الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012
طبول الحرب التي تدق
بقلم: أحمد منصور
«طبول الحرب تدق والذي لا يسمعها أصم» هذا التصريح أدلى به قبل شهر العجوز الأمريكي اليهودي هنري كيسنجر وزير الخارجية السابق، ومهندس الترتيبات لـ«كامب ديفيد» وعلاقات "إسرائيل" بالأنظمة العربية، لكن يبدو أنه لم يلتفت إليه كثير من الناس، لكن ما يحدث الآن على حدود مصر الشرقية، وتحديدًا في غزة، يشير إلى أن طبول الحرب بدأت تدق بالفعل، وأن هذه الحرب التي يبدو من ظاهرها أنها تستهدف غزة لها أبعاد أكبر وأبعد من غزة بشكل كبير.
فمصر التي كانت تهادن "إسرائيل" ولا ترى ما تفعله في الفلسطينيين طوال العقود الماضية تغيرت وقامت بها ثورة أزالت النظام الموالي لـ"إسرائيل"، من ثم فإن مصر معنية بهذه الحرب بشكل مباشر، وليس الفلسطينيين وحدهم؛ لأن غزة هي العمق الاستراتيجي القريب للحدود المصرية، وما يحدث في غزة يؤثر على مصر كلها، وليس فقط سيناء المتاخمة لها.
كما أن ما يحدث على حدود "إسرائيل" الشرقية والشمالية من ثورة في سوريا تجعل العالم يقف مشاهدًا ما يحدث دون حراك متخوفًا من مستقبل النظام القادم في سوريا وتأثيره على "إسرائيل" وأمنها ليس بعيدًا على الإطلاق عن طبول هذه الحرب.
ولأن إيران وتركيا ودول الخليج وباقي الدول العربية لن تكون بعيدة عن أي حرب قادمة في المنطقة، فإننا يجب أن نضع ما يحدث في غزة في أبعاده الاستراتيجية الكاملة للمنطقة وليس فقط على محيط غزة، فالحروب تلد حروبًا أخرى عادة ما تكون أوسع وأشمل والمنطقة العربية الآن ليست المنطقة العربية في آخر حرب شنتها "إسرائيل" على غزة في عام 2008 أو على لبنان قبل ذلك فى عام 2006، من ثم فإن هذه الحرب لها أبعادها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
ومن المؤكد أن "إسرائيل" قد رصدت خلال الأشهر الماضية التي تلت إقالة قادة المجلس العسكري في مصر كيف أن جيش مصر في عهد وزير الدفاع الجديد والقيادة السياسية الجديدة للبلاد بدأ يجري مناورات ويأخذ تشكيلات واستعدادات لم يقُم بها منذ عشرات السنين حيث ترهلت القوات المسلحة خلال السنوات والعقود الماضية واتجه قادتها لتحويل الجيش إلى شركات بعضها يبيع المخللات والطرشي وتنافُس الباعة الجائلين.
من الواضح أن جيش مصر لم يعُد هو جيش مصر الذي كانت "إسرائيل" تحدد وفق الاتفاقات السرية الخاصة بـ«كامب ديفيد» ما يفعله وما لا يفعله، من ثم فإن القيام بحرب باغتة ومدمرة على غزة هو رسالة مباشرة إلى مصر وشعبها، ولعل تدمير مقر رئاسة الحكومة الفلسطينية في غزة بعد زيارة رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل لها بساعات دليل على الرسالة المباشرة التي وجهتها "إسرائيل" إلى مصر، ومع تحذير مصر لـ"إسرائيل" من قصف غزة خلال زيارة رئيس الوزراء المصري إلا أن "إسرائيل" تعمدت أن تواصل قصفها لغزة حتى في ظل وجود رئيس الوزراء المصري، وبذلك فإن الرسالة واضحة بأن "إسرائيل" غير راضية عما تقوم به القيادة السياسية المصرية، والجيش المصري من ثم فإن جرَّ مصر للحرب في هذا التوقيت لا يستبعد لأن الحرب هي الفرصة الوحيدة لجمع شتات اليهود الممزق حاليًا وإعطاء رئيس الحكومة "الإسرائيلية" الحالي فرصة للعودة مرة أخرى من خلال صناديق الاقتراع، كما أن الأزمات الاقتصادية العالمية عادة ما تصنع حروبًا أو تكون الحروب مخرجًا لها، فأمريكا وأوروبا تعانيان من أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2008.
وإشعال حرب في المنطقة يمكن أن تجر إليها تركيا وإيران ودولاً أخرى يمكن أن يكون مخرجًا لأمريكا وأوروبا من أزمتها الاقتصادية وإجهاضًا لعلاقات تركيا مع دول الربيع العربي، رغم أن تركيا حليف استراتيجي وعضو في حلف الناتو فإن الغرب لا يقدم شيئًا على مصالحه، وفي سبيل عرقلة الثورات العربية ومسيرتها وإجهاضها يمكن لمخططي السياسة في واشنطن وبروكسل أن يشعلوا حربًا في المنطقة لإعادة رسم خرائطها من جديد، إن تبسيط معركة غزة هو إغفال للأبعاد الاستراتيجية للحروب حتى لو كانت صغيرة، غير أن الحرب التي يمكن لـ"إسرائيل" أو للغرب أن يشعلوها يمكن أن تحرقهم؛ لأنه من السهل أن تشعل حربًا لكن من الصعب أن تضمن نتائجها
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق