روابط التحميل :
رابط مباشر :
لقد عُني هذا البحث بتحقيق كتابٍ تُراثِيٍّ في النحو والصرف، وكان قد ذاع صيتُه في زمانه، ألا وهو: "مجيب النِّدا في شرح قطر الندى"، وهو شرح مميَّز مشْهُور على كتاب آخر طبقت شهرته الآفاق؛ وهو كتاب: "قَطر النَّدى وبل الصَّدَى"، فهو مَتْن تعليمي موجَز لابن هشام الأنصاري، المتوفَّى عام 762 هـ، ولأهمية هذا المتْن وميزاته، فقدِ انْبَرى كثيرٌ من العلماء لشَرْحه أو نظْمِه أو تحشيته، ومن أبرز الشروح التي أقيمَتْ عليه شرح الفاكهي هذا، ولتميُّز هذا الشرح وشهرته وشموليته - حتى وُصف بأنَّه الغاية في الحُسن - قام نُخْبة من العلماء بشَرْحه أو التعليق عليه.
وجاء هذا البحث في مقدِّمة، وقسمَيْن رئيسَيْن:
أمَّا المقدمة:
فقد بيَّنتُ فيها موضوع بحْثي، وسبب اختياره، وخطَّتي فيه، وأبرز الصُّعُوبات التي واجهَتْني في إعدادِه، وأهم المصادر والمراجع التي اعتمدتها فيه.
وأما القسم الأول: فقد خصَّصتُه للدِّراسة، فجعلتها في: تمهيد، وفصْلَيْن، وخاتمة:
أما التمهيد:
فقد تناوَلْتُ فيه بإيجازٍ شديدٍ الحياةَ السياسية والاجتماعية والثقافية في القرن العاشر الهجري، الذي شهِد انتهاء دولة المماليك، وتوسع دولة العثمانيين، وأظهرتُ أَثَر ذلك على الحياة الفكرية في هذا القرن خصوصًا.
وأما الفصل الأول:
فقد رفعت فيه الحجاب عن سيرة هذا العالِم الفذ؛ من حيث النسَب، واللقَب، والأسرة، والنشأة، والمسيرة العلمية، والمؤلَّفات، والوفاة.
وفي الفصل الثاني:
درسْتُ الكتاب: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"، حيث جاءت الدِّراسة في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تناوَلْتُ فيه كتاب: "قطْر النَّدى وبل الصَّدى"؛ من حيث التعريفُ به، وبمؤلِّفه، ومنهجه فيه، إضافة إلى بيان شروح الكتاب الأخرى.
والمبحث الثاني: درسْت فيه الكتاب: "مُجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"، فوثَّقت نسبة الكتاب ووضَّحْت أبوابه، ومصادره، وسمات الشرح، والأصول التي اعتمدَها المؤلِّف فيه، ومنهجه في الكتاب.
وأمّا المبحث الثالث: فقد أفردته للموازنة بين ثلاثة من الشروح التي أُقيمَتْ على متن: "قطْر النَّدى وبل الصَّدَى"، وهي شرح ابن هشام نفسه: "شرح قطر النَّدى وبل الصَّدى"، وشرح الشِّربيني: "مغيث النِّدا في شرح قطر النَّدى"، وشرح الفاكهي: "مجيب النِّدا في شرْح قطر النَّدى".
وأما القسم الثاني - وهو قسم التحقيق -: فقد جعلْتُه في فصلَيْن:
وضَّحْتُ في الفصل الأول دواعي التحقيق، ومواضع نُسَخ الكتاب في مكتبات العالَم، ووصفْتُ مخطوطاته السِّت التي اعتمدتُها في التحقيق، ووضَّحْتُ المنهج الذي انتهجتُه فيه، مع بيان الرموز والاصطلاحات المعتمَدة في التحقيق، وختمْتُ الفصل بعرْض نماذج من نُسَخ المخطوطة المعتمَدة.
واشتمل الفصل الثاني على نصِّ الكتاب: "مُجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"، محقَّقًا تحقيقًا علميًّا، ثم ختمْتُ هذا الفصل بفهارس فنيَّة بلغت اثني عشر فهرسًا، توزَّعت على الموضوعات التالية: الآيات القرآنية، والقراءات المتواتِرة والشاذة، والأحاديث الشريفة، والأشعار، وأقوال العرب وأمثالها، والأعلام، والكُتُب الواردة في مَتْن الكتاب، والمواضِع والبلدان، ومسائل الخلاف، والمصادر والمراجع، والمحتويات.
وبعدُ، فإنَّ أبْرَز النتائج التي جنَيْتُها من هذا البحث تَتَمَثَّل في إخراج هذا الكتاب التُّراثي النفيس في حلَّة بهيَّة، مزيَّنة بتحقيق علميٍّ يوثِّق النصوص المقتبَسة في المتن، ويوضِّح غوامضه، ويخرِّج أشعاره وأحاديثه، ويوثِّق الآيات التي استشهد بها، وهو كتاب أكَّد البحثُ على نسبته لصاحبه، دون أدنى شك يُذكَر.
فإنْ أصَبْتُ في هذا البحث فهو مِن فضْل الله وتوفيقه، وإن كانت الأخرى، فحسبي أنِّي بذلْتُ الوسع والطاقة، والحمد لله أولاً وآخرًا.
المقدِّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أمَّا بعدُ:
فإنَّ لتَحْقِيق التُّراث العربي الإسلامي أولويَّة تُوازي ابتكار العلوم، كيف لا، وهي التي تزوِّدنا بعُدة في التأصيل، وأرضية صُلبة ننطلق منها إلى الابتكار والتجديد؟! وإن تحقيق كتابٍ في النحْو لمسألة مهمة؛ إذ إن اختيار موضوع جديد للدراسة في النحو لَهُوَ أمرٌ عسير، يكاد يكون صعب المنال؛ حيث لم يبقَ موضوع نحو إلا أُشبع بحثًا ودراسة، ولمَّا كانتْ رغبتي أن أواصل البحث في مجال اللغة والنحو، فقد عزمْتُ على اختيار مخطوطة في النحْو؛ لعلِّي بذلك أميط اللثام عن كنْزٍ دفين من كُنُوز اللغة، وأُسهم في إضافة جديد للمكتبة التُّراثية العتيدة.
ومن هنا؛ فقد استمرَّ بحثي عن مخطوطة مناسبة حتى هيَّأ الله لي نُسْختَيْن من مخطوطة بعنوان: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"؛ لجمال الدين عبدالله بن أحمد المكي الفاكهي، المتوفَّى سنة 972هـ، وعندما قرأتُ عن هذا المؤلِّف، وجدْتُ علاَّمة من أعلام النحو العربي؛ كان يُوصَف بسيبويه عصرِه في النحو، وأمَّا كتابه فقد وُصف بأنَّه الغايةُ في الحُسْن، وأنَّه من أفضل شروح متن: "قطر النَّدى وبل الصَّدَى"؛ لابن هشام الأنصاري، بل إنَّ بعضَ المترجمين رأَوا أنَّه شرْح يَفُوق شرح ابن هشام نفسه لمتن: "قطر النَّدَى وبل الصدى"، وبعد استشارة ذوي الاخْتصاص، وبعد التأكُّد من عدم وجود دراسة أو تحقيق لهذه المخطوطة، شمَّرْتُ عن ساعدَي الجد والاجتهاد، وبدأْتُ هذه الرحلة الميمونة، مُتَوَكِّلاً على الله، سائلاً إياه التوفيق والسداد.
وقد دَفَعَني إلى اختيار هذه المخطوطة: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى" أسبابٌ كثيرة، أبْرزها:
1- أنَّه مخطوط طُبع دون تحقيق طبعة حجرية، تَكَرَّرت مرات، أقربها قبل نصف قرن ونيف، وهو مخطوط يستأهل ألا تخلوَ منه مكتبة باحث، وبالأخص إن كان باحثًا لغويًّا.
وأمَّا خطَّة البحث، فقد جعلت أطروحتي في قسمَيْن رئيسَيْن ومقدِّمة: 2- أنَّ هذه الطبعة قد اعتراها كثيرٌ من الخلْط والاضطراب، بل وسَقَطَ منها أسْطُر بأكملها، أضِف إلى ذلك سوء طبْعها وإخراجها. 3- أنَّ هذا الشرح من أبرز شروح متْن: "قطْر النَّدى وبل الصدى"؛ لابن هشام الأنصاري، بل إنَّه يفوق شرح ابن هشام نفسه في الوُضُوح والتفصيل والاستدراك، كما ذَهَب إلى ذلك جماعة. 4- رغبتي الصادقة في أن أكشف اللثام عن كتاب نفيسٍ، ذاع صيته في كتب التراجم، وذوى ذِكْره في المكتبات ودور العلم والعلماء، فرغبْتُ أن أضيف إلى مكتبة التراث شيئًا جديدًا نفيسًا. 5- الرَّغبة في رفْع الحجب عن مؤلِّفه "المكي الفاكهي"، من خلال: بيان سيرته، ونشأته، وأسرته، ومنهجه، ووفاته، علمًا بأنَّ ما جمعه محقِّقو كتبه الأخرى كـ"شرح الحدود النحوية"، و"متمِّمة شرح الآجرومية"، لم يعطوا هذا المؤلِّف حقَّه من الترجمة، وسيجد القارئ ترجمة وافية لهذا العلاَّمة، لن يجدها مجتمِعة في مكانٍ آخر. 6- أنَّ المكي الفاكهي من أكبر نُحاة مكة المكرمة في القرن العاشر الهجري، بل هو أكبرهم، وقد تتلْمَذَ على كتابه في مصر قبل وصول المؤلف خلْقٌ كثيرٌ، فرغبتُ في إثبات دور مكة المكرمة في العصر العثماني في الإنتاج العلمي عامة، والإنتاج النحْوي خاصة.
أمَّا المقدِّمة:
فقد أبرزتُ فيها موضوع بحثي، مبينًا أسباب اختياره، وخطتي فيه، وأبرز الصُّعوبات التي واجهتْني فيه، وأهم المصادر والمراجع المعتمدة.
وأما القسم الأول: فقد خصَّصته للدراسة، وقد جعلتُه في فصلَيْن وخاتمة:
أما الفصل الأول: فقد رفعتُ فيه الحجاب عن سيرة هذا العالِم الفذ؛ من حيث النسَب، واللقَب، والأسرة، والنشأة، والمسيرة العلمية، والمؤلَّفات، والوفاة.
وفي الفصل الثاني: درست كتاب: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"؛ فكانت الدراسةُ في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تناولْتُ فيه كتاب: "قطر النَّدى وبل الصَّدى"؛ من حيث التعريفُ به، وبمؤلِّفه، ومنهج المؤلف فيه، إضافة إلى بيان شُرُوح الكتاب الأخرى.
والمبحث الثاني: درسْتُ فيه كتاب: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"، ففصَّلْتُ في نسبة الكتاب وأبوابه، ومصادره، وسمات الشرْح، والأصول التي اعتمدها المؤلِّفُ فيه، ومنهج الفاكهي فيه.
وختمْتُ الفصل بالمبحث الثالث، حيث أفردته للموازنة بين ثلاثة من الشروح التي أقيمَتْ على متن: "قطر النَّدى وبل الصدى"، وهي: شرح ابن هشام نفسه المُسمَّى بـ: "شرح قطر النَّدى وبل الصدى"، وشرح الشربيني المسمَّى بـ: "مُغيث النِّدا في شرح قطر النَّدى"، وشرح الفاكهي المُسمَّى بـ: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى".
وأما القسم الثاني - وهو قسم التحقيق -:
فقد جعلتُه في فصلَيْن، رسَمْتُ في الفصل الأول دواعي التحقيق، ومواضع النُّسَخ في العالَم، ووصف المخطوطات السِّت التي اعتمدتُها في التحقيق، ووضَّحت المنهج الذي انتهجْتُه في التحقيق، مع بيان الرمُوز والاصطلاحات المعتمَدة في التحقيق، وختمتُ الفصل بعرْض نماذج من نُسَخ المخطوطة المعتمدة.
واشتَمَل الفصل الثاني على نصِّ الكتاب: "مجيب النِّدا في شرح قطر النَّدى"، محقَّقًا تحقيقًا علميًّا، ثم ختمْتُ هذا الفصل بفهارس فنيَّة بلغت اثني عشر فهرسًا، توزَّعَتْ على الموضوعات الآتية: الآيات القرآنيَّة، والقراءات المتواترة والشاذة، والأحاديث الشريفة، والأشعار، وأقوال العرب وأمثالها، والقبائل والجماعات، والأعلام، والكتب الواردة في متن الكتاب، والمواضع والبلدان، والمسائل النحْويَّة، والمصادر والمراجع، والمحتويات.
وأمَّا الصعوبات التي واجهتْني فليستْ بِدعًا؛ إذ واجهها كلُّ مَن خاض هذه التجربة، وكابَدَ مرارة التحقيق، ولعلَّ أبرز هذه الصعوبات ما يأتي:
أ- أنَّ اعتماد الفاكهي في كتابه على الشرح الممزوج بالمتن جعلني في بعض المواطن أقِف حائرًا في صياغة التركيب، فكانت "النقطة" هي مَن ينقذني من هذه الحيرة حينًا، و"علامتا الاعتراض" تفسِّر كثيرًا منَ الغُمُوض في أحيان أخرى؛ لكنَّ الاهتداء إليهما لم يكنْ بالأمر اليسير.
ب- كبر حجم المخطوطة نسبيًّا؛ إذ تجاوَز مائة وعشرين ورقة، في كل ورقة صفحتان، وقد عالج المخطوط مُعظَم أبواب النحو، وبعضًا من أبواب الصرْف، وكان لجمْع الفاكهي الآراء المختلفة في المسألة، تصريحًا أو تلميحًا - مزيدٌ من البحث والتحقيق.
جـ- اقتصار المصنِّف في بعض الأحيان على جزء بيت دونما إشارة إلى أنَّه شِعْر، مما زاد في صعوبة تخريج الشواهد النحْوية الشعرية، وكذا الحال في الآيات القرآنية، فلم يكنْ يضع أيَّة إشارة إلى أنها آية، وكان يكتفي من الآية بكلمَتَيْن أو ثلاث، كما هو في باب حروف العطف.
د- كثْرة الاقتباسات من علماء مُبَرَّزين؛ كالفارسي، وأبي حيان، وابن مالك، دونما إشارة إلى اسم الكتاب، مما تطلَّب جهدًا كبيرًا في مراجعة أمهات الكُتُب؛ لتوثيق النُّقول، ونسبتها إلى أصحابها.
وأمَّا الدِّراسات السابقة:
فلم تقُم دراسة - فيما أعلم - على هذا الكتاب، بل إنَّ هذا الكتاب كان قد طُبع مرات عدة آخرها في عام 1953م، وذلك على هامش كتاب بعنوان: "حاشية يس الحمصي على مُجيب النِّدا"، ولم يُفرد بالطباعة مُطلقًا، ويُشار هنا إلى أنَّ محققي كتب الفاكهي الأخرى، ومنها: "شرح الحدود النحوية"، و"شرح متممة الآجرومية"؛ للرُّعيني، و"حدود النحو"، كانوا قد ترجموا للفاكهي ترجمة موجزة.
أمَّا أبرز المصادر والمراجع التي اعتمدتها، فقد تنوَّعت بين كتب اللغة، والنحو، والصرف، والتفسير، والقراءات، والحديث، والتاريخ، إضافة إلى بعض الرسائل الجامعية، وسأُعرض عن التمثيل عليها، مكتفيًا بالإحالة إلى فهرس المصادر والمراجع الوارد في نهاية الكتاب.
ذلك هو عَمَلي في هذا البحث، فإن أصبْتُ فذلك الفضْل من الله يُؤْتِيه من يشاء، وإن تكُن الأخرى فحسبي أني حاولْتُ واجتهدتُ، وما في الوسع والطاقة بذلْتُ، وأستغْفِر الله لذنبي، وأسأله أن يُقيل عثرتي، ويغفر زلَّتي، ويغسل حوبتي، وأن يتجاوز عني الخطأ والخلل، ويوفقني في القول والعمل، ولا أنسى مقولة العماد الأصفهاني: "إنِّي رأيتُ أنه لا يكتُب إنسانٌ كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحْسَن، ولو زِيد كذا لكان يُسْتَحْسَن، ولو قُدِّم هذا لكان أفْضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليلٌ على استيلاء النقْص على جُملة البَشَر".
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق