الزواج نعمة عظيمة امتنَّ الله بها على عباده وأحلَّه لذكورهم وإناثهم، بل أمرهم به ورغَّبهم فيه: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } (النساء: 3). وهو سنة خاتم المرسلين؛ قال: (النكاح من سنتي؛ فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَوْل فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم؛ فإن الصوم له وجاء) رواه ابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله. وهو سنة المرسلين من قبل؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]. وهو إعفاف للزوجين وحماية لهما من الوقوع في الفاحشة. الزواج مشروع صعب يؤكد الدكتور البريك في البداية أن من أفضل ما يتخذ الإنسان في دنياه كيما يستقيم دينُه، قلب شكور، ولسان ذاكر، وزوجـة صالحـة تـعينُه من أجل هذه المصالح؛ فعن ثوبان ] قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، قال: كنا مع رسول الله في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أُنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه، فقال: (أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه). رواه أحمد والترمذي وغيرهما. لقد رغَّب الشرع في الزواج وحث على تيسيره وتسهيل طريقه، ولكن الزواج - كما يبيِّن الدكتور البريك - أصبح من أصعب الأمور في زماننا نتيجة سوء التصرف من بعض الناس والجشع والطمع وقلة الوعي وعدم تحمل المسؤولية، بل هو أصعبها على الإطلاق، العزوف عن الزواج المبكر خطرٌ أحدق بالشباب من الجنسين، وينذر بالفناء وفساد الأخلاق وتجهم الحياة وظلام البصيرة وفوات الحظوظ الشرعية وانعكاس المفاهيم وضياع المستقبل وإضاعة المال والترمل المزري بعدما يصبح كل منهما هيكلاً بالياً عالةً على الأهل أو الأقارب، ثقيلاً على نفسه وعليهم؛ فعاش الأيامى من الشباب والفتيات عيشة المساكين فانطووا على أنفسهم وأخلدوا إلى الأرض وضعفوا عن محاكاة الآخرين المحظوظين ممن أنعم الله عليهم بالأزواج والأولاد وفازوا بالغبطة والسرور والحبور. عادات وعوائق سلبية ويضيف فضيلته: العوائق السلبية والعادات البالية جعلت بعض المسلمين لا يهتمون بأمور العازبين، ولا يقدِّرون أخطار العزوبة المحدقة بهم وعواقب حرمانهم من زينة الحياة الدنيا ولذاتها ومتاعها المتجدد بالحصانة والصيانة وإنجاب الذرية وحصول المودة والرحمة والسكن النفسي؛ فإن الزواج بوقته المناسب من أهم مقومات الدين والأدب وكمال الرجولة وقمة الأنوثة، وهو الطريق الطبيعي لمواجهة الميل العميق بين الرجل والمرأة، وهو الغاية النظيفة لإدراك الراحة والسكن والعفة والإحصان وبناء الأسر وإنقاذ المجتمع من غوائل التحلل والانحراف ومن زوابع المخاوف وظلمات الطبع وتجهم الحياة والأفكار السوداء التي تنغِّص العيش وتقضُّ المضاجع وتقلق الراحة وتقوِّض الكيان وتحطم مستقبل الشباب والفتيات؛ فالنساء للرجال خُلقن ولهن خلق الرجال. الدراسة ليست عائقاً ويشدد الدكتور البريك على أن الدراسة ليست عائقاً في سبيل الزواج كما يحدث من الفتاة أو وليها اللذين يردان الخاطب الكفء بحجة أنها ما زالت على مقاعد الدراسة، ويجعلان ذلك عقبة أمام الزواج المبكر، وفي ذلك من الضرر على الفتاة نفسها وعلى المجتمع ما لا يخفى.. حريٌ بالمرأة وولي أمرها ألا يردا الخاطب متى كان كفئا، سواء قَبِل أن تواصل دراستها أو عملها أم لم يقبل، مع أن من الشباب من لا يمانع من مواصلة زوجته الدراسة أو العمل؛ لأنه يحس أن المجتمع بحاجة إلى مثلها للتدريس ونحو ذلك مما يحتاجه المجتمع المسلم المحافظ. وقد يُردُّ الخاطب لأن له زوجة أخرى أو لرأي زميلة أو لمشورة حاسدة ولحجج واهية: هذا كبير في السن، هذا فقير، هذا متدين متشدد، وما آفته عندهن في الحقيقة إلا أنه لا يوافق مزاجهن، ويوم يتولى السفهاء والسفيهات زمام أمر النساء تضيع المسؤولية وتهدر المصالح ويفسد الأمر، فتمضي السنون متلاحقة والفتاة بين التسويف والتأجيل، ويتعاقب الليل والنهار فيذهب الشباب الرطيب ويتجعد الوجه المليح، وهناك تذبل الزهرة الوردية وتفقد شذاها العطري وتذهب فتوتها، وتدخل باب الكهولة ثم الخمول والترمل. وعندها لا يغني المال عن طيب الحياة والذرية الصالحة، ولا تجدي الشهادات العالية عن سكينة الزواج، ولا تنفع الندامة على عدم الالتحاق بركب المحظوظات، ولا يجدي الألم على التأيُّم والتبتل. يجب على ولي المرأة الرشيد الحازم إذا تأكد من صلاحية الخاطب ورضيته المخطوبة أن يقدم على التزويج ولا يدع فرصة للعابثين والمفسدين؛ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وتتأكد المسارعة في تزويج الكفء إذا كان يملك القدرة المالية والصحية على جمع أكثر من امرأة، وإذا كانت المرأة المخطوبة مطلقة أو أرملة أو تقدم بها السن أو كان بها عيب خلقي ونحو ذلك، فربما يكتب الله لها ذرية صالحة من هذا التعدد أفضل بكثير لها من جلوسها السنين الطوال بدون زواج. وإن في نساء النبي أسوة حسنة لكل مؤمنة. وفي سنة النبي طرد لكل تردد وحيرة، فقد رغب بالزواج المبكر وحثَّ عليه فقال: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وِجاء”، ومفهوم الحديث أن طول التأيم يفضي بالشباب من الجنسين إلى أمور لا تحمد عقباها: كنشر الرذيلة وتحلل الأخلاق؛ فيبحث كلا الطرفين عن الطرق المحرمة لتفريغ الشهوة وقضاء الوطر، ومنها الفراغ القاتل وطول الأرق والسأم لأجسامهم وطول التفكير واليأس من طيب الحياة بالمال والبنين وزينتها وظلام المستقبل أمامهم. قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14]، فقدَّم سبحانه ذكر النساء والبنين على سائر المحبوبات من متاع الدنيا لما أباح الله بين الزوجين من الإفضاء إلى بعضهم البعض والعفاف وبلوغ الأرب والغايات المنشودة والحرث المثمر لجني الكرم ونور الحياة ومدخر الممات. غلاء المهور والمبالغة في رفعها ومن أسباب تأخر الزواج أو امتناعه كما يقول الدكتور البريك: غلاء المهور والمبالغة في رفعها بعد أن جعلت محلًا للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالحديث عن ضخامة هذا المهر أو ذاك، دون تفكير في عواقب ذلك وما يؤول إليه؛ مما جعل الزواج عقبة صعبة جداً أو مستحيلة أمام كثير من الخطاب لا يمكنه تجاوزها، وهذا خلاف المشروع فإن المشروع في المهور تخفيفها وكلما كانت أقل فهي أفضل وأنفع. فإذا جاء أحدهم خاطباً لابنته أو موليته أخذ يحدُّ شفرته ولكنه لم يرِح ذبيحته، ليفصل ما بين لحمه وعظمه، فإذا قطع منه اللحم وهشَّم العظم وجرَّده من كل ما يملك سلمها له وهو في حالة بؤس وفقر شديدين مثقلاً بأوزار الديون التي من لوازمها الهموم والغموم؛ فتذله بالنهار وتقض مضجعه بالليل، ويغلي بنارها قلبه حتى تجعل القوي ضعيفاً والسمين نحيفاً: والهمُّ يخترم الجسيم نحافة ويُشيب ناصية الصبي ويُهرم قال عمر: لا تغلوا في صداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي قصة واقعية تتكرر ويورد فضيلة المحاضر قصة واقعية تدلل على طمع بعض أولياء الفتيات وتزويج بناتهم صغيرات السن لمن هم أكبر منهن بكثير، لا لشيء إلا من أجل الحصول على المهر الكبير، تقول صاحبة القصة على لسان الشيخ: زوجني أبي بعد موت أمي وأنا صغيرة عمري ثلاثة عشر عاماً لا أفقه الحياة ولا أعرف شيئاً عن الحياة الزوجية، وكان الزوج رجلاً عجوزاً، وذلك طمعًا في المهر الذي دفعه؛ إذ بلغ مائة وثمانين ألف ريال، كنت أكرهه ولم أشعر بالراحة مطلقاً ولم أذق طعم السكينة طلبت إليه أن يطلقني بعد مضي سنة على زواجنا وبعدما أنجبت منه بنتاً فأبى إلا بعد أن دفعت له مبلغ عشرة آلاف ريال، وعدت أدراجي إلى بيت أبي كما خرجت منه ولكن برفقتي صغيرة عمرها سنة، وبعد سنتين تقدم إليَّ رجل كهل عمره خمسون عاماً، فلما تمت الرؤية رفضت الزواج وجلست أبكي حتى الصباح إلا أن أبي أصرَّ على زواجي منه، فرضخت مجبرة كسيرة ذليلة، ومضت عليَّ السنون الطوال وأنا في شقاء وتعب معه ومرَّ على زواجي به ستة عشر عاماً، فأنا ما زلت في ريعان شبابي حيث جاوزت الثلاثين بسنتين، وهو جاوز السبعين ومضت عليَّ حتى الآن أربع سنوات لم أعرف فيها طعم العشرة الزوجية، فكرت في الفاحشة إلا أن خوفي من الله منعني من ذلك، وزوجي العجوز لا يبالي بي ولا يشعر بمعاناتي، وأنا أنتظر سن اليأس وفوات قطار العمر وزهرة شبابي التي تذبل أمام عيني، أبكي كلما نظرت إلى المرآة وأتحسر على ما ضاع مني وأتألم مما صنعه بي والدي هداه الله. هذه مأساة واحدة من آلاف النساء اللاتي يتجرعن كؤوس البؤس والتعاسة من أزواجهن بعدما زوجهن أولياء أمورهن طمعاً فيما يُدفع لهم من مهور عالية. إن ضخامة المهر مما يسبب كراهة الزوج لزوجته وتبرُّمه منها عند أدنى سبب، وإن سهولته مما يسبب الوفاق والمحبة بينهما ويجلب البركة في الزواج. قال: (إنَّ أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) رواه أحمد. التحجير عادة جاهلية ويشير الدكتور البريك إلى عادة جاهلية كما يقول تعد من عوائق الزواج، وهي التي تسمى بـ (التحجير) وهي مشتهرة بين بعض القبائل، حيث يحجر على البنت لابن عمها أو غيره بينما هي لا تريده، ويرد وليها الخطاب بحجة الحجر هذا، وقد يتزوج ابن عمها أو من حجرت له بغيرها وفي هذا هضم لحقوقها وامتهان لكرامتها، قال [: “لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت” رواه البخاري ومسلم. فمن حق البنت التي حُجِر عليها أن ترفع أمرها إلى القاضي لينظر في تظلمها من هذا الحجر المفروض عليها بحكم التقاليد المخالفة للشرع. ومن هذه المعوقات أيضاً: أنَّ بعض الآباء والأولياء يردون كثيراً من الخطاب بحجة أنهم أقل منهم نسباً أو ليسوا من قبيلتهم أو بلدهم؛ فيتأخر الزواج وتفوت الفرصة التي كان من الممكن حصولها إذا قبلوا المتقدم للزواج إن كانوا يرضون دينه؛ إذ لا فرق بين الناس فكلهم سواسية وأكرمهم عند الله أتقاهم: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، والدين والأمانة والأخلاق هي المقاييس في هذا الشأن، وقد زوج رسول الله رقيقه زيد بن حارثة من زينب بنت جحش ابنة عمته، وتزوج صفية بنت حيي بعدما أسلمت وكانت بين السبايا، وزوج أبو حذيفة رضي الله عنه ابنة أخيه هنداً لمولاه، والإسلام أباح الزواج من الكتابية مع وجود المخالفة في الدين والنسب. رؤية المخطوبة سنة نبوية ومن معوقات الزواج إصرار بعضهم حتى الآن على عدم تمكين الخاطب من رؤية المخطوبة قبل العقد؛ مما يجعل الشاب يبحث طويلاً عن الأسرة التي تقتنع بالرؤية الشرعية، وهذا البحث الطويل مما يؤخر الزواج ويضيع فرصاً ثمينة لكل من الذكر والأنثى. إن الرؤية قبل العقد سنة نبوية؛ قال لرجل خطب امرأة: (اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)، رواه أحمد والدارمي، وقال: (فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد وأبو داود، وقال لرجل خطب امرأة: (أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها) رواه أصحاب السنن. وقد يبحث الشاب طويلاً فلا يجد أسرةً تعمل بهذه السنة الثابتة فيقدم على الزواج بدون رؤية، وقد لا يقتنع بالزوجة بعد الدخول فيحصل الطلاق أو الضم مع الكره وعدم الراحة النفسية، ولا يستطيع الطلاق بسبب المهر الذي دفعه أو بسبب مجاملة أهله أو أهلها خاصة إن كانوا من الأقارب، أو بسبب الأولاد الذين رُزقهم منها. ومن المعوقات: التكاليف الباهظة التي ابتدعها الناس وتمادوا فيها حتى أثقلت كاهل الخاطب ونفرَّته عن الزواج، كالإسراف في شراء الأقمشة الغالية والمصاغات الطائلة الباهظة الثمن، والمبالغة في تأثيث بيت الزواج والتبذير في إقامة الولائم والأطعمة وكلف الزيارات المتبادلة بين أسرتي الزوجين. كل هذه الأمور تثقل كاهل الزوج وليست في صالح الزوجة، بل تستفيد منها جيوب الباعة وأصحاب المحلات وتذهب هدراً وتضيع سدًى وتسد طريق المسلمين إلى الزواج الذي هو من أهم ضرورياتهم. ومن المعوقات: إحجام بعض العزاب عن الزواج بحجة قلة المال وعدم الاستطاعة على دفع مهر الزوجة والنفقة على الزوجة والأولاد، وهذا الخوف لا مسوغ له؛ فالله تكفل للفقراء الراغبين الزواج بأن يغنيهم من فضله، قال تعالى {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 32]، وقال: (ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله) رواه أحمد والترمذي. فعلى كل شاب أن يوقن بهذه النصوص وأن يستسلم للقضاء والقدر ويتوكل على الله ويسعى بالأسباب: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. ومنها تمسك بعض الشباب باختيار الأبكار من الزوجات، وهذا أمر مباح، ولكن ربما كبيرة في السن أو مطلقة أو أرملة أفضل بكثير من صغيرة؛ فالكبيرة والأرملة والمطلقة تقنع باليسير من المهر، ولنا في رسول الله [ أسوة حسنة لكل مسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } [الأحزاب: 21]؛ فقد تزوج خديجة رضي الله عنها وهي أكبر منه بسنوات وسائر زوجاته ثيبات ولم يتزوج بكراً إلا عائشة رضي الله عنها، وكان صداق بناته وزوجاته أربعمائة درهم. فوائد الزواج المبكر وآثاره الاجتماعية وتحدث فضيلته عن فوائد الزواج المبكر وآثاره الاجتماعية، فذكر أن من بركات الزواج المبكر أنه يفتح باب الأمل الباسم أمام الزوجين فتطيب لهما الحياة بالتعاون المثمر على عبور خضم الحياة بسلام من عوائق الشرور والانحرافات المردية والضارة بأصحابها حسًا ومعنًى وبسمعتهم حاضراً ومستقبلاً، فالشباب مرحلة مدفوعة بنمو الأجسام ودوافع الغريزة الفطرية وجحافل الفتن المعروضة بالتلفاز والقنوات والصحف والمجلات، والزواج المبكر هو العلاج وإلا عاشوا في ذل التسكع تتجاذبهم نوازع الشر وخيبة الآمال، كما أن الزواج وسيلة مشروعة لقضاء الوطر والتمتع بالنعمة وحصول السكينة والراحة النفسية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]. والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم، والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي أودعها الله في الإنسان، وبالزواج يبلغ الرجل والمرأة مرحلة الكمال الإنساني، حيث تتوزع الحقوق والواجبات بين الرجل وزوجته توزيعاً ربانياً قائماً على العدل والإحسان والرحمة، فالراحة النفسية والجسدية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه فيشعر بالرضا والسعادة، وتتصرف الطاقة والغريزة بأنظف الطرق وأطهرها، وينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وقضاء الوطر دون وجود الوفاء والرحمة، وأيضا فإن الزواج المبكر من أسباب كثرة النسل وحصوله بإذن الله للزوجين الشابين؛ فينعكس ذلك على الفرد والجماعة. فالذرية الصالحة ذخر للمرء في الحياة وبعد الممات، أما في الدنيا فما يحصل للأبوين من برِّ أولادهما لهما وقيامهم بشؤونهما ورعايتهما في كبرهما والاهتمام بهما وإسعادهما: سعادة المرء خمس إذا اجتمعت صلاح جيرانه والبر في ولده وزوجة حسنت أخلاقها وكذا خِلٌّ وفيٌّ ورزق المرء في بلده وأما بعد الممات فيكسب الوالدان إحياء ذكرهما وامتداد نسلهما ودعاء أولادهما لهم والحج عنهما والأضحية لهما والتصدق عنهما، وغير ذلك من القربات التي يقوم بها الأولاد والأحفاد الصالحون وفاء للوالدين وبراً بهما بعد موتهما فينتفعان بها انتفاعاً عظيماً؛ قال [: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم. أما انتفاع الجماعة بهؤلاء الأولاد الذين أتوا مبكرين بسبب الزواج المبكر فعظيم؛ حيث يستفاد من زيادة سنوات اشتغالهم بشتَّى القطاعات المتعددة من زراعية وصناعية وتجارية وقتالية ونحوها مما يعود بالفائدة على الفرد أولاً ثم على المجتمع. ومن فوائد الزواج تعويد المرء نفسه على تحمل المسؤولية والقيام بأعبائها؛ فالمتزوج مبكراً يستشعر مسؤولية وجود الزوجة والولد فيسارع إلى العمل ويترك البطالة والكسل، فإن كان طالباً جد واجتهد في تحصيل العلم، وتحول الزواج إلى محرك يدفعه إلى الأمام، وإن كان عاملاً في أي مجال من المجالات فإنه يحاول مضاعفة إنتاجه وجهوده بتكثيف نشاطه وزيادة همته، وهو بهذا الفعل يُعِفُّ نفسه وأسرته عن الكسب الحرام والمسألة ويكسب الأجر والثواب من الله على هذا العمل متى ما أصلح نيته. المصدر: مجلة الفرقان |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق