إن هناك ستة آلاف معهد أزهري تنتشر في مدن وقرى ونجوع مصر، تعاني من المناهج المثقلة والمباني المتصدعة والإمكانات الضعيفة
إن مناهج الأزهر يجب أن تتناسب مع رسالته، فإذا اتفقنا على أن الحفاظ على اللغة العربية والقيام بعبء الدعوة الإسلامية هو أساس رسالة الأزهر فإن الأمر يحتاج إلى وقفة لوجه الله والوطن
إن ازدواجية المنهج في التعليم الأزهري ينوء بها كاهل الطلاب والطالبات، وعندما أراد المسئولون في الأزهر التيسير وقعوا في التفريط المشين
لقد جاروا على المناهج الأزهرية الأصيلة، وأخذوا ينقصون منها شيئا فشيئا كما وكيفا، حتى غدت مناهج هزيلة لا تتناسب مع الرسالة الكبرى والأهداف العليا للأزهر الشريف
وجاءت الطامة الكبرى بتخفيض سنوات الدراسة من أربع سنوات إلى ثلاث في المرحلة الثانوية
إنه يوم أن كان المنهج واحدا كانت سنوات الدراسة في المرحلتين الإعدادية والثانوية تسع سنين أربع في الإعدادي وخمس في الثانوي، وحين تضاعف المنهج وازدوج انخفضت المرحلة الإعدادية إلى ثلاث والمرحلة الثانوية إلى أربع
واليوم يتوالى التخفيض الساذج ليصل بمجموع المرحلتين إلى ست سنوات، ونخشى أن يأتي يوم تختزل فيه اللغة العربية ويؤلف لها كتاب واحد، وبهذا ينتهي الأزهر ويتحقق حلم ذوي القلوب الحمراء والسوداء
ُيرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.
كل ذلك يجري في المناهج الأزهرية، وتظل مناهج وزارة التعليم التي تدرس في الأزهر لها القداسة فلا تمس ولا تختصر، ولا يملك المسئولون في الأزهر حيالها تغييرا ولا تبديلا
َتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
إن القائمين على أمر التعليم الأزهري يسارعون إلى كل ما شأنه تدمير الطاقة الأزهرية، وتبديد الوقت، وانتزاع الطالب من دراسته اللغوية والدينية المتعمقة
لقد بادروا بإدخال اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، وقاموا من فورهم هذا بتعيين آلاف المدرسين لهذه المادة، في الوقت الذي تعجز فيه ميزانية الأزهر عن توفير النفقات لمحفظي القرآن الكريم، وفي الوقت الذي خلت فيه معاهد كثيرة من هؤلاء المحفظين، وأسندت المادة إلى مدرسين ومدرسات لا يستطيعون القراءة في المصحف الشريف
وما يقال عن توزيع شرائط المصحف المرتل على المعاهد هو دعاية إعلامية لا تغير الواقع الأليم ولا تنهض بحفظ القرآن المجيد
فما جدوى توزيع شرائط بلا محفظ يتعهد كل طالب ويستمع إليه ويصحح له؟! وما قيمة هذا التوزيع إذا كان الطلاب يفترشون الأرض في بعض المعاهد ولا يجدون مقعدا أو سبورة؟
إن إقامة معامل صوتية لتحفيظ القرآن الكريم هي الحل الأمثل، وليس توزيع مجموعة شرائط كاسدة لدى بعض المنتفعين، وهيهات هيهات أن تسمح ميزانية الأزهر بإنشاء معامل صوتية
ليس هناك أمة رشيدة تحتقر لغتها كما نفعل نحن بلغتنا العربية، لقد انخدع عباقرة المناهج بسياسة التصدير التي تفد إلينا من مؤسسات خارجية مشبوهة، وأقحموا اللغات الأجنبية على عقول صغارنا وأطفالنا في دور الحضانة والتعليم الابتدائي، وأصبحنا أمام جيل مشوه لا يحسن النطق بعربية ولا أعجمية
كل ذلك يتم في الوقت الذي ينادي فيه المصلحون بتعريب التعليم في مراحله الجامعية التي ما زالت تحتفظ ببقايا الاستعمار الثقافي
إن دراسة اللغات ضرورة لا بد منها، لكن لها زمانها ومكانها ورسالتها، فاللغات آية من آيات الله، قال تعالى
َومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين
في وقت ما تقرر تحفيظ القرآن الكريم كله لطلاب المرحلة الابتدائية الأزهرية، ثم صدرت تعليمات بقصر التحفيظ على ثمانية عشر جزءا واستكمال باقي الحفظ في المرحلتين الإعدادية والثانوية
وسواء زاد الحفظ أو قل، فلن يتحقق في ظل المنهج المزدوج الحالي، ولن يتم بالطريقة العشوائية القائمة الآن
إننا نتساءل: متى يحفظ التلميذ؟ وأين؟! هل يحفظ خلال الوقت المدرسي أو يحفظ في البيت؟
إن ما يحدث الآن هو أن المدرس أو المدرسة يشير على التلميذ بحفظ قدر معين من آية كذا إلى آية كذا، وإذا كان القائم بالتدريس ممن هو أهل لتحفيظ القرآن قرأ أمام التلاميذ وأقرأ بعضهم، ثم تنتهي الحصة وعلى التلاميذ أن يلجأوا إلى آبائهم وأمهاتهم لمتابعة الأمر إن أرادوا، وهكذا يستكمل المقرر صوريا، ولا يحفظ التلاميذ شيئا يذكر، فإذا جاء موعد الامتحان فإن الأصل هو الغش، ويكتب الجواب على السبورة، أو توزع المصاحف، أو يملى على التلاميذ إن كانوا يحسنون الكتابة
وتتضاعف الحسرة وتتوالى المصائب عاما بعد عام، ولو كان الأمر بيدي لأنزلت عقوبة صارمة على المسئولين عن المعاهد التي ترتفع فيها نسبة النجاح؛ لأنها ارتفاع مزيف مبني على خيانة الأمانة
إن الواجب الذي لا يقبل التأجيل هو تخصيص المرحلة الابتدائية لحفظ القرآن الكريم كله بما لا يقل عن سبعين في المائة من الوقت المدرسي بحيث يصحح التلميذ القراءة ويستكمل الحفظ داخل سور المدرسة كما كان متبعا في نظام المكاتب قديما، فإنه ليس للتلميذ وقت فراغ بعد خروجه من المدرسة لحفظ القرآن الكريم
ثم يوزع باقي الوقت المدرسي وهو ثلاثون في المائة على مناهج خفيفة في الرياضيات وقواعد الإملاء والتربية الدينية والوطنية من خلال كتب خاصة بالتعليم الأزهري لا علاقة لها بكتب وزارة التعليم بأشكالها المثقلة ومناهجها المتعددة، فإن حفظ القرآن الكريم يغني عن كثير منها، فحسن الخط وسلامة النطق وإثارة الخيال وتربية السلوك والتعرف على الكون والكائنات كل ذلك وغيره يتحقق للتلميذ أثناء حفظه للقرآن الكريم
فإذا انتهى التلميذ من المرحلة الابتدائية وقد أتم حفظ القرآن عاد في المرحلة الإعدادية بتجويد القرآن وتأكيد حفظه كاملا، ثم يدخل المرحلة الثانوية ليجدد هذا الحفظ للمرة الثالثة، فإذا التحق بالجامعة عاود حفظه من جديد، فيتخرج من الأزهر وقد فاز فوزا عظيما
كتبه :العلامة الدكتور : محمد المسير "رحمه الله "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق