الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

الأعمال الشعرية الكاملة - لتوماس ترانسترومر - pdf مصورا ومترجما







الأعمال الشعرية الكاملة لتوماس ترانسترومر


بقلم : رولا حسن


يستهل الشاعر السويدي الأصل توماس ترانسترومر ترجمة أعماله الكاملة، بكلمة يوجهها للقارئ يؤكد فيها أن (الترجمة إلى لغة غريبة محاولة أخرى لتحقيق واقعية القصيدة الأصل) وهي المرةالأولى التي تترجم أعمال شعرية إلى العربية لشاعر سويدي بقامة ترانسترومر والأعمال عبارة عن اثنتي عشرة مجموعة كتبت ما بين 1954 ـ 1996 ويمكن القول إن شعر ترانسترومر قراءة علمية لشعرية العالم أو لروحه وقراءة علمية لشعرية العالم أو لمادته على حد تعبير أدونيس في مقدمته للأعمال.
إذا كانت الصورة (فجر الكلام) كما قال باشلار فإن هذا الفجر سيبزغ عند ترانسترومر، وإن كان التعبير الحي يرتبط بالقدرة على إبداع الصورة فإن المثال عليه هو شعره أيضا /أيها الأصدقاء شربتم العتمة/ لكي تصبحوا مرئيين.ص14
حيث تعرض الصورة مركباً عاطفياً وفكرياً في لحظة زمنية واحدة ما يمنح ذلك الإحساس للتحرر المفاجئ؛ ذلك الإحساس بالتحرر من قيود الزمان والمكان وبنمو مفاجئ الذي نجربه في حضور أعظم أعمال الفن: /تعفنت صارية القمر وتجعد شراعه /فيما وراء الماء يحوم نورس سكران /مربع الفرضة الثقيل يتفحم /وتغرق أكمة العوسج في الظلمة.ص58 ‏
وحيث إن كل تجربة هي ثمرة تفاعل بين الكائن الحي وأحد جوانب العالم الذي نعيش فيه مما يلتقط الوعي أو يستحوذ عليه هو الكائن والعلاقات التي تربطه بالمحيط طبيعياً أو بشرياً. فالطبعية والجذر والشجر والعشب والبحر والغيم والحياة اليومية من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً إلى الاشياء التي أدى العلم إلى ابتكارها واستخدامها هي مادة الشاعر إضافة إلى عوالم الأنا الداخلية والقلق والبحث والتساؤل وهو بذلك يسعى إلى اكتشاف النقاء الشعري في حقيقة الظاهرة الطبيعية باذلاً في ذلك أقصر جهده للسيطرة على جوانب الطبيعة الخفية واكتشاف أسرارها وعلاقة ذلك بداخل الإنسان، ولم يكن ما حاول العثور عليه هو مظهر الطبيعة الخارجة بل لمس قلبها نفسه واسقاطاتها الكثيرة في أغوار النفس البشرية: /أقف تحت النجوم/ وأشعر بالعالم يزحف /داخلاً خارجاً كمثل منملة /في معطفي. من قصيدة صيغ الشتاء ص128. ‏
للقصيدة عند ترانسترومر حضور اقعي نلمس فيه نبض الأشياء بتفاصيلها، ومجازي يتحول فيه الواقع إلى مخيلة كل قصيدة، لوحة ظاهرها مركب من جزئيات الحياة اليومية وباطنها إشعاعات وإشارات وتخيلات. ‏
عندما وجد نفسه في الشارع بعد لقائه العاشق /بدأ الثلج يتراقص في الريح /كان الشتاء قد حل فيما كانا يمارسان الحب /تلألأت الليلة البيضاء/ بدت المدينة كلها مائلة /كان كل شيء موجهاً
نحو نغمة سي /مرت ساعة فوق حدود الآلام /كان ذلك سهلاً /وكان كل يبتسم فوق ياقته المرفوعة. ‏
يبدو الواقع الكوني في شعر ترانسترومر مرتبطاً بحياته اليومية حاضراً في تجربته الكتابية والجمالية مع أن القضايا التي يلامسها أو يثيرها في شعره غير تجريدية بل واقعية فإنها منفصلة جذرياً عن أي ابتذال سياسي. ‏
/تتقدم نظرته قفزاً فوق صفحة الجريدة/ تنبثق المشاعر باردة فتحسب أفكاراً شقيقته المخفية التي تسير صارخة من مئات الآلاف. ‏
/«الموت للشاه» مع أنه ميت/ خيمة سوداء تزحف بكراهية كبيرة وتقوى /الجهاد! اثنان لايلتقيان أبداً يقبضان على العالم. ‏
من قصيدة 1980 ص337. ‏
والبشر في هذه القضايا هم بشر الحياة اليومية لا يتزينون بالسياسة ولا يزينونها ولا يرفعون بيارق النضال ولا يهزجون لأساطيره... إنهم بشر البيوت والشوارع؛ بشر التأمل والعزلة بشر الوجود بآلامه وخساراته وأفراحه. تسود في شعر توماس النبرة الحيادية حيث الحدث والآخرون والأشياء والطبيعة والأمكنة والأزمنة هي التي يرتكز عليها في سرديته الشعرية، وفي الوقت نفسه أبطال المشهد الشعري الذي يصوره بامتياز. /شجرة تمشي تحت المطر /تمر حولنا في الغدق الرمادي. إنها في مهمة. تنقل الحياة من المطر /كمثل شحرور في الحديقة /عندما يتوقف المطر تتوقف هي وتتلألأ وديعة ومستقيمة في الليالي الصافية /تنتظر مثلنا لحظة /ازدهار ندف الثلج في الفضاء.ص128. ‏
يختبر الشاعر كل هذا ويعيد النظر فيه مانحاً إياه شكلاً آخر ومعنى آخر بحس زمني تمتزج فيه الأزمنة ويمتزج فيه الواقع بالمخيلة وبنبرة تبدو كأنها إيقاع اللحظات التي نعيشها يومياً /في شباط كانت الحياة جامدة /كانت الطيور تحلق مكرهة والروح /تحتك بالطبيعة كمثل باخرة /تحتك بمرساها. ص129. ‏
هايكو ‏
إن روح الهايكو الشفافة كانت تلاحق ترانسترومر منذ بداية أعماله وتحوم حوله برفق إلى أن استطاع أن يمتلكها في نهاية أعماله في مجموعتين: أشعار هايكو وتسع قصائد هايكو من سجن هيلبي للقاصرين 1995. ‏
يحضرني هنا قول لجلن هيوز (إن شاعراً ذا اهتمامات واسعة وميول تجريبية يصعب أن نتوقع إفلاته لسطوة الشعراء اليابنيين إن قصائد الهايكو القصيرة الموحية والمميزة وجوهر المخيلة الصافية والتكثيف كل هذا يجذب الشاعر التصويري حتماً). ‏
/جدار اليأس/ بلا أوجه /تأتي الحمائم وتذهب. 432 ‏

/الدروب تترنح/ تحت أعنة الشمس/ من ينادي هناك/ ص434 ‏
إنه يجسد في بضع سمات ما اختبره شعورياً حتى تتمكن المخيلة من ملء الفراغات بكل التفاصيل حيث تكمن قيمة الخبرات الشعورية للصور إنه لا يمنحنا معنى بل يعطينا الموضوعات المجسدة التي تمتلك معنى لأنه اختبرها بقوة مشاعره. ‏
ليل ـ شاحنة ‏
تمر، أحلام ‏
السجناء ترتجف. ص486 ‏
يشرب الولد حليباً ‏
ويغفو في زنزانته ‏
أم من حجر. ص487 ‏
يحاول ترانسترومر أن يقول في شعره وضعه الإنساني وأن يقدم هذا الشعر بوصفه فنا يفسح عن هذا الوضع بالرغم من جذوره الشعرية الأصيلة ومن أصوله الكلاسيكية والغنائية والرمزية في الوقت نفسه يقف على عتبة المستقبل منخرطاً في حركية الحداثة على حد تعبير أدونيس. إنه شاعر متعدد تجريبي بامتياز وهو ما أتيح لنا أن نراه في شعره الذي يخيط قميص ذاته الشفاف والغامض في آن. ‏
الكتاب: الأعمال الشعرية الكاملة لتوماس ترانسترومر ‏
ترجمة: قاسم حمادي ‏
أعاد قراءتها: أدونيس ‏
الناشر: دار بدايات دمشق سورية 2005



رابط التحميل :

4shared.com ___-_____.html


 أو

 اضغط هنا

 من مرفوعات : إنسان على مكتبة الاسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة