أصدر أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يوم الاثنين بياناً للرد على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالحريات الدينية في مصر.وفيما يلي نص البيان:
اجتمع مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وتدارس تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالحريات الدينية في مصر، ولاحظ المجمع وجود مغالطات صارخة في التقرير بعضها مرجعه الجهل بحقائق الإسلام وبحقائق أوضاع الأقليات الدينية في مصر، بعضها الآخر سوء النية والتدخل في شئون مصر الداخلية، وانتهاك سيادتها الوطنية.
وفي مواجهة هذه المغالطات يقدم المجمع لرأي العام العالمي والمحلي وللدوائر الأمريكية التي أعدت وأصدرت هذا التقرير وأيضا للأفراد والجماعات التي أمدت الإدارة الأمريكية بهذه المغالطات الحقائق التي تصحح هذه الأكاذيب:
أولا : أنه ليس صحيحا أن مصر تقيد حرية الاعتقاد ولا الممارسات الدينية، ذلك أن بناء دور العبادة في مصر ينظمه القانون ولبناء المساجد شروط تسعة تفوق في الضوابط نظيرتها في بناء الكنائس، كما أن نسبة عدد الكنائس في مصر لعدد المسيحيين المصريين -الذين يعيش كثير منهم في المهجر- مقاربة لنظيرتها (المساجد) المخصصة للمسلمين، وكنائس مصر وأديرتها أبوابها مفتوحة على مدار اليوم ومنابرها حرة ولا دخل للحكومة في تعيين القيادات الدينية المسيحية في حين أن كل الوظائف الدينية الإسلامية تشغل بالتعيين من قبل الحكومة.
فمنذ سنة 1952 ضمت الحكومة الأوقاف الإسلامية بينما ظلت الأوقاف المسيحية قائمة وتحقق الحرية والاستقلال المالي للكنائس والأديرة، والأنشطة الدينية المسيحية، وكما تعلمون فلقد شاركت الدولة بشكل كبير في نفقات إقامة كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس التي تعد أكبر الكاتدرائيات في الشرق الأوسط، كما تقوم الدولة برعاية الآثار المسيحية واليهودية مثلها مثل الآثار الإسلامية سواء بسواء.
ثانيا : أما النص الدستوري على أن دين الدولة لمصر هو الإسلام وأن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وأن اللغة العربية هي اللغة القومية لمصر فهو جزء أصيل من تاريخ مصر الإسلامي الذي مضى عليه أكثر من 14 قرن، وتعبير عن هوية الدولة والمجتمع والأمة مثلما تعبر العلمانية عن هوية بعض المجتمعات، والليبرالية عن مجتمعات أخرى، وفي هذه المجتمعات العلمانية والليبرالية تعيش أقليات إسلامية لا تعترض على هوية المجتمعات التي تعيش فيها.
وهذه الهوية العربية الإسلامية لمصر اختارتها اللجنة التي وضعت الدستور المصري في عام 1923 بجميع أعضائها بما فيها القيادات المسيحية، ولقد صادقت الأمة على التعديلات التي أقرت بالدستور فهي تعبير حر عن إرادة الأمة على اختلاف أديانها وليس أمرا مفروضا على غير المسلمين.
كما أن التشريعات الإسلامية لا تجور على الخصوصية الدينية لغير المسلمين، كما أن القانون الإسلامي ليس بديلا للقانون المسيحي، وإنما هو بديل للغزو الثقافي والقانوني الاستعماري الذي أراد فرضه الاستعمار على بلادنا في ظل الاحتلال، فالقانون الإسلامي في حقيقته قانون وطني يعبر عن هوية المصريين والخصوصية الحضارية للشرقيين بصفة عامة.
ثالثا : أما دعوى منع الحكومة المصرية حرية التبشير بالمسيحية هي دعوى مجانبة للحق والصواب، فلكل صاحب دين سماوي حرية عرض دينه في مصر والدفاع عنه.. أما الممنوع فهو التنصير الذي تمارسه دوائر غربية أجنبية، وجاءت مع الاستعمار الأجنبي في القرن 19، ويشهد على هذه الحقيقة أن المنصرين الأمريكيين دخلوا العراق على دبابات الغزو الأمريكي ويمارسون التنصير في العراق وأفغانستان تحت حماية جيوش الاحتلال، فالتنصير أمر مختلف عن حرية الدعوة المسيحية.
ودخل في إطار الغزو الفكري الذي يقوم على ازدراء دين الأغلبية ( الإسلام)، ومنعه هو جزء من الحفاظ على الاستقلال الحضاري والأمن الاجتماعي ومنع الفتن الطائفية وليس تعصبا دينيا ضد المسيحية الذي يعترف بها الإسلام ويحمي رموزها..بل إن التنصير الأجنبي ممنوع طالما مثل خطرا على الكنائس المسيحية المصرية لأنه لا يعترف بالإسلام ولا بالمذاهب المسيحية الشرقية.
رابعا: أما إباحة الشريعة الإسلامية زواج المسلم بالمسيحية واليهودية ومنعه زواج المسلمة من غير المسلم فلا علاقة له بالتمييز السلبي أو التعصب الديني، وإنما مرجعه أن المسلم بحكم عقيدته يحترم الديانة اليهودية والمسيحية وينص القرآن على أن في التوراة والإنجيل هدى ونور، ومن ثم فالمسلم مؤتمن على عقيدة زوجته المسيحية واليهودية ومطالب دينيا باحترام عقيدة زوجته ، وتمكينها من أداء شعائرها ، بينما غير المسلم لا يعترف بالإسلام ولا يقدس رموزه ، وغير مطالب دينيا باحترام عقيدة المسلمة .. الأمر الذي يشكل مخاوف حقيقية على عقيدتها ، وحريتها وممارستها الدينية إذا تزوجت من لا يعترف بدينها ولا يحترم ، فالقضية في واقع الأمر أقرب لمسألة الكفاءة بين الأزواج منها إلى التعصب والتسامح الديني.
أما مطالبة التقرير الأمريكي بزواج المصريين المسلمين بأهل الديانات الوضعية فهي تكشف عن جهل وافتراء لأن مصر ليس بها ديانات غير سماوية.
خامساً: خلافنا مع التقرير الأمريكي في كثير من القضايا ليس حول درجة الحرية، وإنما حول مفهوم الحرية حيث أن العقلية الغربية تجعل الشذوذ الجنسي وزواج الشواذ من الحرية وحقوق الإنسان بينما الحرية المرجعية في الديانات السماوية الثلاث تنكر ذلك.
فالخلاف حول مفهوم الحرية وليس حول درجة الحرية، والغريب هي محاولة الغرب الذي يمثل 20 % من البشرية فرض مفاهيمه اللادينية على الأمم والشعوب الأخرى، والتي تؤمن بأن حقوق الإنسان يجب أن تكون محكومة بحدود الله والقيم التي جاءت بها الأديان السماوية، والغرب وخاصة أمريكا حينما يعمل على فرض مفاهيمه على الآخرين يخون الليبرالية التي يتشدق بها، والتي تقوم على تنوع الثقافات والحضارات وتدعو لاحترام هذا التنوع في الثقافات.
سادساً : يعبر حديث التقرير الأمريكي عن ظلم الإسلام للمرأة في الميراث عن جهل بالحقائق الإسلامية ، فالأنثى في الإسلام ترث مثل الذكر فقد ترث أكثر من الرجل في حالات كثيرة، بينما ترث نصف نصيب الذكر في أربع حالات فقط هي التي يكون العبء المالي فيها ملقى على الذكور دون الإناث.
سابعاً: كما ينم حديث التقرير الأمريكي عن أوضاع المتحولين للإسلام أو إليه عن جهل بالقيم الثقافية التي يتفق فيها الشرقيون على مختلف دياناتهم، ففي المجتمعات الشرقية لا ينظر للدين على أنه شأن فردي أو شخصي بل يعبر عن هوية شرقية تمثل العرض والشرف وقد يعلو عليه، ومن ثم فالانسلاخ عنه والتحول منه يمثل مشكلة عائلية واجتماعية وفي هذا يتفق الشرقيون جميعا، وربما موقف الأوساط المسيحية في مصر من هذه القضية أكثر تشددا.
والقانون في أي مجتمع من المجتمعات يعبر عن الواقع الاجتماعي ليضبط حركة هذا الواقع ودون مراعاة هذه العادات والتقاليد لا يمكن للقانون أن يحقق السلام الاجتماعي.
ثامناً: أما قضية الحجاب فإن الأغلبية الساحقة في مصر تعتبر الحجاب حرية شخصية، وإذا كان الغرب يعتبر الحرية الشخصية في الزي مقصورة على العري فإن الحرية في الإسلام والمسيحية واليهودية تشير إلى الحشمة ، وتحبزها وترغب فيها .
تاسعاً: أما ما ذكره التقرير بولاية الأزهر ومجمع البحوث على الشأن الديني ومنعه للكتب والمطبوعات حديث به جهل وافتراء كبير لأن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة تستشيره الدولة في الشأن الديني كما تستشير أي مؤسسة فيما تختص به، وليس من سلطة الأزهر منع الكتب والمصنفات الفنية بل يبدي رأيه الاستشاري، أما المنع فهو من اختصاص القضاء يطبق فيه القانون الوضعي .
عاشراً: وفيما يتعلق بإنفاق وزارة الأوقاف على المساجد دون الكنائس أمر طبيعي وليس فيه تميز لأن الوزارة تنفق على المساجد من الأوقاف الإسلامية التي ضمت للدولة، بينما ظلت أوقاف الكنائس قائمة تديرها الكنيسة وتحقق لها الاستقلال المالي عن الدولة.
11- أما ما ورد عن الخط (القانون) الهيمايوني العثماني الذي صدر 1856 ليكفل مزيد من الحريات الدينية لرعاية الأقليات في البلقان، وأن مصر مازالت ملتزمة به فإن هذا الخط لم يكن قانونا مطبقا في مصر، لأن مصر كانت ولاية عثمانية ممتازة متمتعة باستقلال في التشريع وكل القوانين واللوائح التي نظمت عمل الكنائس وبناء مساجدها مثلها مثل التشريعات التي تنظم عمل المعاهد الدينية الإسلامية.
12- ومن الأمور التي تدعو للسعادة أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر يشترك فيه عدد من أبرز الشخصيات المسيحية المصرية ويلعبون دورا أساسيا ، وبالتالي فمراقبة حقوق الإنسان في مصر يقوم عليها المصريون جميعا بمساهمة محترمة ومقدرة من إخواننا المسيحيين.
13- وبخصوص قصر الدراسة بالأزهر على المسلمين لا علاقة له بالتمييز السلبي أو التعصب لغير المسلمين حيث ان جامعة الأزهر تضم مواد إسلامية لا يجوز فرضها على غير المسلمين، بل أن خريجي المدارس الحكومية من المسلمين لا يحق لهم الالتحاق بجامعة الأزهر لأنهم لم يدرسوا العلوم الشرعية، وهذا شأنه شان كل الجامعات التي تدرس اللاهوت المسيحي.
14- أما عن ضعف مشاركة المسيحيين في الانتخابات النيابية هي جزء من من السلبية العام لجميع المصريين والأزهر يسعده أن تزول هذه السلبية بحيث يصبح المصريون جميعا فاعلين في المشاركة النيابية.
15- أما القول بأن ذبح الخنازير كان عملا متعصبا استهدف إخواننا المسيحيين، فالخنازير ليس لها دين واللذين روجوا لخطر إنفلونزا الخنازير هي منظمة الصحة العالمية.
16- تحدث التقرير عن تدخل أعضاء الكونجرس والإدارة والسفارة الأمريكية في الشأن المصري بالتمويل والاتصالات والعلاقات مع بعض المسيحيين والبهائيين والشيعة، ومن يسمون بالقرآنيين والأحباش وحتى النوبيين وما ذكره التقرير هو اعتراف صريح لسياسات أمريكا بتفتيت النسيج الوطني والاجتماعي والثفافي المصري، وذلك تحقيقا للمخطط الأمريكي المعلن والمسمى بالفوضى الخلاقة، والرامية لتحويل المجتمع إلى طوائف يسهل اختراقها، وهو مخطط سبق ودعى إليه المستشرق الصهيوني الأمريكي بيرنارد لويس الذي دعا لتحويل المجتمعات الإسلامية لفيسفاء ورقية لتحقيق الأمن والتفوق الإسرائيلي.
ويتساءل المجمع لماذا لا تكون متابعة شئون حقوق الإنسان عالمية وإصدار التقارير السنوية عنها شأن من الشئون الدولية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولماذا تغتصب أمريكا اختصاصات الشرعية الدولية في هذا المجال".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق