الأربعاء، 21 سبتمبر 2011
الشريعة سبقت القانون في حماية المستهلك وحقوقه
الشريعة سبقت القانون في حماية المستهلك وحقوقه
يمكن تعريف المستهلك بشكل مبسط بأنه: كل شخص يقتني سلعاً أو خدمات لإشباع حاجاته وتحقيق أغراضه المشروعة في مختلف مراحل حياته.
ومنذ مطلع القرن العشرين بدأت حركة اجتماعية ومن ثم رسمية واسعة لحماية حقوق المستهلك وتوفير الحماية القانونية له، وبدأت الدول في تشريع القوانين التي تحمي حقوقه والتي تتضمن محاربة الغش التجاري وحمايته من الأضرار الصحية الناتجة عن استعمال مواد كيميائية أو أغذية فاسدة وفحص السلع المستوردة ومحاربة الاحتكار ووضع مواصفات قياسية للإنتاج والاستيراد والتصدير، فضلا عن تأسيس أجهزة رقابة تتولى ملاحقة المخالفين للقانون وعدم السماح بترويج الإعلانات المضللة وإلزام المنتجين بالإشارة إلى الأضرار الجانبية للمنتج مثل السجائر والأدوية والمواد الكيمائية فضلا عن توسيع فرص الاختيار للمستهلك للمفاضلة بين السلع من صنف أو نوع واحد واختيار ما يناسبه.
تنظيم حكومي وأهلي
وحماية المستهلك نوع من التنظيم الحكومي والأهلي العامل على حماية مصالح المستهلكين، فمثلاً قد تطلب الحكومة من قطاع الأعمال أن يكشف معلومات مفصلة عن المنتجات ، وخصوصاً تلك المتعلقة بقضايا السلامة ، أو الصحة العامة ، كمنتجات الغذاء. أو هي خدمة توفرها الحكومة أو المجتمع المدني بجمعياته المختلفة ذات الاختصاص لحماية المستهلك من الغش التجاري أو استغلاله بصورة غير مشروعة أو سوء تقديم خدمة ما عن طريق الاحتكار أو الإذعان لظرف ما. وترتبط حماية المستهلك بفكرة حقوق المستهلك (أي أن المستهلكين يملكون حقوقاً متعددة باعتبارهم مستهلكين).
كما ترتبط بتشكيل منظمات المستهلكين التي تساعد المستهلك على اتخاذ الخيارات الأفضل في الأسواق . ويمكن حماية مصالح المستهلك عبر تشجيع التنافس في الأسواق والذي يخدم المستهلك مباشرة وغير مباشرة ، ويتفق مع الفعالية الاقتصادية الجيدة ولكن هذا العنوان يدرس تحت قانون التنافسية. ويمكن توفير حماية المستهلك عبر منظمات غير حكومية مثلاً: المستهلكون الدوليون ، وعبر أفراد من نشطاء حماية المستهلك مثلاً :مدونة حماية المستهلك
ويعد قانون حماية المستهلك أو قانون المستهلك تابعاً للقانون العام الذي ينظم العلاقات القانونية الخاصة بين الفرد المستهلك وبين قطاع الأعمال الذي يبيع البضائع ويقدم الخدمات. وتغطي حماية المستهلك مجالاً واسعاً من المواضيع ، بما فيها (دون حصر) مقاضاة المنتجات ،حقوق الخصوصية ، ممارسات تجارية غير عادلة ، الاحتيال ، سوء تعريف للمنتجات . وغير ذلك من تداخلات المستهلك/التاجر.
ويتعامل مع العلاقات المالية وخدمة سلامة المنتجات والعقود وتنظيم سداد الفواتير والتسعير ورد البضائع وغيرها . وقد تفرض قوانين حماية المستهلك وضع ملاحظات للمستهلك كالتنبيهات التي تعلن في كل أماكن تصليح السيارات في كاليفورنيا ، وتتنوع القوانين الخاصة بالمستهلك فمنها قانون ممارسات سداد الديون العادلة في الولايات المتحدة وقوانين مالية أخرى تتصل بالاعتمادات ، وفي معظم الولايات يوجد مديرية شؤون المستهلك وتعمل على تنظيم بعض الصناعات وحماية المستهلكين المستخدمين لخدماتها. فمديرية شؤون المستهلك في كاليفورنيا تنظم 2.3 مليون مهني من 230 مهنة مختلفة عبر أربعين وحدة تتبع لها. كما تشج المستهلكين على العمل المباشر ومن أهم القوى الأهلية : شبكة عمل مستهلكي الخدمات ، الاتحاد الفدرالي للمستهلك في كاليفورنيا ، وبيت خبرة حقوق الخصوصية.
أما الاتحاد الأوربي فقد أصدر العديد من القوانين التوجيهية التي تطلب من الدول الأعضاء تنظيم حماية المستهلك إلى مستوى معين. وأهمها القانون التوجيهي للممارسات التجارية الغير عادلة والقوانين التوجيهية للشروط العقدية غير العادلة وللتجارة الإلكترونية ، ويوجد المفوض الأوربي لحماية المستهلك أما في ألمانيا فقد اعتمدت قوانين حماية مأخوذة وفقاً للقوانين التوجيهية للاتحاد الأوربي وقد ضم بعضها إلى مدونة القانون المدني الألماني.
ويقع على المجتمع الأهلي واجب معرفة حقوقه ومتابعتها والدفاع عنها وإيجاد جمعيات أو هيئات مستقلة غير ربحية للمتابعة وطلب المقاضاة وتطبق الجزاء, ومن أهم فعاليتها توعية المستهلكين وتعريفهم بالمخاطر التي تحيط بهم.
حق أساسي من حقوق الإنسان
وأضحت حماية المستهلك حقا معترفا به من حقوق الإنسان حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من الحقوق الخاصة بالفرد بصفته مستهلكا في قرار لها وهو القرار 39/328 لسنة 1985 وهذه الحقوق هي:
1ـ الحق في تأمين الحاجات الأساسية: وتشمل هذه المأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم.ولضمان استيفاء هذا الحق طالبت الأمم المتحدة الدول باتخاذ إجراءات تكفل استيفاء هذا الحق كإنشاء مؤسسات رقابية واعتماد المعايير الدولية للجودة وضمان توفر هذه الحاجات بشكل دائم وبأسعار مناسبة.
2- الحق في السلامة (حق الأمان): ومقتضى هذا الحق هو حماية المستهلك من المخاطر التي تسببها المنتجات والسلع والخدمات. وحث القرار الدول على إصدار التشريعات التي تضمن الحق في السلامة.
3- الحق في الحصول على المعلومات: ويعني أن تدون على المنتج أو الكتيبات التوضيحية الملحقة به معلومات صحيحة وإيجاد قواعد معلومات للمستهلك ومنع الإعلانات التضليلية.
4- الحق في الاختيار: أي الحق في انتقاء المنتج أو السلعة من نوع واحد التي تلائمه من حيث الجودة والسعر المناسب.
5- الحق في التمثيل والمشاركة في اتخاذ القرار: ينبغي الاستماع إلى رأي المستهلك وإشراكه في إعداد السياسات الخاصة بالاستهلاك وللمستهلكين إنشاء جمعيات لحماية حقوقهم وإيصال أصواتهم للجهات المختصة.
6- الحق في التعويض: ينبغي أن تكفل التشريعات حق المستهلك في الحصول على تعويض عادل في حالة تضرره من الخدمات والسلع التي اقتناها.
7- الحق في التثقيف: وهو الحق في التمتع بالمعارف والمعلومات الكافية لتوخي سلوك استهلاكي رشيد وواعي ولتساعده على الاختيار الأمثل للخدمات والسلع المتنوعة وبما يلائم وضعه الاقتصادي.
8- الحق في العيش في بيئة نظيفة: ويكفل هذا الحق للمستهلك ضمان العيش في بيئة سليمة خالية من التلوث من خلال الاستخدام الموازن للموارد ومكافحة مصادر التلوث . وللمستهلك الحق في الاعتراض بشتى الوسائل القانونية على تلوث البيئة من المخلفات الصناعية وعوادم السيارات والمبيدات والأتربة لما توقعه من أضرار على صحته و صحة أسرته.
الشريعة تحمي المستهلك
أما الشريعة الإسلامية فهي تحمى المستهلك من نفسه ومن المنتج ومن التاجر ومن السلطان، فتضمنت الشريعة الإسلامية الغراء مجموعة من القواعد والمبادئ والضوابط التي لو طبقت تطبيقاً شاملاً حققت الخير للمنتج وللمستهلك، وللفرد والمجتمع، ويضيق المقام والمقال لتناولها تفصيلاُ ، ولكن نعطى منها بعض النماذج العملية.
أولاً: الشريعة تحمى المستهلك من نفسه: يتسم المستهلك المسلم الصالح الورع الملتزم بشرع الله ، بسلوك سوى عند اختيار ما يشتريه ، ومن الضوابط الشرعية في هذا المقام يلتزم بقاعدة الأولويات حيث يبدأ بالإنفاق على الضروريات ثم الحاجيات ثم الكماليات ، ولا يسرف ولا يبذر عندا الشراء ولا يقلد الغير تقليد أعمى ، كما أنه يتجنب شراء المحرمات والخبائث ، ملتزماً بقول الله عز وجل : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ [الأعراف آية: (157)] ، وقوله تبارك وتعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ [الأعراف آية: (31)] ، وقول الرسول صلى الله عله وسلم : " كل ما شئت وأشرب ما شئت دون إسراف أو مخيلة " ، ولا يمكن أن يوجد هذا المستهلك المنضبط بشرع الله إلاّ عن طريق التنشئة الصالحة تربية وتعليماً على المنهج الإسلامي ، فنحن في حاجة إلى تربية أولادنا وتعليمهم على تجنب الحرام والإسراف والتبذير والترف والبذخ فطفل اليوم هو مستهلك الغد ، وطفلة اليوم هي ربة البيت في المستقبل نحن في حاجة إلى منهج تربوي اقتصادي إسلامي.
ثانياً: الشريعة ألإسلامية تحمى المستهلك من المنتج: لقد أمر الإسلام المنتج بتجنب إنتاج المحرمات والخبائث ، كما أمره الرسول بإتقان الصنع مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : "إن يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" ، كما أمره الإسلام بعدم الغش فقال صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا " ، فيجب ترشيد النفقات حتى تكون الأسعار في متناول المستهلك العادي ، ولا يبخس العامل أجره.
إن التزام المنتج بهذه الضوابط الشرعية فيه حماية للمستهلك من المحرمات والخبائث ، كما يحميه من السلعة السيئة الرديئة ، وكذلك من المنتجات المغشوشة ومن الأسعار العالية ، وهذا يحقق لكلاهما الخير والبركة ، والربح والوفرة في النفقات ، هل يستطيع رجال الإنتاج في هذا الزمن أن يلتزموا بالقيم الإيمانية والأخلاقية كما التزام ذلك السلف الصالح ؟ إذا تحقق ذلك ففيه حماية لأنفسهم وحماية للمستهلك سواء بسواء.
ثالثاً : الشريعة الإسلامية تحمى المستهلك من التجار: لقد تضمنت الشريعة الإسلامية مجموعة من الضوابط التي تحكم المعاملات في الأسواق مع التجار ، فقد أمر الإسلام بحرية المعاملات في الأسواق وأن تكون خالية من الغش والتدليس والمقامرة والجهالة والغرر والمعاملات الربوية ، وكل صيغ أكل أموال الناس بالباطل وصيغ الميسر، فعلى سبيل المثال عندما حرمت الشريعة الإسلامية الغش لأنه صور من صور ضياع الأموال ، وعندما حرمت الرشوة لأنها من نماذج ابتزاز أموال المستهلك ، وعندما حرمت الاحتكار لأنه يؤدى إلى غلاء الأسعار وظلم المستهلك ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم : " من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليرفعه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده من النار يوم القيامة " ، وعندما حرم الإسلام بيع العينية والنجش وبيع التلجئة ، وبيع الغرر وغير ذلك كل هذا لحماية المستهلك.
إن التزام التجار بالقواعد الشرعية للمعاملات في الأسواق يحقق الأمن للمستهلك ويحافظ له على ماله ، وفى نفس الوقت يبارك الله سبحانه وتعالى في مكسب التجار ، ولكن أين التاجر المسلم الصادق الأمين الذي وعده الله بأن يكون مع الشهداء والصالحين يوم القيامة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلاّ من اتقى الله وبر وصدق " ، وكذلك يقول في حديث آخر : "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " ، أين تجار اليوم من التجار الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والأمانة والقناعة والتيسير والترخيص على الناس والإيمان بأن الرزق بيد الله ؟ إذا وجد التاجر المسلم المنضبط بشرع الله تحققت الحماية الفعالة للمستهلك .
رابعاً : الشريعة ألإسلامية تحمى المستهلك من جور السلطان: لقد وضعت الشريعة الإسلامية مجموعة من الضوابط لحماية المستهلك من الحاكم الظالم الجائر ، فعلى سبيل المثال : لا يجوز له التدخل في التعسير بدون ضرورة شرعية يقرها أهل الفقه والعلم ، ولا يجوز له أن يفرض المكوس (الضرائب الظالمة) على التجار ليغلى الأسعار على الناس ، والمكوس هي الضرائب الظالمة التي تؤخذ بدون حق وتنفق في الباطل فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة صاحب مكوس " ، كما لا يجوز للحكومة أن تفرض على المعاملات خراج كنوع من الضرائب ، ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه سوقكم فلا ينتقص ولا يضربن عليه خراج " ، ويجب على ولى الأمر حماية المستهلك وعدم الإضرار بالمنتجين ، لا ضرر ولا ضرار ، ولا وكس ولا شطط.
وسائل ونظم الحماية الإسلامية
لقد شرع الإسلام بعض الوسائل والنظم لحماية المستهلك فيما لو لم ينضبط المستهلك والمنتج والتاجر والسلطان بضوابط الشريعة الإسلامية من هذه الوسائل على سبيل التذكرة : الرقابة الذاتية التي تمنع من مخالفة شرع الله في المنبع واستشعار مراقبة الله عز وجل ، وكذلك جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التي تقوم بمشارفة الأسواق لحماية المستهلك من جور الآخرين ، وكذلك نظام الحسبة وتطبيقاته الجلية في مجال حماية المستهلك في الأسواق.
نحن في أشد الحاجة إلى وجود جمعيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتقوم بوظيفة المحتسب لحماية المستهلك ، ويمكن أن يطلق عليها جماعة الحقوق الاقتصادية .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق