عشر ذي الحجة وشيء من فضائلها وأحكامها وادابها
للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أمَّا بعد..
فإنَّ اللهَ- عز وجل- شرَّع لعباده مواسمَ الخيرات، ويَسَّرَ لهم طُرُقَ الطَّاعات؛ فعلى العباد أن يغتنموا هذه المواسم ليحقِّقوا أعلى الدرجات.
وإنَّ من المواسم العظيمة التي حثَّ اللهُ عبادَه على اغتنامها أيَّام عشر ذي الحجة، وقد دلَّت الأدلة– كما سيأتي إن شاء الله– على أنَّ هذه الأيَّامَ أفضلُ أيَّام العام، وقد اجتمع فيها عبادات عظيمة وطاعات جليلة.
فضائل عشر ذي الحجة
الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على فضل عشر ذي الحجّة تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في فضلها جميعا.
والثاني: ما ورد في فضل بعض أيامها.
فأمَّا القسم الأول- وهو ما ورد في فضلها جميعا- فمنه:
1- قولُه تعالى: }وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2].
والمقصود باللَّيالي العشر: العشر الأول من ذي الحجة؛ كما ثبت ذلك عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- وعكرمة، وجاء هذا عن عبد الله بن الزُّبَير ومسروق بن الأجدع ومجاهد والضَّحَّاك وغيرهم، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال الإمام ابن جرير الطَّبريّ في «تفسيره» (30/168): (اختلف أهل التَّأويل في هذه اللَّيالي العشر؛ أيّ ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
ثنا ابن بشَّار ثنا ابن أبي عديّ وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر عن عوف عن زرارة عن ابن عباس قال: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجّة).اهـ.
ورواه أيضاً بإسناد آخر فقال: حدَّثني يعقوب ثنا ابن علية أنا عوف به ().
ثم قال: (حدَّثني يونس، أنا ابن وهب، أخبرني عمر بن قيس عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزُّبَير: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: أوَّلُ ذي الحجّة إلى يوم النَّحْر)().اهـ.
ورواه أيضاً عن مسروق() وعكرمة ومجاهد() وقتادة والضَّحَّاك.
ثم قال: (حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابنُ زيد في قوله تعالى: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ قال: أول ذي الحجة، وقال: هي عشر المحرم من أوله).
ثم قال: (والصواب من القول في ذلك عندنا أنَّها عشر الأضحى؛ لإجماع الحجَّة من أهل التَّأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القطواني حدَّثني قال: حدثني زيد بن حباب قال: أخبرني عياش بن عقبة قال: حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله r قال: «}وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2] قال: عشر الأضحى»). اهـ.
قلت: حديث جابر رواه الإمام أحمد (3/327) عن زيد بن الحباب به.
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (4086، 11907) عن محمد بن رافع و (11608) عبدة بن عبد الله كلاهما عن زيد بن الحباب به.
ورواه ابن أبي حاتم– كما في «تفسير ابن كثير» (4/505)– من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/505): (وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة، والله أعلم).اهـ.
وقال رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: (والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف...).
ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال: (وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد ()، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: قال: هو العشر الأول من رمضان. والصَّحيحُ القولُ الأوَّل). اهـ.
وإقسامُ الله- عز وجل- بهذه الأيام يدلُّ على عظمتها؛ قال أبو عبد الله ابن القيم: (وهو- سبحانه- يقسم بأمور على أمور؛ وإنَّما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنَّه من عظيم آياته)(). اهـ.
2- روى البخاري (969) من طريق شعبة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ r قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه()». قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء».
ورواه أبو داود (2438) قال: حدَّثَنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح ومجاهد ومسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الرَّسولُ r أنَّه قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام– يعني أيام العشر- قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
ورواه التِّرمذيُّ (757) قال: حدَّثنا هنَّاد حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش به ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر...» الحديث.
ورواه ابن ماجه (1727) قال: حدَّثَنا عليّ بن محمَّد ثنا أبو معاوية عن الأعمش به، ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»؛ يعني العشر.
ورواه عبد الرَّزَّاق (8121) عن الثَّوريِّ عن الأعمش به بلفظ: «ما من أيام أحب فيهن العمل، أو أفضل فيهن العمل من أيام العشر».
وهذا الاختلافُ في ألفاظ الحديث عند التَّحقيق ليس فيه اختلاف من حيث المعنى؛ فهذه الرِّوايات كلُّها متَّفقةٌ على أنَّ العملَ في عشر ذي الحجة أفضل من العمل فيما سواها؛ لكن بعض هذه الرِّوايات أصرح في الدِّلالة على ذلك ().
وظاهر هذا الحديث يدلُّ على أنَّ هذه الأيَّامَ هي أفضل أيَّام السَّنة؛ حتى من العشر الأخيرة من رمضان؛ لأنَّ الرسولَ r لم يستثن شيئًا من الأيام سواها.
ويؤيِّد هذا ما جاء عند الدَّارميّ (1774) قال: أخبرنا يزيد بن هارون أنا أصبغ حدثنا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس t عن النَّبيِّ r أنَّه قال: «ما من عمل أزكى عند الله- عَزَّ وجَلَّ- ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى...» وذكر الحديث ثم قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيَّام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وأخرجه الطَّحاويُّ في «المشكل» (2970) قال: حدَّثَنا عليُّ بن شيبة فال: حدَّثنا يزيد بن هارون قال: حدَّثنا أصبغ بن زيد الورَّاق قال: حدَّثَنا القاسم بن أبي أيُّوب عن سعيد بن جبير، أنَّه كان يحدِّث عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ r... وذكر الحديث.
وقد جاء النَّصُّ على ذلك صراحةً فيما جاء من حديث أبي الزُّبَير عن جابر رفعه: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر». يعني: عشر ذي الحجة... الحديث ().
حديث آخر (حديث ابن عمر):
روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»().
حديث آخر (حديث عبد الله بن عمرو):
قال الإمام أحمد (6559): حدَّثنا أبو كامل، ثنا زهير، حدَّثنا إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله r فذكرتُ الأعمال، فقال: «ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر». قالوا: يا رسول الله، الجهاد– وعنده غيره: ولا الجهاد– في سبيل الله؟ قال: «فأكبره»، فقال: «ولا الجهاد؛ إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه».
ثم قال (6560): حدَّثنا أبو النَّضر ويحيى بن آدم قالا: ثنا زهير عن إبراهيم بن مهاجر به ().
حديث آخر (حديث النهاس بن قهم):
قال أبو عيسى التِّرمذيُّ في «الجامع» (758): حدَّثنا أبو بكر ابن نافع البصري ثنا محمود بن واصل عن النَّهَّاس بن قَهْم عن قتادة عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أحبّ إلى الله أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر».
هذا حديث باطل ().
قال ابن رجب في «اللطائف» (468): (وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ عشر ذي الحجَّة أفضل من غيره من الأيَّام من غير استثناء؛ هذا في أيَّامه؛ فأمَّا لياليه فمن المتأخرين مَن زَعَمَ أنَّ ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه؛ لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدًّا). اهـ.
وقال أبو عثمان النَّهديُّ: (كانوا يفضِّلون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، والعشر الأواخر من رمضان).
وقال ابنُ ناصر الدِّين الدِّمشقيّ: (والأخبار مشعرة بتفضيل عشر ذي الحجَّة على العشرين المذكورين؛ لأنَّ فيه يوم التَّروية ويوم عرفة ويوم النَّحر). اهـ.
ثم ذكر حديث جابر بطرقه وألفاظه، وقال بعده: (وفي الحديث وما قبله دلالةٌ على أنَّ العشرَ أفضلُ أيَّام الدُّنيا... إلى أن قال: وقال بعض الأئمَّة: يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان؛ لأنَّ هذا العشر أقسم الله- عزَّ وجلَّ- بفجر أوَّل يوم منه؛ على قول() الضَّحَّاك وغيره.
وأيضًا أقسم الله- عَزَّ وجَلَّ- بلياليه العشر على قول الجمهور، وصحَّ عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما.
وهو العشر التي أتمَّها الله- عز وجل- لموسى عليه الصَّلاة والسَّلام في قوله تعالى: }وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً{ [الأعراف: 142]. قاله مجاهد.
وهو خاتمة الأشهر المعلومات المذكورة في قوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ{ [البقرة: 197]؛ وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. قاله عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبَّاس وابن الزُّبير، وأكثر التَّابعين، وبعضُهم أخرج منه يوم النَّحر، وهو الأيام المعلومات؛ قاله ابن عمر وابن عبَّاس وطائفة من التَّابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير... إلى أن ذكر بعضَ ألفاظ وطرق حديث ابن عباس ثم قال: وفي هذه دلالة على أنَّ العملَ في هذا() العشر- وإن كان مفضولاً - أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلاً، وربَّما يزيد عليه بمضاعفة الثَّواب). اهـ من «فضل يوم عرفة» له (ص: 139-144).
هذا ما جاء في فضلها عمومًا.
وأمَّا القسمُ الثَّاني- وهو ما جاء في فضل بعض أيامها، فمن ذلك:
1- ما رواه الإمام أحمد (4/350) وأبو داود (1765) والنسائي في «الكبرى» (4098) والبخاريّ في «التاريخ الكبير» (5/34) وصحَّحه ابن خزيمة (2866) وابن حبَّان (2811) والحاكم (4/246)، كلُّهم رووه عن ثور– وهو ابن يزيد– قال: حدَّثني راشد بن سعد عن عبد الله بن لحي عن عبد الله بن قرط؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر...»().
وهذا إسنادٌ جيِّدٌ، ورجالُه كلُّهم ثقاتٌ، وعبد الله بن قرط هو الأزديّ الثَّماليّ، نصَّ البخاريُّ على صحبته (5/34) فقال: «له صحبة»، ثم ساق له هذا الحديث.
ويظهر من تنصيص البخاريّ على صحبته ثم روايته لحديثه هذا وعدم تعقُّبه بشيء قوَّةُ هذا الخبر عند البخاريِّ، والله تعالى أعلم.
وله قصَّة مع الرَّسول r أخرجها أحمد في مسند عبد الله بن قرط (2/75).
ويومُ النَّحْر هو يومُ العيد؛ وهو اليوم العاشر، وأمَّا يوم القر فهو اليوم الحادي عشر.
2- وممَّا جاء في فضل بعض أيَّامها أيضًا على وجه الخصوص ما جاء عند أبي داود (2419) والنَّسائيّ (3004)، وصحَّحَه التِّرمذيُّ (773) وابن خزيمة (2100) وابنُ حبَّان (3603) والحاكم (1/600) من حديث موسى بن عليّ عن أبيه عن عقبة بن عامر؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام».
ولا يخفى أنَّ أيَّامَ الأعياد أيامٌ معظَّمةٌ، ومن أعظم هذه الأيَّام يوم عرفة، وفضله ومكانته معلومة، وغير ذلك من الأدلَّة التي تدلُّ على فضل هذه الأيام إمَّا بعمومها أو خصوص بعضها.
فصل
في العبادات والسُّنن والآداب
المتعلِّقة بالعشر
اعلم- وفَّقَكَ الله- أنَّ العبادات التي تشرع في هذه الأيام تنقسم إلى قسمين:
الأول: عبادات خاصَّة لا تشرَّع إلَّا في هذه الأيَّام؛ كالحجِّ والأضحية والتَّكبير ().
الثاني: عبادات مشروعة في هذه الأيَّام وفي غيرها.
فأمَّا القسم الأول- وهو العبادات الخاصَّة التي لا تشرع إلا في هذه الأيام- فمنها:
1- الحجُّ؛ والأمر فيه معلوم، ولا تخفى النُّصوص الكثيرة التي تبيِّن فضلَ هذه العبادة ومكانتَها؛ ومن ذلك:
- ما رواه البخاريُّ (1449) ومسلم (1350) من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال: سمعتُ النَّبيَّ r يقول: «من حَجَّ للهَ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم وَلَدَتْه أمًّه».
- وما رواه البخاريُّ (1683) ومسلم (1349) أيضًا من حديث أبي صالح السّمان عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ الله قال: «العمرةُ إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة».
وفي الحجِّ من العبادات الجليلة والمواقف العظيمة الشَّيءُ الكثير من الوقوف بعرفة، ويوم عرفة من أعظم الأيَّام عند الله- عز وجل- وموقفُه من أعظم المواقف، والمشعر الحرام، والطواف، والسَّعي، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، والتَّلبية، وغير ذلك من العبادات العظيمة ().
2- الأضحية؛ وهي من سنَّة أبينا إبراهيم u، كما قال- عزَّ وجلَّ: }وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{، وقد أمر نبيُّنا r باتِّباع ملَّته u.
وقال تعالى: }وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ{ [الحج: 27-37].
قال ابنُ كثير في تفسير هذه الآيات: (يقول تعالى: هذا }وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ{ أي: أوامره }فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{؛ ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن؛ كما قال الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: تعظيمُها: استسمانُها واستحسانُها.
وقال ابن أبي حاتم: حدَّثَنا أبو سعيد الأشجّ، حدَّثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس: }ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ{ قال: الاستسمان، والاستحسان، والاستعظام.
وقال أبو أمامة بن سهل: كنَّا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمِّنون. رواه البخاريُّ. اهـ.
وروى البخاريُّ (5553) من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك قال: كان النَّبيُّ r يضحي بكبشين. قال أنس: وأنا أضحِّي بكبشين.
وفي رواية (5229) من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس أنَّ الرَّسولَ r انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما فرأيتُه واضعًا قدمَه على صفاحهما، يسمِّي ويكبِّر، فذبحهما بيده.
ورواه مسلم (1966) أيضاً من طريق أبي عوانة عن قتادة عن أنس بنحوه.
حكم الأضحية:
الأضحية عبادة من أفضل العبادات وأعظم القُرُبات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ، وقد اختلف أهلُ العلم في حكمها على قولين:
القول الأول: وجوبها؛ وهو مذهب أبي حنيفة، وقول في مذهب الإمام أحمد، وقول في مذهب الإمام مالك، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية.
والقول الثاني: استحبابها وعدم وجوبها، وهو مذهب الإمام الشَّافعيّ، والمشهور في مذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، وهذا هو الصحيح، ولكنَّها من السُّنَن المؤكَّدة، ويدلُّ على هذا عدَّة أدلَّة:
الدَّليل الأول: أنَّ الأصلَ براءةُ الذِّمَّة، ولا نعلم دليلاً صحيحاً صريحاً يدلُّ على وجوب الأضحية، والأحاديث التي فيها الأمر بها لا يصحُّ منها شيء ().
والدَّليلُ الثَّاني: روى أبو داود (2789) من حديث عيَّاش بن عبَّاس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النَّبيَّ r قال: «أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله- عز وجل- لهذه الأمة». قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا أضحية أنثى، أفأضحِّي بها؟ قال: «لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقصُّ شاربك، وتحلق عانتك؛ فتلك تمامُ أضحيتك عند الله عز وجل».
وهذا في يوم العيد؛ فلو كانت الأضحية واجبةً لأمره أن يضحِّيَ بهذه المنيحة الأنثى.
والدَّليلُ الثَّالثُ: ما رواه مسلم في «صحيحه» (1977) عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ r قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي...» الحديث، فعلَّق الأضحيةَ بإرادة الشَّخص ().
والدَّليل الرَّابع: أنَّه لم يَثْبُتْ عن أحد من الصَّحابة أنَّه أوجب الأضحية؛ قال أبو محمد ابن حزم في «المحلى» (7/358): (لا يصحُّ عن أحد من الصَّحابة أنَّ الأضحيةَ واجبةٌ). اهـ.
وروى البيهقيُّ (9/265) بإسناد صحيح عن الشّعبيِّ عن أبي سريحة الغفاريّ– وهو حذيفة بن أسيد– قال: أدركت أبا بكر– أو رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما– كانا لا يضحِّيان كراهيةَ أن يُقتدَى بهما.
وروى البيهقيُّ أيضًا (9/265) بإسناد صحيح عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال: إنِّي لأدع الأضحى وإنِّي لموسر؛ مخافةَ أن يرى جيراني أنَّه حتمٌ عليَّ.
وقد جاء معنى هذا عن ابن عبَّاس وبلال وغيرهما من الصَّحابة y.
وعلَّق البخاريُّ في «صحيحه»() عن ابن عمر أنَّه قال عن الأضحية: سنَّة ومعروف.
ولا يعلم لهؤلاء الصَّحابة مخالف؛ بل الذي ثبت عنهم أنَّها سنَّةٌ.
وقد روي عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً ما يفيد الوجوب.
أخرج الإمام أحمد (2/ 321) وابن ماجه (3123) وغيرهما من حديث عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله r قال: «من كان له سعة ولم يُضَحّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا».
هذا الإسناد فيه عبد الله بن عيَّاش وفيه ضعف، وقد اختلف في رفعه ووقفه.
قال ابنُ الجوزيّ في «التَّحقيق»- كما في «التَّنقيح» (3/566): (قال أحمد: هو حديث منكَر. وقال الدَّارقطنيُّ: قد روي موقوفًا، والموقوف أصحُّ). اهـ.
وقال ابن عبد الهادي في «التَّنقيح» (3/563): (وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن عبد الله بن عيَّاش، وكذلك رواه حيوة بن شريح وغيرُه عن عبد الله بن عيَّاش.
ورواه ابنُ وهب عن عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة وعبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبهُ بالصَّواب).اهـ.
قلت: رواية عبد الله بن أبي جعفر لا يصحُّ إسنادُها إليه، ورواية جعفر بن ربيعة لم أقف على إسنادها.
والخلاصَةُ أنَّ كبارَ الصَّحابة y لم يَثْبُتْ عن أحد منهم إيجابُ الأضحية؛ فدلَّ هذا على أنَّها سنَّةٌ وليست بواجبة.
روى الإمام مالك في «الموطَّأ» (2/486) والتِّرمذيُّ في «جامعه» (1505)– واللفظ له– من حديث عطاء بن يسار قال: سألتُ أبا أيُّوب الأنصاريّ: كيف كانت الضَّحايا على عهد رسول الله r؟ فقال: كان الرجلُ يضحِّي بالشَّاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطمعون، حتى تباهى النَّاسُ فصارت كما ترى.
وقال التِّرمذيُّ: (حسن صحيح). وأنا أذهبُ إلى ما ذهب إليه التِّرمذيُّ؛ فالسُّنَّةُ في ذلك أنَّ أهلَ البيت الواحد تكفيهم أضحية واحدة، ولو أرادوا أن يزيدوا فهذا أفضل وأحسن، وسبق في حديث أنس أنّه r ضَحَّى بكبشين.
وإذا تيسَّر للإنسان أن يذبح خارجَ بلده بالإضافة إلى ذبحه في بلده فهذا حسن جدًّا.
ولا يخفى ما تَمُرُّ به بعض بلاد المسلمين من حاجة شديدة وفقر مدقَع؛ فعلى المسلم أن لا ينسى إخوانَه من مساعدتهم بما ييسِّره الله له؛ فإنَّ في هذا الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.
روى مسلم في «صحيحه» (1977) عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ r قال: «إذا دَخَلَت العَشْرُ وأراد أحدُكم أن يضحِّي فلا يَمَسّ من شعره وبشره شيئا»؛ فدلَّ هذا الحديثُ على أنَّه لا يجوز لمن أراد أن يضحِّيَ الأخذُ من هذه الأشياء الثلاثة- الشَّعر والأظفار والبشرة- حتَّى يذبح أضحيتَه.
والمقصود بالبشرة: اللَّحم اليابس الذي قد يكون في نهاية الأظافر، أو في أسفل القدم.
وذهب الإمامُ أحمد إلى وجوب الامتناع من هذه الأمور، كما هو ظاهر حديث أمِّ سَلَمَة، وذهب الجمهور إلى الكراهية فقط.
والقول الأوَّلُ هو الأرجح؛ بدليل أنَّ الرَّسولَ r قد نهى عن ذلك، والأصل في النَّهي التَّحريم.
والإنسان الذي يريد أن يضحِّيَ هو الذي يجب عليه الامتناع، وأمَّا إذا أشرك أهلُ بيته معه فلا يَلزمهم الامتناع.
وكذلك لو وَكَّلَ غيرَه في التَّضحية عنه؛ فالوكيل لا يلزمه عدمُ الأخذ من هذه الأشياء؛ لأنَّه وكيلٌ، وأما الإنسان الذي وَكَّلَ فهو الذي يجب عليه الامتناع.
ولمن أراد أن يضحِّي أن يَمْتَشط وأن يمسَّ الطِّيب، وإنَّما يمنع من هذه الأشياء الثَّلاثة فقط.
ومما يدلُّ على أنَّ الامتشاطَ ليس بممنوع منه مَن أراد أن يُضَحِّي: ما رواه البخاريُّ في «صحيحه» (310) من حديث عروة؛ أنَّ النَّبيَّ r قال لعائشة وهي محرمة: «انقضي رأسَك وامتشطي».
والإحرامُ أشدُّ ممَّن أراد أن يضحِّي، والمحرم تحرم عليه هذه الأشياء أشدّ من الإنسان الذي يريد أن يضحّي، ومع ذلك قال: «انقضي رأسك وامتشطي».
كان النبيُّ r أول ما يَبدأ به يوم العيد بعد الصَّلاة النَّحر؛ ففي «الصَّحيحين» (البخاري/ 922، مسلم/ 1961) من طريق الشّعبيّ عن البراء قال: قال النَّبيُّ r: «إنَّ أوَّلَ ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتَنا، ومن نَحَرَ قبل الصَّلاة فإنَّما هو لحم قدَّمه لأهله ليس من النُّسُك في شيء».
3- التكبير:
ومن العبادات العظيمة التي تختصُّ بها هذه الأيام عبادةُ التَّكبير لله- عزَّ وجلَّ، ورفعُ الصَّوت بذلك؛ قال الله- تعالى: }وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ{ [الحج: 28].
والأيَّامُ المعلومة هي عشر ذي الحجَّة؛ كما ذهب إلى هذا جمهورُ أهل العلم ().
وفي صحيح البخاريِّ (كتاب العيدين/ باب فضل العمل في أيَّام التَّشريق): (وقال ابن عبَّاس: }وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ{ في أيَّام العشر، والأيام المعدودات أيامُ التَّشريق، وكان ابنُ عمر وأبو هريرة يَخْرجان إلى السُّوق في أيَّام العشر يكبِّران ويكبِّر النَّاس بتكبيرهما)(). اهـ.
وقال البخاريُّ في كتاب العيدين أيضًا: (باب التَّكبير أيَّامَ منى وإذا غدا إلى عرفة.
وكان عمر t يكبِّر في قبَّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون، ويكبِّر أهلُ الأسواق حتى ترتجَّ منى تكبيراً، وكان ابنُ عمر يكبِّر بمنى تلك الأيام وخلفَ الصَّلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبِّرُ يوم النَّحر، وكان النِّساءُ يكبِّرون خلفَ أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز لياليَ التَّشريق مع الرِّجال في المسجد.
حدَّثنا أبو نعيم قال: حدَّثنا مالك بن أنس قال: حدثني محمد بن أبي بكر الثَّقَفيّ قال: سألتُ أنساً ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التَّلبية: كيف كنتم تصنعون مع النَّبيِّ r؟ قال: كان يلبِّي الملبِّي لا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه).
وقال الإمامُ مسلم في «صحيحه» (1284): وحدَّثني محمد بن حاتم وهارون بن عبد الله ويعقوب الدَّورقيّ قالوا: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عمر بن حسين عن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله r في غداة عرفة؛ فمنَّا المكبِّرُ، ومنَّا المهلِّلُ؛ فأمَّا نحن فنكبِّرُ، قال: قلت: والله لعجبا منكم؛ كيف لم تقولوا له: ماذا رأيت رسول الله r يصنع؟!
وعبادة تكبير الله- عزَّ وجلَّ- من أعظم العبادات، وقد أمر الله- عزَّ وجلَّ- بها نبيَّه r؛ وهو أمر لأمَّته من بعده؛ قال- تعالى- في خاتمة سورة الإسراء: }وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا{ [الإسراء: 111].
ومعنى }وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا{: أي: عظِّمْه عظمةً تامَّةً، ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التَّعظيم والإجلال: الله أكبر؛ أي: وصفُه بأنَّه أكبرُ من كلِّ شيء؛ قال الشَّاعر:
رأيتُ الله أكبر كلِّ شيء
|
| محاولة وأكثرهم جنوداً
|
وقال عمر بن الخطَّاب: قول العبد: "الله أكبر" خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ().
ويُحكى عن بعض السَّلَف أنَّ هذه الآيةَ هي خاتمة «التَّوراة».
ومن عظمة هذا الذِّكر أنَّ الصَّلاةَ تفتتح به، وأنَّ النِّداءَ إليها يفتتح بها ويختتَم بها، كما أنَّ الصَّلاةَ في نهايتها يكون الاستغفار والتَّهليل والتَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير.
وفي «الصَّحيحين» (البخاريّ/ 806، مسلم/ 583) من حديث ابن عبَّاس أنَّه قال: كنتُ أعرف انقضاءَ صلاة رسول الله r بالتَّكبير.
والطَّوافُ بالبيت يُفْتَتَحُ بالتَّكبير ورمي الجمار، السُّنَّةُ فيه التَّكبيرُ مع كلِّ جمرة، وعند الصَّفا- وكذلك المروة- يُفْتَتَحُ الدُّعاء بالتَّكبير ثلاثاً، وعند الذَّبح تقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد جاء في «صحيح مسلم» (2173) من حديث هلال بن يساف عن الرَّبيع بن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله r: «أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. لا يَضُرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ».
ولو فَقه المسلمون معنى هذه العبادة وعملوا بمقتضاها لاستقامت أحوالُهم ديناً ودنيا، وأولى وأخرى؛ وذلك عندما يعلم المسلمُ حقيقةَ أنَّ الله أكبرُ من كلِّ شيء؛ فإنَّه سوف يلتزم بأوامره ويَجتنب نواهيه، ويعبده حقَّ عبادته، ويتوكَّل عليه، ولا يخشى فيه لومةَ لائم.
ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ التكبيرَ ينقسم إلى قسمين: مطلق ومقيَّد؛ فيكون مطلقًا منذ دخول العشر إلى نهاية أيَّام التشريق، وأمَّا التَّكبير المقيَّد فيبدأ من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيَّام التَّشريق؛ وذلك بعد أدبار الصَّلوات الخمس.
قال القاضي أبو يعلى: (التَّكبيرُ في الأضحى مطلقٌ ومقيَّدٌ؛ فالمقيَّدُ عقيبَ الصَّلوات، والمطلقُ في كلِّ حال في الأسواق وفي كلِّ زمان). اهـ ().
وهذا لغير الحاجِّ؛ قال الإمامُ أحمد عن هذا: في حقِّ أهل الأمصار؛ فأمَّا أهل الموسم فإنَّهم يكبِّرون من صلاة الظُّهر يوم النَّحر؛ لأنَّهم قبل ذلك مشتغلون بالتَّلبية، وحكاه عن سفيان بن عيينة واستحسنه، فقال: (ما أحسن ما قال سفيان)().
ودليلُهم في ذلك هو ما نقل عن جمع من الصَّحابة أنَّهم كانوا يكبِّرون من بعد صلاة الصُّبح يوم عرفة؛ مع أنَّ التَّكبيرَ يبدأ منذ دخول العشر، فلذا حملوا هذا على التَّكبير المقيَّد، وحملوا ما جاء عن بعض الصَّحابة من التَّكبير في أوَّل العشر- حملوه على المطلق.
وقد نقل الإمامُ أحمد الإجماعَ على التَّكبير المقيَّد الذي يكون بعد صلاة الصُّبح من يوم عرفة؛ فقد حكاه عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عبَّاس. قيل له: فابن عبَّاس اختلف عنه؟ فقال: هذا هو الصَّحيح عنه، وغيرُه لا يصحُّ عنه. نقله الحسنُ بن ثواب عن أحمد. اهـ من «فتح الباري» لابن رجب (9/22)().
قلت: فأمَّا الرِّواية عن عمر ففيها ضعفٌ، أخرجها ابنُ أبي شيبة (2/167)، وابنُ المنذر في «الأوسط» (2200) و (2207)، والبيهقي (3/314) من طرق عن حجَّاج بن أرطاة قال: سمعتُ عطاء يحدِّث عن عبيد بن عمير قال: كان عمر... فذكره.
قال البيهقيُّ: (كذا رواه الحجَّاجُ عن عطاء، وكان يحيى بن سعيد القطَّان يُنْكرُه، قال أبو عبيد القاسم بن سلَّام: ذاكرت به يحيى بن سعيد فأنكره وقال: هذا وهمٌ من الحجَّاج؛ وإنَّما الإسنادُ عن عمر؛ أنَّه كان يُكَبِّرُ في قبَّته بمنى.
قال الشيخ– أي البيهقيّ: والمشهورُ عن عطاء بن أبي رباح أنَّه كان يُكبِّر من صلاة الظهر يوم النَّحر إلى صلاة العصر من آخر أيَّام التَّشريق، ولو كان عند عطاء عن عمر هذا الذي رواه عنه الحجَّاج لما استجاز لنفسه خلاف عمر، والله أعلم.
وقد روي عن أبي إسحاق السّبيعيّ أنَّه حكاه عن عمر وعليّ؛ وهو مرسَل). اهـ.
قلتُ: ثمَّ رواه من طريق عليّ بن مسلم الطّوسيّ، ثنا أبو يوسف– يعني القاضي– ثنا مطرف بن طريف عن أبي إسحاق قال: اجتمع عمر وعليّ وابنُ مسعود y على التَّكبير في دبر صلاة الغداة من يوم عرفة؛ فأمَّا أصحاب ابن مسعود فإلى صلاة العصر من يوم النَّحر، وأما عمر وعليّ فإلى صلاة العصر من آخر أيَّام التَّشريق ().
قلت: هذا منقطع. كما قال البيهقيّ.
وأمَّا التَّكبير في أيَّام منى– وهي أيام التَّشريق– فهذا ثابتٌ عن عمر t عن البخاريِّ معلَّقا مجزوماً به، كما سبق.
وأما ما جاء عن عليّ فهو ثابت عنه؛ قال ابنُ أبي شيبة (2/165): ثنا حسين بن عليّ عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن عليّ، وعن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن عن عليّ.
وأخرجه ابنُ المنذر في الأوسط (2203)، وينظر: (2201).
قلتُ: الإسنادُ الأوَّلُ حسن من أجل عاصم؛ وأمَّا الثَّاني ففيه ضعف من أجل عبد الأعلى؛ وهو ابن عامر الثَّعلبيّ.
وجاء طريق ثالث رواه ابنُ المنذر (2209): ثنا عليّ بن عبد العزيز ثنا حجّاج ثنا حمّاد عن الحجّاج عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ أنَّه كان كبَّر يوم عرفة صلاةَ الفجر إلى العصر من آخر أيَّام التَّشريق يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وروى ابنُ أبي شيبة (2/168): ثنا يزيد بن هارون ثنا شريك قال: قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبِّر عليٌّ وعبدُ الله؟ قال: كانا يقولان: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال البيهقيُّ في «الكبرى» (3/314) بعد أن رواه من طريق حسين بن عليّ عن زائدة به: (وكذلك رواه أبو جناب عن عمير بن سعيد عن عليّ). اهـ.
وأما عبدُ الله بن مسعود فقد ثبت عنه بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله به.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/167-168) وابنُ المنذر في «الأوسط» (2240).
أخرج ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (2/167) عن وكيع عن حسن بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أنَّه كان يكبِّر أيَّام التَّشريق.
قلت: والأوَّلُ أصحُّ.
وأمَّا ابنُ عبَّاس فهو صحيح عنه أيضاً رواه ابنُ أبي شيبة (2/167): ثنا يحيى بن سعيد القطَّان عن أبي بكَّار عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيَّام التَّشريق لا يكبِّر في المغرب، يقول: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.
وأخرجه البيهقيُّ في «الكبرى» (3/134، 315)، ولفظه: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر على ما هدانا.
وأخرجه ابنُ المنذر (2202) من طريق ابن أبي شيبة ولفظه كما عند ابن أبي شيبة.
قلت: وما نقل عن هؤلاء الصَّحابة y في بداية التَّكبير وأنَّه يبدأ من صلاة الصُّبح من يوم عرفة يحتمل عدة احتمالات:
الأول: أنَّ هذا التَّكبيرَ إنَّما هو المفيد الذي يكون أدبارَ الصَّلوات المكتوبة كما ذهب إلى هذا الإمام أحمد.
الثاني: أنَّ التَّكبيرَ يتأكَّد من يوم عرفة وإن كان هو مشروعاً منذ بداية العشر، ولا يخفى أنَّ آكدَ التَّكبير في هذه الأيَّام إنَّما يكون في يوم العيد الذي هو يوم النَّحر، ولذا تقدَّم ما نقل عن عبد الله بن مسعود t أنَّه كان يكبِّر إلى صلاة العصر من يوم النَّحر.
ولا يخفى أنَّ هذا الوقت هو آكدُ أوقات التَّكبير في هذه الأيَّام.
الثَّالث: أنَّ هؤلاء الصَّحابةَ كانوا يبدؤون بالتَّكبير من يوم عرفة بغضِّ النَّظر عن كونه مطلقاً أو مقيَّداً؛ وخاصَّةً أنَّ الذين نقل عنهم هذا الشَّيء لم ينقل عنهم أنَّهم كانوا يكبِّرون من أوَّل أيَّام العشر.
نعم؛ سبق عن ابن عمر وأبي هريرة أنَّهما كانا يخرجان إلى السُّوق في أيَّام العشر يكبِّران ويكبِّر النَّاس بتكبيرهما.
وجاء عن ابن عمر أيضًا أنَّه كان يكبِّر من صلاة الظُّهر يوم النَّحر إلى صلاة الفجر من آخر أيَّام التَّشريق؛ ولكن في إسناده عبدُ الله العمريّ وفيه ضعف. أخرجه ابن المنذر (2205)، ورواه أيضاً البيهقيُّ في «الكبرى» (3313).
وسبق ما رواه عنه مسلم أنَّه قال: كنَّا مع رسول الله r في غداة عرفة، فمنَّا المكبِّر ومنا المهلِّل؛ فأمَّا نحن فنكبِّر.
وثبت عنه من طريق ابن جريج قال: أخبرني نافع أنَّ ابنَ عمر كان يكبِّر بمنى تلك الأيَّام خلف الصَّلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي ممشاه. رواه ابن المنذر في «الأوسط» (22) وعلَّقه البخاريُّ في «صحيحه»() مجزوماً به.
والذي أميلُ إليه أنَّ ما جاء عن عليّ وغيره أنَّ هذا من باب تأكيد التَّكبير، وأنَّه يتأكَّد في يوم عرفة وما بعده، وبالذَّات في يوم النَّحر؛ وذلك لأمرين:
الأمر الأول: حديث محمَّد بن أبي بكر الثَّقَفيّ السَّابق؛ أنَّه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله r؟ فقال: كان يهل المهلُّ منَّا فلا ينكر عليه، ويكبِّر المكبِّر منَّا فلا ينكر عليه.
وفي رواية لمسلم: فمنَّا المكبِّر ومنَّا المهلِّل، ولا يعيب أحدُنا على صاحبه.
ففي هذا الحديث لم يقيِّد التَّكبير بصلاة؛ بل أطلقه في اليوم كلِّه.
بل في حديث ابن عمر– السَّابق– عند مسلم (1284): غَدَوْنا مع رسول الله r من منى إلى عرفات؛ منَّا الملبِّي ومنَّا المكبِّر.
وفي لفظ: كنَّا مع رسول الله r في غداة عرفة، فمنَّا المكبِّرُ ومنَّا المهلِّلُ؛ فأمَّا نحن فنكبِّر. قال: قلت: والله لعجبًا منكم! كيف لم تقولوا له: ماذا رأيت رسول الله r يصنع؟!
ففي هذا الخبر أنَّ ابنَ عمر أطلق التَّكبيرَ منذ الصَّباح لم يقيِّده بصلاة، وقال: (فأمَّا نحن فنكبِّر)، وأما استثناء بعض أهل العلم الحاجة من التَّكبير المفيد فهذا فيه بعضُ النَّظَر لما تقدَّم في هذين الحديثين؛ وبالذَّات في قول ابن عمر: «وأما نحن فنكبِّر»، وقد كانا– أي أنس وابن عمر– حاجَّين.
الأمر الثَّاني: أنَّ اللهَ- عزَّ وجلَّ- قال: }وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ{، والأيَّام المعلومة هي الأيامُ العشر، وقال- عزَّ وجلَّ: }وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ{؛ وهي: أيَّامُ التَّشريق؛ فهذا يفيد العموم، وأنَّ التَّكبيرَ سواء كان قبل الصَّلاة أو بعدها أو في الصَّباح أو في المساء، فكلُّ هذا مشروع؛ ولكن يتأكَّدُ التَّكبيرُ في يوم عرفة وما بعده؛ وبالذَّات في يوم النَّحر، والأمر في ذلك واسع، والله تعالى أعلم.
لم يثبت عن الرسول r صفةٌ معيَّنةٌ في التَّكبير؛ وإنَّما ثبت عن صحابته y في ذلك عدَّةُ صفات:
الصِّفةُ الأولى (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً):
روى البيهقيُّ في «الكبرى» (3/316) وفي «فضائل الأعمال» (227) من طريق عبد الرزَّاق عن معمر عن عاصم عن أبي عثمان النّهديّ عن سلمان الفارسيّ t أنَّه كان يكبِّر فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وصحَّح سندَه الحافظُ ابن حجر في «الفتح» (2/462).
الصِّفةُ الثَّانية (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد):
روى ابنُ أبي شيبة في كتابه «المصنّف» (5633) عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود t أنَّه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النَّحر، يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وهذا إسنادٌ صحيح.
الصِّفة الثَّالثة: (الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد):
روى ابنُ أبي شيبة في «المصنّف» (5646) عن يحيى بن سعيد القطّان عن أبي بكَّار عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّه كان يكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيَّام التَّشريق، لا يكبِّر في المغرب: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.
وهذا إسناد صحيح.
هذا ما وقفتُ عليه ممَّا ثَبَتَ عن الصَّحابة y في هذه المسألة.
فينبغي للإنسان في هذه العشر أن يُكْثر من التَّكبير، وإذا التزم بهذه الصِّفات التي ثبتت عن الصَّحابة فهذا أحسن وأكمل؛ لأنَّ الذي يغلب على الظَّنِّ أنَّ الصَّحابةَ y قد أخذوا هذا عن الرَّسول r.
وأما القسم الثاني- وهو العبادات المشروعة في هذه الأيام وفي غيرها من صلاة وصيام وسائر العبادات والطَّاعات غير ما تقدم– فهذه يتأكَّدُ الإكثارُ منها في هذه الأيَّام؛ لعموم حديث ابن عبَّاس السَّابق: «ما من أيام العمل الصالح فيهن...» فيشمل كلَّ الأعمال الصَّالحة.
ومن الأعمال الصَّالحة التي تشرَّع في هذه الأيام عبادةُ الصِّيام؛ فيُسْتَحَبّ للشَّخص أن يصومها؛ وخاصَّةً يوم عرفة، ودليل ذلك ما جاء في «صحيح مسلم» (1162) وغيره من حديث غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزَّمانيّ عن أبي قتادة الأنصاريّ أنَّ رسول الله r قال: «... صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّرَ السَّنَةَ التي قبلَه والسَّنَةَ التي بعدَه».
والدَّليل على بقيَّة التِّسعة: ما جاء في حديث ابن عبَّاس السَّابق: «ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحبّ إلى الله- عزَّ وجلَّ- من هذه العشر».
وأما ما جاء في «صحيح مسلم» (1176) من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيتُ رسولَ الله r صائماً في العشر قطّ. فهذا لا يمنع من استحباب صومها؛ بدليل أنَّها داخلةٌ ضمنَ الأعمال الصَّالحة، والرسول r حثَّ على العمل الصَّالح مطلقاً، ومعلومٌ أنَّ الرَّسولَ r قد يترك العمل لأسباب ولحكم؛ فيكفي قولُه r في الحثِّ على ذلك.
وقد جاء من حديث هنيدة عن حفصة أنَّها قالت: أربع لم يكن يَدَعُهُنَّ النَّبيُّ r: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كلِّ شهر، وركعتين قبل الغداة.
أخرجه النَّسائيُّ (4/220) وأحمد (6/287) وغيرهما.
ولكنَّ هذا الحديثَ لا يصحُّ، وهو معلول إسناداً ومتناً؛ فقد وقع اضطرابٌ في إسناده ومَتْنه، وبيَّن ذلك النَّسائيُّ في «سننه» وساق روايته؛ فلم يصحَّ عن النَّبيِّ r أنَّه كان يصوم العشر، ولكن هذا لا يمنع استحبابَ صيام هذه العشر– كما سبق؛ لأنَّ كلَّ الأعمال الصَّالحة هي مستحبَّةٌ في هذه العشر.
هذا وبالله التَّوفيق، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
فهرس الموضوعات
المقدمة 5
فضائل عشر ذي الحجة 6
فصل : في العبادات والسُّنن والآداب المتعلِّقة بالعشر 26
حكم الأضحية: 29
الأضحية عنه وعن أهل بيته: 33
ما يَجب على مَن أرادَ أن يُضَحِّي: 33
وقت ذبح الأضحية: 35
التَّكبير المطلَق والتَّكبير المقيَّد: 39
صفة التَّكبير: 45
فهرس الموضوعات. 49
المراجع والهوامش :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق