السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ؛
فأهنئكم بثقة شعب مصر الأبيّ، الذي اختاركم بحريته أعضاءً ممثلين له في أول مجلس نيابي، بعد ثورته المباركة، بل أعضاءً لأول مجلس نيابي نابع من إرادته الشعبية، منذ نصفِ قــــرن أو يزيد من تاريخنا المعاصر.
أوصيكم - أيها النواب المحترمون - أن تذكروا أمورًا وأن تنسَوا أمورًا أخرى:
· أن تذكروا أن كلاً منكم يمثل الآن الشعب المصري كله ومصر بأسرها وليس الدائرةَ التي جاء منها فحسب.
· وأن تذكروا الشهداء من شبابنا الذين ضَحَّوا بحياتهم، فكنتم أنتم في هذا المكــــــان، لتحملوا عنهم أمانات الثـــورة وتحققــوا أهدافهــا التي لابـد أن تُستكمل، وتضيئوا شعلتها التي لا تنطفئ بعد اليوم بإذن الله.
· وأن تذكروا مواطنيكم من الفقراء والمهمشين والمحرومين والمظلومين، وسكان المقابر والعشوائيات، من رجال مصر ونسائها وأطفالها، الذين يتطلعون للعدل والإنصاف والكرامة الإنسانية.
· وأن تذكروا سماحة المصريين المعتدلين بفطرتهم، وتتمسكوا بالإخاء الوطني، وطهارة الذمة وعلوّ الهمة، وتجرُّد المجاهدين، واستقامة الصادقين.
· وأن تذكروا دومًا شرف هذا الوطن الذي أكدهـ القرآن الكريم والكتب السماوية، وتذكروا انتماءهـ للأمة العربية انتماء الدم والثقافة واللسان، والتاريخِ والمصير والمصالح والكيان.
· وأن تذكروا انتماءنا إلى الشعوب الأفريقية والآسيوية التي نحن منها وهي منا، وإليها تتطلع أنظار العالم كله، وهي تأخذ بيدها مقاليدَ أمورها، وتقرر بإرادتها قرار مصيرها، وفي القلب منها العالم الإسلامي الذي يموج بالتوجه الديموقراطي، عائدًا إلى جوهرهـ الحضاري، واعيًا بمسؤوليته نحو الإنسانية، نابذًا للعنصرية والطائفية، ورافضًا للخضوع والتبعية.
· وأن تذكروا - على الأخص- الشعب المظلوم المحاصر، على حدودنا الشرقية، شعبَ فلسطين، الأمينَ على مقدساتنا جميعًا مسلمين ومسيحيين.
· وأن تذكروا - وما إخالكم إلا ذاكرين - أن التعليم الذي تدهور وانهار، هو نافذتنا الوحيدة إلى المستقبل المنشود، وأن الاقتصاد المتين هو عصب الحياة، ومرتكز القوة السياسية والعسكرية في كل نهضة شاملة، وأننا - بعد تخلف طويل وأداء هزيل - مضطرون فورًا إلى إعلان الحرب على المرض والفقر، والجهل والأُمية، مع السهر على التخطيط لتنميةٍ شاملة، طموح تضع مصر، في المكان اللائق بها وبمواردها وثرواتها الطبيعية والبشرية. وفي هذهـ الخطط التنموية أَوْلوا عناية خاصة لمسؤولياتنا نحو الأهل والتاريخ والأرض والوطن في سيناء وأسوان والوادي الجديد.
· واذكروا - قبل ذلك وبعدهـ - أن الشعب الثائر هو - بعد الله سبحانه وتعالى - الرقيب والمحاسب، ولن يملك أحد خداعه أو تزييف وعيه بعد اليوم.
· وانسوا أيها الإخــوة المحترمـــون:
- انتماءاتكم الحزبيـة والفكريـة والفئويـة والمحلية احذروها أن تفرقكم وتبدد شمـلكم ] وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [ (سورة الأنفال : الآية 46)، واجعلوا التوافق الوطني نصب أعينكم كلما حزبكم أمر من الأمور.
- انسَوا مواريث الماضي ومعاناته إلا لتغيروها، وتصلحوا فسادها.
- وانسوا ذواتكم ومصالحكم الشخصية؛ فقد تقدمتم لحمل دور وطني ثقيل، وجئتم في مرحلة تاريخية فارقة دقيقة وحساسة، لا تحتمــل إلا البذل والتضحية، والتجرد والإخلاص، وطهارة اليد وعفة اللسان، واعلموا - أيها الأخوة - أن شعب مصر - بعد ثورته - ينتظر منكم أداءً برلمانيًا رفيع المستوى: نزاهة وكفاءة ووطنية. وحرصًا على مصالح الأمة كلِّها.
- وانسوا انتظار العون إلا من الله سبحانه وتعالى، حافظِ الكنانة بما يحفظ به عبادهـ الصالحين، ولا تعوِّلوا في بنـــاء مستقــبل الوطـن إلَّا على ســواعد المصريين وطاقاتهم وإبداعاتهم، ولا يحملنكم ذلك على بغــض أحدٍا أو معاداته أو التنكر له، فمصرُ مُفتحة الأبواب على الجميع شرقًا وغربًا..
وأقول لكم في الختام إذا ذكرتم أو نسيتم فاذكروا ولا تنسَوا:
· أن الفقر أخطر الآفات التي تصيب المجتمعات، ومبعث الرذائل والأمراض الاجتماعية، استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون. ورحم الله أبا الحسن الذي قال :( لو تمثل لي الفقر رجل لقتلته ) فطاردوهـ بموارد مصر الغنية، وتنميتها الذاتية وبمحاربة الفساد، والمحسوبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكلكم - بفضل الله تعالى - متدينون - مسلمين كنتم أو مسيحيين - وفضائل الدين وشرائعه لا تزدهر ولا تنمو إلَّا في وسط من الكفاية والحرية والكرامة، هذه مصر .. وهذا تاريخها.
· ولأمتنا ومسئوليتنا - أيها الإخوة! - ولتاريخنا، ومستقبلنا، بـل لمصــيرنا الذي يتهددﻫ الحصار من شمال وجنوب: أذكروا القدس ومقدساتنا في فلسطين.
أيها الإخوة! إن الأزهر الشريف وعلماءهـ ودعاته وأبناءهـ إذ يهنئون الشعب المصري ببرلمانه الجديد يتوجهون إلى الله تعالى أن يكلأ بعنايته ورعايته أرض الكنانة وممثلي شعبها العظيم.
اللهم إنَّا نسألك لمَّ الشمل وجمع الكلمة ونسألك نهضة مباركة تضع مصر في مكانها اللائق بها وبشعبها وبتاريخها إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وصلّى الله وسلم على ســيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛
المصدر موقع الأزهر الشريف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق