منها :
(1) جريمة قتل النفس
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: 92]
و قال تعالى :(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة 32]
وقال صلى الله عليه و سلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه " (69)
وتعتبر الشريعة الإسلامية التعدي النفس من أخطر الجرائم، لأن الإسلام أعلى من شأن الإنسان بقوله تعالى: ( و لقد كرمنا بني آدم ) (70)
وعلى قدر ما أعلى الإسلام من قدر الإنسان : فإنه قد أشتد في العقوبة على من يعتدي على حياة غيره بغير حق .
بل إن لإسلام اعتبر قتل النفس الواحدة : بمثابة قتل الناس جميعا، وأن إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً .
وقد جعل الله عقاب القاتل : كعقاب الكافر.
وبهذا الحكم العادل جعل الشرع القصاص علاجاً يمنع العدوان، إذ لم يجعل الإسلام لدم أحد من الناس فضلاً على دم آخر، بل إن الإسلام ليقتص من الحاكم نفسه إذا اعتدى على أحد من رعيته بالقتل العمد، لأن الإسلام نظر إلى القاتل على اعتبار أنه بفعلته الشنعاء ق سلب القتيل حياته و ترتب على ذلك أنه يتم أطفاله و أيم زوجته و حرم المجتمع من يد عاملة في خدمته كما أنه تحدى بذلك شعور مجتمعه و خرج على نظامه و قوانينه.
ويقص علينا القرآن قصة أول جريمة قتل في تاريخ البشرية : تلك هي الجريمة التي قتل فيها قابيل ابن آدم عليه السلام هابيل ظلماً و عدواناً.
وذلك : لأن آدم قد أمر والديه أن يتزوج كل منهما توأم أخيه و ألا يتزوج الأخت التي ولدت معه ، و كانت توأم قابيل أجمل من توأم هابيل ، فأبى قابيل ، و أصر على أن يمسكها لنفسه ، على حين أطاع هابيل أمر أبيه الذي هو وحي سماوي .
ثم أنهما اتفقا على أن يحتكما إلى الله بأن يقدم كل منهما قرباناً لله : فتقبل الله من هابيل و لم يتقبل من قابيل الذي ثار ولم يرض حكم الله و أصر على موقفه من العناد و سولت له نفسه قتل أخيه فقتله .
وكل ما جرى من هذا النزاع بين الأخوة : ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد اندلعت في صدر قابيل وشب ضرامها ، فكانت فتنة عارمة و جريمة قتل شنعاء .
ومن عدالة الإسلام في تشريعه : أن جعل عقوبة القاتل أن يقتل .
لأن ذلك من الجزاء العادل الذي يستحقه بغير إبطال و لا هوادة و لا بحث في بواعث القتل .
وحتى هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم انتحاراً : لهم عذاب شديد يوم القيامة لأنهم قنطوا من رحمة الله و لا يقنط من رحمة الله إلا الكافرون .
ولا شك : أن رحمة الله عظيمة بفرضه القصاص الذي جعل فيه حياة الناس و أمنهم و منع العدوان بينهم ، لأن من يهم بالقتل و الفتك بغيره و هو يعلم أن في ذلك هلاكه سيتردد و لا يقدم على تنفيذ جريمته فيبقى ذلك الخوف على حياة من يهم بقتله و هلاك نفسه .
وإن من يتدبر قوله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة: 179] ليجد فيها كل الإعجاز البياني و التشريعي من حيث روعة الأسلوب و روعة المعنى و هما يؤكدان معجزة القرآن الكريم.
(2) جريمة الحرابة
قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدة: 33]
وقال صلى الله عليه و سلم: " كل المسلم حرام دمه و ماله و عرضه "(73)
والحرابة جريمة يعاقب عليها الشرع في إحدى الحالتين الآتيتين :
(أ) ـ الاستيلاء على مال الغير مغالبة و في خفاء عن المجتمع .
(ب) ـ قطع الطريق على الناس و منع المرور فيه بقصد السلب و النهب الإخافة و الإرهاب .
والمحاربون : هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة ، ويحمي بعضهم بعضاً و يقصدون إيذاء الناس في أرواحهم و أموالهم، و يخيفونهم و يثيرون الفزع و القلق في نفوسهم لإخضاعهم لأهوائهم الشريرة.
وقد نص القرآن على عقوبتها بقطع اليد اليمنى و ترك بقية الأطراف سليمة لكي يعمل بها لكسب رزقه من وجه حلال إذا ارتدع، و تجمع هذه العقوبة بين القسوة و الرحمة في آن واحد، و هذا ضرب من الإعجاز في العقوبة و الردع معاً، و قد أحل الشرع بعد ذلك قتله إذ ا تمادى في الجريمة و لم يرتدع، و يعاقب المحارب بالقتل إذا قتل سواء استولى على المال أم لم يستول عليه.
وقد نصت الآية على أنواع أخرى من العقوبات التي توقع على المحاربين الآثمين غير قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، لشل نصف الجسم المجرم عن الحركة و هي قتلهم و صلبهم تشهيراً بسوء عملهم و إذلال لهم.
ومن هذه الأحكام تدل دلالة واضحة على أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى آثار الجريمة التي فيها اعتداء شنيع على الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال ، و إزهاق أرواحهم و سلب أموالهم و شددت العقوبة بما يناسب ما أحدثته الحرابة من عدوان و ترويع للآمنين ثم إن لهم في الدار الآخرة عذاباً عظيماً هو عذاب الجحيم .
والمقرر في الشريعة الإسلامية أن جريمة الحدود لا يثبت ارتكابها إلا بوسائل إثبات مشددة و محدودة ، و هي في جملتها لا تخرج عن الاعتراف الصريح و الإقرار و البينة ، و يزيد بالبينة شهادة رجلين عدلين و يكون الإقرار في مجلس القضاء أمام القاضي .
وقد أثبت الأيام أن المجتمع الإسلامي عندما طبق أحكام الحدود عاش آمناً مطمئناً على أموله و أعراضه و نظامه ، بل إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه رغبة منه في تطهير نفسه بالتكفير عن ذنبه .
وعندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود و أنساق مع تشريعات الغرب الوضعية و بهره زخرفها الزائف تسرب إليه الفساد و أشاع فيه الإجرام ، و كاد يلحق بدول الغرب في التفنن في أساليب الجريمة .
ويروى التاريخ : أن هشام بن عبد الملك - من خلفاء بني أمية - عطل حد السرقة والحرابة سنة ، فتضاعفت حوادثها ، وصار الناس غير آمنين على أنفسهم و لا على أموالهم من النهب و السلب، و استشرى خطر اللصوص في البوادي و الحواضر .
فلما تفاقم الأمر و اضطربت الأحوال : أعاد هشام بن عبد الملك العقوبة كما شرعها الله تعالى ، فكان الإعلام بالإعادة و حده كافياً لردع المجرمين و صيانة الحقوق و حفظ الأموال و النفوس .
وكان من أبشع جرائم الحرابة في عصورنا الحديثة : ما كان يحدث في الحجاز قبل الحكم السعودي لحجاج بيت الله من الاعتداء عليهم و اغتصاب أموالهم و إزهاق أرواحهم ، حتى أن الفقهاء المتأخرين أوجبوا على كل من يخرج للحج أن يكتب وصيته قبل أن يغادر بلده ، و كانت الحكومة في مصر و سوريا ترسل مع بعثاتها للحج الجنود المسلحين لحمايتها .
فلما حكم الجزيرة العربية الملك عبد العزيز آل سعود و نفذ الأحكام الشرعية كما أمر الله و رسوله : هاب اللصوص و قطاع الطرق عقوبتها الشرعية التي تنفذ فوراً ، حتى أنه ليذكر بالحمد لهذا الملك الراحل أن عدد الأيدي التي قطعت في مملكته لا تزيد على ستة عشر يداً خلال أربعة وعشرين عاماً هي مدة حكمه .
ومن الناس من يلهجون باستغلاظ عقوبة الحرابة و يحسبون أنها غير إنسانية : و أولئك ينظرون إلى العقوبة و لا ينظرون إلى الجناية ، و يرحمون الجاني و لا يرحمون المجني عليه ، و المجني عليه هنا هو الجماعة التي تنهب أموالها وتسفك دماؤها ، و إنه كلما عظمت الجريمة كان لابد من أن تكون العقوبة قاسية و رادعة .
والنبي صلوات الله عليه و سلامه يقول : " من لا يرحم لا يرحم " (74)
ولو أن عقوبة الحرابة طبقت في أمريكا و أوربا حيث العصابات الدولية : لأمن الناس على أنفسهم ، و لما اضطرت الحكومة إلى تجنيد آلاف الجنود و صرف الأموال الطائلة في مطاردة هذه العصابات الآثمة .
(3) جريمة السرقة :
قال تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [المائدة: 38]
وقال صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه " (76) " و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " (77)
السرقة : نزعة شريرة تحمل صاحبها على ارتكاب جرائم عديدة فظيعة في سبيل الاستيلاء على مال غيره ، خفية أو كرهاً بدافع من خبث الطبع و فساد المنشأ و سوء التربية ، و هي عوامل تجره إلى ارتكاب جريمة القتل أحياناً إذا أعترضه معترض ، وقد يصل به الإجرام إلى قتل الأب أو الأم أو الأخوة من أجل سلب أموالهم ، و كثيراً ما سولت هذه النزعة الشريرة إلى خلق عصابات من الأشرار تعبث بالأمن في كثير من الدول ، وتستطيع بقوة سلاحها و إرهابها ووسائلها الإجرامية أن تسطو على أموال البنوك و خزائن الحكومات ، و متاع الأغنياء تسلب ما فيها و تخرب و تدمر ما شاء لها التدمير و التخريب ، وتعاني الحكومات من ويلاتها و تنفق الأموال الطائلة في مكافحتها و مقاومتها ، وكثيراً ما فرضت هذه العصابات سلطانها على الأبرياء الآمنين و روعتهم .
وهؤلاء السارقون الذين يجمعون الأموال الطائلة المنهوبة : لا يجدون لها مصرفاً إلا مجال الموبقات و المنكرات ، و شراء ذمم الناس للتستر عليهم و تحريضهم على الفجور بأموالهم و نفوذهم .
ويلاحظ أن أكثر دور اللهو و الميسر و الدعارة كلها من منشآة أثرياء اللصوص و يقوم على حمايتها أعوانهم الفجرة .
ونظراً لخطورة جريمة السرقة وويلاتها : شرع الإسلام عقوبات قاسية ورادعة تكفل القضاء عليها و التقليل من مضارها ، مستهدفة بهذه العقوبات مصلحة الجماعة لأنها تريد المحافظة على الضروريات اللازمة للناس في حياتهم التي قوامها : حماية النفس و العقل والنسل و المال .
وقد انتهج الإسلام لتحقيق هذه الغاية وسيلتين رئيسيتين هما :
أولا : وسيلة تهذيب نفس المسلم ذاته عن طريق المجتمع الإسلامي القائم على دعائم الاستقامة و المحبة و الطهر و التعاون على البر و التقوى .
وثانياً وسيلة ما شرعه القانون الجنائي الإسلامي من إقامة الحدود لحماية الضروريات اللازمة لأمن الإنسان .
فجعل حد الردة : لحماية الدين .
وحد القصاص : للحفاظ على الأنفس .
وحد شرب الخمر : لحماية لحماية العقل .
وحد الزنا و القذف : لحماية العرض و النسل الخ....
عقوبة السرقة :
واجهت الشريعة الإسلامية جريمة السرقة بعقوبة قاسية هي قطع اليد ، لتكفل بذلك استئصال شأفة الجريمة و لتكوين بقسوتها رادعة و زاجرة لكل من تسول له نفسه العدوان على مال الغير خفية أو غصباً ، تهدف العقوبة إلى قطع اليد لأنها هي الأداة التي استعملها السارق و ساعدته على ارتكاب جريمته ، و ذلك لمنع استعمالها مرة أخرى في السرقة .
وحكمة التشريع في قطع اليد : أنه تعتبر أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في ردها إلا عقوبات صارمة و مؤلمة ، ليس فيها لين أو رخاوة ؛ ليكون الجزاء من جنس العمل ، و لتكون العقوبة ملازمة للجاني و ظاهرة للناس و محذرة لهم .
شروط قطع اليد :
اشترط في السرقة المعاقبة عليها بقطع اليد .. أن يكون الجاني :
بالغاً من الرشد عاقلاً
و غير محتاج و لا مضطر للسرقة ،
و أن يكون المسروق مملوكاً للغير و محفوظاً في حرز
و لا يقل نصابها عن سبعة عشر جراماً من الذهب أو ما يعادل ذلك نقداً ،
وهذا هو العقاب المقدر لحد القطع ، و إذا قل عن ذلك فلا قطع ،
و قد أتفق الفقهاء : على قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى فإذا عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى في رأي بعض الفقهاء و ذلك لشل حركة السارق .
فإذا عاد بعد ذلك : فلا قطع و إنما يحبس إلى مدة غير محدودة حتى يموت أو يتوب نهائياً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق