الخميس، 22 مارس 2012

سرطان الدم ...المرض القابل للشفاء

د.عبدالرحيم قارى
استشاري أمراض الدم والأورام

 بالرغم من حدوث تقدم كبير في النواحي المختلفة في الطب خلال القرن العشرين لا يزال يحتل مرض السرطان موقعا حساسا في وعي جمهور الناس من حيث إثارته لمشاعر الخوف والقلق لدى الكثيرين. وبالرغم من التقدم الكبير في علاج سرطانات الدم والأورام الليمفاوية بالذات، بشكل يفوق حتى التقدم الذي حصل في الأورام الأخرى، والذي يتمثل في أن هذه الأمراض كانت مؤدية إلى الوفاة كلها تقريبا قبل الستينات من القرن العشرين، بينما يمكن الشفاء التام من معظمها اليوم بنسب تتراوح بين 25 إلى 90 %، بالرغم من هذا التقدم الكبير لا تزال أورام الدم والغدد الليمفاوية تثير الفزع والقلق لدى الكثيرين من الناس وذلك يرجع إلى عدة أسباب من ضمنها كون هذه الأمراض تصيب بنسبة أكبر شريحة من صغار السن سواء الأطفال أو الشباب.

 ما هو السرطان، وما هي سرطانات الدم؟

 
من المعلوم أن السرطان هو عبارة عن أنواع مختلفة تصيب أعضاء وأنسجة مختلفة من الجسم. ومن ضمن هذه الأنواع المختلفة ما يسمى بسرطان الدم الذي هو عبارة عن مرض خبيث يصيب الخلايا المكونة للدم والموجودة في النخاع العظمي، وهو بحد ذاته ليس عبارة عن مرض واحد بل أنواع مختلفة يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام أساسية تختلف في وسائل علاجها وأيضا مقدار استجابتها للعلاج وهذا ما سنفصله فيما بعد. إلى جانب ذلك هناك الأورام الليمفاوية التي يمكن اعتبارها أيضا سرطانات مرتبطة بالدم حيث إن الخلايا الليمفاوية والعقد الليمفاوية تمثل وحدة واحدة من خلايا الدم والنخاع العظمي (المنتج للدم). 

وبدورها الأورام الليمفاوية تنقسم إلى أمراض مختلفة ويمكن اعتبارها بشكل مبسط مكونة من ثلاثة أمراض أو مجموعات مرضية هي مرض هودجكن، الورم الليمفاوي من نوع غير هودجكن، الورم النخاعي أو النقوي المتعدد. بالرغم من هذا التقسيم نلاحظ فوارق بيولوجية وعلاجية بين الأنواع الدقيقة المختلفة، خاصة تلك التي تجتمع تحت ما يسمى بالأورام الليمفاوية من نوع غير هودجكن .
إن السرطان بعد تشخيصه يجب أن يحدد مدى انتشاره، وبشكل مبسط يمكن تحديد مراحل الانتشار إلى ثلاثة مراحل: انتشار في موضع النشوء، انتشار في منطقة النشوء، انتشار عام.


 إن علاج أي مرض سرطاني يكون اليوم بأحد ثلاث وسائل أساسية: العلاج الحراري، العلاج الإشعاعي، العلاج الدوائي (الكيماوي) وقد حصل خلال العقود الماضية تقدم كبير أدى إلى الوصول إلى الشفاء التام من أنواع عديدة من السرطان. والشفاء التام يكون في حالة أنواع معينة من السرطان بواسطة العلاج الجراحي بالدرجة الأولى، في مقدمة هذه الأنواع سرطانات الدم أو الأورام الليمفاوية الخبيثة حيث إن هذه الأمراض المذكورة يمكن اعتبارها جميعا في حالة انتشار عام، مثل انتشار الدم في الجسم .

أسباب السرطان عامة وسرطان الدم خاصة:

الأسباب المؤدية للميل إلى نشوء الأورام:


1 ـ الاختلالات الوراثية:

من المعروف أن هناك اختلالات وراثية تجعل الإنسان عرضة لنشوء الأورام أشهرها مرض متلازمة داون (Down Syndrome) أو ما يسمى بالطفل المنغولي.

2 ـ التعرض للإشعاع

3 ـ العلاج الإشعاعي والكيماوي

بعد استخدام العلاج الإشعاعي في عشرات الآلاف من المرضى خلال القرن العشرين ثبت علميا بالملاحظة ثم بالدراسات أن العلاج الإشعاعي وكذلك الكيماوي يسبب بنفسه في بعض الحالات أورام الدم التي لا علاقة لها بالورم الأصلي الذي تم استخدام العلاج الإشعاعي أو الكيماوي لأجله.

4 ـ التعرض لبعض المواد الكيماوية

من الأسباب التي توجد بعض أمراض الدم ومنها بعض حالات أمراض الدم الخبيثة التعرض المتكرر لمواد كيماوية أثناء العمل

5 ـ أمراض الدم المؤدية إلى سرطان الدم

هناك أمراض غير خبيثة بالدم يمكن لها بعد سنوات أن تتحول إلى أمراض دم خبيثة مثل فقر الدم اللاتنسجي ومرض تكسر كريات الدم الحمراء الليلي الفجائي وكذلك هناك أمرض دم خبيثة مزمنة تتحول إلى سرطان دم حاد بعد سنوات مثل تكاثر كريات الدم الحقيقي وتليف النخاع العظمي وسرطان الدم المزمن سواء النخاعي أو الليمفاوي .

 6ـ الفيروسات

هناك فيروسات تسبب أوراما مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي من نوع ب أو فيروس EBV  الذي يسبب أورام البلعوم الأنفي، وقد وجد أن لهذا الفيروس علاقة وثيقة بالأورام الليمفاوية من نوع (Burkitt) الذي يظهر في مناطق في أفريقيا, وكذلك بالأورام الليمفاوية التي تظهر بعد زراعة الأعضاء أو عند مرضى الإيدز، كذلك هناك فيروس يختصر اسمه HTLV-1  يسبب مرضًا خبيثًا بالدم يختصر اسمه ATLL وهذا الفيروس انتشر وجوده في مناطق غرب أفريقيا ومنطقة بحر الكاريبي وبعض مناطق اليابان .

أنواع سرطان الدم

تنقسم سرطانات الدم إلى أربعة أنواع رئيسية هي :سرطان الدم النخاعي الحاد، سرطان الدم الليمفاوي الحاد، سرطان الدم النخاعي المزمن، سرطان الدم الليمفاوي المزمن. وهناك أنواع أخرى نادرة تدخل ضمن أحد الأنواع الأربعة المذكورة وإن كان لها خصائص بها. وقد سمي النوعان الأولان بسرطان الدم الحاد لأنه في الأزمنة التي لم يكن هناك علاج متوفر لهذه الأمراض كانت المدة المتوقعة لبقاء المريض فترة أشهر، بينما يمكن توقع بقاء المريض في النوعين الآخرين لسنوات حتى لو لم يتلقى أي علاج.
والحقيقة أن هذه الأمراض الأربعة أنواع مستقلة يختلف الواحد عن الآخر ويختلف علاجها وتختلف استجابتها للعلاج ولذلك تختلف فرص الشفاء منها.
يجمع هذه الأمراض أنها تنشأ في النخاع العظمي وتسبب احتلال حيز من مساحة النخاع العظمي يجعل الخلايا الطبيعية لا تجد مساحة كافية للتكاثر لإنتاج مكونات الدم من كريات الدم الحمراء أو البيضاء أو الصفائح الدموية.
ولذلك تتميز كلها بأنها تسبب فقر دم أو ضعف الخلايا المتعادلة وبالتالي ضعف في المناعة أو ضعف إنتاج الصفائح الدموية وبالتالي الميل إلى النزف وإن كانت هذه الأعراض تختلف من مرض إلى آخر .
وسنحاول فيما يلي بحث هذه الأمراض الواحد تلو الآخر .

 سرطان الدم النخاعي الحاد:

يكثر هذا المرض لدى البالغين ويقل لدى الأطفال وفي هذا المرض تتكاثر خلايا بدائية (Primitive)  تشبه الخلايا الأم حتى تملأ معظم النخاع العظمي (شكل رقم 1) بحيث لا تبقى سوى مساحة محدودة للخلايا الطبيعية، فتحدث الأعراض لما يسمى بفشل النخاع العظمي .
أعراض سرطان الدم النخاعي الحاد:
تكون أعراض سرطان الدم النخاعي الحاد عادة غير خاصة بهذا المرض لوحده، فمثلا يشعر المريض بضعف عام ودوار وإرهاق وضيق في التنفس عند بذل مجهود وخفقان بالقلب وقد يميل إلى النزف من اللثة أو الأنف وقد تظهر عليه آثار نزف تحت الجلد على شكل طفح في الساقين أو بقع دموية في أنحاء مختلفة من الجسم وقد ترتفع درجة الحرارة لديه لوجود عدوى بكتيرية في مكان من الجسم أو عامة في الدم، وتسمى هذه الأعراض أعراض فشل النخاع العظمي وذلك لأن سببها ضعف إنتاج كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية .

علاج سرطان الدم النخاعي الحاد:

يكون علاج هذا المرض عن طريق العلاج الكيماوي المكثف الذي يستمر لمدة 5 إلى 10 أيام باستخدام 2 إلى 3 عقاقير، تشمل في الغالب عقار Cytarabine واحد في العقاقير من مجموعة Anthracycline مثل عقار Daunorubicine .
وللأسف فإن جميع العقاقير المؤثرة في هذا المرض تهاجم الخلايا الطبيعية للنخاع العظمي مثل ما تهاجم خلايا المرض الخبيثة ولذلك تزداد أعراض فشل النخاع العظمي لفترة مؤقتة تطول ثلاثة إلى أربعة أسابيع بعد فترة العلاج المذكورة ثم يستعيد النخاع العظمي عافيته وتعود خلايا الدم الطبيعية إلى التكاثر والنمو ويعود إنتاج الدم وتختفي أعراض فشل النخاع العظمي المذكورة .

وكذلك يحتاج المريض إلى نقل دم (كريات دم حمراء) ونقل صفائح دموية، وحيث إن المريض يحتاج إلى تكرار نقل الدم والصفائح الدموية عادة، لذلك يستخدم في هذه الحالات ما يسمى بمستحضرات الدم المفلترة لمنع نقل كريات الدم البيضاء إلى المريض حيث إن هذه الكريات البيضاء تسبب تكوين أجسام مضادة ضد سمات الأنسجة (HLA-) مما قد يؤدي إلى تحطيم الصفائح الدموية التي سوف تنقل Antigens  في المستقبل وغير ذلك من المشاكل المناعية .
بعد مرحلة العلاج المكثف هذه وما يتبعها من فترة ضعف خلايا الدم، التي يجب التغلب عليها ا بمكافحة الأمراض البكتيرية المعدية ونقل كريات الدم الحمراء ونقل الصفائح الدموية، يستعيد النخاع العظمي عافيته ويبدأ في إنتاج خلايا الدم الطبيعية ولا نجد أي أثر للخلايا الخبيثة في حالة حصول استجابة للعلاج،
حتى عهد قريب كان جميع المرضى الذين يعانون من سرطان الدم النخاعي الحاد ينصحون بإجراء بعملية زراعة النخاع العظمي ولكن اليوم نعرف أن هناك مجموعة من المرضى الذين إمكانية عودة المرض إليهم موجودة ولكنها صغيرة بحيث إنها لا تبرر إجراء عملية زراعة نخاع عظمي على الأقل حاليا لأن عملية زراعة النخاع العظمي نفسها تحمل مخاطر ليست بالقليلة.

 
سرطان الدم الليمفاوي الحاد:

 

يعتبر هذا المرض الخبيث الأول لدى الأطفال، ولكن هناك طبعا العديد من البالغين الذين يصابون بهذا المرض أيضا. وهذا المرض أكثر استجابة للعلاج وإمكانية الشفاء التام منه أكبر من سرطان الدم النخاعي الحاد.
أعراض سرطان الدم الليمفاوي الحاد:
لا تختلف أعراض سرطان الدم الليمفاوي الحاد عن أعراض سرطان الدم النخاعي الحاد التي سبق ذكرها، ولذلك يعتبر التشخيص الدقيق وتمييز كل مرض عن الآخر ضروريا، لكون علاج المرضين يختلف أحدهما عن الآخر، بالإضافة إلى الاختلاف في فرص الاستجابة للعلاج، والحاجة إلى عملية زراعة النخاع العظمي.
تشخيص سرطان الدم الليمفاوي الحاد:

يتولد الاشتباه بوجود المرض عن طريق تحليل عدد من خلايا الدم وفحص شريحة للدم تحت الميكروسكوب مثل سرطان الدم النخاعي الحاد تماما (شكل رقم 2), ثم يجرى بذل النخاع العظمي للتأكد من التشخيص، ثم تجري الفحوص الخاصة للتمييز بين سرطان الدم الليمفاوي الحاد وسرطان الدم النخاعي الحاد. وهذه الفحوص الخاصة تشمل فحوص كيميائية للخلايا، وفحوص السمات المناعية لهذه الخلايا، وفحوص الكرموسومات لهذه الخلايا.

علاج سرطان الدم الليمفاوي الحاد:

نظراً لتوفر أدوية كيماوية لها فعالية جيدة على خلايا هذا المرض دون أن تؤثر كثيرا على الخلايا الطبيعية، يختلف علاج هذا المرض عن علاج سرطان الدم النخاعي الحاد، فتستخدم في علاج هذا المرض عقاقير تؤدي إلى الوصول إلى اختفاء المرض دون أن تزداد حدة أعراض فشل النخاع العظمي. ولكن عند الاكتفاء بمثل هذه الأدوية التي لا تؤثر على الخلايا الطبيعية سرعان ما يعود المرض خلال فترة قصيرة ولذلك تضاف أدوية من النوع المستخدم في علاج سرطان الدم النخاعي الحاد ولذلك تحصل بعض أعراض فشل النخاع العظمي نتيجة انخفاض الخلايا الطبيعية وإن كان هذا الانخفاض وهذه الأعراض أقل شدة مما يحصل في
سرطان الدم النخاعي الحاد، عموما يكون علاج سرطان الدم الليمفاوي الحاد حسب جداول مدروسة مقسمة إلى مراحل تشمل :
1 ـ العلاج المكثف
2 ـ وقاية الجهاز العصبي المركزي
3 ـ التركيز المبكر، أو إعادة العلاج المكثف
4 ـ الحفاظ على نتائج العلاج

في بعض مراحل هذا العلاج تضعف قدرة النخاع العظمي على إنتاج الخلايا الطبيعية ولكن يمكن تقليل جرعة بعض الأدوية أو تأجيل بعض مراحل العلاج التفصيلية حتى تترك فرصة للنخاع العظمي كي يستعيد عافيته ثم نبدأ العلاج مرة أخرى. عموما يكون ضعف إنتاج الخلايا الطبيعية أقل مما يحدث أثناء علاج سرطان الدم النخاعي الحاد، ولكن يمكن أن تحصل نفس المضاعفات ولو بدرجة أقل، وتوجد عندئذ حاجة للمضادات الحيوية وحاجة لنقل الدم والصفائح الدموية مثلما يحدث في حالات الدم النخاعي الحاد .

وهناك فارقان هامان آخران بين سرطان الدم النخاعي الحاد وسرطان الدم الليمفاوي الحاد، الأول هو أن المرض الأخير يكمن أحيانا في أماكن معينة لا يمكن للعقاقير التي تعطى عن طريق الوريد أن تصل إلى هذه الأماكن لتقضي على المرض فيها وأماكن الاختفاء هذه هي الجهاز العصبي المركزي (أي المخ والنخاع الشوكي) وفي الأطفال الذكور الخصيتان. ولذلك لا بد من إعطاء علاج وقائي للقضاء على المرض في هذه الأماكن وإلا يعود المرض ابتداء من هذه الأماكن .

الفارق الثاني هو أن ما يسمى بالعلاج الحافظ الذي هو عبارة عن عقاقير كيماوية تعطى عن طريق الفم يوميا أو أسبوعيا (وأحيانا عقاقير شهرية أو متباعدة عن طريق الوريد أو في منطقة النخاع الشوكي), هذا العلاج الحافظ قد أدى إلى تراجع عودة المرض بعد اختفائه، بينما جميع الدراسات التي أجريت باستخدام العلاج الحافظ في سرطان الدم النخاعي الحاد لم تؤدي إلى أية فائدة إضافية .

بالنسبة لزراعة النخاع العظمي في حالات سرطان الدم الليمفاوي الحاد، فتستخدم هذه الوسيلة العلاجية في حالات محدودة جدا في الأطفال لأن النتائج التي يمكن أن تحصل عليها بدون زراعة جيدة مقارنة بسرطان الدم النخاعي الحاد, أما في الكبار فتستخدم هذه الوسيلة العلاجية في نسبة أكبر من الأطفال، إلا أن ذلك يظل بنسبة أقل من سرطان الدم النخاعي الحاد.

سرطان الدم النخاعي المزمن:

 يتميز هذا المرض بأننا نعرف بشكل واضح الاختلال الكروموزومي الوحيد الذي يؤدي إلى نشوء هذا المرض وهو عبارة عن تبادل قطعتين من كل من كروموزوم 22.9 مما يؤدي إلى نشوء كروموزوم يطلق عليه اسم كروموزوم فيلادلفيا ويؤدي ذلك إلى فقدان الخلايا خاصية الموت المبرمج وبالتالي إلى تكاثر كريات الدم البيضاء بلا حدود مع عدم فقدانها خاصية التميز، ولذلك تظهر هذه الخلايا بشكلها الطبيعي وإن كان بأعداد كبيرة جدا في النخاع العظمي وكذلك في الدم نتيجة انهيار الحاجز بين النخاع العظمي وبين الدم.

إلا أنه كما ذكرنا سابقا هناك مساحة محدودة للنخاع العظمي وذلك فإن تكاثر كريات الدم البيضاء الشديد يؤدي إلى ضعف إنتاج كريات الدم الحمراء وفي معظم الأحوال يحصل هناك تزايد في الصفائح الدموية والخلايا المنتجة لها كذلك يحصل في هذا المرض ظهور إنتاج للدم خارج النخاع العظمي عادة في الطحال والكبد وقصور وظائف الكبد جزئيا على الأقل. كما أن تكاثر هذه الخلايا بشكل كبير يؤدي إلى استهلاك طاقة الجسم في إنتاج هذه الخلايا ويؤدي كذلك إلى زيادة ما يسمى بفضلات التمثيل الغذائي مما يسبب بعض أعراض المرض .

أعراض مرض سرطان الدم النخاعي المزمن:

 بعض المرضى لا تكون لديهم أعراض لفترة طويلة، ويكتشف المرض عندهم صدفة عند إجراء تحليل للدم فنجد تكاثرا لكريات الدم البيضاء وعند إجراء مزيد من الفحوص نصل إلى هذا التشخيص. وهناك مرضى آخرون يوجد لديهم بعض الأعراض الخفيفة مثل أعراض فقر الدم (ضعف، إرهاق، صداع، خفقان بالقلب، ضيق في التنفس عند بذل مجهود) ويوجد لديهم أعراض نتيجة تضخم الطحال أو الكبد مما يؤدي إلى سوء هضم وشعور بامتلاء عند أكل كمية بسيطة من الطعام. بعض المرضى الآخرين تظهر لديهم أورام في أعضاء مختلفة من الجسم نتيجة إنتاج النخاع العظمي خارج الأماكن الطبيعية .

تشخيص مرض سرطان الدم النخاعي المزمن:

 تعطى الصورة المرضية أعلاه مع وجود تكاثر في عدد كريات الدم البيضاء المتعادلة والخلايا المكونة لها اشتباها قويا بوجود المرض. يتم التأكد من التشخيص بإجراء فحوص كيميائية على الخلايا، وإجراء فحوص الكروموسومات للكشف عن وجود كروموزوم فيلادلفيا الذي يعتبر المؤكد للتشخيص .
 

علاج مرض سرطان الدم النخاعي المزمن:

   يمكن السيطرة على أعراض هذا المرض وعلى إنتاج الخلايا المتكاثر بواسطة عقاقير كيماوية تعطى عن طريق الفم بسهولة مثل عقار هيدروكسي يوريا Hydroxyurea  ولكن يحصل أن هذا المرض بعد فترة تستمر في المعدل من 3 إلى 5 سنوات ينتقل إلى طور أشد خبثا يشبه سرطان الدم الحاد ويكون أقل استجابة للعلاج من سرطان الدم الحاد الذي لا يسبقه سرطان دم نخاعي مزمن وعند ذلك يصعب السيطرة على هذا المرض فيؤدي عادة إلى الوفاة .

خلال الثمانينيات من القرن العشرين اكتشف أن إعطاء حقن إنترفرون تحت الجلد بجرعات كافية يحدث اختفاء لكروموزوم فيلادلفيا المسبب لهذا المرض مما بعث آمالا كبيرة في التخلص من هذا المرض وبشكل نهائي ممكن، ثم في نفس الفترة تقريبا أظهرت الدراسات أن إجراء عملية زراعة للنخاع العظمي في مراحل مبكرة للمرض تحدث أيضا اختفاء للمرض بشكل نهائي واختفاء للكروموزوم المسبب للمرض الذي يسمى بكروموزوم فيلادلفيا والفارق هو أن إعطاء عقاقير إنترفرون لفترة تطول عدة سنوات يعقبه عودة المرض في معظم الحالات بعد إيقاف هذا العلاج، وإن كان بعض المرضى يبقون خالين من المرض بشكل شبه دائم بينما المرضى الذين أجريت لهم زراعة نخاع عظمي يتخلصون من هذا المرض نهائيا .
 يبقى أن نقول إنه خلال عام 2000 ـ 2001 تم الإعلان عن اكتشاف عقار جديد يعطى عن طريق الفم أحدث رجة في وسائط الإعلام العامة حين أصبح الحديث يدور حول التخلص من هذا المرض نهائيا دون الحاجة إلى زراعة النخاع العظمي، وهذا العقار عبارة عن عقار يعطى عن طريق الفم يدعى جليفك Gleevec  وهذا العقار هو عبارة عن عقار يثبط الإنزيم النشط الناتج عن كروموزوم فيلادلفيا إلا أنه من المبكر أن نقول إن هذا العقار فعلا يقضي على المرض نهائيا لأن الفحوص الجزيئية للحامض النووي في حالات المرضى الذين استجابوا للعلاج والذين اختفت لديهم مظاهر المرض واختفى الكروموزوم المسبب للمرض المسمى كروموزوم فيلادلفيا أظهرت أن الاختلال الجيني لا يزال موجودا في معظم الحالات إلا أنه نتيجة لنجاح هذا العلاج بشكل كبير في القضاء على الاختلال الجزيئي للمرض المتمثل في الإنزيم النشط الناتج عن كروموزوم فيلادلفيا فإننا نستطيع أن نقول أن هذا العقار أدى إلى تأجيل اتخاذ القرار بزراعة النخاع العظمي لدى الكثير من الأطباء والمرضى على حد سواء في أنحاء العالم، إلا أننا من المبكر أن نقول إن زراعة النخاع العظمي أصبح يمكن الاستغناء عنها نهائيا في هذا المرض.
 

سرطان الدم الليمفاوي المزمن:

 
يعتبر هذا المرض أحد أنواع الأورام الليمفاوية التي هي على درجة متدنية من الخبث وتختلف عن الأورام الليمفاوية بان الخلايا المتسرطنة في هذا المرض تنشأ في النخاع العظمي وبأنها تفقد العناصر التي تربطها بالنخاع العظمي وبالتالي تنتقل من النخاع العظمي إلى الدورة الدموية فتظهر في الدم والحقيقة أن هذا المرض يمكن أن يتعايش معه الإنسان لفترة تطول من 5 ـ 15 سنة مع وجود مشاكل صحية تطلب العلاج فقط في السنوات الأخيرة من المرض. ونظرا إلى أن هذا المرض يظهر عادة في المتقدمين في السن فيما بعد الستين فإننا يمكن القول بأن الكثير من المرضى يعيشون بهذا المرض إلى نهاية عمرهم دون أن يسبب لهم مشاكل صحية كبيرة، بالرغم من ذلك يصيب هذا المرض في بعض الأحوال صغار السن إلى ما دون الأربعين وعند ذلك يجب اعتباره مرضا يشكل الخطورة على الشخص المصاب لأن معظمهم يرجون لأنفسهم الصحة والعافية (في طاعة الله) حتى سن متقدمة من العمر يستطيعون فيه أداء واجبهم العائلي بأن يروا أبناءهم وبناتهم قد استقرت بهم الحياة .
 
أعراض سرطان الدم الليمفاوي المزمن:

في بعض الأحيان لا يشتكي المريض من أي أعراض وإنما يكتشف المرض لديه عرضا عند إجراء تحليل دم لأسباب أخرى غير متعلقة بهذا المرض. وفي بعض الأحيان يشتكي المريض من ظهور عقد لمفاوية في العنق وتحت الإبطين أو في أماكن أخرى وحين يعاينه الطبيب ويجري له بعض الفحوصات المخبرية يكتشف وجود هذا المرض. وفي بعض الأحيان يسبب هذا المرض تضخم في الطحال مع ما يرافقه أعراض امتلاء أعلى البطن خاصة بعد الأكل ووجود ألم ناتج من تضخم الطحال وكذلك يسبب هذا المرض في بعض الأحيان فقر دم أو نقصان في الصفائح الدموية وهذا مؤشر إلى انتقال المرض إلى مراحل متقدمة أو يسبب هذا المرض ضعفا في المناعة مع وجود التهابات بكتيرية متكررة وذلك نتيجة غلبة الخلايا المتسرطنة على الخلايا اللمفاوية العادية .

  
علاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن:

   كما ذكرنا سابقا بالرغم من ثبوت تشخيص هذا المرض لدى بعض المرضى فإننا لا نتوجه بالعلاج فورا إذا كان المريض يعاني من المرض في مراحل مبكرة، بسبب أن جميع الوسائل العلاجية المتوفرة حاليا لم يثبت بأنها تحقق أي فائدة لدى المريض في حالة استخدامها في المراحل المبكرة ولذلك يكتفي بمراقبة المرض دوريا حتى تحصل مضاعفات نتيجة المرض فيجري التدخل علاجيا عند ذلك لمعالجة المضاعفات الناتجة مثل تضخم كبير للغدد الليمفاوية خاصة إذا سبب ضغطا على الشرايين أو الأوردة أو أعضاء أخرى حساسة، أو تضخما في الطحال أو الكبد، أو فقر دم ناتج من غزو النخاع العظمي بالخلايا المتسرطنة، أو انخفاض الصفائح الدموية نتيجة غزو النخاع العظمي بالخلايا المتسرطنة أيضا. وعادة يكون العلاج إما بواسطة عقاقير تعطى عن طريق الفم يوميا أو على شكل جرعات في أيام محددة من الشهر أو على شكل عقاقير تعطى عن طريق الوريد لعدة أيام وتكرر شهريا، والعلاج بهذه الوسائل عادة يؤدي إلى التحكم في المرض وفي مضاعفاته حتى يمكن للمريض أن يتمتع بصحة وعافية جيدة .

في حالات المرضى المصابين بهذا المرض في السن دون الأربعين أو الخمسين يجري التفكير في محاولة القضاء على المرض نهائيا بواسطة زراعة النخاع العظمي، وحيث إن زراعة النخاع العظمي عملية مترافقة مع نسبة وفيات تصل من  15 ـ 20% ونسبة معاناة لأعراض مرضية مختلفة بنسبة 40 ـ 50% في معظم الأحوال، فإن هذه الوسيلة العلاجية يجب دراسة تنفيذها بدقة وإجرائها فقط لدى مرضى يتوقع أن تحدث لهم مضاعفات مميتة خلال فترة من 5 إلى 7 أعوام مثلا إذا لم تجرى زراعة النخاع العظمي.

خاتمة

مما سبق ذكره يتبين لنا أن سرطان الدم أنواعه عديدة، وتندرج معظم الحالات تحت أحد الأنواع الأربعة المذكورة مع العلم أن هناك تحت كل نوع من هذه الأنواع العديد من الأنواع الفرعية، بالإضافة إلى وجود أنواع من سرطان الدم النادرة التي لا تندرج تحت أحد هذه الأنواع الأربعة الرئيسية وتصنف بالتالي لوحدها.

لذلك من المهم أن يتم التشخيص الدقيق الذي يتم الوصول إليه بإجراء فحوص مخبرية عالية الدقة والتخصص ثم بعد ذلك توضع خطة علاجية لكل حالة بمفردها.

وقد تحقق خلال العقود الماضية الكثير من التقدم في علاج هذه الأمراض بحيث أصبحت قابلة للعلاج بل قابلة للشفاء التام الذي يجعل هذا المرض ينتهي نهائيا ولا يعود أبدا، لذلك أصبح الخوف من عواقب هذه الأمراض لا تبرره الحقائق العلمية الراهنة التي أوصلت إلى هذا التقدم المدهش في علاج هذه الأمراض، وإن كنا طبعا نتمنى لجميع الناس الصحة والسلامة من كل مرض خاصة هذه الأمراض الجديدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة