بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك ، كثرت الأسئلة والإستفسارات المتعلقة بالأضحية ، وهذه مجموعة من الأحكام المتعلقة بالأضحية فيها إجابات واضحة على بعض تلك الأسئلة والإستفسارات :
أولاً : ينبغي أن يعلم أن الأضحية سنة مؤكدة ، على الراجح من أقوال أهل العلم ، وهو قول جمهور الفقهاء ، ونقل عن أبي بكر وعمر وابن عباس ، وجماعة من الصحابة والتابعين ، ومن أصرح الأدلة على عدم وجوب الأضحية ، ما ثبت في الحديث الشريف ، عن أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) رواه مسلم .
فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أمر الأضحية مفوضاً إلى إرادة المسلم ، وما كان كذلك لا يكون واجباً .
وروى البيهقي عن أبي بكر وعمر ، أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة ، سنن البيهقي 9/264 - 265 .
والأسانيد إليهما صحيحة كما قال: الشيخ الألباني ، انظر إصلاح المساجد ص21 .
وقال ابن حزم: " لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة ، وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي " المحلى 6/10 .
وقال الحافظ ابن عبد البر نحوه في التمهيد ، وممن قال بأنه موقوف الإمام المنذري في الترغيب والترهيب والحافظ البيهقي ، والإمام الترمذي " انظر معرفة السنن والآثار 14/38.
ثانياً : يستحب لمن أراد أن يضحي ، ألا يقص شعره وأظافره ، ابتداءً من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته لما ثبت في الحديث السابق عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا دخلت العشر - أي العشر الأول من ذي الحجة - وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) رواه مسلم .
وفي رواية أخرى : ( إذا دخل العشر ، وعنده أضحية يريد أن يضحي ، فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً ) رواه مسلم .
وفي رواية أخرى : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) رواه مسلم .
وفي رواية أخرى : ( .... فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ) رواه مسلم.
وقال جمهور أهل العلم: " إن هذا النهي محمول على الكراهة وليس على التحريم ، فيكره في حق من نوى الأضحية أن يقص شيئاً من شعره أو من أظفاره شيئاً ويدل على أنه مكروه وليس حراماً ، ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه ) رواه البخاري مسلم
ثالثاً : يستحب في الأضحية أن تكون كبشاً أبيضاً أقرناً سميناً ، فقد ثبت في الحديث ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: ( ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمَّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما ) رواه مسلم .
وعن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين موجوءين خصيين) رواه أحمد وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/360.
وروى الإمام البخاري تعليقاً ، عن أبي أمامة بن سهل قال: ( كنا نسمن الأضحية بالمدينة ، وكان المسلمون يسمنون ) ، قال الحافظ ابن حجر: " وصله أبو نعيم في المستخرج ...." فتح الباري 12/105 .
رابعاً : تصح النيابة في ذبح الأضحية باتفاق أهل العلم ، فإذا أناب شخص شخصاً آخر في ذبح الأضحية وتوزيعها ، فلا بأس في ذلك والمستحسن أن يتولى كل مضحٍ أضحيته بنفسه فيذبحها إن كان يحسن الذبح ، فقد ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - ذبح أضحيته بيديه الشريفتين ، كما في الأحاديث التي سبقت ، فإن كان المضحي لا يحسن الذبح ، وكَّل غيره بذبحها لما روي في الحديث الشريف أنه- صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: ( قومي إلى أضحيتك فاشهديها ، فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك ) رواه الحاكم وصححه ولكن فيه ضعف ، كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/143
ولا يجوز شرعاً التضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ سنتين من عمرها ، قال الإمام الشافعي : " ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثني من المعز والإبل والبقر ، ولا يجزي جذع إلا من الضأن وحدها " الأم 2/221 .
وقال الإمام الشافعي أيضاً: " الضحايا الجذع من الضأن والثني من المعز والإبل والبقر ولا يكون شيء دون هذا ضحية " الأم 2/223 .
قال الإمام النووي:" أجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني .... " المجموع 8/394 .
ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة: " إذا مضت الخامسة على البعير ، ودخل في السادسة وألقى ثنيته ، فهو حينئذ ثني .... وأما البقرة ، فهي التي لها سنتان لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تذبحوا إلا مسنة ) رواه مسلم ، والمسنة من البقر هي التي لها سنتان " المغني 9/440 .
وقال الإمام النووي: " قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء ، من الإبل والغنم والبقر ، فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه .... " شرح النووي على صحيح مسلم 13/101 - 102 .
وإن المدقق في الأحاديث الشريفة التي أشارت إلى السن ، يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ، ويدل على ذلك الأحاديث التالية :
1 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، من فعله فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال : " إن عندي جذعة " فقال: إذبحها ، ولن تجزئ عن أحد بعدك ) رواه البخاري .
2 - قال الإمام البخاري : " باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة: ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك ، ثم ساق حديث البراء المتقدم براوية أخرى : ( ضحى خال لي يقال له أبو بردة ، قبل الصلاة ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : شاتك شاة لحم ؟ فقال يا رسول الله : إن عندي داجناً جذعة من المعز فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: إذبحها ولا تصلح لغيرك ).
وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الإختصاص عقبة بن عامر ، كما في حديث آخر .
والألفاظ التي تدل على الإختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري هي (ولا رخصة فيها لأحد بعدك) ، (ولا تجزئ عن أحد بعدك) ، (وليست فيها رخصة لأحد بعدك) .
وهذا التخصيص من النبي- صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في القول بأنه لا يجوز التضحية بما دون السنتين من البقر .
وكذلك الإمتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم إقتداءً بإبراهيم عليه السلام قال تعالى: ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) سورة الحج /37 .
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً ) رواه ابن ماجة والترمذي ، وقال: حسن غريب ، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد .
يقول السائل : هل تجوز الأضحية بعجل سمين بلغ من العمر تسعة أشهر ؟
الجواب : لقد وردت الأحاديث التي أشارت إلى السن المعتبر في الأضاحي والتي اعتمد عليها الفقهاء في تحديد السن المعتبر في الأضاحي ، واعتبروا ذلك شرطاً من شروط صحة الأضحية فقد اتفق العلماء على أنه تجوز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم والمراد بالثني من الإبل ، ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة ،ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة ، ومن الغنم ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة .
قال في المصباح المنير: " الثني الجمل يدخل في السادسة .... والثني أيضاً الذي يلقي ثنيته ، يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ، ومن ذوات الخف في السنة السادسة " .
واتفق العلماء على أنه لا تجوز التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز واختلفوا في الجذع من الضأن .
ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة " إذا مضت الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني .... وأما البقرة فهي التي لها سنتان ، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تذبحوا إلا مسنة ) ومسنة البقر التي لها سنتان " المغني 9/440.
وقال الإمام النووي: " قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء ، من الإبل البقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه " شرح النووي على صحيح مسلم 13/101 - 102 .
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ سنتين من عمره والعجل المسمن الذي يبلغ تسعة أشهر من عمره هو جذع ، فلا يجزئ في الأضحية ، وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ سنتين من عمره ليس سبباً في ترك السن المعتمدة ، وهي سنتان فأكثر .
وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن ، يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك الأحاديث التالية :
- عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، من فعله فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة ، فقال اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) رواه البخاري .
وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص ، عقبة بن عامر ، والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري هي : ( ولا رخصة فيها لأحد بعدك ) ( ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك ) ( وليست فيها رخصة لأحد بعدك ) .
وهذا التخصيص من النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في القول بأنه لا يجوز التضحية بما دون السنتين من البقر .
وبناءً على ما تقدم أقول : لا تصح الأضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن وهو سنتان ، قال في الفتاوى الهندية: " وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة ، حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ، ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل " الفتاوى الهندية 5/297 .
وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط ، وتوزيعه صدقة أو هدية وإنما يقصد بالأضحية أيضاً ، تعظيم شعائر الله ، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى وإحياءً لذكرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
يقول السائل : إنه قد اشترى سيارة جديدة ، ويريد أن يذبح على مقدمتها ذبيحة، فهل يجوز ذلك ؟
الجواب : لقد جرت عادة كثير من الناس أن يذبحوا شاةً على مقدمة السيارة الجديدة ، ويجعلون دم الشاة يسيل عليها ، وذلك طلباً لسلامة السيارة وصاحبها ، أو دفعاً لعيون الحساد ، كما يعتقدون ، أو لغير ذلك من المقاصد ، وهذا العمل بالشكل الذي وصفت لا يجوز شرعاً ، بل هو من الأمور المبتدعة لأن الأصل في الذبح أن يكون لله تعالى .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) سورة الأنعام/ 163,162 .
فالمسلم عندما يذبح ، يذبح بإسم الله تعالى ، وحده لا شريك وهو تفسير قوله تعالى (ونسكي) ، أي ذبحي ، كما قال بعض السلف .
وجاء في الحديث ، عن علي - رضي الله عنه - قال حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات : ( لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من غير منار الأرض ) رواه مسلم .
قال الإمام النووي: " وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح بإسمٍ غير إسم الله كمن ذبح للصنم أو الصليب ، أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما ، وللكعبة ، فكل ذلك حرام ، ونحو ذلك فكل ذلك حرام ، ولا تحل هذه الذبيحة .... " شرح النووي على صحيح مسلم 13/122 .
وهذا التفصيل الذي ذكرته فيما لو كان الذابح قد ذبح لغير الله تعالى ، وأما إن ذبح الذبيحة بإسم الله تعالى ، ومن باب شكر نعمة الله على هذا الإنسان لكونه قد اشترى سيارة جديدة ، فلا بأس بذلك ، ولا أرى له أن يذبح الذبيحة على مقدمة السيارة ، لأن ذلك مشعرٌ بأن الذبح للسيارة ، وتعليق سلامة السيارة وصاحبها على الذبح على مقدمتها.
ولا بأس أن نذكر بهذه المناسبة ، أن بعض الناس يذبح ذبيحة أو أكثر عندما يبني بيتاً جديداً ، فمنهم من يذبح عند عقد البيت ، أو عند السكن فيه ، فهذا أيضاً فيه التفصيل الذي ذكرت ، فإن كان الذبح من باب شكر نعمة الله ، حيث أنعم الله على هذا الإنسان بأن سكن بيتاً جديداً ، فيذبح ويطبخ ويدعو أصدقاءَه وأقرباءَه ، ويسمى هذا الطعام ، طعام الوكيرة ، فهذا عمل لا بأس به ، ويؤجر المرء عليه إن شاء الله .
والأصل في ذلك هو النية الصالحة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور : ( إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئٍ ما نوى ) .
والله الهادي إلى سواء السبيل
أبوديس - القدس
صباح يوم السبت الثاني عشر من ذي الحجة 1417هـ
وفق التاسع عشر من نيسان 1997م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق