- والتكفير لابد أن يؤدي حتماً إلى التفجير.. هذه قاعدة هامة يعرفها كل من يدرس أفكار التكفير أو عاش معهم أو تابع حركتهم.
- والتكفير لابد أن يؤدي إلى الاستحلال، فالذي يكفر المسلم ويستحل عرضه ويرميه بالكفر من اليسير عليه أن يستحل دمه وماله.
- والحقيقة أن أمة الإسلام لم تعان في تاريخها من آفة مثلما عانت من آفة تكفير المسلمين، تلك الآفة التي جعلت البعض يطلقون أحكام الكفر على المسلمين بغير مبرر شرعي، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن المجازفة بتكفير المسلمين أمر خطره عظيم، فإخراج مسلم من دينه، والحكم عليه بالكفر هو خلع لربقة الإسلام من عنقه، وجزم بخلوده في النار.
- وفي مثل ذلك يقول الإمام الغزالي "والذي ينبغي الاحتراز منه التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم".
- وصدق الإمام الغزالي حين قال "القضية أن تكف لسانك عن أهل القبلة "يعني المسلمين" ماداموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن التكفير فيه خطر أما السكوت فلا خطر فيه".
- لقد قرر علماء الإسلام أن اليقين لا يزول بالشك .. وأن الحقائق لا تمحي بالظن وأن من ثبت إيمانه بيقين فلا يزول إلا بيقين مثله .. والأصل في التعامل مع المسلم هو استصحاب الأصل الذي هو عليه وهو الإسلام .. ولا يصح انتفاء هذا الأصل إلا ببرهان جلي ودليل أوضح من شمس النهار .
- وفكر التكفير هو أسوأ لوثة أصابت العقل المسلم .. ودمرته وأحدثت أول فتنة في تاريخ المسلمين والتي عرفت بفتنته الخوارج وهم بلغة العصر جماعة التكفير وهم الذين كفروا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وطلحة والزبير والحكمين .. فتأمل قسوة قلب ومشاعر هؤلاء الذين يكفرون أصحاب النبي الكرام أعظم الناس بذلا من أجل الإسلام وعطاء في سبيله وإيمانا بالله ورسوله .. وبالتالي فتكفير من دونهم أسهل وأيسر.
2- التكفير ينتشر في البيئات قليلة العلم جافة الطبع.. ولذلك انتشر بين الصيادين في الفيوم في إحدى الفترات وفي سيناء.. وينتشر بين القرويين .. وكذلك ينتشر بين الشباب الأحادي التفكير الذي يستمع عادة إلي رأي واحد فقط ولا يختلط بأفكار مختلفة متباينة.
3- الفكر التكفيري هو فكر انشطاري يفرق ولا يجمع .. ويمزق ولا يوحد .. فكل خلاف بين أصحابه هو كفر وإيمان.. ليصبح أحدهما كافراً والآخر مسلماً .. أو يكفر أحدهما الآخر.. وهذا عكس الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم الذي كان خلافهم دوما ليس في الحق والباطل والكفر والإيمان.. ولكن في الراجح والمرجوح .. فالآراء الفقهية المعتبرة ليس فيها حق وباطل .. وكفر وإيمان.. ولكنه راجح ومرجوح.
4- العقل التكفيري يستكثر رحمة الله بخلقه ويضن بها عليهم .. فكيف يدخل هذا العاصي الجنة وكيف يتساوي مرتكب الكبيرة مع العابد والزاهد ليدخل هؤلاء الجنة سويا .. ناسيا أن الله غفر لبغي " أي لمومس".. لأنها سقت كلبا رأته يلهث في الصحراء من العطش فنزلت البئر وملأت خفها وسقته .. وكأن الله يقول لهذه البغي" أنا أكثر منك جودا ً وكرما ً".
- "إن أنوار الرحمة والتوحيد التي أضاءت بقلبها في هذه اللحظة وهي تسقي الكلب إرضاء ً لله وحده دون سواه فلم يكن يراها أحد من الخلق .. ناهيك عن التواضع لهذا الحيوان الضعيف .. كل هذه الأنوار أذهبت نار المعصية من قلبها فغفر الله له-
5- العقل التكفيري ينتمي لمن قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنهم "من قال هلك الناس فهو أهلكهم" .. فهم لا يعجبهم أحد .. يكفرون الحاكم وأعوانه .. والشرطة والجيش .. ويكفرون البرلمان أيضا .. ويكفرون الصوفية ويكفرون بعض الحركات الإسلامية .. فالناس جميعا عندهم هلكي .. وكان صديقي وحبيبي الشيخ حمدي عبد الرحمن يمزح مع أحدهم فيعطيه ورقة صغيرة ويقول له مازحا: " اكتب لي في هذه الورقة أسماء المسلمين في العالم من وجهة نظرك" .. وكان هذا أكبر تعبير عن نظرية " هلك الناس" .. فهو شامخ بنفسه مغتر بإيمانه .. يري نفسه أفضل من الآخرين .. وقد بشره الرسول صلي الله عليه وسلم " بأنه أهلكهم " بضم الكاف أي هو أسوأ منهم .. أو بفتح الكاف أي أهلكهم يترك دعوتهم والاستطالة والتكبر عليهم.
6- الفكر التكفيري يجعل صاحبه قاضياً يحكم علي الناس وليس داعية يهدي الناس إلي الحق والخير .. وينسي أن الله لم يتعبدنا بتكفير فلان أو تفسيق هذا أو تبديع ذاك .. ولكنه تعبدنا بالدعوة إلي الله وهداية الخلائق والانشغال بذلك
7- لا يفهم هؤلاء أن الله سبحانه لم يتعبدنا بإخراج الناس من الإسلام وإدخالهم في الكفر أو الفسق أو البدعة .. ولكنه تعبدنا بإدخالهم إلي الإسلام وإرشادهم إليه بكل رفق ورحمة .. أما الحكم علي الناس فهو شأن القضاة .. وهم أقدر الناس علي تحمل إثارة وتنفيذ ما يترتب عليه .. وهم قادرون علي فحص الوقائع وتمحيص الأدلة .. ولا يكفر مسلم إلا بعد استيفاء الحجة التي يكفر تاركها ولا يستطيع إلزامه الحجة إلا عالم ذو حجة أو سلطان ذي قوة " كما قال ابن تيمية".
8- لا يدرك هؤلاء أن الحكم علي الناس ليس من صميم عمل الدعاة.. فضلا عن عوام الناس .. والدعاة لا يكفرون الناس ولكنهم مصدر هداية ورشاد ورحمة لهم .
9- الفرق بين فكر التكفير وفكر واعتقاد أهل السنة هي " نقطة الصاد " كما كنا قديما نعلم أبناءنا .. فأهل السنة والجماعة يقولون إن المعصية تنفي الإيمان ولا تنقصه من أساسه.. أما جماعات التكفير فيقولون أن المعصية تنفي الإيمان وتنقضه .
10- الذين سقطوا في هوة التكفير ظنوا أن الإيمان كل لا يتجزأ .. فالناس عندهم إما مؤمن كامل الإيمان.. وإما كافر ليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان.. وغاب عن ذهنهم أن الإيمان يزيد وينقص .. وأن الذنوب والمعاصي تنقص من كمال الإيمان.. ولكنها لا تنقض أساسه ولا تذهب به بالكلية.
11- الذين يكفرون أهل الإسلام بالمعاصي والذنوب ضاقت صدورهم قبل عقولهم عن تصور سعة عفو الله تعالي وعظيم رحمته.. وقصرت أفهامهم عن إدراك حقيقة تعامل الرحيم الغفور التواب الرحمن الكريم العفو مع خلقه.
12- ما أحوجنا جميعا أن نعيش بقلوبنا وجوارحنا مع أسماء الله الحسني وصفاته العلي .. وخاصة مع اسم الله الرحيم والعفو والكريم.. وأن نتأمل بعيني قلوبنا كيف يعامل الحق سبحانه وتعالي عباده المذنبين .. ولتسمو نفوسنا مقتبسة من أنوار تلك الأسماء الحسني قدر ما تستطيع.. فالنفوس الرحيمة ترجو للناس الرحمة .. والنفوس العفو تطالب لهم العفو .. والنفوس المتسامحة تسعي بين الخلق بالتسامح .. فما أقرب تلك النفوس من الله تعالي.. وما أجدرها بنيل عفوه ورحمته .. فالجزاء من جنس العمل .. والراحمون يرحمهم الرحمن عز وجل.
14- العقل التكفيري لديه محنة كبرى وهو أنه يريد أن يلغي الأجيال السابقة من العلماء والدعاة والمجاهدين والباذلين والمضحين في أمة الإسلام العظيمة .. وكأن الإسلام بدأ به وحده دون سواه .. وقد اجتمع شكري مصطفى مع مجلس الشورى لجماعته لكتابة أصول فقه جديدة .. وكأن الأمة كلها لم تكتب شيئاً في أصول الفقه قبل ذلك .. واجتمعوا كذلك لكتابة مصطلح حديث جديد خاص بهم .. وكأن الإسلام بدأ بهم دون سواهم .. وقس على ذلك.
15- العقل التكفيري لديه محنة كبرى أخرى في تفكيره إذ أنه يجعل نفسه نائباً عن الدولة وعن الشعب وعن القضاء في الحكم بالكفر على من يراه كذلك ثم قتله ليقوم بدور المفتي والخصم والقاضي والجلاد والمنفذ دون أن تكون له أدنى مؤهلات لذلك .. وقد يقوم بالنيابة عن الشعب والدولة وجيشها فيعلن الحرب على أي دولة أخرى ظالمة أو غير مسلمة أو محتلة دون إذن من الحاكم وجيشه أو معرفة لهم بالأمر مما قد يضطرهم لحرب لا يريدونها ولا يرغبونها وليسوا مستعدين لها .. فهم يرون أن التنظيم فوق الدولة.. وأن المسئول عنه فوق الرئيس .. وأنهم هم الذين يحددون ما ينبغي على الدولة عمله .. فهم أدرى من الجميع ..رغم أنه لم يحصل واحد منهم يوما ً على ماجستير أو دكتوراة في العلوم العسكرية أو الإستراتيجية .. وهذه إشكالية كبرى تحتاج إلي بحث آخر.
والله الموفق وهو الهادي إلي سواء السبيل.
بقلم د/ ناجح إبراهيم
القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية ومنظر مراجعاتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق