كيف نواجه الفتن والأزمات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فهذه وقفات تتضمن توجيه أفراد المجتمع بالدور الذي يمكن أن يقوموا به عند حدوث الفتن والأزمات – لاسمح الله – سواء المواقف الشرعية أو المواقف التنفيذية .
الوقفة الأولى
ماذا تفعل في وقت الفتن
أولاً : الحرص على العبادة : روى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " العبادة في الهرج – أي في الفتنة – كهجرة إليّ " .
ثانياً : الإلحاح على الله بالدعاء : قال صلى الله عليه وسلم : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم ، وأن يحفظ الإنسان الأذكار المتعلقة بالفتن وينشرها كما في حديث : كان إذا خاف قوماً قال : " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ، وما جاء في المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الكرب : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " .
ثالثاً : حسن التأمل للواقع والوعي بالحال ، والبعد عن العاطفة الزائدة التي تؤدي إلى الغفلة والسذاجة .
رابعاً : الصبر وعدم الاستعجال يقول الله تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار )) قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : ( فأمره بالصبر وأخبره أن وعد الله حق وأمره أن يستغفر لذنبه ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق ، وأمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر فالمظلوم المحق الذي لايقصرفي علمه يؤمر بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور ) .
خامساً : الحلم والأناة : لأن ذلك يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمة ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها ، كما قال عمرو بن العاص في وصف الروم : ( إنهم لأحلم الناس عند فتنة ) .
سادساً : الرجوع إلى أهل العلم العاملين الصادقين ، والدعاة المخلصين لمعرفة المواقف الشرعية .
سابعاً : عدم تطبيق ما ورد في الفتن - من نصوص – على الواقع المعاصر .. لأن منهج أهل السنة والجماعة إبّان حلول الفتن هو عدم تنزيلها على واقع حاضر .. وإنما يتبين ويظهر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أنبأ وحدث به أمته من حدوث الفتن عقب حدوثها واندثارها ، مع تنبيه الناس من الفتن عامة ، ومن تطبيقها على الواقع الحالي خاصة .
ثامناً : بذل السبب لخلاص الأمة ورفعتها .. بدلاً من الاشتغال بفضول الكلام .
تاسعاً : الحذر من السير في ركاب المنكر ( لأن الكبار رضوا به ) : روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا " .. قال النووي : ( قوله : "من عرف فقد برئ " معناه : من عرف المنكر ولم يشتبه عليه قد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو لسانه ، فإن عجز فليكرهه بقلبه .. وقوله : " ولكن من رضي وتابع " ولكن العقوبة والإثم على من رضي وتابع ) .
عاشراً : الوحدة والإتلاف وترك التنازع والاختلاف لقوله تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) .
الحادي عشر : أهمية التأصيل العلمي القائم على منهج شرعي ، وهذا لابد منه وقت الفتن لأن كثيرين يخوضون بغير علم فيؤدي خوضهم إلى أنواع من البلاء والتفرق والتصرفات الطائشة .. وليحرص المسلم أن يتعلم المسائل العقدية المهمة والتي يخشى من الوقوع فيها بالخطأ مثل مسائل الولاء والبراء ونواقض الإسلام ونحوها من المسائل .
الثاني عشر : الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة : يقول ابن عمر – كما رواه ابن حبان – " لم يكن يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولاعمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة " ، ومما يعين على ذلك لزوم الرفقة الصالحة الناضجة سلوكياً وفكرياً .
الثالث عشر : عدم الاعتماد على الرؤى في وقت الفتن لأنها في الغالب تكون أحاديث نفس .
الوقفة الثانية
كيف ندفع الأزمة عنّا
أولاً : تحقيق الإيمان في القلوب .. وترجمته في الواقع العملي .. والله تعالى خرق سننه الكونية من أجل عباده المؤمنين الصادقين .. فهو سبحانه فلق البحر لموسى .. وأوقف الشمس ليوشع .. وصدق الله تعالى : (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )) .
ثانياً : التوبة والرجوع إلى الله تعالى ، قال بعض السلف : ( لما فقد قوم يونس نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح وألهوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة .. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم .. والتوبة والندامة على ما مضى منهم .. كشف الله عنهم العذاب .. يقول الله تعالى (( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) ولذا قال بعض السلف : ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ) .
ثالثاً : كثرة الاستغفار لقوله تعالى : (( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )) .
رابعاً : كثرة الأعمال الصالحة ، كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتقرئ الضيف ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " .
خامساً : التواصي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لقول الله تعالى : (( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )) ولم يقل صالحون .. ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده " صحيح الجامع 1970 .
سادساً : الإكثار من الصدقة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا من الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا " رواه ابن ماجه ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفيء غضب الرب .. " رواه الطبراني – صحيح الجامع 3797 ، وقال ابن أبي الجعد : ( إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء ) .
سابعاً : اجتناب الظلم ، وهو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعرضهم بغير حق .. يقول الله تعالى : (( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً )) .
الوقفة الثالثة
توجيهات شرعية
أولاً : أن تعلم أن هذه الأزمة إنما أصبنا بها من قبل ذنوبنا وتفريطنا في جنب الله تعالى ، كما قال تعالى : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )) ومن تلك الذنوب التي نمارسها أكل الربا ، وعقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم ، وترك الجهاد في سبيل الله تعالى وغيرها .
ثانياً : الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه ، قال سبحانه (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) مع فعل الأسباب الشرعية .
ثالثاً : أن نثق بنصر الله وأن المستقبل للإسلام ، وأن هذا التحدي الذي تواجهه أمة الإسلام إنما هو نوع أذى ذكره الله تعالى بقوله : (( لن يضروكم إلا أذى )) وإلا فإن العاقبة للمتقين ، ولكن علينا أن نحقق قول الله تعالى : (( إن تنصروا الله ينصركم )) .
رابعاً : تذكر فضل بذل الخير في سبيل الله ، وتفريج الكربات ، وإطعام الطعام ، والتعاون على البر والتقوى .
خامساً : استحضر حرمة الاحتكار واستغلال حاجة الناس وخطورة هذا المسلك .
سادساً : اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
سابعاً : كن متفائلاً وبشر الناس بالخير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم من هديه في وقت الأزمات أن يكون متفائلاً كما حصل منه عندما حاصره أهل الأحزاب ، فقد بشر أصحابه بأنهم سيحوزون على كنوز كسرى وقيصر وقصور صنعاء .
ثامناً : الحذر من الهزيمة النفسية والمعنوية ، ومن محاولة عرض أحكام الشريعة عرضاً اعتذارياً منهزماً ومكافحة البعض للتنازل والمداهنة باسم المصلحة أو الضرورة أو الحالة الراهنة ، وأن ندرك أن النصر الحقيقي هو في الثبات على الدين خاصة في أوقات الفتن والمحن ، والحذر من الوقوع فريسة للحرب الإعلامية والنفسية الضخمة التي تدور رحاها هذه الأيام .
الوقفة الرابعة
خطوات عملية للأستعداد للأزمة
أولاً : على نطاق الأسرة :
1. البعد عن حياة الترف والتعود على حياة الخشونة ولو لفترات زمنية محددة ، لقول عمر رضي الله عنه : ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) .
2. البعد عن الإسراف والتبذير ، لقول الله تعالى : (( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )) .
3. الاستغناء عن الخدم والسائقين ، خاصة إذا كانوا كفاراً لأنهم يشكلون خطراً على البلد .
4. تجهيز البيت بخزان ماء إضافي لا يستخدم إلا عند الحاجة ، أو حفر بئر في حديقة المنزل أو الاستراحة ، كما يمكن اقتناء أجهزة إعادة تدوير المياه وترشيد الاستهلاك .
5. وضع كمية مناسبة من المواد الغذائية ، خاصة التمر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " بيت لا تمر فيه جياع أهله " ولا تنسى حليب الأطفال لمن لديهم أطفال صغار .
6. تجهيز المنزل بعدد كافي من الشموع ، وعدد مناسب من البطاريات والمصابيح اليدوية وجهاز راديو صغير .
7. الحصول على جهاز إرسال واستقبال لاسلكي يعمل بالبطاريات ، والهواتف الفضائية قد تكون الأفضل لمواجهة انقطاع شبكة الاتصالات .
8. وضع مكان آمن في المنزل وحدده للجميع مع مراعاة قربه للنساء والكبار .
9. وضع حقيبة إسعافات أولية ، وطفاية حريق ، وأقنعة واقية ، ولا تنسى توفير بعض الأدوية التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة كالسكر ونحوه .
10. وضع دليل للاتصال السريع بالجهات الرسمية كالهلال الأحمر والدفاع المدني .. والشخصيات التي ربما تحتاج إليها عند الضرورة .
11. الاهتمام برفع اللياقة البدنية وتطوير المهارات المختلفة – كالدفاع عن النفس – لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " .
12. تأمين السلاح الشخصي للحاجة ، وتعلم الرماية عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " .
13. تدريب المنزل على طاعة الأمير لأهميتها وقت الفتن ، كما يجدر تعليم الأبناء على الحراسة الليلية ويمكن إجراء ذلك بإقامة مخيم للأهل والأقارب في البرية .
14. تعلم التعامل مع الصحراء ، وكيفية الحصول على الموارد الأساسية للحياة ، وإحداثيات الآبار ، وطرق التعامل مع الأجهزة المهمة في الصحراء ، وكيفية التصرف في أماكن الكثبان والسبخات ، والتعرف على بعض نباتات الصحراء المهمة ، والتعرف على أنواع الدواب وهوام الأرض .
15. المبادرة إلى الاستفادة من الدورات المختلفة التي تتيحها الأجهزة الرسمية سواء في الدفاع المدني أو الإسعافات الأولية .
ثانياً : على نطاق الحي والمجتمع :
أ- التجمع حول طلبة العلم وأئمة الجوامع والمساجد والتعاون معهم والصدور عن رأيهم .
ب- تكوين فرق عمل لخدمة الحي ، ففرقة لحماية الحي ، وأخرى للتموين ، وثالثة للإسعافات الأولية ، ورابعة لتوفير الماء .. وهكذا .
ت- عمل كشوفات بأسماء من لديهم حرف يدوية وقدرات خاصة من الأهالي وتصنيفها ، ومن ثم الاستفادة منها .
ث- مهام هذه اللجان يكون كالتالي :
1) لم شمل المسلمين قدر الاستطاعة ، وبث روح التكافل والتعاون .
2) الإطلاع على خطة الطوارئ للدولة والمشاركة في تنفيذها .
3) التنسيق مع الجهات المعنية الرسمية كالصحة والأمن والدفاع المدني والهيئة .. ، وكذا مع المؤسسات الخيرية والإغاثية في توفير الخدمات الضرورية عند الحاجة ، وكذا الاتصال بذوي الفضل واليسار وحثهم على الإنفاق ، وكذلك الاتصال بأصحاب الخبرات والخدمات للاستفادة منهم عند الحاجة .
4) توفير الأدوية الأساسية الخاصة بالأزمات – يستفاد من قائمة منظمة الصحة العالمية - .
5) وضع دليل للاتصال السريع بالجهات الرسمية ، يشمل : هواتف الجهات الأمنية والصحية والدفاع المدني والهيئات وبعض الشخصيات المهمة في الحي ، كما يحتوي على تحديد المواقع الرسمية التي يحتاجها الناس في الأزمة .
6) إقامة دورات لعامة الناس في الإسعافات الأولية ، الأمن والسلامة ووسائلها ، كيفية الاستعداد للأزمات ومواجهة النوازل .
7) القيام بواجب التهدئة للمجتمع ، وتثبيت الناس في محنتهم ونشر التفاؤل بينهم ، وربطهم بالله ، ومحاربة الشائعات ، والتركيز على امتصاص الأثر النفسي للأزمات والحروب لدى أفراد المجتمع ، وخصوصاً بعض الفئات مثل الصغار والنساء .
8) حصر الآبار ومراكز توزيع الماء في الحي ، وضبط وحماية مصادر الماء من الفوضى والتلويث .
9) تأمين وحماية الطرق للتموين الغذائي والتنقل ، توظيف شباب الحي أو غيرهم في حفظ الأمن .
10) رفع درجة الوعي للحفاظ على الموارد كالمياه والمحافظة على البيئة عند تعطل الخدمة والاستغناء عن الكماليات .
11) وضع خطط عملية للتخلص من النفايات البيئية .
12) رعاية الأسر التي فقدت عائلها .
13) المشاركة في دعم مخيمات اللاجئين التي قد تعد من قبل الجهات الرسمية إغاثياً وأمنياً ودعوياً .
14) مخاطبة أصحاب الشقق المفروشة أو قصور الأفراح لاحتساب الأجر في إيواء الناس مجاناً أو بأسعار رمزية .
الحسبة
نسألكم الدعاء : طه كمال خضر الأزهري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق