إن من حكمة الله عز وجل أن جعل في كل عصر وزمان بقية من أهل العلم هم ورثة الأنبياء يدعون من ضل إلى الهدى، ويبصرون أهل العمى، ويصبرون منهم على الأذى، ولكن أولئك البقية يزيدون تارة فتقوى شوكتهم، وتارة ينقصون فيصبحون غرباء في مجتمعاتهم، وإن من أشد وأحلك الفترات التي زادت فيها هذه الغربة ـ حتى أصبح المنكر معروفًا والمعروف منكرًا ـ هي فترة إلغاء آخر خلافة حكمت باسم الإسلام وهي الدولة العثمانية، فقد تسلط الصليبيون ـ وبمساندة اليهود ـ على رقاب المسلمين، حتى تمكن الأعداء من السيطرة على المسلمين ماديًا ومعنويًا.
فقد كانت الفاجعة بسقوط الخلافة عميقة الجرج مدوية الأثر، فبسقوط الدولة العثمانية ألغيت الخلافة، وكذلك ألغي شرع الله من أن يحكم في بلاد المسلمين، وهذه الفواجع التي ألمت بالمسلمين عقب سقوط الدولة العثمانية، كانت دافعًا للبحث عن أسباب الهزيمة، ولعل أبرزها عدم اهتمام الدولة بالأساس العقدي، أضف إلى ذلك أسباب أخرى كثيرة، كان لأهل الذمة دور بارز فيها، بل كانوا بمثابة اللاعب الأكبر في تحريكها.
وقد جاء الباحث الأستاذ (ماجد بن صالح المضيان) ببحثه القيم (دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية) مبينًا وكاشفًا لأثر أهل الذمة على العالم الإسلامي، كسبب رئيس من أسباب الانحطاط الفكري الذي مُنِّي فيه المسلمون في القرن الثالث عشر الهجري، والمتمثل باستبدال القوانين الوضعية بالشريعة الإلهية في أغلب ديار المسلمين؛ غفلة منهم وانبهارًا وتقليدًا للغالب، وقد جاء البحث في أربعة فصول وتمهيد ومقدمة، كالتالي:
التمهيد
وهنا تحدث الكاتب عن مصطلح أهل الذمة في الفقه الإسلامي وبين أنه العهد الذي يعطى للقوم الذين لم يدخلوا في الإسلام عند فتح المسلمين لبلادهم، ولا يسترقون ويؤمَّنون على حياتهم وحريتهم وأموالهم وعباداتهم، كما تحدث فيه عن المسائل الفقهية المتعلقة بالبحث من أحكام أهل الذمة، ومن يدخل في مصطلح أهل الذمة أو لايدخل، ومن الأحكام أمثال توليهم الوظائف العامة أو التنفيذية، وكذلك الوظائف الشرعية، وحكم تمكينهم من الاستقلال بالقضاء فيما بينهم فبين أن قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية على عدم جواز تعيين غير مسلم قاضيًا مطلقًا، على عكس قول الأحناف القائل بجواز تعيين الذمي قاضيًا على أهل الذمة، وقد عرض الكاتب لأدلة الجمهور.
الفصل الأول: علاقة أهل الذمة بالدولة العثمانية، وهو مشتمل على مبحثين:
الأول: تسلل أهل الذمة إلى دوائر الدولة العثمانية:
وهنا تحدث الباحث عن المراكز الحساسة التي تقلدها أهل الذمة، مع إبراز الدور الخطير الذي توصل إليه أهل الذمة ومدى التسامح والتساهل الذي عوملوا به، وقد ضرب لنا الكاتب بعض النماذج للمراكز الحساسة التي تقلدها أهل الذمة، نذكر منها هنا نموذجًا لمجال واحد:
(في مجال الصناعة والتجارة)، وهنا تبين لنا أنه كان هناك اعتماد شبه كلي على أهل الذمة في مجالي الصناعة والتجارة، ربما لمهارة اليهود في التجارة ولعدم اكتراث العثمانيين بالصناعة، فسيطر اليهود على تجارة (صفد ودمشق)، كما سيطروا على أسعار النقد وتلاعبوا بها، وقد نتج عن تلك السيطرة كثير من الآثار السلبية أهمها: تشجيع وتمويل المشاغبين من الخارجين على السلطان من أهل الذمة في الصرب وغيرها، والتأثير على أصحاب المناصب والتدخل ـ أي تدخل أهل الذمة ـ في شئون الدولة الخاصة والعامة بالاعتماد على ثرواتهم ورشاويهم، وكان من النماذج الأخرى التي تعرض لها البحث: مجال الترجمة لأهم الوزراء، مجال الاستشارة، مجال الحريم السلطاني ... إلخ.
الثاني: الامتيازات الأجنبية ـ عرض وتحليل:
وهنا أطل علينا الكاتب بعرض لبنود الامتيازات، ومدى قربها وبعدها من أحكام الشرع وما تقتضيه مصلحة الدولة المسملة، فبين لنا الكاتب هنا أن طريق الجهاد والسيف كان هو مسلك الدولة وسياستها مع أعدائها وأعداء الدعوة من الصليبيين والباطنيين، منذ نشأتها وحتى عصر السفراء والمحادثات والامتيازات الأجنبية، والمقصود بهذه الفترة فترة السلطان (سليمان القانوني) واتضح لنا هنا أن الامتيازات من وجهة نظر الكاتب قد مرت بثلاث مراحل: قد بدأت الامتيازات منحة ثم تحولت إلى مطالب وحقوق ممن هم في الخارج لمن هم في الداخل، ثم أصبحت ضغطًا وانهزامًا واستعلاء على الدولة وهذا في عصر انحطاطها وإرهاصات سقوطها، ثم أورد بنود هذه الامتيازات، ثم علق عليها فكان من تعليقه، أنه من الملاحظ منذ عقد هذه الاتفاقية أن الدولة لم تتقدم شبرًا واحدًا بعد هذا البند الأول الذي ينص على إلغاء أي شيء يمت للجهاد بصلة.
وأوضح أنه مما هو ملاحظ في البند الثاني الاجتهادات العصرية والقوانين الوضعية البعيدة عن اجتهادات الفقهاء وعن أفعال الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، إلى غير ذلك من بندو سارت على نفس الوتيرة، منها ما أباح لأهل الذمة ممارسة جاهليتهم، وتحكيم قوانينهم الوضعية على أرض الإسلام، ومنها ما يُشتَمُّ من خلاله تعطيل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا يستطيع المسلم أن ينكر على الذمي شيء مما يجهر به من المنكرات، إلى غير ذلك من بنود كانت بمثابة معاول الهدم في جدار الدولة.
الفصل الثاني: وسائل أهل الذمة في إقصاء الشريعة، وفيه مباحث:
أولًا: فتح جمعيات تحت اسم الثقافة والأدب والعلم:
وفي هذا الموضع يكشف لنا الكاتب الغطاء عن مجال من المجالات النشطة التي ابتدعها نصارى العرب ويهود تركيا، والتي استغلت أبشع استغلال، ألا وهو مجال الجمعيات تحت ستار الأدب والثقافة، وكانت هذه الجمعيات في بدايتها سرية، ثم تحولت نشاطاتها الثقافية المعلنة إلى نشاطات سياسية سرية، ونشر بعضهم دعوات خطيرة وأفكار جريئة عن أنظمة الحكم، متأثرين بالآراء والفلسفات في أوروبا الغربية.
وكان من بين الجمعيات السرية، جمعية حفظ حقوق الملة العربية، والجمعية الشرقية الكاثوليكية، والجمعية الأدبية في طرابلس، وجمعية شمس البر في بيروت، الجمعية السرية العربية ... إلى آخر ذلك من جمعيات ينفطر قلب المؤمن عند التأمل في كثرتها وفي أسماء مؤسسيها، بل وفي أسامئها أيضًا، هذا بالإضافة إلى الجمعيات العلنية في الفترة ذاتها.
كل هذه الجمعيات وغيرها، سعت جاهدة متحدة الفكرة والهدف، وإن اختلفت المناهج والمسميات والأماكن؛ على خلخلة دعائم الدولة ولم تتوانى في استخدام أي سلاح يحقق أهدافها، من صحافة أو مدارس ومعاهد تنشر فيها وعن طريقها أفكارها.
ثانيًا: المدارس الأجنبية ودورها في إقصاء الشريعة:
إن المتصفح للصراع بين الحق والباطل بين الإسلام والكفر، يرى أن الهجمات الشرسة على المسلمين اتخذت سلاحًا أمضى على المسلمين من الحروب، وهو ما عرف بسلاح التنصير، والذي كان من أبرز قنواته المدارس أو التعليم عمومًا، لذلك أولت الدول الأجنبية والقائمون على تلك المدارس من الخارج اهتمامًا خاصًا بهذا الجانب وهذا القطاع، وقد كان هذا التعليم بمحاضنه من معاهد ومدارس وكليات بمثابة مصانع للرجال ومعامل للأفكار المتعددة، فمنها ظهرت الشيوعية، وفيها ولدت العلمانية، وبين أحضانها تربت القومية.
ولذلك تجد جل أو كل من يتولى التدريس في تلك المدارس من الرهبان والقسيسين، أيضًا نرى أن أكثر المدارس الأجنبية كانت متداخلة مع الكنائس أو ملحقة بها؛ للارتباط بين المدارس عند أهل الذمة وغرض التنصير, وقد عجت هذه المدارس التي كانت نسبة المسلمين بها تصل إلى 80% بالأفكار والمناهج التي تقرب من النصرانية يومًا بعد يوم، وهذا ما يجلي لنا مدى غفلة الدولة عن كل ما يحصل في هذه المدارس، ولا نغفل هنا بالطبع أن جهات تمويل هذه المدارس تنوعت بين جهات خارجية كفرنسا، وبين الكنائس، أضف إلى ذلك بعض الأشخاص المنصرين.
وقد أشار الكاتب هنا لبعض مدارس أهل الذمة في العراق كمدرسة اللاتين في بغداد، ومدرسة الآباء الدومينيكان ... إلخ، وفي مصر نجد أن المدارس الأجنبية تنوعت بين نصرانية ويهودية، أما الحديث عن مدارس النصارى فإنه أشهر من أن يذكر أو يتتبع للتدليل على كثرتها وانتشارها، وكذلك أشار الكاتب لمدارس أهل الذمة في الشام.
أما عن الآثار المترتبة على انتشار مدارس أهل الذمة، فقد بين الكاتب هنا أن الهدف من إنشاء المدارس الأجنبية في الدولة العثمانية؛ تنشئة جيل بعيد عن الإسلام متشكك فيه؛ ليسهل القضاء على وحدة المسلمين المتمثلة في الدولة العثمانية، التي كانت حجر عثرة أمام الاستعمار الغربي الصليبي، وقد جاءت آثار هذه المدارس في مقتل فتنوعت بين آثار فكرية وثقافية، ومنها وصم الإسلام بالجمود والتخلف، ومنها بذل الجهد في إقناع الطلاب بأن التقدم الغربي راجع للنصرانية، وأن الإسلام هو السبب في تأخر الشرق من ركب الحضارة، وهذا قليل من كثير، وعلى الجانب الاجتماعي فكانت محاولة تغيير القيم الإسلامية في نفوس المسلمين وتشويق الطلاب للعادات والتقاليد الغربية، والعمل على تفكيك الأسرة المسلمة بإبعاد الطلاب عن أفكارهم وعقائدهم، وترسيخ النظرة المادية البحته لدى الطلاب المسلمين .. إلخ، وكذلك تعددت آثار تلك المدارس وكان لها الدور الرئيس في نشر الأفكار المعاصرة كالقومية، إلى آخر ذلك من آثار ساعدت في خلخلة الدولة العثمانية.
ثالثًا: إدخال المذاهب المعاصرة لإقصاء الشريعة:
وكان من هذه المذاهب الوضعية:
- أولًا: القوميات وتشمل:
- الطورانية، وهنا بين لنا الكاتب أساس الفكرة الطورانية والتي تقوم على أساس التأليف بين الناطقين باللهجات التركية أولًا، ثم تكوين اتحاد حلفي منهم، بينهم وبين الأمم التي أصلها طوراني، ويقوم هذا الأساس على الدعوة إلى: ربط أتراك الدولة العثمانية بسائر أجناسهم خارج الدولة، وتحرير التراث التركي والثقافة واللغة من المؤثرات العربية، والعمل على سيادة العنصر التركي وتفوقه بتتريك سائر الجنسيات في الدولة، وكان القصد من وراء هذه المذاهب هو مسخ الهوية والقومية الأساسية، إذ لم يكن العرق أو القومية هو الذي يفرق بين جماعة وأخرى بل الدين، وكانت الهوية السياسية لكل الرعايا هي (العثمانية)، ولا شك أنه كان وراء كل ذلك يد يهودية تعبث بالعقول والأفكار، فقد خلص الكاتب في نهاية حديثه هنا، إلى أن منشأ القومية التركية فكرة ومنهجًا تأسست على أيد يهودية.
- القومية العربية: وهنا بين الكاتب أن المقصود بالقومية في المصطلح العصري وعند دعاتها: هي قومية العرب على أساس اتحاد اللغة الواحدة والتاريخ الواحد.
تدل على قوم العرب سواء كانت هذه القومية على الأساس الثابت كالإسلام أو كانت على غير الإسلام، بل اللادينية كما هو حاصل، وقد كان من أهم البدائل التي وضعتها العلمانية عن الإسلام كفكر ومبدأ للحياة الفكرة القومية، فهي إحدى النتائج التي أفرزتها الأفكار العلمانية، فقد كان التعصب القومي مظهرًا من مظاهر استبعاد الدين عن الحياة، فلا يكون الإسلام هو الرابطة التي يعقد لها الولاء ويجتمع عليها المسلمون، فالفكرة القومية فكرة علمانية اتخذت منذ البداية طريقًا مغايرًا للإسلام.
- ثانيًا: العلمانية:
وهنا بين المؤلف أن أهم معاول اليهود والنصارى في هدم الخلافة والملة هو: إدخال المذاهب الفكرية العصرية الهدامة على أنها نظريات علمية أثبتت نجاحاتها في أرض الحضارة والتقدم (أوروبا)، وعلى رأس هذه المذاهب ومن أشدها فتكًا "العلمانية" أو "اللادينية"، فهي أخطر وسائل أهل الذمة في إقصاء الشريعة عن ميدان الحياة، وجعل المسلمين لا هم لهم إلا الدنيا، دون التطلع لمستقبل هذا الدين أو حمل هم الإسلام، ومن ثم تحدث عن معنى العلمانية وأصلها وأين نبتت، وكيف دخلت إلى أرض المسلمين، كما تحدث عن دعاتها، وعن ارتباطها بالقوانين التي شرعت في آواخر عصر الدولة العثمانية.
رابعًا: سيطرة أهل الذمة على الصحافة:
وقد أشار الكاتب بداية في هذا المبحث إلى معنى الصحافة وأهميتها، مشيرًا إلى أهم الأدباء الذين تربعوا على عرش الصحافة منذ نشأتها كناصيف اليازجي، وبطرس البستاني، ثم أعقب ذلك بالحديث عن مشاهير الصحفيين في الدولة العثمانية، وبين هنا أن الباحث في تاريخ الصحافة في العالم الإسلامي يتضح له عن قرب قلة المسلمين الذين اشتغلوا بالصحافة، فهم لا يتجاوزون أصابع اليد بخلاف صحف وكتاب أهل الذمة فإنه البحر الذي لا ساحل له.
لقد سيطر اليهود والنصارى على الصحافة، من خلال تنوع صحفهم، ولقد تعددت أساليبهم في ذلك، أضف إلى ذلك سيطرتهم على ما ينشر في غير صحفهم، تحت تأثير ضغوطهم الاقتصادية، وقد عرض الكاتب لنماذج لما كان ولا زال ينشر في صحافة أهل الذمة.
خامسًا: إحياء الثقافات القديمة ومحاولة ربط الشعوب بالآثار:
في هذا المبحث يطل علينا الكاتب؛ ليكشف لنا مطرق جديد من المطارق التي ساهمت في هدم الخلافة، وشاركت في إقصاء الشريعة تحت مسمى العلوم العصرية والاكتشافات العملية وهو ما يسمى بعلم الآثار، وهنا أشار الكاتب لمفهوم الآثار في نصوص الشرع، وقد خلص من ذلك للتأكيد على أن القرآن لم ينص على شيء اسمه علم أو فن الآثار، ثم أشار إلى نشأة هذا العلم، أما عن دور اليهود والنصارى فلاشك أن دورهم كان كبيرًا في إنشاء مفاهيم جديدة داخل هذا العلم، تخدم أهدافهم، فدور علماء الآثار كان واضحًا في العمل على تفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن دينهم من خلال إحياء الوثنيات القديمة، وكذلك إبعاد مفهوم القرآن الكريم في التعرف على الآثار السابقة، ومن ذلك طمس التوحيد في حياة البشر ومحاولة إقناع الناس أن الدين ثمرة التطور ... إلخ.
الفصل الثالث: الآثار المترتبة على نشاط أهل الذمة، وفيه المباحث التالية:
أولًا: تسهيل عملية الغزو الفكري لأبناء المسلمين:
وفي بداية هذا المبحث تحدث الكاتب عن مفهوم الغزو الفكري والفرق بينه وبين الغزو العسكري، كما بين الأسباب والعوامل التي ساعدت على نجاح هذا الغزو الفكري ونجاحه، والتي كان من بينها، تفوق الغرب المادي والتعليمي على المسليمن، وكذلك تفوقهم العسكري والسياسي على عكس الحال في الدولة العثمانية خاصة في عصر الدولة الثاني.
وهناك من الأسباب الكثير، كما بين الكاتب أن الغزاة قد نفذوا بأفكارهم المسمومة إلى العالم الإسلامي عن طريق منافذ وحقول عديدة من أهمها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة، وقد تحقق لأعداء الإسلام ما أرادوا، ويتجلى ذلك من خلال تلك التبعية الفكرية التي بدأت إعجابًا بالمظاهر المدنية والمبتكرات العلمية، ثم تحولت إلى شيوع روح الانهزام الفكري، وضياع روح الاعتزاز بالشخصية الإسلامية، ثم ختم الكاتب هذا المبحث بالحديث عن مظاهر الغزو الفكري.
ثانيًا: تغريب الثقافة بين أبناء المسلمين وبروز العلمانية:
وهنا بين الكاتب أن الحديث عن التغريب هو حديث عن ثمرة من ثمرات الغزو الفكري التي سبق الكلام عن مظاهره، بل عن سمة من أبشع سمات هذا الغزو وهي قلب مقاييس وأعراف الناس ومفاهيمهم في كل مجالات الحياة، وأبلغها مجال التشريع وإلغاء الشرع الحنيف واستبدال القوانين الوضعية به، وقد بين لنا الكاتب هنا مجالات التغريب والتي كانت: التغريب في التشريع، التغريب في مجال التعليم، التغريب في وسائل الإعلام باختلاف أنواعها، تغريب المرأة المسلمة، التغريب في اللباس والزي، التغريب في مجال الأدب والفن والمجالات الأخرى.
ثالثًا: توسيع النشاط التنصيري في بلاد الإسلام:
أما هنا فقد أطل علينا الكاتب من زاوية هامة؛ فعرفنا بمصطلح التبشير، كما كشف لنا الغطاء عن طبيعة التنصير وأهدافه والتي كان من أهمها تمكين الاستعمار من الرسوخ بأقدامه في البلاد، ثم تحدث عن المؤسسات والإرساليات التبشيرية التي مارست نشاطها في مصر، كالإرساليات الكاثوليكية والأمريكية، ثم أتى الحديث عن وسائل العمل التنصيري في مصر والتي كان من بينها: التعليم، والخدمات الطبية، وكذلك الأعمال الاجتماعية.
رابعًا: إلغاء الخلافة وإلغاء تطبيق الشريعة:
وفي مستهل هذا المبحث ألقى الكاتب نظرة على حياة "مصطفى كمال أتاتورك"، ذلك الرجل الذي جعل منه الإعلام الغربي وكتاب المستشرقين البطل المخلص، وخاصة بعدما جُعل منه رمز التقدم والثورة في كل مجتمع متحرر من العالم الإسلامي، فأعطى لنا الكاتب نبذة عن مولده وسيرته، ثم بين أنه انضم إلى جمعية الاتحاد والترقي ودخل مع الماسون، وقد أقسم ـ أي أتاتورك ـ على إنشاء حكومة دستورية تكون مهمتها تحرير الشعب من رجال الدين، وتحرر النساء من الحجاب، ولا غرابة في ذلك فهو صنعة يهودية، ثم كشف الكاتب لنا النقاب عن أخطر جرائم أتاتورك والتي تمثلت في: إلغاء الخلافة، إلغاء المدارس الدينية ... إلى آخر ذلك من السبل التي سلكها أتاتورك لمسخ الدين من قلوب المسلمين، وبالجملة نستطيع أن نقول أن الغرب قد وجد في مصطفى كمال ضالته المنشودة، ثم انتقل الكاتب للحديث عن السلطان عبد الحميد، فألقى الضوء على شخصيته، وعلى جوانب من حياته، ومسيرته مع السلطنة.
الفصل الرابع: دور العلماء في مواجهة نشاط أهل الذمة:
وفي هذا الفصل الأخير أتى الحديث عن دور العلماء في مواجهة أهل الذمة، فالمتأمل يعلم أن الواقع الذي كان يعيشه المسلمون إبان سقوط الخلافة وما قبل ذلك كان مظلمًا ـ إلا ما كان من نور التوحيد في جزيرة العرب على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ فالفكر الصوفي كان هو السمة البارزة لعلماء ذلك العصر؛ فعاش المسلمون تلك الفترة في أوهام الخرافة وقل فيهم المذكر والناصح، وأصبح كثير من المعدودين من العلماء ـ إلا من رحم الله ـ دعاة وطنية أو شعارات شخصية، لذلك رأى الكاتب أن يعرض ههنا نماذج من العلماء والدعاة الغرباء في تلك الفترة العصيبة، والذين كانت لهم جهودًا عظيمة في مواجهة الأفكار الرافضة على بلاد المسلمين، وكان من بين هؤلاء المصلحين: أحمد جودت باشا، محمد عاكف، الشيخ مصطفى صبري، محمد رشيد رضا، فقد كان لهم جهد كبير موفور، وسعي بارز مشكور، فقد كانوا رجال علم وعمل، عملوا على خدمة الإسلام والمسلمين، وفي طريق التمكين لدين رب العالمين.
المصدر : المرصد الإسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق