع الكثير من الصائمين ، الذين يصورون شهر رمضان وكأنه لهث زائد وراء أنواع الأطعمة وتنويعها ، ليكون مصير الكثير منها أكياس القمامة بعد ذلك ، وتغييب كل الأبعاد التي يراد للأمة أن تتعلمها وتدركها وتمارسها من مدرسة الصيام ومنها البعد الاقتصادي.
كذلك فإن الترغيب في الصدقة تحديدا في شهر رمضان ، وكذا وجوب دفع زكاة الفطر فيه التي هي:(طهرة للصائم وطعمة للمساكين) ، والفدية التي أمر بها غير المستطيع للصيام ليدفعها عوض ذلك للفقراء والمساكين ، كلها وسائل عملية ذات بعد اقتصادي في هذا الشهر الفضيل ، لتحسين الواقع المعيشي لمستحقيها والتوسعة على المحتاجين وسد حاجاتهم ، لتكون مقدمات ــ لو تم تفعيل هذا البعد المهم بعد ذلك ــ في معالجة مشكل الفقر الذي يجتاح الكثير من المسلمين ، ويضيق هوامش الفوارق الاجتماعية والطبقية بين أبناء الأمة الواحدة وحتى القطر الواحد والبلد الواحد ، بين من يصل إلى حد التخمة والبذخ وبين من يصل إلى حد الموت من الجوع ، دون أن يشعر الأول بواجبه ومسؤوليته نحو أخيه الثاني ، ويفيض عليه مما أنعمه الله عليه ويسد رمقه ويساعده على العيش بكرامة بل وينقذه من حافة الهلاك جوعا وحرمانا .
كما أن الصيام لم يفرض ليكون وسيلة خمول وكسل ونوم كما يفعل البعض ، بل المفروض أن يكون وسيلة لمضاعفة الجهد ونزول البركة لزيادة الإنتاج وإتقان العمل ، فالصيام هو اختبار لقدرة المؤمن الصائم على الصبر وتربيته على قوة التحمل وأن يخشوشن ، لأن التنعم لا يدوم ، فيكون مهيئا للتكيف والتأقلم مع كل الحالات والوضعيات والطوارئ.
كذلك فإن البعد الروحي للصيام يخدم البعد الاقتصادي له ، بحيث أن أجواء الصيام الروحية والتعبدية تدفع بعض أصحاب الأموال من المسلمين إلى التوبة عن الحرام والتخلص من مظاهره كالربا والغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل ، والحرص على تحرّي الحلال ، الأمر الذي يكون له تأثير إيجابي على الحركية الاقتصادية الصحية والسليمة للمجتمع والأمة.

هذه جملة من الأبعاد العملية لشهر الصيام ، أحرى بالمؤمنين الصائمين أن يفقهوها ويدركوها بوضوح ، ويمارسونها ميدانيا ويفعّلونها في واقعهم ، ليكون لهذا الركن الركين من أركان الإسلام تأثيره الإيجابي على مختلف جوانب حياتهم ، وتحقيق عنصر الشمول التربوي والتغييري لمدرسة الثلاثين يوما ، وعدم حصرها في خانة التعبّد الفردي ، البعيد عن الأبعاد التي ذكرناها في صلب هذا الموضوع ، فإن ذلك يتنافى والتصور الصحيح والسليم والدور المطلوب لفريضة الصيام .

الخميس، 28 يوليو 2011

زيادة النعاس - أسبابه - وكيف يتم تشخيصه- وكيفية علاجه

زيادة النعاس


الدكتور أحمد سالم باهمام
عضو هيئةالتدريس بكليةالطب-جامعة الملك سعود

أخذ الأرق حيزا كبيرا من اهتمام المختصين والعامة على حد سواء كأحد أهم اضطرابات النوم وهو بدون شك مشكلة طبية مهمة ولكن هناك مشكلة طبية أخرى لا تقل أهمية و قد يكون لها مضاعفات أكبر ولكنها لم تلق نفس الاهتمام. هذه المشكلة هي زيادة النعاس أثناء النهار أو زيادة احتمالات النوم في اوضاع غير مناسبة للنوم. والذين يعانون من هذه المشكلة قد ينامون في أوضاع غير مناسبة كالنوم أثناء القراءة أو أثناء مشاهدة التلفاز وفي بعض الأحيان قد ينام المصاب في الأماكن العامة أو في العمل مما قد يسبب الكثير من المشاكل للمصاب. وقد تؤدي هذه المشكلة إلى مضاعفات خطيرة للمصاب إذا حدث النوم اثناء القيادة أو إذا كان المصاب يتعامل مع آلات ثقيلة أو حادة. وزيادة النعاس مشكلة شائعة نسبيا فقد أظهرت بعض الدراسات أن 5% من الناس يعانون منها.


ما هي أسباب زيادة النعاس؟

أهم سبب لزيادة النعاس اثناء النهار هو عدم الحصول على ساعات نوم كافية أثناء الليل وهو سبب شائع يتعلق بنمط حياة الشخص وظروف عمله ولن نتطرق لهذا السبب في حديثنا هنا حيث ان تعديل نمط الحياة يؤدي عادة إلى زوال المشكلة.

الذي يهمنا في هذا السياق أن هناك عدد من اضطرابات النوم العضوية التي تسبب زيادة النعاس. والمريح في الأمر أن اكثر هذه الاضطرابات يمكن تشخيصها تشخيصا دقيقا وعلاجها والحصول على نتائج جيدة إذا حضر المصاب إلى الطبيب المختص في وقت مبكر.

وسنوجز هنا في تعريف أهم هذه الاضطرابات:

1. الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم:

وفي هذا الاضطراب ينسد مجرى العلوي الهواء بشكل متكرر أثناء النوم بصورة كاملة أو جزئية، مما يؤدي إلى انقطاع التنفس، أو التنفس بشكل غير فعال الأمر الذي يؤدي إلى تقطع في النوم، وهذا التقطع بدوره يؤدي إلى زيادة النعاس أثناء النهار.
وانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم هو مشكلة طبية معروفة تحتاج إلى العناية الطبية، وإذا أهملت هذه المشكلة فإنها تؤدي إلى عدة مضاعفات، بعضها قد تهدد حياة المصاب. وتصيب هذه المشكلة 2-4% من الأشخاص متوسطي العمر، ويقدر أن 18 مليون أمريكي مصابين بانقطاع التنفس أثناء النوم، وللأسف لا توجد إحصاءات مماثلة في المملكة العربية السعودية، ولكن من ممارستنا الطبية يبدو أن هذه المشكلة شائعة جدا . ويمكن تلخيص أعراض المشكلة في التالي:

زيادة النعاس أثناء النهار أو كثرة الخمول والتعب، والشخير، التوقف عن التنفس أثناء النوم، الشعور بالاختناق (الشرقة) والاستيقاظ . والمرضى المصابون بتلك الأعراض هم عادة من الذكور المتوسطي العمر الذين يعانون من الوزن الزائد (السمنة)، ولكن هذا الاضطراب قد يصيب أشخاصاً من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين وحتى أصحاب الأوزان الطبيعية. وبعض المرضى قد يكون لديهم مشاكل غير طبيعية في الأنف أو الحلق أو أي جزء من مجرى الهواء العلوي.

2. مرض نوبات النعاس أو النوم القهري:

النوم القهري مرض يصيب الجهاز العصبي ويرافق المريض مدى الحياة وإذا لم يشخص ويعالج قد يؤثر على المريض تأثيرا بالغا. وأهم أعراض هذا المرض نوبات شديدة من النعاس لا يمكن مقاومتها تحدث أثناء النهار ويمكن أن تحدث في أي وقت وبدون سابق إنذار. وقد تحدث هذه النوبات في أوقات وأوضاع غير مناسبة. فقد تحدث أثناء قيادة السيارة أو بعض الأعمال التي تحتاج إلى التركيز مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة. وقد يستمر النوم من لحظات إلى أكثر من ساعة ويشعر بعدها المريض بالنشاط.. ويقدر أن المرض يصيب حوالي 1:1000 من الناس من كلا الجنسين أغلبهم لا يتم تشخيصهم. ويمكن أن تظهر أعراض النوم القهري في أي عمر ولكنها تظهر في معظم الحالات في بداية سن المراهقة. وهناك أدوية حديثة تساعد المريض كثيرا. والنوم القهري مرض عضوي ولا علاقة للمرض بأي سبب نفسي. ولأن المرض غير معروف بعد لدى الكثير من الناس، فإن المرضى المصابين بهذا المرض يعانون الكثير قبل أن يتم تشخيصهم. وتجد العائلة والمدرسين والزملاء صعوبة في فهم ما يحدث للمريض. وحتى المريض نفسه يجد صعوبة في فهم ما يحدث له. ويصور الناس الشخص المصاب بالنوم القهري في صورة الشخص الكسول والخامل مما ينعكس سلبا على نفسية المريض ويقلل من ثقته بنفسه ويخلق له مشاكل كثيرة في المدرسة والعمل. وقد يصاحب زيادة النعاس أعراض أخرى أهمها:

الشلل المفاجئ أثناء اليقظة: وهذا العرض هو العرض المميز للنوم القهري. وخلاله يحدث شلل أو ضعف في عضلات الجسم كلها أو بعضها كأن يكون هناك ضعف في عضلات مفصل الركبتين أو عضلات العنق التي تحمل الرأس أو عضلات الفك السفلي أو عضلات الذراعين أو عضلات التحدث مما يجعل الكلام غير واضح وفي بعض الحالات يكون هناك شلل كامل في الجسم وقد يسقط المريض على الأرض ويظهر وكأنه مغمى عليه ولكنه في واقع الأمر في كامل وعيه. و عادة ما يكون هذا الضعف للحظات قليلة ولكنه في بعض الحالات قد يستمر لدقائق. وعادة ما تبدأ نوبات الشلل أو الضعف في المواقف العاطفية المفاجئة كالانفعال والغضب أو السرور والضحك.
· شلل النوم: وهو عدم القدرة على تحريك الجسم أو أحد أعضائه عند بداية النوم أو عند الاستيقاظ. وتستغرق أعراض شلل النوم من ثوان إلى عدة دقائق، وخلالها يحاول بعض المرضى طلب المساعدة أو حتى البكاء؛ لكن دون جدوى، وتختفي الأعراض مع مرور الوقت أو عندما يلامس أحد المريض أو عند حدوث ضجيج.

· الهلوسة التي تسبق النوم: وهي أحلام تشبه الحقيقة تحدث عند بداية النوم ويصعب أحيانا تفريقها عن الواقع. وتوصف بالهلوسة وتكون في بعض الحالات مخيفة. وما يميز هذه الأحلام أنها تحدث عند بداية النوم في حين أن الأشخاص الطبيعيين يبدءون الأحلام بعد ساعة إلى ساعة ونصف من بدأ النوم.
وهذا المرض لا يؤثر بصورة مباشرة على الذكاء أو القدرات العقلية ولكنه قد يؤثر بصورة غير مباشرة على التحصيل العلمي نتيجة للنوم الزائد ونقص ثقة المريض بنفسه. لذلك يجب التعرف على المرضى بأسرع وقت وبدء علاجهم. كما أنه يجب شرح الحالة للمدرسين في المدرسة أو للزملاء في العمل حتى يتم تفهم المرض ومساعدة المرضى.

3. حركة الأطراف الأرجل أثناء النوم:

وتتميز بنوبات متكررة من حركة الأطراف (عادة الأطراف السفلى) خلال النوم، ينتج عنها عدم استقرار النوم وجعل النوم خفيفاً، الأمر الذي يمنع المصاب من الوصول إلى مراحل النوم العميق المهمة لراحة الجسم. وعادة ما تحدث الحركة في إصبع القدم الكبير، في حين يكون الكاحل والركبة والورك في حالة انثناء بسيطة. ويحدث انقباض العضلات بصورة متكررة كل 20-40 ثانية، ويستمر كل انقباض لمدة نصف إلى خمس ثواني، وقد تكون الحركة بسيطة ولا تستطيع العين غير الخبيرة اكتشافها، ولكنها كفيلة بجعل النوم غير مستقر ومتقطع.

وتتلخص أهم أعراض هذا الضطراب في التالي:

· الأرق: فقد وجد في أحد الدراسات الطبية أن هذا الاضطراب يتسبب في 17% من حالات الأرق.

· زيادة النعاس خلال النهار: وجد أيضاً في الدراسة السابقة أن هذا الاضطراب تسبب في 11% من حالات زيادة النعاس خلال النهار.

· الحركة التي قد توقظ المريض، وفي بعض الأحيان الشخص الذي يشاركه السرير.


4. الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تقطع النوم ومن ثم زيادة النعاس: كترجيع الحمض للمريء أثناء النوم واضطرابات التنفس المزمنة ونقص وظائف الغدة الدرقية.

5. فرط النعاس المجهول السبب.



كيف يتم تشخيص الحالة؟

لابد في البداية من جمع معلومات كافية عن نوم المريض من المريض نفسه والشخص الذي ينام معه ومن ثم إجراء دراسة تشخيصية دقيقة تعرف بدراسة النوم ويعتبر إجراء دراسة النوم أساسيا للمرضى المصابين بزيادة النعاس نظرا لتعدد أسباب زيادة النعاس أثناء النهار. وتجرى دراسة النوم في الليل حيث يقضي المريض ليلة واحدة في غرفة خاصة بها كل المستلزمات من تلفاز ودورة مياه وغيره ويتم المحافظة على خصوصية المريض التامة خلال الدراسة. واثناء الدراسة يتم مراقبة العديد من الوظائف الفيزيولوجية في الجسم ، حيث يتم مراقبة المؤشرات التالية: الموجات الكهربائية في الدماغ، حركات العضلات، التنفس من خلال الفم وفتحتي الأنف، الشخير، معدل وانتظام دقات القلب، حركات الساقين، حركات الصدر والحجاب الحاجز، معدل الأكسجين في الدم ومعدل طرد ثاني أكسيد الكربون من الجسم. ولمراقبة هذه الوظائف، نقوم بوضع بعض الأقراص المعدنية على الرأس والجلد باستخدام نوع من المواد اللاصقة، إضافة إلى أحزمة مطاطية مرنة سوف تضع حول البطن والصدر لمراقبة التنفس. وسوف يثبت أنبوب صغير من البلاستيك بالقرب من الفم والأنف لمراقبة التنفس. أما مستوى الأكسجين فيتم قياسه من خلال مشبك مثبت على الأصابع. أما إذا كان هناك اشتباه في اصابة المريض باضطراب النوم القهري فإن الأمر يتطلب إجراء اختبار نوم آخر كجزء من تقييم النوم، يدعى هذا الاختبار: اختبار احتمالات النوم خلال النهار (MSLT). ولإجراء هذا الاختبار فإن على المريض البقاء في مركز اضطرابات النوم معظم اليوم التالي لليلة دراسة النوم. وخلال هذا الإختبار يسمح للمريض بالحصول على عدة غفوات وفق معايير محددة.

كيف يتم علاج زيادة النعاس؟

توضع الخطة العلاجية لكل مريض على حده بناء على تشخيص حالته ونتائج دراسة النوم. وأود هنا أن أؤكد على أهمية دراسة النوم في تحديد التخيص الأكلينيكي للحالة. والحديث عن علاج كل اضطراب يطول ولا يتسع له السياق ولكن المهم ان يعلم الشخص المصاب بزيادة النعاس أنه يمكن علاج معظم الحالات وبفعالية كبيرة وتكون نتيجة العلاج سريعة في أغلب الحالات طالما توفرت الأجهزة والامكانيات اللازمة للتشخيص والعلاج.

مصر بين البائد والمتخلف



بقلم محمد القدوسي :

هل يمكن الآن أن نقرر بوضوح أن ثورة مصر في 25 من يناير/ كانون الثاني كانت لها انطلاقتان، وأنها شهدت انقساما منذ كانت وإلى الآن؟ هل لنا أن نؤكد أن هذه الثورة بدأت كمحاولة لتعديل التوازن النسبي بين مكونات دولة "الأقليات المتساندة" الحاكمة، وهل لنا أن نؤكد أن القوى الأساسية التي مهدت لهذه الثورة لم تكن تسعى إلى أكثر من إعادة ترتيب المواقع؟
فالكتلة الليبرالية في إطار "دولة الأقليات المتساندة وفي القلب جنرال" كانت تزحف للحصول على مساحة أوسع وترتيب أفضل، غالبا على حساب الكتلة اليسارية الموجودة في إطار الدولة نفسها، بينما كان اليسار يسعى إلى تقليل خسائره أمام الطفيليين الذين كانوا يواصلون زحفهم يسارا ويمينا على حساب الكتلة الإسلامية الداخلة في إطار هذه الدولة، والتي يمكن اعتبارها قبل الثورة "أكبر الخاسرين".
كان المطلوب إجراء تعديل يأتي في جانب منه تعبيرا عن "إقرار واقع" راح يتكون منذ عهد الرئيس أنور السادات، واستفحل في عهد الرئيس حسني مبارك، وفي الجانب الآخر يعبر عن اختلاف الأوزان النسبية، حين فقد اليسار كثيرا من أوراقه في الداخل والخارج، وكذلك الإسلاميون، في وقت يمسك فيه الطفيليون بزمام الاقتصاد وزمام الأمن أيضا.
يمسكون بزمام الأمن لا بواسطة "البلطجية" فحسب -وهؤلاء كان دورهم كبيرا وترقوا في بعض الأحيان إلى مناصب أمنية قاعدية، مثل "شيخ الحارة" و"شيخ البلد" و"العمدة"- لكن كان الطفيليون يسيطرون على الأمن في قمة وزارة "الداخلية" التي أصبحت في سنواتها الأخيرة وزارة "الحراسات الخاصة" بمعنى أنها انصرفت عن "الأمن العام" إلى حماية من يدفع.
وهكذا فقد كانت تحمي "لصوص" البنوك لا البنوك، و"لصوص" الآثار لا الآثار، و"لصوص" الأراضي لا الأراضي. وفي الانتخابات كانت تحمي المزورين لا المرشحين، والبلطجية لا الناخبين، وتحول دون دخول اللجان ودون إصدار البطاقات الانتخابية، عكس مهمتها الأصلية بتسهيل هذا وذاك.
ومع هذه السيطرة على الاقتصاد "الأسود" والأمن "جهاز القمع" كان طبيعيا أن يتطلع الطفيليون إلى مكانة أكبر، ضاغطين على "أفندية" اليسار الذين مثلوا بالنسبة لهم خصما تقليديا لزمن طويل من ناحية، ومن الناحية الأخرى على ممثلي ما يسمى "الإسلام الرسمي" الذين تورط بعضهم في سلوك أسقط الهيبة وأجاز الاجتراء.
وفي المقابل تعامل الطفيليون بحذر شديد مع الليبراليين، من جهةٍ تحسبا لعلاقاتهم القوية مع الولايات المتحدة التي يرجع إليها الطفيليون الأمر كله ومعها الغرب، ومن جهة أخرى لأن صعود الليبراليين في مصر مهد المناخ أمام الطفيلية للنمو، بمنأى عن "ضوابط" اليسار و"قيم" اليمين.
ومع حلفاء -وأحيانا خدم- بمثل هذه "الشراسة" وخصوم بمثل هشاشة كل من الكتلتين الإسلامية واليسارية الرسميتين، كان لليبراليين أن يتطلعوا لصدارة المشهد، خاصة وأن نجاح مشروع "التوريث" كان معلقا على الدعم الأميركي، وهو وضع استثنائي، يمنح الكتلة الليبرالية في دولة الأقليات فرصة تاريخية للصدارة.
هكذا، وبدلا من صيغة "تحالف قوى الشعب العامل" التي اتخذتها دولة الأقليات على عهد "الرئيس جمال عبد الناصر"، والتي كان اليسار في طليعتها ثم الإسلام الرسمي ثم الرأسماليون والليبراليون، مع هامش من الطفيليين. بدلا من هذه الصيغة، كنا سنصل إلى طليعة ليبرالية ثم طفيلية، وبعدهما اليسار، مع هامش من "الإسلام الرسمي".
ثم إن التغيير لم يكن ليتناول أطراف الدولة ممثلة في "الأقليات المتساندة" وحدها، بل قلبها المتمثل في "الجنرال" أيضا، وعلى نحو جوهري، حيث لم يعد منطقيا أن يحتفظ جنرال كامب ديفد بأي من ملامح أو صلاحيات جنرال "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
كان على الجنرال -وفي إطار مشروع التوريث- أن يتحرك من موقع "القيادة المباشرة" إلى موقع "الإشراف"، وهو الدور نفسه الذي يتواصل السعي نحوه حتى الآن في خطوات أبرزها "وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور" التي تنص أول ما تنص على أنها مبادئ غير قابلة للتعديل مطلقا.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود من يحميها من التعديل والإلغاء، مستندا إلى قوة لم نر من يمتلكها في طول تاريخ مصر وعرضه إلا المؤسسة العسكرية التي تنص الوثيقة في الوقت نفسه على استبعادها من سدة الحكم.
والسبب أن أصحاب الوثيقة يريدون للمؤسسة العسكرية أن تلعب الدور نفسه الذي لعبته نظيرتها التركية، عبر صيغة أن "تحمي ولا تحكم".
لكن التناقض القاتل في هذا التصور يكمن في أنه يسعى لتطبيق نظام تجاوز الزمن نسخته الأصلية "تركيا" التي عدلت دستور الانقلاب العسكري الصادر في 1982، وهي تسير ببطء واطراد نحو تغيير شامل لمواده، يمهد لتغيير آخر -لم يعد مستبعدا- للمواد التي ورد النص على عدم جواز تعديلها منذ "أتاتورك".
ثم إن بنية المجتمع في مصر تجعلها أقرب في هذا السياق إلى النموذج الباكستاني لا التركي، حيث المؤسسة العسكرية هي اللاعب الرئيسي الذي يحرك بعض من يمثلون القوى العرقية والعشائرية والطائفية لا السياسية.
وفوق هذا فإن المؤسسة العسكرية لا ترحب بمثل هذا التغيير في دورها، وهو موقف يفتح خطا لصراع جانبي غير خاف، بين "الجنرال" و"الأقليات المتساندة".
كان من تحركوا في 25 يناير، باستثناء الإخوان المسلمين واليسار الثوري، لا يريدون للعهد "البائد" أن يصبح "بائدا" بل "معدلا"! كانوا يريدون تحقيق "الثورة" بمفهوم تغيير ترتيب الأقليات، وإعادة صياغة دور الجنرال، مع بقائه في القلب وبقاء الأقليات حوله.
كانوا أشبه بمجموعة ركاب في سيارة قرروا التوقف لحظة لتغيير أماكنهم فيها، من دون إضافة ولا حذف. أما ما حدث في الانطلاقة الثانية للثورة، يوم 28 من يناير/ كانون الثاني، فيشبه أن بعض الشركاء المستبعدين من هذه السيارة، تعرفوا عليها عند وقوفها، وراحوا يطالبون بنصيبهم فيها.
وهؤلاء هم "الأغلبية المستبعدة" وفي قلبها القوى الإسلامية التي لم يلتحق بعضها بالثورة منذ اليوم الأول لخطأ في التقدير، وبعضها أجل إعلان التحاقه عن تدبير، حيث إن الدروس القاسية التي تلقاها أبناء دولة "الأغلبية المستبعدة" من مواجهاتهم الدامية دائما وبالضرورة، مع دولة "الأقليات المتساندة" كانت ماثلة في الذهن على نحو يوجب الحرص، ويلزم معه اتباع مبدأ "وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا" الذي حدثني أحد أصحاب الدور القيادي في الثورة عن تفاصيل تطبيقه، وكيف أن سقوط أول شهيد في اليوم الأول، ثم القمع المكثف الذي بلغ ذروته في الجمعة 28 من يناير، وانسحاب الشرطة، وإطلاق "البلطجية" على الشوارع والبيوت، كل هذا عجل بفرصة القوى الإسلامية للظهور بوضوح.
وفي حوار آخر سألني قيادي في الجماعة الإسلامية وإعلامي بارز، سؤالا لا يخلو من عتاب، عن سر "تخاذل" الناس عن "نصرة" الجماعة الإسلامية في "ثورتها" التي أطلقتها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
وأضاف "يغضب الناس الآن لسقوط مصاب أو قتيل في خضم تظاهرات كثيفة العدد، بينما قتلت الشرطة العشرات من الإسلاميين بالرصاص في الشوارع، وهم يسيرون آمنين لا هم يحتجون ولا يتظاهرون ولا يحملون سلاحا".
قلت له: لا الناس تخاذلوا ولا ما قامت به الجماعة الإسلامية كان ثورة، بل كان بالتكييف الاجتماعي والسياسي المجرد، حربا أهلية بين فريقين ينتميان إلى شعب واحد، ويعيشان على أرض واحدة، الأول هو "دولة الأقليات المتساندة والجنرال في القلب" التي تحكم مصر منذ استقر الأمر لمحمد علي بعد مذبحة القلعة (أول مارس/ آذار 1811م) والثاني هو الفصيل الجهادي، الذي يمثل جزءا من الحركة السلفية، وهي بدورها جزء من التيار الإسلامي، الذي ينتمي إلى دولة "الأغلبية المستبعدة".
والنصر في حرب كهذه أصعب بكثير من النجاح في ثورة، إذ لا بد من إنجاز حسم عسكري، كان من المستحيل تحقيقه بجزء من دولة لا مؤسسات لها في مواجهة الدولة الحاكمة، وكان من المستحيل على الدولة الحاكمة أن تحوله إلى "استئصال" من شأنه أن يستدعي بقية فصائل "الأغلبية المستبعدة" التي تشكل فيما بينها مجتمعا مترابطا بخيوط من المصلحة والمصير المشترك.
وهذا الموقف لا يمكن لدولة حصيفة أن تورط نفسها فيه، لهذا أوقفت الدولة الحرب الأهلية التي سمتها حربا فعلا "الحرب على الإرهاب" عند حدود "إخضاع العدو". وأعلنت الكتلة الرئيسية من الفصيل الجهادي امتثالها لشروط الهدنة المفروضة عليها في هذه الحرب، عبر ما عرف بـ"المراجعات" التي صدرت عن الجماعة الإسلامية، وعن تنظيم الجهاد أيضا.
أما عن عدم التعاطف مع ضحايا الجماعة الإسلامية، فلأن هذه الجماعة تنتمي لدولة أخرى غير الدولة صاحبة الهيمنة الإعلامية والسياسية. ومن هنا كان يمكن لأي عابر سبيل أن يهز كتفيه ويمضي، غير عابئ بهذا الرجل ذي الجلباب القصير الذي تعرض توا لرصاصات قاتلة، لأن "عابر السبيل" هذا كان "مغسول الدماغ" بحيث لا يتصور وجود صلة ما تربطه بالضحية.
صحيح أن الجماعة الإسلامية كانت تنتمي لدولة "الأغلبية المستبعدة" لكنها أغلبية مفككة عبر قمع ومنع ومصادرة طوال القرنين الماضيين، وهما القرنان الأكثر تأثيرا والأسرع تطورا في تاريخ البشرية، مما جعل هذه الدولة تتخلف زمنا يصعب قياسه، وتفتقر -لطول الغياب عن المشاركة ولقلة الوعي- إلى بنيان مؤسسي حقيقي، بينما دولة "الأقليات المتساندة" تملك "ترسانة" من المؤسسات الإعلامية والسياسية والاقتصادية، كما تملك دعما وصلات خارجية من دون حدود، مما يمنحها قوة وتماسكا، حتى وإن كانت قدرتها على الحشد باهتة.
لهذا لم يجد ضحايا "الحرب على الإرهاب" مؤسسة تتبنى قضيتهم، لم يكن لهم ظهير من المجتمع الدولي (بالعكس كان هذا المجتمع ومازال عدوا صريحا) ولا إعلام يتحدث بلسانهم، ولا مؤسسة سياسية توسع دائرة أنصارهم.
وهذا قصور مؤسسي فادح، شعر به -وإن لم يدرك أبعاده- "الفصيل الجهادي" منذ البداية، لهذا عمد فورا إلى "المواجهة المسلحة" التي تعتمد على القوة، لا إلى "الثورة" التي تعتمد على الكثرة، وهو خيار أفقد الجهاديين أهم أوراق قوتهم، بأن عزلهم عن أغلبية ينتمون إليها، وألجأهم إلى قوة لا يملكون أسبابها.
لهذا كان التيار الإسلامي بالغ الحذر عند مشاركته في الثورة، ولهذا سيطر عليه هاجس "الفتنة" التي أحرقته نارها من قبل، غير قادر -للوهلة الأولى- على إدراك الاختلاف في معطيات المشهد.
لكنه سرعان ما تجاوز هذه البداية القلقة، بحيث يمكن القول الآن إنه ما كان يمكن للثورة المصرية أن تنطلق من الإسلاميين، وما كان يمكن لها أن تستمر من دونهم.
والآن يكثر الحديث عن دور "تطور وسائل الاتصالات" في إطلاق الثورة، وهو -مع كل التقدير لأهميته- عامل مهيئ، مجرد عامل مهيئ. وكذلك عن دور "صراع الأجيال" وهو عامل مهم، لكنه موجود طوال الوقت، حيث شيوخ اليوم كانوا بالأمس شبابا، وشباب اليوم سيصبحون في غد شيوخا.. وهلم جرا.
لكن لا أحد يتحدث عن "بؤرة التوتر الدائم" المتمثلة في دولتين توجدان وربما تتواجهان في اللحظة نفسها، دولة تنهض من ركام عهدها البائد، هي دولة "الأقليات المتساندة" بجنرالها الذي تقدر أنه يميل في النهاية إلى التوافق معها، برغم كل "الغزل" المتبادل مع قوى إسلامية، ودولة "الأغلبية المستبعدة"، بتخلفها المؤسسي الذي تحاول تجاوزه عبر "كوادرها" لكنها تتقدم ببطء تحتاج معه إلى وقت غير متاح، وإلى مناخ هو حتى الآن غير موات.
وإذا كان احتمال استيعاب حشد "الأغلبية المستبعدة" في مؤسسات "الأقليات المتساندة" يبدو مخرجا ملائما لتجنب المواجهة، فإن "ورقة الطائفية" التي يتعلق بها أصحاب المصلحة في بقاء الحال على ما هي عليه، تسد سبل هذا الحل، وتبقي مصر عالقة بين "البائد" و"المتخلف".
المصدر : الجزيرة

غدا جمعة الوفاق ولم الشمل واتحاد القوى الوطنية بميدان التحرير

غدا جمعة الوفاق ولم الشمل واتحاد القوى الوطنية بميدان التحرير
محيط ـ هالة عبد الرحمن

لاول مرة منذ تنحي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك تتفق القوى الوطنية باختلاف توجهاتها وسياستها المخفية والمعلنة على مطالب واحدة تلتف حولها في جمعة 29 يوليو التي حظيت بأكبر عدد من الأسماء من بينها جمعة "الوفاق الوطني" و"جمعة لم الشمل" و"مصر اولا" أو "جمعة الاستقرار" والتطهير".
والواقع فان اختلاف مسمياتها لا ينفي توافق القوى الوطنية والسياسية على رفض ما قام به المجلس العسكري من قرارات فردية لم يشارك فيها اي فصيل سياسي مؤخرا .
فيرى الكثيون أن ما قام به المجلس العسكري من اصدار قانوني الشعب والشورى واعلان وثيقة مبادئ فوق دستورية استفز كل القوى الوطنية بما فيها من التيارات الاسلامية يقال انها تهادن العسكري مقابل الوصول للحكم ،فقد اعلن التيار السلفي والجماعة الاسلامية مشاركتهم في جمعة "الاستقرار والتطهير " لاول مرة بعد جمعة 8 يوليو اعتراضا على أداء المجلس العكسري مؤخرا .
وقام مراسل "محيط " بالنزول الى ميدان التحرير من اجل الوقوف على مجريات الامور قبل جمعة الغد التي توقع الكثير حدوث حالة من الانقسام والصدام بين معتصمي التحرير وانصار التيار الاسلامي .
وصاية على الشعبمن جهته قال عبد الله الديب عضو التيار السلفي ،الذي شارك في استعدادات التيار السلفي للاعداد لجمعة "الاستقرار والتطهير "،"نزلنا ميدان التحرير للتاكيد على اهمية العمل وتشغيل عجلة الانتاج ،وللاعتراض على ماقام به المجلس العسكري مؤخرا من سياسيات وقرارات منفردة لفرض وصايته على الشعب المصري من خلال وضع وثيقة حاكمة للدستور".
 واضاف "لابد ان نعطي الفرصة للشعب لكي يقول كلمته ويلتزم العسكري بنتائج الاستفتاء السابق".


هل تقع مصادمات؟!


وعن فكرة الصدام المتوقع حدوثه بين الاسلاميين ومعتصمي التحرير غدا الجمعة ،نفى ما تداولته وسائل الاعلام من سعي الاسلاميين لفض اعتصام التحرير بالقوة او محاولة خطف الميدان من ثوراه الحقيقيين ،قائلا"كل معتصمي التحرير اخوة لنا على الرغم من الاختلاف معهم في بعض الافكار التي لا تناسب طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر ".
وذكر الديب"بالرغم من بطء أداء المجلس العسكري إلا ان فكرة تشكيل مجلس رئاسي مدني التي ينادي بها ثوار التحرير غير موفقة لان تشكيل مجلس رئاسي يعني ضرورة تمثيل كل القوى الوطنية داخله بالتساوي ،فمن سيضمن هذه المسالة ".
وأكد ان التيار السلفي يؤيد فكرة محاكمة المدنيين داخل المحاكم المدنية وليست العسكرية ،بالاضافة الى مطالب التعجيل بالمحاكمات".
وتوقع ان تختلف جمعة الغد عن اي جمعة سابقة ،حيث ستشهد حشود غفيره ،موضحا "ستكون أكبر من جمعة التنحي".
شو اعلاميبينما اعتبر محمود شرف عضو اللجنة الاعلامية لاتحاد شباب الثورة نزول الاسلاميين في هذا التوقيت من أجل "شو اعلامي" فقط،موضحا "لم يساندنا التيار الاسلامي ولا الاخوان في اغلب المليونيات السابقة وتخلوا عنا ".


هل يشهد التحرير جمعة وحدة وطنية


واكد ان قيام المجلس العسكري بوضع مبادئ حاكمة للدستور سببا مباشرا لنزول الاسلاميين الى ميدان التحرير لان هذه المبادئ قد تفوت عليهم فرصة وصولهم للسلطة ،مشيرا الى ان عدم مشاركة الاسلاميين في جمعة الغد كان سيقلل من شعبيتهم.
وطالب  التيارات الاسلامية بالوقوف مع ثوار التحرير لحين تنفيذ كافة مطالبهم.
وانتقد تسمية  التيارات الاسلامية لجمعة الغد بجمعة "التطهير والاستقرار"،قائلا معنى الاستقرار هو ان المعتصمين بالتحرير ضد الاستقرار واتهام لهم بتعطيل مسيرة الحياة ،وهذا أمر عاري من الصحة".
واضاف "التطهير تعني تطهير الميدان من العمتصمين ".
الصدام المؤكدوتوقع شباب حركة "6ابريل "ان يحدث صدام بينهم بيون الاسلاميين ،فقال محمد عادل المنسق الاعلامي لحركة 6 ابريل "الجبهة الديمقراطية " "من المؤكد ان يحدث صدام غدا الجمعة "،مشيرا الى انه يتم تدشين منصات داخل الميدان للتيارات الاسلامي ،بينما لا يوجد منصات لشباب 6 ابريل".
وقال "لن نفض اعتصامنا لحين تنفيذ كل مطالبنا بداية من وقف محاكمة المدنيين داخل المحاكم العسكرية حتى وضع حد اقصى وادنى للاجور ومحاكمة الفاسدين".
وأيد عضو حركة 6 ابريل "نزول اي فصيل سياسي ميدان التحرير لتحريك المياه الراكدة والضغط على المجلس العسكري لتحقيق كافة مطالب الثورة "،معتبرا التراجع عن الاعتصام والتظاهر قضاء على الثورة وانجازتها وعودة الى ما كانت عليه البلاد في عصر مبارك.

بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة