اتخذ الغرب تللك الخرافات سببا ووسيلة للنيل من الإسلام والمسلمين ، فشن حربا شعواء ضد العالم الإسلامي ، بدأت بأفغانستان ، ثم أردفتها بالعراق ، ثم الان سوريا ، وليبيا ، وتتجه إلى اليمن ومصر ، ولاندري على من يأتي الدور بعد ذلك ، ولم يكتف بهذه الهجمة المسلحة ، بل صاحبتها دعوات وإملاءات للعالم الإسلامي ، بل أوامر - مدعومة بالتلويح بالدبابات والطائرات - بتنفيذ إصلاحات في جميع المجالات الحياتية : سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ...إلخ ، تطلب القوة العظمى الوحيدة في العالم من حكومات العالم الإسلامي أن تطبق النظام الديمقراطي الغربي ، بما فيه من حرية الكلمة ، وحقوق الإنسان ، والنهوض بالمرأة ، وخصخصة الاقتصاد ، واعتماد وتقوية حرية التجارة والصناعة وتوابعهما ، حتى أنهم يحاولون حملنا على مباركة الحرية الجنسية ، بما فيها من نظام زواج المثليين .
ويرون ان تنفيذ هذه المطالب يساعد على محاصرة الإرهاب ومكافحته ، نرى ذلك كله ونسمعه ونقرأه في المنتج الثقافي الغربي , إذ لا تفتأ وسائل الإعلام من نشر المقالات والتحقيقات والمقابلات المرئية والمسموعة والمقروءة التي تصب في هذا الإطار ..... حتى أصبحت قضية الإصلاح والتغيير في العالم الإسلامي تكاد تكون هي الموضوع الرئيس في الساحة الثقافية الفكرية ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل تجاوزه إلى المطالبة بتغيير هويتنا وكياننا الثقافي والديني ، وذلك بالإيحاء - أو الامر غير المباشر - بتغيير مناهج التعليم في مدارسنا وجامعاتنا ، معللين ذلك بأن المنهج الحالي يربي النشء على التعصب ورفض الغير ، بل يدعوا إلى التطرف والإرهاب ، ومما يؤسف له أن بعض المثقفين والمفكرين في العالم الإسلامي تجاوبوا مع هذه النغمة ، فانضموا إلى المطالبين بتغيير المناهج الدينية ، والبعض الاخر غلف توجهه الفكري بغلاف رقيق ، كي يبدو مستقلا عن هذه الدعوة ، ويوحي بأن ما يطالب به هو رغبة ذاتية في التطوير ومسايرة العصر ، ومن ذلك ما شاع في الأوساط الثقافية بما يسمى " تطوير الخطاب الديني " إذ من يرفع هذا الشعار يحاول أن يدفع عن نفسه تهمة مسايرة الاتجاه الغربي ، ليبدو مدافعا عن الإسلام ، ومدعيا أنه - من واقع الحرص على تقوية الدعوة الإسلامية حتى تساير العصر - ينادي بتطوير الخطاب .
هذا هو ما ترمي إليه القوة الكونية الوحيدة - والتي نصبت نفسها حامية الحمى - في العالم ، لأنها ترى أن مباديء الإسلام تغرس في نفوس المسلمين كراهية الاخر ، وتدفعهم إلى عدم قبوله ، ومحاولة تدميره ، ولم يقف الأمر عند الرغبة في التغيير ، بل وصل إلى أسلوب الإملاء مشفوعا بالتهديد بالسلاح ، وقد اتخذ الغرب خطوات عملية لتنفيذ ذلك فوزعوا الأدوار عليهم ، حيث اتفقوا في اجتماع مجموعة الثمانية على أن تقوم كل دولة بتنفيذ ما يطلب منها تغيير في القطر الذي عينته المجموعة لها من الأقطار الإسلاميةوالعربية .
وهذا يذكرنا بما حدث في معاهدة سايكس بيكو في القرن الماضي ، حيث قسمت تركة الخلافة الإسلامية على الدول الأوربية التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى ، لم يحرك أحد من العالم الإسلامي ساكنا إزاء هذا التوزيع في القرن الحادي والعشرين ، بل ساد الصمت والكتمان على هذه الأخبار ربوع أقطارنا ، إذ لم نسمع صوتا واحدا يعلق على هذا الاتفاق ، بل لم يجرؤ أحد على نشره في أي وسيلة من وسائلنا الإعلامية ، الغارقة في نشر وإذاعة ما يساعد على تدمير شبابنا ، بدل أن يبينوا ما ينسج حولهم من شباك ، وما يرسم لهم من خرائط ثقافية تقضي على هويتهم ، وتمحو كيانهم ، وتطمس معالم دينهم .
يجب على المسلمين أن يتمسكوا بمبادئهم ، فيحفظوا دينهم ، ويحموا هويتهم من التاكل والتحلل وسط التيارات المتدفقة من الغرب ، وحتى وإن أدى ذلك إلى بذل كل ما لديهم من قوة ، واستخدام كل ما تحت أيديهم من أسلحة : سياسية واقتصادية وتجارية ..و .. و.. إلخ ، فإن اقتضى الأمر في اخر المطاف إلى حشد الجيوش فلا يتراجعوا ....وإلا ذابت هويتهم ، واندثرت عقيدتهم ، وضاعت ثرواتهم ، فلا يملكون إلا الركوع أمام أعدائهم ، يلتقطون ما يرمونه تحت أقدامهم من فتات ، ويفتشون في صناديق نفاياتهم عن بقايا طعام يسدون به رمقهم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها " قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله ! قال : لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن " قلنا : وما الوهن يارسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " مسند الإمام أحمد ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومسند الشاميين ، ومسند الطيالسي ، والمعجم الكبير.
دب الضعف في قلوبنا ، فارتعدت فرائصنا مما فعلته القوة العظمى الوحيدة في العالم ، وخارت قوانا من فرط الهلع الذي أصابنا ، عندما رأينا ما حدث لإخواننا في أفغانستان والعراق ، فلم نحرك ساكنا ، ولم ننبذ ببنت شفة إعتراضا - مجرد اعتراض - على هذا الاعتداء ، ووقفنا مذعورين مما سيحل بنا عندما يجيء دورنا ، فشُلت إرادتنا ، وتعطلت حواسنا ، فأصبحنا جثة هامدة ، خرجت من الحياة ، وودعت الوجود ، وتنتظر من يواريها التراب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق