ولتحميل كتاب المغني اولا
إسم الكتاب : المغني
للإمام : موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله
تحقيق : عبد الله بن عبد المحسن التركي - عبد الفتاح الحلو
اقتباس:
شرح فيه الإمام موفق الدين ابن قدامة مختصر الخرقي، على مذهب الامام أحمد بن حنبل، وهو يعتبر موسوعة في الفقه المقارن، حيث لم يكتف ابن قدامة رحمه الله بشرح مختصر الخرقي فقط، بل تناول المسائل الفقهية بالدليل وأورد آراء المذاهب الأخرى وفصل القول فيها، وهذه النسخة مخرجة الأحاديث، ومشكولة بالكامل، ومرقمة المسائل، ومعها مجلد كامل للفهارس التفصيلية (المجلد الخامس عشر)، وقد قام المحققان بمطابقة هذه النسخة على عدة مخطوطات..
الحجم الإجمالي حوالي 140 ميجا تقريبًا |
اقتباس:
من مشاركة شيخنا اباذر الفاضلي حفظه الله بعد تغيير رابط التحميل من الوقفية لأرشيف .
|
صفحة التحميل على أرشيف :
صفحة الكتاب مجزأ اضغط هنا
التحميل من هنـــــــــا بملف واحد بحجم 147 ميجا
أو من مشاركة أبي يوسف في مكتبتنا العربية :
__
ولتحميل كتاب الحج فقط من مشاركة أم يوسف بمكتبتنا العربية :
اسم الكتاب : كتاب الحج من المغني
اسم المؤلف : الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي
الناشر : عالم الكتب الرياض 1417 = 1997
للتحميل
تلخيص ما كتبه الإمـام ابن قدامــة المقدسي رحمه الله
في مسائل الحج والعمرة
من كتـاب المغنـي - الجزء الخامس
ترجمة مختصرة للإمام ابن قدامة رحمه الله([1])
هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجمَّاعيلي، شيخ المذهب، الإمام، بحر علوم الشريعة المطهرة.
ولد رحمه الله بجمَّاعيل من أعمال نابلس في فلسطين سنة (541هـ)، وقدم دمشق مع أهله.
توفي رحمه الله يوم السبت في يوم عيد الفطر عام (620هـ)، ودفن من الغد في جبل قاسيون خلف الجامع المظفري، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، آمين.
(1) الكافر غير مخاطب بفروع الدين خطابًا يلزمه أداء، ولا يوجب قضاءً.(6)
(2) لا يلزم المسلم الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعًا بذلك، سواء كان الباذل قريبـًا أو أجنبيًا، وسواء بذل له الركوب والزاد، أو بذل له مالاً.(9)
(3) من تكلف الحج ممن لا يلزمه، فإن أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره، مثل أن يمشي ويكتسب بصناعة، ولا يسأل الناس، استحب له الحج؛ لقول الله تعالى: ((يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)) [الحج:27]، فقدم ذكر الرجال. ولأن في ذلك مبالغة في طاعة الله عز وجل، وإن كان يسأل الناس كره له الحج.(10)
(4) يختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه؛ لأنها مسافة قريبة، يمكنه المشي إليها، فلزمه، وإن كان ممن لا يمكنه المشي اعتبر وجود الحمولة في حقه؛ لأنه عاجز عن المشي، فهو كالبعيد. وأما الزاد فلا بد منه، فإن لم يجد زادًا، ولا قدر على كسبه، لم يلزمه الحج.(10)
(5) الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه؛ من مأكول ومشروب وكسوة، فإن كان يملكه، أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء والرخص، أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله؛ لزمه شراؤه، وإن كانت تجحف بماله لم يلزمه.(11)
(6) يشترط أن يجد من أراد الحج راحلة تصلح لمثله، إما شراءً أو كراءً، لذهابه ورجوعه.(11)
(7) يعتبر أن يكون الزاد والراحلة فاضلين عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مئونتهم في مضيه ورجوعه؛ لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين، وهم أحوج، وحقهم آكد.(11)
(8) تجب العمرة على من يجب عليه الحج، قال تعالى: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) [البقرة:196]، ومقتضى الأمر الوجوب، ثم عطفها على الحج، والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه.(13)
(9) ليس على أهل مكة عمرة. نص عليه أحمد رحمه الله، وقال: «كان ابن عباس رضي الله عنهما يرى العمرة واجبة، ويقول: يا أهل مكة! ليس عليكم عمرة، إنما عمرتكم طوافكم بالبيت».(14)
(10) تجزئ عمرة المتمتع، وعمرة القارن، والعمرة من أدنى الحل عن العمرة الواجبة، ولا نعلم في إجزاء عمرة التمتع خلافًا. كذلك قال ابن عمر، وعطاء، وطاوس، ومجاهد.(15)
(11) لا بأس أن يعتمر في السنة مرارًا. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف، وقال بعض أصحابنا: يستحب الإكثار من الاعتمار، وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه، ولأن النَّبِـيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم ينقل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك، والحق في اتباعهم. وقد اعتمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أربع عمر في أربع سفرات، لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة، ولا أحد ممن معه، ولم يبلغنا أن أحدًا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه، إلا عائشة حين حاضت فأعمرها من التنعيم؛ لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت، ولو كان فيه فضل لما اتفقوا على تركه.(16)
(12) إن لم يجد المريض مالاً يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف؛ لأن الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه، فالمريض أولى.(21)
(13) متى أحج المريض عن نفسه ثم عوفي، لم يجب عليه حج آخر؛ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة.(21)
(14) فإن عوفي قبل فراغ النائب من الحج فينبغي أن لا يجزئه الحج([2])؛ لأنه قدر على الأصل قبل تمام البدل، فلزمه، كالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته.(21) (15) وإن برأ قبل إحرام النائب لم يجزئه بحال.(21)
(16) من يرجى زوال مرضه، والمحبوس ونحوه، ليس له أن يستنيب، فإن فعل لم يجزئه، وإن لم يبرأ؛ لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه، فلم يكن له الاستنابة، ولا تجزئه إن فعل.(22) (17) لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب إجماعًا.(22)
(18) إن كان عاجزًا عن حج النفل عجزًا مرجو الزوال، كالمريض مرضـًا يرجى برؤه، والمحبوس، جاز له أن يستنيب فيه.(23)
(19) إذا سلك النائب طريقًا يمكنه سلوك أقرب منه، ففاضل النفقة في ماله. وإن تعجل عجلة يمكنه تركها، فكذلك. وإن أقام بمكة أكثر من مدة القصر بعد إمكان السفر للرجوع أنفق من مال نفسه؛ لأنه غير مأذون له فيه. فأما من لا يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة؛ لأنه مأذون له فيه، وله نفقة الرجوع.(26)
(20) إن أقام النائب بمكة سنين فله نفقة الرجعة ما لم يتخذها دارًا، فإن اتخذها دارًا ولو ساعة لم يكن له نفقة رجوعه؛ لأنه صار بنية الإقامة مكيًا، فسقطت نفقته، فلم تُعَدّ.(26)
(21) إن مرض النائب في الطريق فعاد فله نفقة رجوعه؛ لأنه لا بد له منه، وحصل بغير تفريطه، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو أحصر. وإن قال: خفت أن أمرض فرجعت. فعليه الضمان؛ لأنه متوهم.(26)
(22) إن شرط أحدهما -أي: النائب أو المستنيب- أن الدماء الواجبة عليه على غيره، لم يصح الشرط؛ لأن ذلك من موجبات فعله، أو الحج الواجب عليه، فلم يجز شرطه على غيره، كما لو شرطه على أجنبي.(26)
(23) يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن الرجل والمرأة في الحج، في قول عامة أهل العلم، لا نعلم فيه مخالفًا، إلا الحسن بن صالح.(27)
(24) لا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، فرضـًا كان أو تطوعـًا، فأما الميت فيجوز عنه بغير إذن، واجبًا كان أو تطوعًا؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله، كالصدقة.(27)
(25) إذا أمره المستنيب بحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات ثم حج، نظرتَ؛ فإن خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج جاز، ولا شيء عليه، وإن أحرم بالحج من مكة فعليه دم؛ لترك ميقاته، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام الحج فيما بين الميقات ومكة.(27)
(26) إن أمره بالتمتع فقرن، وقع عن الآمر؛ لأنه أمر بهما، وإنما خالف في أنه أمره بالإحرام بالحج من مكة فأحرم به من الميقات. وإن أفرد وقع عن المستنيب أيضًا، ويرد نصف النفقة؛ لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات، وقد أمره به، وإحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئًا. وإن أمره بالقران فأفرد أو تمتع، صح ووقع النسكان عن الآمر، ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام النسك الذي تركه من الميقات. وفي جميع ذلك إذا أمره بالنسكين ففعل أحدهما دون الآخر؛ رد من النفقة بقدر ما ترك، ووقع المفعول عن الآمر، وللنائب من النفقة بقدره.(28)
(27) إذا استنابه رجل في الحج وآخر في العمرة، وأذنا له في القران ففعل، جاز؛ لأنه نسك مشروع. وإن قرن من غير إذنهما صح، ووقع عنهما، ويرد من نفقة كل واحد منهما نصفها؛ لأنه جعل السفر عنهما بغير إذنهما. وإن أذن أحدهما دون الآخر، رد على غير الآمر نصف نفقته وحده.(29)
(28) إن أُمِر -أي النائب- بالحج، فحج ثم اعتمر لنفسه، أو أمره بعمرة، فاعتمر ثم حج عن نفسه، صح ولم يرد شيئًا من النفقة؛ لأنه أتى بما أمر به على وجهه.(29)
(29) إن أمر المستنيب النائب بالإحرام من ميقات فأحرم من غيره جاز؛ لأنهما سواء في الإجزاء. وإن أمره بالإحرام من بلده فأحرم من الميقات جاز؛ لأنه الأفضل. وإن أمره بالإحرام من الميقات فأحرم من بلده جاز؛ لأنه زيادة لا تضر. وإن أمره بالحج في سنة، أو بالاعتمار في شهر، ففعله في غيره جاز؛ لأنه مأذون فيه في الجملة.(29)
(30) إن استنابه اثنان في نسك، فأحرم به عنهما، وقع عن نفسه دونهما؛ لأنه لا يمكن وقوعه عنهما، وليس أحدهما بأولى من صاحبه.(29)
(31) إن أحرم عن نفسه وغيره، وقع عن نفسه؛ لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها فمع نيته أولى.(30)
(32) إن أحرم عن أحدهما -أي: واحد ممن أنابه للحج- غير معين، احتمل أن يقع عن نفسه أيضًا؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر، فأشبه ما لو أحرم عنهما. واحتمل أن يصح؛ لأن الإحرام يصح بالمجهول، فصح عن المجهول، وله صرفه إلى من شاء منهما، فإن لم يفعل حتى طاف شوطًا وقع عن نفسه، ولم يكن له صرفه إلى أحدهما؛ لأن الطواف لا يقع عن غير مُعَيَّن.(30)
(33) الظاهر أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها.(30)
(34) نفقة المحرم في الحج على المرأة. نص عليه أحمد رحمه الله؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة.(34)
(35) الصحيح أنه لا يلزم المحرم الحج مع امرأته الباذلة للنفقة؛ لأن في الحج مشقة شديدة، وكلفة عظيمة، فلا تلزم أحدًا لأجل غيره، كما لم يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة.(34)
(36) إذا مات محرم المرأة في الطريق، فقال أحمد رحمه الله: إذا تباعدت مضت فقضت الحج. لكن إن كان حجها تطوعًا، وأمكنها الإقامة في بلد، فهو أولى من سفرها بغير محرم.(34)
(37) ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام، ويستحب أن تستأذنه في ذلك؛ فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع فله منعها منه، وليس له منعها من الحج المنذور؛ لأنه واجب عليها، فأشبه حجة الإسلام.(35)
(38) لا تخرج المرأة إلى الحج في عدة الوفاة، ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت، وأما عدة الرجعية فالمرأة فيه بمنزلتها في صُـلْبِ النكاح؛ لأنها زوجة.(35)
(39) متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر، سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط.(38)
(40) فإن خرج للحج فمات في الطريق، حج عنه من حيث مات؛ لأنه أسقط بعض ما وجب عليه، فلم يجب ثانيًا.(39)
(41) لو أحرم بالحج ثم مات، صحت النيابة عنه فيما بقي من النسك؛ سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره.(40)
(42) يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين([3]) رضي الله عنه فقال: (حج عن أبيك واعتمر)([4]). ويستحب البداية بالحج عن الأم إن كان تطوعًا أو واجبًا عليهما، وإن كان الحج واجبًا على الأب دونها بدأ به؛ لأنه واجب، فكان أولى من التطوع.(41) (43) إن أحرم بتطوع أو نذر من لم يحج حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام.(43)
(44) إن أحرم بتطوع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة؛ لأنها واجبة، فهي كحجة الإسلام.(43)
(45) العمرة كالحج فيما ذكرنا؛ لأنها أحد النسكين، فأشبهت الآخر. أي: في المسألة السابقة والتي قبلها.(43)
(46) إذا أحرم بالمنذورة من عليه حجة الإسلام، فوقعت عن حجة الإسلام، فالمنصوص عن أحمد رحمه الله أن المنذورة لا تسقط عنه؛ لأنها حجة واحدة، فلا تجزئ عن حجتين، ويحتمل أن تجزئ؛ لأنه قد أتى بالحجة ناويـًا بها نذره فأجزأته، وهذا مثل ما لو نذر صومَ يومَ يقْدُم فلانٌ فقدِمَ في يوم من رمضان، فنواه عن فرضه ونذره.(44)
(47) إن بلغ الصبي، أو عتق العبد بعرفة أو قبلها، غير محرمين، فأحرما ووقفا بعرفة، وأتما المناسك، أجزأهما عن حجة الإسلام. لا نعلم فيه خلافـًا؛ لأنه لم يفتهما شيء من أركان الحج، ولا فعلا شيئًا منها قبل وجوبه.(45)
(48) إذا بلغ الصبي أو عتق العبد قبل الوقوف أو في وقته، وأمكنهما الإتيان بالحج، لزمهما ذلك؛ لأن الحج واجب على الفور، فلا يجوز تأخيره مع إمكانه، كالبالغ الحر. وإن فاتهما الحج لزمتهما العمرة؛ لأنها واجبة أمكن فعلها، فأشبهت الحج، ومتى أمكنهما ذلك فلم يفعلا استقر الوجوب عليهما، سواء كانا موسرين أو معسرين؛ لأن ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.(46)
(49) الحكم في الكافر يسلم، والمجنون يفيق، حكم الصبي يبلغ في جميع ما فصلناه، إلا أن هذين لا يصح منهما إحرام، ولو أحرما لم ينعقد إحرامهما؛ لأنهما من غير أهل العبادات، ويكون حكمهما حكم من لم يحرم.(47)
(50) ليس للعبد أن يحرم بغير إذن سيده؛ لأنه يفوت به حقوق سيده الواجبة عليه بالتزام ما ليس بواجب، فإن فعل انعقد إحرامه صحيحًا؛ لأنها عبادة بدنية، فصح من العبد الدخول فيها بغير إذن سيده، كالصلاة والصوم.(47)
(51) إذا نذر العبد الحج صح نذره؛ لأنه مكلف، فانعقد نذره كالحر، ولسيده منعه من المضي فيه؛ لأن فيه تفويت حق سيده الواجب، فإن أعتق لزمه الوفاء به بعد حجة الإسلام، فإن أحرم به أولاً انصرف إلى حجة الإسلام كالحر إذا نذر حجًا.(48)([5]). (52) ما جنى العبد على إحرامه لزمه حكمه، وحكمه فيما يلزمه حكم الحر المعسر فرضه الصيام، وإن تحلل بحصر عدو أو حلله سيده فعليه الصيام.(48)
(53) إن أذن له سيده في تمتع أو قران، فعليه الصيام بدلاً عن الهدي الواجب بهما. وقيل: على سيده الهدي، وإن تمتع أو قرن بغير إذن سيده فالصيام عليه بغير خلاف، وإن أفسد حجه فعليه أن يصوم لذلك؛ لأنه لا مال له، فهو كالمعسر من الأحرار.(49)
(54) إذا وطئ العبد في إحرامه قبل التحلل الأول فسد، ويلزمه المضي في فاسده كالحر، وعليه القضاء؛ سواء كان الإحرام مأذونـًا فيه أو غير مأذون، ويصح القضاء في حال رقه؛ لأنه وجب فيه فصح منه كالصلاة والصيام، ثم إن كان الإحرام الذي أفسده مأذونـًا فيه، فليس لسيده منعه من قضائه؛ لأن إذنه في الحج الأول إذن في موجبه ومقتضاه، ومن موجبه القضاء لما أفسده.(49)
(55) إن أعتق العبد قبل القضاء فليس له فعل القضاء قبل حجة الإسلام؛ لأنها آكد، فإن أحرم بالقضاء انصرف إلى حجة الإسلام، وبقي القضاء في ذمته.(50)
(56) إن عتق في أثناء قضاء الحجة الفاسدة، وأدرك من الوقوف ما يجزئه، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام؛ لأن المقضي لو كان صحيحًا أجزأه، فكذلك قضاؤه.(50)
(57) يصح حج الصبي، فإن كان مميزًا أحرم بإذن وليه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه؛ فيصير محرمًا بذلك، وإن أحرم بدون إذنه لم يصح؛ لأن هذا عقد يؤدي إلى لزوم مال، فلم ينعقد من الصبي بنفسه كالبيع.(50)
(58) إن كان الصبي غير مميز، فأحرم عنه من له ولاية على ماله صح. ومعنى إحرامه عنه أنه يعقد له الإحرام، فيصح للصبي دون الولي.(51)
(59) لا يضاف الأجر للولي إلا لكون الصبي تبعًا له في الإحرام.(51)
(60) أما الأجانب عن الصبي فلا يصح إحرامهم عنه، وجهًا واحدًا.(52)
(61) كل ما أمكن الصبي فعله بنفسه لزمه فعله، ولا ينوب غيره عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه.(52)
(62) يجب تجريد الصبي المحرم من الثياب كما يجرد الكبير، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم.(53)
(63) محظورات الإحرام بالنسبة للصبي قسمان: أحدهما: ما يختلف عمده وسهوه، كاللباس والطيب، الثاني: ما لا يختلف، كالصيد، وحلق الشعر، وتقليم الأظفار. فالأول لا فدية على الصبي فيه؛ لأن عمده خطأ، والثاني عليه فيه الفدية. ولو وطئ أفسد حجه كالكبير، وفي القضاء وجهان.(53)
(64) الأولى في نفقة الصبي في الحج أن ما زاد على نفقة الحضر فهي في مال الولي؛ لأنه كلفه ذلك ولا حاجة به إليه.(54)
(65) إذا أغمي على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه؛ لأنه بالغ، فلا يصير محرمـًا بإحرام غيره كالنائم، ولو أنه أذن في ذلك وأجازه لم يصح، فمع عدم هذا أولى أن لا يصح.(54)
(66) من طيف به محمولاً لعذر فلا يخلو: إما أن يقصدا جميعًا عن المحمول، فيصح عنه دون الحامل بغير خلاف نعلمه، أو يقصدا جميعًا عن الحامل فيقع عنه أيضًا، ولا شيء للمحمول، أو يقصد كل واحد منهما الطواف عن نفسه، فإنه يقع للمحمول دون الحامل، وهو الأولى. فإن نوى أحدهما نفسه دون الآخر صح الطواف له، وإن عدمت النية منهما، أو نوى كل واحد منهما الآخر، لم يصح لواحد منهما.(55)
(67) إذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر، فموضع الإحرام من الأولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية؛ لأن الحكم تعلق بذلك الموضع، فلا يزول بخرابه.(58)
(68) الصحيح أن المكي من أي الحرم أحرم بالحج جاز؛ لأن المقصود من الإحرام به الجمع في النسك بين الحل والحرم، وهذا يحصل بالإحرام من أي موضع كان.(61)
(69) إن أحرم من الحل نظرت، فإن أحرم من الحل الذي يلي الموقف فعليه دم؛ لأنه أحرم من دون الميقات. وإن أحرم من الجانب الآخر ثم سلك الحرم فلا شيء عليه.(62)
(70) لو أحرم المكي من الحل ولم يسلك الحرم فعليه دم؛ لأنه لم يجمع بين الحل والحرم.(62)
(71) حكم من سلك طريقًا بين ميقاتين أنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب، وهذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير، فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة.(63)
(72) إن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط؛ بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرمـًا؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه لا يجوز، فالاحتياط فعل ما لا شك فيه.(63)
(73) من سلك طريقًا فيها ميقات فهو ميقاته، فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتـًا له.(64)
(74) لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرمـًا، تثبت في حقه أحكام الإحرام، ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، ويكره قبله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أحرموا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل.(65)
(75) من جاوز الميقات مريدًا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه؛ سواء تجاوزه عالمًا به أو جاهلاً، علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه. لا نعلم في ذلك خلافًا. وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم؛ سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع.(69)
(76) لو أفسد المحرم من دون الميقات حجه لم يسقط عنه الدم؛ لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام، فلم يسقط بوجوب القضاء.(70)
(77) أما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين:
أحدهما: لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شيء عليه في ترك الإحرام.
القسم الآخر: من يريد دخول الحرم، إما إلى مكة أو غيرها، فهم على ثلاثة أضرب: أحدها: من يدخلها لقتال مباح، أو من خوف، أو لحاجة متكررة، كالحشاش، والحطاب، فهؤلاء لا إحرام عليهم. النوع الثاني: من لا يكلف الحج، كالعبد، والصبي، والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات، أو عتق العبد وبلغ الصبي، وأرادوا الإحرام، فإنهم يحرمون من موضعهم، ولا دم عليهم. النوع الثالث: المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم.(70-72)
(78) من دخل الحرم بغير إحرام ممن يجب عليه الإحرام فلا قضاء عليه؛ لأنه مشروع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد، فأما إن تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه، بغير خلاف نعلمه؛ سواء أراد النسك أو لم يرده.(72)
(79) لا خلاف في أن من خشي فوات الحج برجوعه إلى الميقات، أنه يحرم من موضعه فيما نعلمه، وعليه دم.(73)
(80) لا ينبغي أن يحرم الحاج بالحج قبل أشهره، وهذا هو الأولى، فإن الإحرام بالحج قبل أشهره مكروه؛ لكونه إحرامًا به قبل وقته، فأشبه الإحرام به قبل ميقاته، فإن أحرم به قبل أشهره صح، وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج جاز.(74)
(81) يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية([6])، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد.(77) (82) إن طيب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه، فإن لبسه افتدى، وكذلك إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع آخر افتدى، وكذا إن تعمد مسه بيده، أو نحاه من موضعه ثم رده إليه، فأما إن عرق الطيب أو ذاب بالشمس فسال من موضعه إلى موضع آخر فلا شيء عليه.(80)
(83) المستحب أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها، وإلا صلى ركعتين تطوعًا وأحرم عقيبهما.(80)
(84) أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، واختلفوا في أفضلها، فاختار إمامنا التمتع، ثم الإفراد، ثم القران.(82)
(85) من أراد الإحرام بعمرة فالمستحب أن يقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي، وتقبلها مني، ومحلي حيث تحبسني. فإنه يستحب للإنسان النطق بما أحرم به، ليزول الالتباس، فإن لم ينطق بشيء واقتصر على مجرد النية كفاه في قول إمامنا.(91)
(86) إن لبى المحرم، أو ساق الهدي من غير نية، لم ينعقد إحرامه؛ لأن ما اعتبرت له النية لم ينعقد بدونها.(92)
(87) يستحب لمن أحرم بنسك أن يشترط عند إحرامه، فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.(92)
(88) إن أطلق الإحرام، فنوى الإحرام بنسك، ولم يعين حجًا ولا عمرة صح، وصار محرمًا؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام فصح مع الإطلاق، فإذا أحرم مطلقـًا فله صرفه إلى أي الأنساك شاء، والأولى صرفه إلى العمرة.(96)
(89) إذا أحرم بنسك ثم نسيه قبل الطواف، فله صرفه إلى أي الأنساك شاء، فأما إن شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة؛ لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز.(98)
(90) لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكره.(103)
(91) يستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته، وإن لم يذكر ذلك في تلبيته فلا بأس؛ فإن النية محلها القلب، والله أعلم بها.(104)
(92) إن حج عن غيره كفاه مجرد النية عنه، وإن ذكره في التلبية فحسن.(105)
(93) يستحب استدامة التلبية والإكثار منها على كل حال.(105)
(94) لا يستحب رفع الصوت بالتلبية في الأمصار، ولا في مساجدها، إلا في مكة والمسجد الحرام، ومساجد الحرم، كمسجد منى وعرفات.(106)
(95) الاغتسال مشروع للنساء عند الإحرام كما يشرع للرجال؛ لأنه نسك. وإن رجت الحائض الطهر قبل الخروج من الميقات، أو النفساء، استحب لها تأخير الاغتسال حتى تطهر؛ ليكون أكمل لها، فإن خشيت الرحيل قبله اغتسلت وأحرمت.(108)
(96) من أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وإذا نزع في الحال فلا فدية عليه؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بفدية، في الحديث المروي عن يعلى بن أمية، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة، بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت، فجاءه الوحي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)([7]).(109) (97) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة قتل القمل: فعنه إباحته؛ لأنه من أكثر الهوام أذى، فأبيح قتله، كالبراغيث وسائر ما يؤذي، والصئبان كالقمل في ذلك، ولا فرق بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو قتله بالزئبق، فإن قتله لم يحرم لحرمته، لكن لما فيه من الترفه، فعم المنع إزالته كيفما كانت. ولا يتفلى؛ فإن التفلي عبارة عن إزالة القمل، وهو ممنوع منه.(115)
(98) يجوز للمحرم حك رأسه، ويرفق في الحك كي لا يقطع شعرًا أو يقتل قملة، فإن حك فرأى في يده شعرًا، أحببنا أن يفديه احتياطًا، ولا يجب عليه حتى يستيقن أنه قلعه.(116)
(99) إن خالف وتفلى، أو قتل قملاً، فلا فدية فيه؛ فإن كعب بن عجرة رضي الله عنه حين حلق رأسه قد أذهب قملاً كثيرًا، ولم يجب عليه لذلك شيء، وإنما وجبت الفدية بحلق الشعر، ولأن القمل لا قيمة له، فأشبه البعوض والبراغيث، ولأنه ليس بصيد ولا هو مأكول.(116)
(100) لا بأس أن يغسل المحرم رأسه وبدنه برفق، وفعل ذلك عمر وابنه رضي الله عنهما، وأجمع أهل العلم على أن المحرم يغتسل من الجنابة.(117)
(101) الصحيح أنه لا بأس في الغطس داخل الماء، وليس ذلك بستر، وقد فعله عمر وابن عباس رضي الله عنهما وهما محرمان.(117)
(102) يكره للمحرم غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما؛ لما فيه من إزالة الشعث، والتعرض لقلع الشعر، فإن فعل فلا فدية عليه.(118)
(103) لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين، ولا فدية عليه في لبسهما عند ذلك.(120)
(104) لبس الخف المقطوع محرم مع القدرة على النعلين، كلبس الصحيح، وفيه إتلاف ماله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته.(121)
(105) إذا لبس الخفين لعدم النعلين، لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد، ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ والأولى قطعهما عملاً بحديث ابن عمر رضي الله عنهما الصحيح: (فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)([8])، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط.(120) (106) إن لبس الخف المقطوع مع وجود النعل فعليه الفدية، وليس له لبسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرط في إباحة لبسهما عدم النعلين، فدل على أنه لا يجوز مع وجودهما، ولأنه مخيط لعضو على قدره، فوجبت على المحرم الفدية بلبسه كالقفازين.(122)
(107) أما النعل فيباح لبسها كيفما كانت، ولا يجب قطع شيء منها؛ لأن إباحتها وردت مطلقـًا. وهذا هو الصحيح؛ فإنه إذا لم يجب قطع الخفين الساترين للقدمين والساقين فقطع سير النعل أولى أن لا يجب، ولأن ذلك معتاد في النعل، فلم تجب إزالته كسائر سيورها، ولأن قطع القيد والعقب ربما تعذر معه المشي في النعلين؛ لسقوطهما بزوال ذلك، فلم يجب.(123)
(108) ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره، إلا الإزار والهميان، وليس له أن يجعل لذلك زرًا وعروة، ولا يخلله بشوكة ولا إبرة ولا خيط؛ لأنه في حكم المخيط.(124)
(109) أما الحجامة إذا لم يقطع شعرًا فمباحة من غير فدية في قول الجمهور؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)([9]). ولم يذكر فدية، فإن احتاج في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه؛ وعليه الفدية.(126) (110) لا تحل للمحرم الإعانة على الصيد بشيء.(132)
(111) إذا دل المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه، فالجزاء كله على المحرم.(133)
(112) إن دل محرم محرمًا على الصيد فقتله فالجزاء بينهما، ولو دل محرم محرمـًا على صيد، ثم دل الآخر آخر، ثم كذلك إلى عشرة، فقتله العاشر، كان الجزاء على جميعهم، وإن وجد من المحرم حدث عند رؤية الصيد، من ضحك، أو استشراف إلى الصيد، ففطن له غيره فصاده فلا شيء على المحرم.(133)
(113) إن أعار المحرم قاتل الصيد سلاحًا فقتله به، فهو كما لو دله عليه، سواء كان المستعار مما لا يتم قتله إلا به، أو أعاره شيئًا هو مستغن عنه، مثل أن يعيره رمحًا ومعه رمح، وكذلك إن أعاره سكينًا فذبحه بها.(134)
(114) إن أعار المحرم غيره آلة ليستعملها في غير الصيد، فاستعملها في الصيد، لم يضمن؛ لأن ذلك غير محرم عليه.(134)
(115) إن دل الحلال محرمًا على الصيد فقتله فلا شيء على الحلال؛ لأنه لا يضمن الصيد بالإتلاف، فبالدلالة أولى، إلا أن يكون ذلك في الحرم فيشاركه في الجزاء؛ لأن صيد الحرم حرام على الحلال والحرام.(134)
(116) إن صاد المحرم صيدًا لم يملكه، فإن تلف في يده فعليه جزاؤه، وإن أمسكه حتى حل لزمه إرساله، وليس له ذبحه.(135)
(117) ما حرم على المحرم لكونه صيد من أجله، أو دل عليه، أو أعان عليه، لم يحرم على الحلال أكله.(138)
(118) إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس؛ لأنه حيوان حرم عليه ذبحه لحق الله تعالى، فلم يحل بذبحه كالمجوسي، وكذلك الحكم في صيد الحرم إذا ذبحه الحلال.(139)
(119) إذا اضطر المحرم فوجد صيدًا وميتة أكل الميتة. وبهذا قال مالك وغيره، وقال الشافعي وغيره: يأكل الصيد. وهذه المسألة مبنية على أنه إذا ذبح الصيد كان ميتة، فيساوي الميتة في التحريم، ويمتاز بإيجاب الجزاء، وما يتعلق به من هتك حرمة الإحرام، فلذلك كان أكل الميتة أولى، إلا أن لا تطيب نفسه بأكلها، فيأكل الصيد، كما لو لم يجد غيره.(140)
(120) النبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما لا ينبت للطيب، ولا يتخذ منه، كنبات الصحراء، من الشيح والقيصوم والخزامى، والفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وغيره، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب، كالحناء والعصفر، فمباح شمه ولا فدية فيه، ولا نعلم فيه خلافًا.
الثاني: ما ينبته الآدميون للطيب، ولا يتخذ منه طيب، كالريحان الفارسي، والمرزجوش([10])، والنرجس، والبرم([11])، ففيه وجهان. الثالث: ما ينبت للطيب ويتخذ منه طيب، كالورد والبنفسج والياسمين والخيري، فهذا إذا استعمله وشمه ففيه الفدية؛ لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه، فكذلك في أصله.(141)
(121) إن مس من الطيب ما يعلق بيده، كالغالية، وماء الورد، والمسك المسحوق الذي يعلق بأصابعه، فعليه الفدية؛ لأنه مستعمل للطيب، وإن مس ما لا يعلق بيده، كالمسك غير المسحوق، وقطع الكافور، والعنبر، فلا فدية؛ لأنه غير مستعمل للطيب، فإن شمه فعليه الفدية؛ لأنه يستعمل هكذا، وإن شم العود فلا فدية عليه؛ لأنه لا يتطيب به هكذا.(142)
(122) كل ما صبغ بزعفران أو ورس، أو غمس في ماء ورد، أو بُخِّـرَ بعود، فليس للمحرم لبسه، ولا الجلوس عليه، ولا النوم عليه؛ وذلك لأنه استعمال له فأشبه لبسه.(143)
(123) إن انقطعت رائحة الثوب - أي المطيب - لطول الزمن عليه، أو لكونه صبغ بغيره فغلب عليه، بحيث لا يفوح له رائحة إذا رش فيه الماء؛ فلا بأس باستعماله لزوال الطيب منه.(143)
(124) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من قلم أظفاره إلا من عذر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية تلزمه.(146)
(125) لا ينظر المحرم للمرآة لإزالة شعث أو شيء من زينة، ولا فدية عليه بالنظر في المرآة على كل حال، وإنما ذلك أدب لا شيء على تاركه، لا نعلم أحدًا أوجب في ذلك شيئًا. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله أنهما كانا ينظران في المرآة وهما محرمان.(147)
(126) الزعفران وغيره من الأطياب إذا جعل في مأكول أو مشروب فلم تذهب رائحته لم يبح للمحرم تناوله، نيئًا كان أو قد مسته النار([12]).(147) (127) أما المطيب من الأدهان، كدهن الورد، والبنفسج، والزنبق، والخيري، واللَّيْنُوفَر([13])، فليس في تحريم الادهان به خلاف في المذهب؛ لأنه يتخذ للطيب، وتقصد رائحته، فكان طيبـًا، كماء الورد. فأما ما لا طيب فيه، كالزيت، والشيرج([14])، والسمن، والشحم، ودهن ألبان الساذج، فلا يحرم.(149) (128) لا يقصد المحرم شم الطيب من غيره بفعل منه، نحو أن يجلس عند العطارين لذلك، أو يدخل الكعبة حال تجميرها ليشم طيبها، فأما شمه من غير قصد، كالجالس عند العطار لحاجته، وداخل السوق، أو داخل الكعبة للتبرك بها([15])، ومن يشتري طيبًا لنفسه وللتجارة ولا يمسه، فغير ممنوع منه؛ لأنه لا يمكن التحرز من هذا فعفي عنه.(150) (129) إن حمل على رأسه مكتلاً أو طبقًا أو نحوه فلا فدية عليه.(152)
(130) يباح للمحرم تغطية وجهه، روي ذلك عن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم، فيكون إجماعًا.(153)
(131) المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه. لا نعلم في هذا خلافًا، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة([16]). ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافـًا. وذكر أنه لابد أن يكون متجافيـًا، والظاهر خلافه؛ فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطًا لبُيّن.(154) (132) لا بأس أن تطوف المرأة منتقبة إذا كانت غير محرمة، وطافت عائشة رضي الله عنها وهي منتقبة.(155)
(133) الكحل بالإثمد في الإحرام مكروه للمرأة والرجل، ولا فدية فيه. ولا أعلم فيه خلافًا.(156)
(134) يحرم على المرأة لبس القفازين، وفيه الفدية؛ لأنها لبست ما نهيت عن لبسه في الإحرام، فلزمتها الفدية.(158)
(135) ظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز لبس الخلخال وما أشبهه من الحلي، مثل السوار والدملوج([17]). وظاهر مذهب أحمد الرخصة فيه. وهو قول ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وأصحاب الرأي. قال أحمد في رواية حنبل: تلبس المحرمة الحلي والمعصفر.(159) (136) يستحب للمرأة أن تختضب بالحناء عند الإحرام؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء)، وما روي عن عكرمة أنه قال: (كانت عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحناء وهن حرم)([18])، ولأن الأصل الإباحة، وليس ههنا دليل يمنع من نص ولا إجماع، ولا هي في معنى المنصوص.(160) (137) إذا أحرم الخنثى المشكل لم يلزمه اجتناب المخيط؛ لأننا لا نتيقن الذكورية الموجبة لذلك، وإن غطى وجهه وحده لم يلزمه فدية لذلك، وإن جمع بين تغطية وجهه بنقاب أو برقع، وبين تغطية رأسه، أو لبس المخيط على بدنه لزمته الفدية؛ لأنه لا يخلو أن يكون رجلاً أو امرأة.(161)
(138) يستحب للمرأة الطواف ليلاً؛ لأنه أستر لها، وأقل للزحام، فيمكنها أن تدنو من البيت وتستلم الحجر.(161)
(139) متى تزوج المحرم أو زوج، أو زُوِّجَتْ محرمة، فالنكاح باطل؛ سواء كان الكل محرمين أو بعضهم؛ لأنه منهي عنه فلم يصح، كنكاح المرأة على عمتها أو خالتها.(164)
(140) تكره الخطبة للمحرم، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين؛ لأنه قد جاء في بعض ألفاظ حديث عثمان: (لا يَنكِح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)([19])، ولأنه تسبب إلى الحرام، فأشبه الإشارة إلى الصيد.(165) (141) الإحرام الفاسد كالصحيح في منع النكاح وسائر المحظورات؛ لأن حكمه باقٍ في وجوب ما يجب في الإحرام، فكذلك ما يحرم به.(165)
(142) يكره أن يشهد في النكاح؛ لأنه معاونة على النكاح فأشبه الخطبة، وإن شهد أو خطب لم يفسد النكاح.(165)
(143) الصحيح -إن شاء الله- أن من وطىء دون الفرج أنزل أو لم ينزل فعليه دم ولا يفسد حجه؛ لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد، فلم يفسد الحج، كما لو لم ينزل، ولأنه لا نص فيه ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه.(169)
(144) أما مجرد النظر من غير مني ولا مذي فلا شيء فيه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى نسائه وهو محرم، وكذلك أصحابه.(172)
(145) إن فكر فأنزل فلا شيء عليه؛ فإن الفكر يعرض للإنسان من غير إرادة ولا اختيار، فلم يتعلق به حكم.(173)
(146) العمد والنسيان في الوطء سواء.(173)
(147) للمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع، ولا نعلم في إباحتهما اختلافـًا، ويرتجع زوجته المطلقة.(174)
(148) شراء الإماء مباح، سواء قصد به التسري أو لم يقصد. لا نعلم فيه خلافًا.(175)
(149) للمحرم أن يقتل الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، وكل ما عدا عليه، أو آذاه، ولا فداء عليه، والغراب يجوز قتله سواء كان أبقع أم لا؛ لأن الحديث الذي لم يذكر الأبقع أصح من الحديث الذي ذكر الأبقع([20])، والسبع ما كان طبعه الأذى والعدوان وإن لم يوجد منه أذى في الحال، سواء كان من سبع البهائم أو الجوارح.(175) (150) ما لا يؤذي بطبعه ولا يؤكل، كالرخم والديدان؛ فلا أثر للحرم ولا للإحرام فيه، ولا جزاء فيه إن قتله.(177)
(151) لا تأثير للإحرام ولا للحرم في تحريم شيء من الحيوان الأهلي، كبهيمة الأنعام ونحوها؛ لأنه ليس بصيد، وليس في هذا خلاف.(178)
(152) يحل للمحرم صيد البحر؛ وصيد البحر: الحيوان الذي يعيش في الماء ويبيض فيه ويفرخ فيه، كالسمك، والسلحفاة ([21])، والسرطان، ونحو ذلك، أما طير الماء كالبط ونحوه فهو من صيد البر في قول عامة أهل العلم، وفيه الجزاء.(178) (153) في صيد الحرم الجزاء على من يقتله، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد في الإحرام.(179)
(154) ما يحرم ويضمن في الإحرام يحرم ويضمن في الحرم، وما لا فلا، إلا شيئين: أحدهما: القمل. مختلف في قتله في الإحرام، وهو مباح في الحرم بلا اختلاف. الثاني: صيد البحر. مباح في الإحرام بغير خلاف، ولا يحل صيده من آبار الحرم وعيونه.(180)
(155) يضمن صيد الحرم في حق المسلم والكافر، والكبير والصغير، والحر والعبد؛ لأن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع، فوجب ضمانه كالآدمي.(180)
(156) من ملك صيدًا في الحل فأدخله الحرم، لزمه رفع يده عنه وإرساله، فإن تلف في يده أو أتلفه فعليه ضمانه، كصيد الحل في حق المحرم.(180)
(157) يضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة، كصيد الإحرام، والواجب عليهما جزاء واحد. نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال في الحل أو الحرم.(181)
(158) إذا رمى الحلال من الحل صيدًا في الحرم فقتله، أو أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيدًا على فرع في الحرم أصله في الحل، ضمنه.(181)
(159) إن أمسك طائرًا في الحل، فهلك فراخه في الحرم، ضمن الفراخ، ولا يضمن الأم؛ لأنها من صيد الحل، وهو حلال.(182)
(160) إن رمى من الحرم صيدًا في الحل، أو أرسل كلبه عليه، أو قتل صيدًا على غصن في الحل أصله في الحرم، أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل، فلا ضمان عليه.(182)
(161) لا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش؛ لأنه بمنزلة الميت، ولا بأس بقطع ما انكسر ولم يَبِنْ؛ لأنه قد تلف، وهو بمنزلة الظفر المنكسر.(186)
(162) لا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي، ولا ما سقط من الورق. نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافـًا؛ لأن الخبر إنما ورد في القطع وهذا لم يقطع.(187)
(163) يباح أخذ الكمأة([22]) من الحرم، وكذلك الفقع؛ لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة.(188) (164) يجب في إتلاف الشجر والحشيش الضمان.(188)
(165) من قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر فيبست ضمنها؛ لأنه أتلفها، وإن غرسها في مكان من الحرم فنبتت لم يضمنها؛ لأنه لم يتلفها، ولم يزل حرمتها، وإن غرسها في الحل فنبتت فعليه ردها إليه؛ لأنه أزال حرمتها، فإن تعذر ردها أو ردها فيبست ضمنها.(189)
(166) يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله في حرم المدينة، أو قاطع الشجر سلبه، وهو: أخذ ثيابه حتى سراويله، فإن كان على دابة لم يملك أخذها؛ لأن الدابة ليست من السلب، وإنما أخذها قاتل الكافر في الجهاد لأنه يستعان بها على الحرب بخلاف مسألتنا، وإن لم يسلبه أحد فلا شيء عليه سوى الاستغفار والتوبة.(192)
(167) يفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين: أحدهما: أنه يجوز أن يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه، للمساند والوسائد والرحل، ومن حشيشها ما تدعو الحاجة إليه للعلف. الثاني: أن من صاد صيدًا خارج المدينة ثم أدخله إليها لم يلزمه إرساله.(193)
(168) صيد وج وشجره مباح -وهو واد بالطائف- لأن الأصل الإباحة، والحديث الوارد فيه ضعيف([23])، ضعفه أحمد رحمه الله.(194) (169) لا فرق بين الحصر العامِّ في حق الحاجِّ كله، وبين الخاص في حق شخص واحد، مثل أن يحبس بغير حق، أو أخذته اللصوص وحده؛ لعموم النص، ووجود المعنى في الكل.(195)
(170) إذا كان على المحصر دين مؤجل يحل قبل قدوم الحاج، فمنعه صاحبه من الحج، فله التحلل من الحج؛ لأنه معذور.(195)
(171) لو أحرم العبد بغير إذن سيده، أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها، فلهما منعهما، وحكمهما حكم المحصر.(195)
(172) إذا قدر المحصر على الهدي فليس له الحل قبل ذبحه، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه، وقيل: لا يحل إلا في الحرم، وهذا -والله أعلم- فيمن كان حصره خاصًا، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد؛ لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدي إلى محله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية، وهي من الحل.(196)
(173) من يتمكن من البيت ويُصَدُّ عن عرفة فله أن يفسخ نية الحج ويجعله عمرة، ولا هدي عليه؛ لأننا أبحنا له ذلك من غير حصر، فمع الحصر أولى، فإن كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر أو مرض حتى فاته الحج، تحلل بطواف وسعي آخر؛ لأن الأول لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها، وليس عليه أن يجدد إحرامًا.(199)
(174) إذا تحلل المحصر من الحج، فزال الحصر وأمكنه الحج؛ لزمه ذلك إن كانت حجة الإسلام، أو كانت الحجة واجبة في الجملة؛ لأن الحج يجب على الفور.(200)
(175) إن أحصر في حج فاسد فله التحلل؛ لأنه إذا أبيح له التحلل في الحج الصحيح فالفاسد أولى. فإن حل ثم زال الحصر وفي الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد الحج فيه في غير هذه المسألة.(200)
(176) المحصر إذا عجز عن الهدي انتقل إلى صوم عشرة أيام ثم حل.(200)
(177) إن نوى المحصر التحلل قبل الهدي أو الصيام، لم يتحلل، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي أو يصوم؛ لأنهما أقيما مقام أفعال الحج، فلم يحل قبلهما، وليس عليه في نية الحل فدية؛ لأنها لم تؤثر في العبادة، فإن فعل شيئًا من محظورات الإحرام قبل ذلك فعليه فديته، كما لو فعل القادر ذلك قبل أفعال الحج.(201)
(178) إن أحصر الحجاج بعدو وأذن لهم في العبور، فلم يثقوا بهم، فلهم الانصراف؛ لأنهم خائفون على أنفسهم، فكأنهم لم يأمنوهم، وإن وثقوا بأمانهم وكانوا معروفين بالوفاء لزمهم المضي على إحرامهم؛ لأنه قد زال حصرهم.(202)
(179) وإن طلب العدو خفارة على تخلية الطريق، وكان ممن لا يوثق بأمانه، لم يلزمهم بذله؛ لأن الخوف باقٍ مع البذل، وإن كان موثوقـًا بأمانه والخفارة كثيرة لم يجب بذله، بل يكره إن كان العدو كافرًا؛ لأن فيه صغارًا وتقويةً للكفار، وإن كانت يسيرة فقياس المذهب وجوب بذله.(202)
(180) المشهور في المذهب أن من يتعذَّر عليه الوصول إلى البيت لغير حصر العدو، من مرض، أو عرج، أو ذهاب نفقة، ونحوه؛ أنه لا يجوز له التحلل بذلك.(203)
(181) إن شرط في ابتداء إحرامه أن يحل متى مرض، أو ضاعت نفقته، أو نفدت، أو نحوه، أو قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فله الحل متى وجد ذلك، ولا شيء عليه، لا هدي ولا قضاء ولا غيره.(204)
(182) الحج لا يفسد إلا بالجماع، فإذا فسد فعليه إتمامه، وليس له الخروج منه؛ لقوله تعالى: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) [البقرة:196]، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم، ولم نعرف لهم مخالفًا.(205)
(183) يحرم من جامع بالقضاء من أبعد الموضعين: الميقات، أو موضع إحرامه الأول؛ لأنه إن كان الميقات أبعد فلا يجوز له تجاوز الميقات بغير إحرام، وإن كان موضع إحرامه أبعد فعليه الإحرام بالقضاء منه. نص عليه أحمد رحمه الله.(207)
(184) إذا قضيا -أي من جامع وزوجته- تفرقا من موضع الجماع حتى يقضيا حجهما. روي هذا عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن التفريق بينهما خوفـًا من معاودة المحظور، وإنما اختص التفريق بموضع الجماع؛ لأنه ربما يذكره برؤية مكانه، فيدعوه ذلك إلى فعله، ومعنى التفرق أن لا يركب معها في محمل، ولا ينزل معها في فسطاط ونحوه.(207)
(185) التفريق مستحب ولا يجب، وهذا هو الأولى.(208)
(186) العمرة فيما ذكرناه كالحج -أي: في قضاء فاسدها- فإن كان المعتمر مكيًا، وكان قد أحرم بها من الحل، أحرم للقضاء من الحل، وإن كان أحرم بها من الحرم أحرم للقضاء من الحل، ولا فرق بين المكي ومن حصل بها من المجاورين.(208)
(187) إن أفسد المتمتع عمرته ومضى في فاسدها فأتمها، فقال أحمد: يخرج إلى الميقات فيحرم منه للحج، فإن خشي الفوات أحرم من مكة وعليه دم، فإذا فرغ من حجه خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التي أفسدها، وعليه هدي يذبحه إذا قدم مكة؛ لما أفسد من عمرته.(208)
(188) لو أفسد الحاج حجته وأتمها، فله الإحرام بالعمرة من أدنى الحل، كالمكيين.(208)
(189) إذا أفسد القضاء لم يجب عليه قضاؤه، وإنما يقضي عن الحج الأول، كما لو أفسد قضاء الصلاة والصيام، وجب القضاء للأصل دون القضاء، كذا ههنا؛ وذلك لأن الواجب لا يزداد بفواته، وإنما يبقى ما كان واجبًا في الذمة على ما كان عليه، فيؤديه القضاء.(208)
(190) إذا دخل المحرم المسجد الحرام فذكر فريضة أو فائته، أو أقيمت الصلاة المكتوبة، قدمهما على الطواف؛ لأن ذلك فرض والطواف تحية.(212)
(191) إن خاف فوت ركعتي الفجر أو الوتر، أو أحضرت جنازة، قدمها على الطواف؛ لأنها سنة يخاف فوتها، والطواف لا يفوت.(212)
(192) يستحب للمحرم استلام الحجر، ويحاذيه بجميع بدنه، والمرأة كالرجل، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال.(215)
(193) الرمل لا يسن في غير الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، أو طواف العمرة، فإن ترك الرمل فيها لم يقضه في الأربعة الباقية؛ لأنها هيئة فات موضعها فسقطت.(220)
(194) الطهارة من الحدث والنجاسة، والستارة -يريد ستر العورة- شرائط لصحة الطواف.(222)
(195) إذا شك في الطهارة وهو في الطواف، لم يصح طوافه ذلك؛ لأنه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها.(224)
(196) إن شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يلزمه شيء؛ لأن الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها.(224)
(197) إن شك في عدد الطواف بنى على اليقين، وإن أخبره ثقة عن عدد طوافه رجع إليه إذا كان عدلاً.(224)
(198) إن شك في ذلك بعد فراغه من الطواف لم يلتفت إليه، كما لو شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة.(224)
(199) إذا فرغ المتمتع ثم علم([24]) أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين لا بعينه، بنى الأمر على الأشد: وهو أنه كان محدثًا في طواف العمرة، فلم يصح ولم يحل منها، فيلزمه دم للحلق، ويكون قد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنـًا، ويجزئه الطواف للحج عن النسكين، ولو قدرناه من الحج لزمه إعادة الطواف، ويلزمه إعادة السعي على التقديرين؛ لأنه وجد بعد طواف غير معتد به. وإن كان وطئ بعد حله من العمرة حكمنا بأنه أدخل حجـًا على عمرة فأفسده ([25]) فلا تصح، ويلغو ما فعله من أفعال الحج، ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة، وعليه دم للحلق ودم للوطء في عمرته، ولا يحصل له حج ولا عمرة. ولو قدرناه من الحج لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي، ويحصل له الحج والعمرة.(225) (200) الصحيح أن المحرم لا يقبل الركن اليماني، بل يستلمه فقط، ويستلم الحجر ويقبله. وهو قول أكثر أهل العلم.(225)
(201) يستلم الركنين الأسود واليماني في كل طوافه، وإن لم يتمكن من تقبيل الحجر استلمه وقبل يده، وإن كان في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر به استلمه وقبله؛ فإن لم يمكنه استلامه أشار إليه وكبر.(227)
(202) يكبر كلما أتى الحجر أو حاذاه، ويقول بين الركنين: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) [البقرة]([26]).(228) (203) لو طاف على جدار الحجر وشاذروان الكعبة، وهو ما فَـضُلَ من حائطها، لم يجز؛ لأن ذلك من البيت، فإذا لم يطف به، فلم يطف بكل البيت؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء ذلك.(231)
(204) لو نكس الطواف فجعل البيت على يمينه لم يجزئه.(231)
(205) يسن للطائف أن يصلي بعد فراغه من الطواف ركعتين، ويستحب أن يركعهما خلف المقام؛ وهي سنة مؤكدة غير واجبة، ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة، ويمر بين يديه الطائفون من الرجال والنساء، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلاهما والطوَّاف بين يديه ليس بينهما شيء. وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يصلي والطواف بين يديه، فتمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى ترفع رجلها ثم يسجد. وكذلك سائر الصلوات في مكة لا يعتبر لها سترة.(231)
(206) إذا صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطواف.(233)
(207) لا بأس أن يجمع بين الأسابيع([27])، فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين، فعل ذلك عائشة رضي الله عنها، والمسور بن مخرمة رضي الله عنه، وإن ركع لكل أسبوع عقيبه كان أولى.(233) (208) الموالاة غير معتبرة بين الطواف والركعتين، بدليل أن عمر رضي الله عنه صلاهما بذي طوى، وأخرت أم سلمة رضي الله عنها ركعتي طوافها حين طافت راكبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخر عمر بن عبد العزيز رحمه الله ركوع الطواف حتى طلعت الشمس، وإن ركع لكل أسبوع عقبه كان أولى، وفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخروج من الخلاف.(233)
(209) إذا فرغ من الركوع وأراد الخروج إلى الصفا استحب أن يعود فيستلم الحجر؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله.(234)
(210) إن لم يرق المحرم على الصفا فلا شيء عليه، لكن يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة.(235)
(211) إن ترك المحرم مما بين الصفا والمروة شيئًا، ولو ذراعـًا، لم يجزئه حتى يأتي به.(236)
(212) المرأة لا يسن لها أن ترقى الصفا؛ لئلا تزاحم الرجال، وترك ذلك أستر لها، ولا ترمل في طواف ولا سعي، والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم الرجل.(236)
(213) الأولى أن السعي واجب وليس بركن، وعلى من تركه دم.(238)
(214) السعي تبع للطواف، لا يصح إلا أن يتقدمه طواف، فإن سعى قبله لم يصح، فعلى هذا إن سعى بعد طوافه، ثم علم أنه طاف بغير طهارة، لم يعتد بسعيه ذلك.(240)
(215) لا تجب الموالاة بين الطواف والسعي.(240)
(216) من كان معه هدي فليس له أن يتحلل -أي: بعد السعي- لكن يقيم على إحرامه، ويدخل الحج على العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا.(241)
(217) المستحب في حق المتمتع عند حله من عمرته التقصير؛ ليكون الحلق للحج، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلا بالتقصير؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا)([28]).(243) (218) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة؛ وذلك لأن الأصل فيها إظهار الجَلَـد، ولا يقصد ذلك في حق النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل تعرض للتكشف.(246)
(219) إذا تلبس بالطواف أو بالسعي، ثم أقيمت المكتوبة، فإنه يصلي مع الجماعة، وإذا صلى بنى على طوافه وسعيه. قال أحمد: ويكون ابتداؤه من الحجر. يعني أنه يبتدئ الشوط الذي قطعه من الحجر حين يشرع في البناء.(247)
(220) فإن ترك الموالاة في الطواف لغير الصلاة وطال الفصل ابتدأ الطواف، ولا فرق بين ترك الموالاة عمدًا أو سهوًا، وإن لم يطل الفصل بنى.(248)
(221) من حيث أحرم الحاج من مكة جاز.(261)
(222) يجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره، أما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة.(264)
(223) يجب على المحرم الوقوف إلى غروب الشمس؛ ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح، وعلى من دفع قبل الغروب دم.(272)
(224) فإن دفع قبل الغروب، ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس، فلا دم عليه.(273)
(225) وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد تم حجه، وإن وقف وهو مغمى عليه أو مجنون، ولم يفق حتى خرج منها لم يجزئه.(274)
(226) كيفما حصل بعرفة وهو عاقل أجزأه، قائمًا أو جالسًا أو راكبًا أو نائمًا، وإن مر بها مجتازًا فلم يعلم أنها عرفة، أجزأه أيضًا؛ لأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل، فأجزأه كما لو علم.(275)
(227) لا يشترط للوقوف طهارة، ولا ستارة، ولا استقبال، ولا نية. ولا نعلم في ذلك خلافـًا، ويستحب أن يكون طاهرًا. قال أحمد: يستحب له أن يشهد المناسك كلها على وضوء.(275)
(228) لمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمع، والمشعر الحرام. وحدها من مأزمي عرفة إلى قرن محسِّر، ففي أي موضع وقف منها أجزأه، وليس وادي محسِّر من مزدلفة.(283)
(229) المبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم.(284)
(230) من بات بمزدلفة لم يجز له الدفع قبل نصف الليل، فإن دفع بعده فلا شيء عليه، فمن دفع من جمع قبل نصف الليل ولم يعد في الليل فعليه دم، وإن عاد في الليل فلا دم عليه.(284)
(231) من لم يوافق مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل فلا شيء عليه؛ لأنه لم يدرك جزءًا من النصف الأول، فلم يتعلق به حكمه، كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار.(286)
(232) يجزئ الرمي بكل ما يسمى حصى، وهي الحجارة الصغار، سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، من المرمر، أو البرام، أو المرو -وهو الصوان- أو الرخام، أو الكذان -وهو الحجارة التي ليست بصلبة- أو حجر المسن، والنبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى، وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف، فلا يتناول غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه، فلا يجوز تخصيصه بغير دليل ولا إلحاق غيره به؛ لأنه موضع لا يدخل القياس فيه.(289)
(233) إن رمى بحجر أخذ من المرمى لم يجزئه.(290)
(234) إن رمى بخاتم فضة حجرًا لم يجزئه في أحد الوجهين؛ لأنه تبع، والرمي بالمتبوع لا بالتابع.(290)
(235) الصحيح أنه لا يستحب غسل الحصى، فإن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لما لقطت له الحصيات وهو راكب على بعيره يقبضهن في يده لم يغسلهن، ولا أمر بغسلهن، فإن رمى بحجر نجس أجزأه.(291)
(236) حد منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسِّر، وليس محسِّر والعقبة من منى.(291)
(237) يرمي المحرم جمرة العقبة راكبًا أو راجلاً، كيفما شاء.(293)
(238) لرمي جمرة العقبة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء: فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر، وإن أخر الرمي إلى آخر النهار جاز، فإن أخرها إلى الليل لم يرمها حتى تزول الشمس من الغد.(294)
(239) لا يجزئه الرمي إلا أن يقع الحصى في المرمى، فإن وقع دونه لم يجزئه، ولا نعلم فيه خلافًا. وكذلك إن وضعها بيده في المرمى لم يجزئه في قولهم جميعـًا؛ لأنه مأمور بالرمي ولم يرم، وإن طرحها طرحًا أجزأه؛ لأنه يسمى رميًا.(296)
(240) إن رمى حصاة فوقعت في غير المرمى، فأطارت حصاة أخرى فوقعت في المرمى، لم يجزئه؛ لأن التي رماها لم تقع في المرمى.(296)
(241) إن رمى حصاة فالتقمها طائر قبل وصولها لم يجزئه؛ لأنها لم تقع في المرمى.(296)
(242) إن وقعت الحصاة على موضع صلب في غير المرمى، ثم تدحرجت على المرمى، أو على ثوب إنسان ثم طارت فوقعت في المرمى أجزأته؛ لأن حصوله بفعله.(296)
(243) إن رمى حصاة فشك: هل وقعت في المرمى أم لا؟ لم يجزئه؛ لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته، فلا يزول بالشك، وإن كان الظاهر أن الحصاة وقعت فيه أجزأته؛ لأن الظاهر دليل.(296)
(244) إن رمى الحصيات دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة.(296)
(245) يستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة، ويقول: بسم الله والله أكبر. وإن اقتصر على التسمية ووجه الذبيحة إلى غير القبلة ترك الأفضل وأجزأه. والصحيح أن ذلك -أي: توجيه الذبيحة إلى القبلة- غير واجب، ولم يقم على وجوبه دليل.(299)
(246) وقت نحر الأضحية والهدي ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده.(300)
(247) إذا نحر الهدي فرقه على المساكين من أهل الحرم، وهم من كان في الحرم، فإن أطلقها لهم جاز، وإن قسمها فهو أحسن وأفضل؛ لأنه بقسمها يكون على يقين من إيصالها إلى مستحقها، ويكفي المساكين مؤنة النهب والزحام عليها.(301)
(248) لا يجوز بيع شيء من الهدي، ولا يعطي الجازر بأجرته شيئًا منها، وإن كان الجازر فقيرًا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجره جاز.(302)
(249) السنة النحر بمنى؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نحر بها، وحيث نحر من الحرم أجزأه.(302)
(250) ليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل والحرم، ولا أن يقفه بعرفة، لكن يستحب ذلك.(302)
(251) الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة.(304)
(252) يجوز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر أيام النحر؛ لأنه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى.(306)
(253) الأصلع الذي لا شعر على رأسه يستحب أن يمر الموسى على رأسه.(306)
(254) يستحب لمن حلق أو قصر تقليم أظافره والأخذ من شاربه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.(307)
(255) يستحب إذا حلق أن يبلغ العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه.(307)
(256) الصحيح ـ إن شاء الله ـ أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة فقد حل، وعن أحمد أنه إذا وطئ بعد جمرة العقبة فعليه دم. ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحلَّ بدون الحلق. وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)([29]).(310) (257) المشروع للمرأة التقصير دون الحلق، لا خلاف في ذلك، وتقصر قدر الأنملة، والأنملة هي رأس الأصبع من المفصل الأعلى.(310)
(258) إذا رمى ونحر وحلق أفاض إلى مكة فطاف طواف الزيارة -ويسمى طواف الإفاضة- وهو ركن للحج، لا يتم إلا به. لا نعلم فيه خلافًا.(311)
(259) لطواف الإفاضة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء.. فأما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق، وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر، والصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صح بغير خلاف.(312)
(260) صفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم، سوى أنه ينوي به طواف الزيارة، ويعينه بالنية. ولا رمل فيه ولا اضطباع.(313)
(261) يوم الحج الأكبر يوم النحر.(320)
(262) في يوم النحر أربعة أشياء: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف. والسنة ترتيبها هكذا.(320)
(263) سائر رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة بعد زوال الشمس، فإن رمى قبل الزوال أعاد، ويبتدئ بالجمرة الأولى، وهي أبعد الجمرات من مكة، ثم يتقدم عنها إلى موضع لا يصيبه الحصى، فيقف طويلاً يدعو الله تعالى رافعًا يديه، ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة، ويرميها بسبع حصيات، ويفعل من الوقوف والدعاء كما فعل في الأولى، ثم يرمي جمرة العقبة، ويستقبل القبلة ولا يقف عندها.(326)
(264) الترتيب في هذه الجمرات واجب على ما ذكرنا، فإن نكس فبدأ بجمرة العقبة، ثم الثانية، ثم الأولى، أو بدأ بالوسطى، ورمى الثلاث، لم يجزئه إلا الأولى، وأعاد الوسطى والقصوى.(329)
(265) إن ترك الوقوف عندها والدعاء، ترك السنة ولا شيء عليه.(330)
(266) الأولى أن لا ينقص في الرمي عن سبع حصيات؛ فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك، ولا ينبغي أن يتعمده؛ فإن تعمد ذلك تصدق بشيء.(330)
(267) متى أخل بحصاة واجبة([30]) من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى، فإن لم يدر من أي الجمار تركها بنى على اليقين، وإن أخل بحصاة غير واجبة لم يؤثر تركها.(331) (268) إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شيء عليه، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث.(333)
(269) الحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخرها كالحكم في رمي أيام التشريق.(333)
(270) يستحب أن لا يدع الصلاة في مسجد منى -الخيف- مع الإمام، وهذا إذا كان الإمام مرضيًا، فإن لم يكن مرضيًا صلى المرء برفقته في رحله.(334)
(271) يستحب أن يخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة يعلم الناس فيها حكم التعجيل والتأخير، وتوديعهم.(334)
(272) من كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه، ومن كان منزله خارج الحرم قريبًا منه فلا يخرج حتى يودع.(337)
(273) طواف الوداع إنما يكون عند خروجه؛ ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته.(338)
(274) فإن خرج المحرم قبل الوداع، رجع إن كان بالقرب، والقريب هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، وإن بعد بعث بدم، وإذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات إن كان جاوزه إلا محرمـًا؛ لأنه ليس من أهل الأعذار، فيلزمه طواف لإحرامه بالعمرة والسعي، وطواف لوداعه، وفي سقوط الدم عنه خلاف.(339)
(275) إذا نفرت الحائض بغير وداع فطهرت قبل مفارقة البنيان، رجعت فاغتسلت وودعت؛ لأنها في حكم الإقامة، بدليل أنها لا تستبيح الرخص.(341)
(276) يستحب أن يقف المودع في الملتزم، وهو ما بين الركن والباب، فيلتزمه ويلصق به صدره ووجهه، ويدعو الله.(342)
(277) طواف الزيارة ركن الحج لا يتم إلا به، ولا يحل من إحرامه حتى يفعله، فإن رجع إلى بلده قبله لم ينفك إحرامه، ورجع متى أمكنه محرمـًا، لا يجزئه غير ذلك.(345)
(278) فإن ترك بعض الطواف فهو كما لو ترك جميعه فيما ذكرنا، وسواء ترك شوطًا أو أقل أو أكثر.(346)
(279) إذا ترك طواف الزيارة بعد رمي جمرة العقبة، فلم يبق محرمـًا إلا عن النساء خاصة، فإن وطئ لم يفسد حجه ولم تجب عليه بدنة، لكن عليه دم، ويجدد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح.(346)
(280) إن طاف بنية الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة؛ لأن تعيين النية شرط فيه.(346)
(281) إن قتل القارن صيدًا فعليه جزاء واحد، وكذا لو أفسد نسكه بالوطء فعليه فداء واحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين سئلوا عمن أفسد نسكه لم يأمروه إلا بفداء واحد، ولم يفرقوا بين الأنساك.(349)
(282) يجب دم التمتع على من اجتمعت فيه خمسة شروط وهي:
الأول: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فإن أحرم بها في غير أشهره لم يكن متمتعًا، سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في غير أشهره.
الثاني: أن يحج من عامه، فإن اعتمر في أشهر الحج ولم يحج ذلك العام، بل حج من العام القابل، فليس بمتمتع.
الثالث: أن لا يسافر بين العمرة والحج سفرًا بعيدًا تقصر في مثله الصلاة.
الرابع: أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج.
الخامس: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام.(351)
(283) حاضرو المسجد الحرام هم أهل الحرم، ومن بينه وبين مكة دون مسافة القصر.(356)
(284) إذا كان للمتمتع قريتان: قريبة وبعيدة، فهو من حاضري المسجد الحرام؛ لأنه إذا كان بعض أهله قريبـًا فلم يوجد فيه الشرط، وهو أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، ولأن له أن يحرم من القريبة، فلم يكن بالتمتع مترفهًا بترك أحد السفرين.(356)
(285) إذا دخل الآفاقي مكة متمتعًا ناويًا للإقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة، ولو كان الرجل منشؤه ومولده بمكة فخرج عنها متنقلاً مقيمًا بغيرها، ثم عاد إليها متمتعًا ناويًا للإقامة بها أو غير ناوٍ لذلك؛ فعليه دم المتعة، أما إن خرج المكي مسافرًا غير متنقل، ثم عاد فاعتمر من الميقات، أو قصر وحج من عامه فلا دم عليه؛ لأنه لم يخرج بهذا السفر عن كون أهله من حاضري المسجد الحرام.(357)
(286) متعة المكي صحيحة؛ لأن التمتع أحد الأنساك الثلاثة، فصح من المكي كالنسكين الآخرين.(357)
(287) نقل عن أحمد رحمه الله: «ليس على أهل مكة متعة». ومعناه: ليس عليهم دم متعة؛ لأن المتعة له لا عليه، فيتعين حمله على ما ذكرناه([31]).(357) (288) لكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان: وقت جواز، ووقت استحباب.. فأما وقت الثلاثة، فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة، وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة ههنا لموضع الحاجة. وعلى هذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية؛ ليصومها في الحج، وإن صام منها شيئًا قبل إحرامه بالحج جاز. وأما وقت جواز صومها فإذا أحرم بالعمرة. أما السبعة فلها أيضًا وقتان: وقت اختيار، ووقت جواز.. أما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)([32])، أما وقت الجواز فمنذ تمضي أيام التشريق.(360) (289) أما تقديم صوم الثلاثة أيام على إحرام العمرة فغير جائز، ولا نعلم قائلاً بجوازه، إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد، وليس بشيء؛ لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه، ويخالف قول أهل العلم، وأحمد ينزه عن هذا.(362)
(290) لا يجب التتابع في الصيام للمتعة، لا في الثلاثة ولا في السبعة، ولا التفريق. نص عليه أحمد؛ لأن الأمر ورد بها مطلقـًا، وذلك لا يقتضي جمعـًا ولا تفريقًا.(363)
(291) المتمتع إذا لم يصم الثلاثة في أيام الحج، فإنه يصومها بعد ذلك.(363)
(292) وقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي؛ لأنه بدل، فكان وقت وجوبه وقت وجوب المبدل، كسائر الأبدال.(365)
(293) من لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه عن الصوم، فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر أطعم عنه، كما يطعم عن صوم أيام رمضان، ولأنه صوم وجب بأصل الشرع فأشبه صوم رمضان.(367)
(294) المتمتعة إذا حاضت قبل الطواف للعمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، ولأنها ممنوعة من دخول المسجد، ولا يمكنها أن تحل من عمرتها ما لم تطف بالبيت، فإن خشيت فوات الحج أحرمت بالحج مع عمرتها، وتصير قارنة.(367)
(295) كل متمتع خشي فوات الحج فإنه يحرم بالحج ويصير قارنـًا، وكذلك المتمتع الذي معه هدي، فإنه لا يحل من عمرته؛ بل يهل بالحج معها فيصير قارنـًا، ولو أدخل الحج على العمرة قبل الطواف من غير خوف الفوات جاز وكان قارنًا بغير خلاف، فأما بعد الطواف فليس له ذلك، ولا يصير قارنًا.(371)
(296) أما إدخال العمرة على الحج فغير جائز، فإن فعل لم يصح، ولم يصر قارنـًا([33]).(371) (297) الوطء قبل جمرة العقبة يفسد الحج، ولا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده، و يلزم من وطئ بدنة، ولا دم على الزوجة في حال الإكراه ([34]).(372) (298) من وطئ قبل التحلل من العمرة فسدت عمرته، وعليه شاة مع القضاء.(373)
(299) إذا أفسد القارن والمتمتع نسكهما لم يسقط الدم عنهما.(374)
(300) إذا أفسد القارن نسكه ثم قضى مفردًا لم يلزمه في القضاء دم.(374)
(301) الوطء بعد رمي جمرة العقبة لا يفسد الحج، ولكنه يفسد الإحرام، والواجب عليه بالوطء شاة، ويلزمه أن يحرم من الحل ليأتي بالطواف في إحرام صحيح.(374)
(302) إن طاف للزيارة ولم يرم ثم وطئ لم يفسد حجه بحال؛ لأن الحج قد تم أركانه كلها، ولا يلزمه إحرام من الحل، فإن الرمي ليس بركن.(376)
(303) القارن كالمفرد؛ في أنه إذا وطئ بعد الرمي لم يفسد حجه ولا عمرته؛ لأن الحكم للحج.(377)
(304) يباح لأهل السقاية أن يرموا بالليل، وأهل السقاية هم الذين يسقون من بئر زمزم للحاج، فيشتغلون بسقايتهم نهارًا، فأبيح لهم الرمي في وقت فراغهم تخفيفًا عليهم، فيجوز لهم رمي كل يوم في الليلة المستقبلة، فيرمون جمرة العقبة في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق، ورمي اليوم الأول في ليلة الثاني، ورمي الثاني في ليلة الثالث، والثالث إذا أخروه إلى الغروب سقط عنهم كسقوطه عن غيرهم.(377)
(305) يجوز للرعاة ترك المبيت بمنى ليالي منى، ويؤخرون رمي اليوم الأول، ويرمون يوم النفر الأول عن الرميين جميعـًا؛ لما عليهم من المشقة في المبيت والإقامة للرمي.(378)
(306) الفرق بين الرعاء وأهل السقاية: أن الرعاء إذا قاموا حتى غربت الشمس لزمهم البيتوتة، وأهل السقاية بخلاف ذلك؛ لأن الرعاة إنما رعيهم بالنهار، فإذا غربت الشمس فقد انقضى وقت الرعي، وأهل السقاية يشتغلون ليلاً ونهارًا، فافترقا، وصار الرعاء كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة لمرضه، فإذا حضرها تعينت عليه، والرعاء أبيح لهم ترك المبيت لأجل الرعي، فإذا فات وقته وجب المبيت.(379)
(307) أهل الأعذار من غير الرعاء، كالمرضى، ومن له مال يخاف ضياعه، ونحوهم، كالرعاء في ترك البيتوتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء تنبيهـًا على غيرهم ([35])، فوجب إلحاقه بهم.(379) (308) إذا كان الرجل مريضًا، أو محبوسـًا، أو له عذر؛ جاز أن يستنيب من يرمي عنه، وإن أغمي على المستنيب لم تنقطع النيابة، وللنائب الرمي عنه، كما لو استنابه في الحج ثم أغمي عليه.(379)
(309) من ترك الرمي من غير عذر فعليه دم، وفي ترك جمرة واحدة دم أيضًا، نص عليه أحمد. وإن ترك أقل من جمرة، فالظاهر عن أحمد أنه لا شيء عليه في حصاة ولا في حصاتين. وعنه أنه يجب الرمي بسبع، فإن ترك شيئًا من ذلك تصدق بشيء، أي شيء كان.(380)
(310) آخر وقت الرمي آخر أيام التشريق، فمتى خرجت قبل رميه فات وقته، واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي.(380)
(311) القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات فصاعدًا.(382)
(312) شعر الرأس وغيره سواء في وجوب الفدية؛ لأن شعر غير الرأس يحصل بحلقه الترفه والتنظف، فأشبه الرأس، فإن حلق من شعر رأسه وبدنه ففي الجميع فدية واحدة وإن كثر، وإن حلق من رأسه شعرتين ومن بدنه شعرتين فعليه دم واحد.(383)
(313) الفدية الواجبة بحلق الشعر هي المذكورة في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه بِقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو أنسك شاة)([36]). ولا فرق بين العامد والمخطئ، ومن له عذر ومن لا عذر له أيها شاء فعل؛ لأنه أمر بها بلفظ التخيير.(383) (314) يجزئ البر والشعير والزبيب في الفدية؛ لأن كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ فيه ذلك، كالفطرة وكفارة اليمين.(384)
(315) إذا حلق ثم حلق، فالواجب فدية واحدة، ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني، فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانيـًا فعليه للثاني كفارة أيضًا، وكذلك الحكم فيما إذا لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب، أما الصيد ففي كل واحد منها جزاؤه، وسواء فعله مجتمعًا أو متفرقًا، ولا تداخل فيه.(384)
(316) إذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه.(386)
(317) إن حلق محرم رأس محرم بإذنه، فالفدية على من حُلِقَ رأسه، وكذلك إن حلقه حلال بإذنه. وإن حلقه مكرهًا أو نائمًا، فلا فدية على المحلوق رأسه.(386)
(318) إذا قلع جلدة عليها شعر، فلا فدية عليه؛ لأنه أزال تابعـًا لغيره، والتابع لا يضمن، كما لو قلع أشفار عيني إنسان فإنه لا يضمن أهدابهما.(386)
(319) إذا خلل شعره فسقطت شعرة، فإن كانت ميتة فلا فدية فيها، وإن كانت من شعره النابت ففيها الفدية، وإن شك فيها فلا فدية فيها؛ لأن الأصل نفي الضمان إلى أن يحصل يقين.(387)
(320) من أبيح له حلق رأسه لأذى به فهو مخير في الفدية قبل الحلق وبعده.(387)
(321) في قص بعض الظفر ما في جميعه، وكذلك في قطع بعض الشعرة مثل ما في قطع جميعها؛ لأن الفدية تجب في الشعرة والظفر، سواء طال أو قصر، وليس بمقدر بمساحة فيتقدر الضمان عليه، بل هو كالموضحة([37]) يجب في الصغيرة منها مثلما يجب في الكبيرة.(389) (322) يلزم المحرم إن تطيب غسل الطيب وخلع اللباس؛ لأنه فعل محظورًا، فيلزمه إزالته وقطع استدامته كسائر المحظورات، والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال؛ لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه، ويجوز أن يليه بنفسه ولا شيء عليه.(390)
(323) إذا احتاج إلى الوضوء وغسل الطيب، ومعه ماء لا يكفي إلا أحدهما، قدم غسل الطيب وتيمم للحدث؛ لأنه لا رخصة في إبقاء الطيب، وفي ترك الوضوء إلى التيمم رخصة، فإن قدر على قطع رائحة الطيب بغير الماء فعل وتوضأ؛ لأن المقصود من إزالة الطيب قطع رائحته، فلا يتعين الماء، والوضوء بخلافه.(390)
(324) إذا لبس قميصًا وعمامة وسراويل وخفين لم يكن عليه إلا فدية واحدة؛ لأنه محظور من جنس واحد، فلم يجب فيه أكثر من فدية واحدة، كالطيب في بدنه ورأسه ورجليه.(390)
(325) إن تعذر على المحرم إزالة الطيب لإكراه أو علة، ولم يجد من يزيله، وما أشبه ذلك، فلا فدية عليه، وجرى مجرى المكره على الطيب ابتداءً. وحكم الجاهل إذا علم حكم الناسي إذا ذكر، وحكم المكره حكم الناسي، فإن ما عفي عنه بالنسيان عفي عنه بالإكراه.(393)
(326) المبيت بمزدلفة واجب يجب بتركه دم، سواء تركه عمدًا أو خطأ، عالمًا أو جاهلاً؛ لأنه ترك نُسكًا.(394)
(327) في قتل الصيد ستة فصول:
الفصل الأول: في وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد في الجملة. وقتل الصيد نوعان: مباح ومحرم، فالمحرم قتله ابتداءً من غير سبب يبيح قتله ففيه الجزاء. والمباح ثلاثة أنواع: أحدها: أن يضطر إلى أكله، فيباح له ذلك، ومتى قتله ضمنه؛ سواء وجد غيره أو لم يجد. النوع الثاني: إذا صال عليه صيد فلم يقدر على دفعه إلا بقتله فله قتله، ولا ضمان عليه. النوع الثالث: إذا خلص صيدًا من سبع أو شبكة صياد، أو أخذه ليخلص من رجله خيطـًا ونحوه، فتلف بذلك فلا ضمان عليه.
الفصل الثاني: أنه لا فرق بين الخطأ والعمد في قتل الصيد في وجوب الجزاء؛ لأنه ضمان إتلاف، فاستوى عمده وخطؤه كمالِ الآدميِّ.
الفصل الثالث: أن الجزاء لا يجب إلا على المحرم، ولا فرق بين إحرام الحج وإحرام العمرة؛ لعموم النص فيهما.
الفصل الرابع: أن الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد؛ لأنه الذي ورد به النص. والصيد ما جمع ثلاثة أشياء: وهو أن يكون مباحًا أكله، لا مالك له، ممتنعًا.
الفصل الخامس: أن الجزاء إنما يجب في صيد البر دون صيد البحر.
الفصل السادس: أن جزاء ما كان دابة من الصيد نظيره من النعم.(395)
(328) الصحيح أنه لا جزاء في أم حبين، وأم حبين دابة منتفخة البطن.(398)
(329) الصحيح أنه لا جزاء في القمل؛ لأنه غير مأكول، وهو من المؤذيات، ولا مثل له ولا قيمة.(398)
(330) الصحيح أنه لا جزاء في السنور([38])، أهليـًا كان أو وحشيًا، لأنه سبع وليس بمأكول.(399) (331) لو توحش الأهلي لم يجب فيه شيء، ولو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء، والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال.(399)
(332) من صاد صيدًا لم يحكم فيه الصحابة رضي الله عنهم فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة، ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين.(404)
(333) إن جنى على ماخض فأتلف جنينها وخرج ميتًا، ففيه ما نقصت أمه، كما لو جرحها، وإن خرج حيًا لوقت يعيش لمثله ثم مات، ضمنه بمثله، وإن كان لوقت لا يعيش لمثله فهو كالميت، كجنين الآدمية.(406)
(334) إن أتلف جزءًا من الصيد وجب ضمانه؛ لأن جملته مضمونة، فكان بعضه مضمونًا كالآدمي.(407)
(335) إن جرح صيدًا فتحامل فوقع في شيء تلف به ضمنه؛ لأنه تلف بسببه، وكذلك إن نفره فتلف في حال نفوره ضمنه، فإن سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف لم يضمنه.(408)
(336) يضمن بيض الصيد بقيمته، أي صيد كان، فإن لم يكن له قيمة لكونه مذرًا، أو لأن فرخه ميت، فلا شيء فيه. قال أصحابنا: إلا بيض النعام، فإن لقشره قيمة. والصحيح أنه لا شيء فيه.(410)
(337) من كسر بيضة فخرج منها فرخ حي فعاش، فلا شيء فيه، وإن مات ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه، ففي فرخ الحمام صغير أولاد الغنم، وفي فرخ النعامة حوار، وفيما عداهما قيمته.(411)
(338) لا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو أو محرم سواه، وإن كسره حلال فهو كلحم الصيد، إن كان أخذه لأجل المحرم لم يبح له أكله، وإلا أبيح. وإن كسر بيض صيد لم يحرم على الحلال؛ لأن حله لا يقف على كسره، ولا يعتبر له أهلية، بل لو كسره مجوسي أو وثني، أو بغير تسمية، لم يحرم، فأشبه قطع اللحم وطبخه.(411)
(339) إن نقل بيض صيد فجعله تحت آخر، أو ترك مع بيض الصيد بيضًا آخر، أو شيئًا نفره عن بيضه حتى فسد، فعليه ضمان؛ لأنه تلف بسببه، وإن صحَّ وفَرَّخَ فلا ضمان عليه.(411)
(340) حكم بيض الجراد حكم الجراد.(412)
(341) إن احتلب لبن صيد ففيه القيمة، كما لو حلب لبن حيوان مغصوب.(412)
(342) في جزاء الصيد أربعة فصول:
الفصل الأول: أن قاتل الصيد مخير في الجزاء، فإن شاء فداه بالنظير، أو قوم النظير بدراهم ونظر كم يجيء به طعامًا فأطعم كل مسكين مدًا، أو صام عن كل مد يومًا معسرًا كان أو موسرًا.
الفصل الثاني: إذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم، ولا يجزئه أن يتصدق به حيًا على المساكين؛ لأن الله تعالى سماه هديًا، والهدي يجب ذبحه، وله ذبحه أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بأيام النحر.
الفصل الثالث: أنه متى اختار الإطعام فإنه يقوِّم المثل بدراهم، والدراهم بطعام، ويتصدق به على المساكين.
الفصل الرابع: في الصيام، فعن أحمد أنه يصوم عن كل مد يومـًا، وعنه أنه يصوم عن كل نصف صاع يومًا.(415-417)
(343) الطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى، وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعامـًا؛ لدخوله في إطلاق اللفظ.(416)
(344) لا يجزئ إخراج الطعام إلا لمساكين الحرم؛ لأن قيمة الهدي الواجب لهم فيكون أيضًا لهم؛ لأنه قائم مقام الهدي الواجب لهم فيكون أيضًا لهم، كقيمة المثلي من مال الآدمي.(417)
(345) لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض، ولا يصح؛ لأنها كفارة واحدة، فلا يؤدي بعضها بالإطعام وبعضها بالصيام، كسائر الكفارات.(418)
(346) ما لا مثل له من الصيد، يخُيَّرُ قاتله بين أن يشتري بقيمته طعامـًا فيطعمه للمساكين، وبين أن يصوم. ولا يجوز إخراج القيمة؛ لأنه جزاء صيد، ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليس منها القيمة، وإذا عدم أحد الثلاثة يبقى التخيير بين الشيئين الباقيين، فأما إيجاب شيء غير المنصوص فلا.(418)
(347) يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته؛ لأنها كفارة قتل، فجاز تقديمها على الموت، ككفارة قتل الآدمي، ولأنها كفارة فأشبهت كفارة الظهار واليمين.(420)
(348) الصحيح أنه لو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد.(420)
(349) إن كان شريك المحرم حلالاً أو سبعًا، فلا شيء على الحلال، ويحكم على الحرام، ثم إن كان جرح أحدهما قبل صاحبه، والسابق الحلال أو السبع، فعلى المحرم جزاؤه مجروحًا، وإن كان السابق المحرم فعليه جزاء جرحه، وإن كان جرحهما في حال واحدة ففيه وجهان: أحدهما: على المحرم بقسطه، كما لو كان شريكه محرمًا؛ لأنه إنما أتلف البعض. والثاني: عليه جزاء جميعه؛ لأنه تعذر إيجاب الجزاء على شريكه.(421)
(350) إن اشترك حرام وحلال في صيد حرمي، فالجزاء بينهما نصفين؛ لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه، ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الإحرام والحرم، فيكون الواجب على كل واحد منهما النصف، وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع به الفعل منهما معـًا، فإن سبق أحدهما صاحبه فحكمه ما ذكرناه فيما ما مضى.(422)
(351) لا يملك المحرم الصيد ابتداءً بالبيع ولا بالهبة ونحوهما من الأسباب.(423)
(352) فإن أخذ المحرم الصيد بالبيع أو الهبة أو غيرها من الأسباب ثم تلف فعليه جزاؤه، وإن كان مبيعًا فعليه القيمة لمالكه مع الجزاء؛ لأن ملكه لم يزل عنه، وإن أخذه رهنًا فلا شيء عليه سوى الجزاء، وإن لم يتلف فعليه رده إلى مالكه، فإن أرسله فعليه ضمانه كما لو أتلفه، وليس عليه جزاء، وعليه رد المبيع أيضًا.(423)
(353) لا يسترد المحرم الصيد الذي باعه وهو حلال بخيار ولا عيب في ثمنه، ولا غيرهما؛ لأنه ابتداء ملك على الصيد، وهو ممنوع منه، وإن رده المشتري عليه بعيب أو خيار فله ذلك؛ لأن سبب الرد متحقق، ثم لا يدخل في ملك المحرم ويلزمه إرساله.(424)
(354) إن ورث المحرم صيدًا ملكه؛ لأن الملك بالإرث ليس بفعل من جهته، وإنما يدخل في ملكه حكمًا، اختار ذلك أو كرهه؛ ولهذا يدخل في ملك الصبي والمجنون، فيدخل به المسلم في ملك الكافر، فجرى مجرى الاستدامة، ويحتمل أن لا يملك به؛ لأنه من جهات التملك، فأشبه البيع وغيره، فعلى هذا يكون أحق به من غير ثبوت ملكه عليه، فإذا حل ملكه.(424)
(355) الكلام عمن لم يقف بعرفة في أربعة فصول، وهي:
الفصل الأول: أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج.
الفصل الثاني: أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق. هذا الصحيح من المذهب.
الفصل الثالث: أنه يلزمه القضاء من قابل، سواء كان الفائت واجبـًا أو تطوعًا.
الفصل الرابع: أن الهدي يلزم من فاته الحج.(424-427)
(356) إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة، أجزأهم ذلك، فإن اختلفوا فأصاب بعض وأخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزئهم؛ لأنهم غير مندوبين في هذا.(429)
(357) إن أحرمت المرأة بالحج الواجب، فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج العام، فليس لها أن تحج لأنها بمنزلة المحصر. قال أحمد رحمه الله: «قال عطاء: الطلاق هلاكٌ، هي بمنزلة المحصر»، لأن ضرر الطلاق عظيم؛ لما فيه من خروجها من بيتها، ومفارقة زوجها وولدها، وربما كان ذلك أعظم عندها من ذهاب مالها، وهلاك سائر أهلها، ولذلك سماه عطاء هلاكـًا. ولو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها، كان ذلك حصرًا، فههنا أولى. والله أعلم.(433)
(358) ليس للوالد منع ولده من الحج الواجب، ولا تحليله من إحرامه، وليس للولد طاعته في تركه.(433)
(359) للوالد منع ولده من الخروج إلى حج التطوع؛ فإن له منعه من الغزو، وهو من فروض الكفايات، فالتطوع أولى.(433)
(360) إن أحرم الولد بحج تطوع بغير إذن والده لم يملك تحليله؛ لأنه واجب بالدخول فيه، فصار كالواجب ابتداءً، أو كالمنذور.(434)
(361) الواجب من الهدي قسمان:
أحدهما: وجب بالنذر في ذمته.
الثاني: وجب بغيره، كدم التمتع، والقران، والدماء الواجبة بترك واجب، أو فعل محظور.(434)
(362) جميع الهدي الواجب ضربان:
أحدهما: أن يسوقه ينوي به الواجب الذي عليه من غير أن يعينه بالقول، فهذا لا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ودفعه إلى أهله.
الضرب الثاني: أن يعين الواجب عليه بالقول، فيقول: هذا الواجب علي. فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمة منه، فإن عطب، أو سرق، أو ضل، لم يجزئه، وعاد الوجوب إلى ذمته.و إن ذبحه فسرق أو عطب فلا شيء عليه.(434)
(363) إذا عطب الهدي المعين أو تعيب عيبـًا يمنع الإجزاء، لم يجزئه ذبحه عما في الذمة؛ لأن عليه هديًا سليمًا ولم يوجد، وعليه مكانه، ويرجع هذا الهدي إلى ملكه فيصنع به ما شاء، من أكل أو بيع وهبة وصدقة وغيره.(434)
(364) إن ضل الهدي المعين فذبح غيره ثم وجده، أو عين غير الضال بدلاً عما في الذمة، ثم وجد الضال، ذبحهما معًا.(436)
(365) إن عين هديًا معيبـًا عما في ذمته لم يجزئه، ولزمه ذبحه، على قياس قوله في الأضحية إذا عينها معيبة لزمه ذبحها ولم يجزئه.(436)
(366) إن عين هديًا صحيحًا فهلك أو تعيب بغير تفريطه، لم يلزمه أكثر مما كان واجبًا في الذمة؛ لأن الزائد لم يجب في الذمة، وإنما تعلق بالعين، فسقط بتلفها كأصل الهدي إذا لم يجب بغير التعيين.(436)
(367) إن أتلف الهدي، أو تلف بتفريطه، لزمه مثل المعين؛ لأن الزائد تعلق به حق الله تعالى، وإذا فوته لزمه ضمانه، كالهدي المعين ابتداءً.(437)
(368) يحصل وجوب الهدي بقوله: هذا هدي. أو بتقليده وإشعاره ناويًا به الهدي، ولا يجب بالشراء مع النية، ولا بالنية المجردة.(437)
(369) إذا غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه لم يجزئه، سواء رضي مالكها أو لم يرض، أو عوضه عنها أو لم يعوضه.(437)
(370) إن تطوع بهدي غير واجب لم يخل من حالين: أحدهما: أن ينويه هديًا، ولا يوجب بلسانه ولا بإشعاره وتقليده، فهذا لا يلزمه إمضاؤه، وله أولاده ونماؤه والرجوع فيه متى شاء ما لم يذبحه؛ لأنه نوى الصدقة بشيء من ماله، فأشبه ما لو نوى الصدقة بدرهم. الثاني: أن يوجبه بلسانه، فيقول: هذا هدي. أو يقلده أو يشعره، ينوي بذلك إهداءه، فيصير واجبـًا مُتعيَّنًا، يتعلق الوجوب بعينه دون ذمة صاحبه، فإن تلف بغير تفريط منه أو سُرِقَ أو ضل، لم يلزمه شيء؛ لأنه لم يجب في الذمة، إنما تعلق الحق بالعين.(437)
(371) إذا أوجب هديًا فله إبداله بخير منه، وبيعه ليشتري بثمنه خيرًا منه.(441)
(372) الصحيح أنه إذا ولدت الهدية فولدها بمنزلتها إن أمكن سوقه، وإلا حمله على ظهرها وسقاه من لبنها، فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدي إذا عطب، ولا فرق في ذلك بين ما عينه ابتداءً وبين ما عينه بدلاً عن الواجب في ذمته.(441)
(373) للمهدي شرب لبن الهدي؛ لأن بقاءه في الضرع يضر به، فإذا كان ذا ولد لم يشرب إلا ما فضل عن ولده.(442)
(374) فإن شرب ما يضر بالأم، أو ما لا يفضل عن الولد ضمنه؛ لأنه تعدى بأخذه.(442)
(375) إن كان صوف الهدي يضر بها بقاؤه جزه وتصدق به على الفقراء.(442)
(376) الفرق بين الصوف وبين اللبن: أن الصوف كان موجودًا حال إيجابها، فكان واجبًا معها، واللبن متجدد فيها شيئًا فشيئًا، فهو كنفعها وركوبها.(442)
(377) لصاحب الهدي ركوبه عند الحاجة على وجه لا يضر به، وقيل: يجوز ولو من غير حاجة؛ لما روى أبو هريرة وأنس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها. فقال: يا رسول الله! إنها بدنة. فقال: اركبها ويلك! في الثانية أو في الثالثة) ([39]) متفق عليه.(442) (378) يستحب للمهدي أن يتولى نحر الهدي بنفسه؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نحر هديه بيده. فإن لم يذبح بيده فالمستحب أن يشهد ذبحها، ويستحب أن يتولى تفريق اللحم بنفسه؛ لأنه أحوط وأقل للضرر على المساكين، وإن خلى بينه وبين المساكين جاز.(443)
(379) يباح للفقراء الأخذ من الهدي إذا لم يدفعه إليهم بأحد شيئين: أحدهما: الإذن فيه لفظًا، والثاني: دلالة على الإذن، كالتخلية بينهم وبينه.(444)
(380) يأكل المحرم من هدي التمتع والقران دون ما سواهما من الهدايا الواجبة.(444)
(381) هدي التطوع، وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداءً من غير أن يكون عن واجب في ذمته، وما نحره تطوعًا من غير أن يوجبه، فيستحب أن يأكل منه؛ لقول الله تعالى: ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)) [الحج] وقوله تعالى: ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)) [الحج:36]. وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه، فإن لم يأكل فلا بأس.(446)
(382) إن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحمًا، وإن أطعم غنيـًا منها على سبيل الهدية جاز، كما يجوز له ذلك في الأضحية؛ لأن ما ملك أكله ملك هديته. وإن باع شيئًا منه أو أتلفه ضمنه بمثله؛ لأنه ممنوع من ذلك، فأشبه عطيته للجازر. وإن أتلف أجنبي منه شيئًا، ضمنه بقيمته؛ لأن المتلف من غير ذوات الأمثال فلزمته قيمته، كما لو أتلف لحمًا لآدمي معين.(447)
(383) الهدي الواجب بغير النذر ينقسم إلى قسمين: منصوص عليه، ومقيس على المنصوص:
القسم الأول: المنصوص عليه:
1- اثنان على الترتيب، والواجب فيهما ما استيسر من الهدي، وأقله شاة، أو سبع بدنة، أحدهما دم المتعة، قال تعالى: ((فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)) [البقرة:196]، والثاني: دم الإحصار، قال الله تعالى: ((فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)) [البقرة:196]، وهو على الترتيب أيضًا، إن لم يجده انتقل إلى صيام عشرة أيام.
2- اثنان مخيران؛ أحدهما: فدية الأذى، قال الله تعالى: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)) [البقرة:196]. الثاني: جزاء الصيد، وهو على التخيير أيضًا، قال الله تعالى: ((وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً)) [المائدة:95].
القسم الثاني: ما ليس بمنصوص عليه: فيقاس على أشبه المنصوص عليه به، مثل دم الفوات، فيجب عليه مثل دم المتعة، وبدله مثل بدله. ويقاس عليه أيضًا كل دم وجب لترك واجب، كترك الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والمبيت بمزدلفة، وغيرها من الواجبات، فالواجب فيها ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام.(447-448)
(384) مساكين أهل الحرم من كان فيه من أهله، أو وارد إليه من الحاج وغيرهم، وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم.(451)
(385) ما جاز تفريقه بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة؛ لأنهم كفار.(451)
(386) إذا نذر هديًا وأطلق فأقل ما يجزئه شاة، أو سبع بدنة أو بقرة؛ لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود شرعـًا، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النَّعم، وأقله ما ذكرناه فحمل عليه.(451)
(387) يسن تقليد الهدي، وهو أن يجعل في أعناقها النعال وآذان القرب وعراها، أو علاقة إداوة؛ وسواء كانت إبلاً، أو بقرًا، أو غنمًا.(454)
(388) يسن إشعار الإبل والبقر، وهو أن يشق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها، في قول عامة أهل العلم. وأما الغنم فلا يسن إشعارها؛ لأنها ضعيفة، وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها.(455)
(389) لا يسن الهدي إلا من بهيمة الأنعام؛ لقول الله تعالى: ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)) [الحج]. وأفضله الإبل، ثم البقر، ثم الغنم.(456)
(390) من وجبت عليه بدنة فذبح سبعًا من الغنم أجزأه مع القدرة على البدنة؛ سواء كانت البدنة واجبة بنذر، أو جزاء صيد، أو كفارة وطء.(457)
(391) من وجب عليه سبع من الغنم في جزاء الصيد لم يجزئه بدنة في الظاهر؛ لأن سبعًا من الغنم أطيب لحمًا، فلا يعدل عن الأعلى إلى الأدنى.(458)
(392) من وجبت عليه بقرة أجزأته بدنة؛ لأنها أكثر لحمًا وأوفر، ويجزئه سبع من الغنم؛ لأنها تجزئ عن البدنة، فعن البقرة أولى.(458)
(393) من لزمه بدنة في غير النذر وجزاء الصيد أجزأته بقرة.(458)
(394) يجوز أن يشترك السبعة في البدنة والبقرة، سواء كان واجبًا أو تطوعًا، وسواء أراد جميعهم القربة، أو بعضهم وأراد الباقون اللحم.(459)
(395) يمنع من العيوب في الهدي ما يمنع في الأضحية.(461)
(396) لا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله، قال أحمد: ما أعرف هذا. وقال الأثرم: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يقومون من ناحية فيسلمون. وقال أبو عبد الله: وهكذا كان ابن عمر يفعل. قال: أما المنبر فقد جاء فيه، يعني ما رواه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ، أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، ثم يضعها على وجهه([40]).(468)
(397) يستحب لمن رجع من الحج أن يقول ما روى البخاري عن عبد الله بن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)([41]).(468)
تم المقصود من كتاب المغني لابن قدامة
مراجع البحث :
([4]) رواه الترمذي (930)، وقال: حسن صحيح، وأبو داود (1810)، وابن ماجه (2906)، والنسائي (2637).
([7]) رواه البخاري (1789)، ومسلم (1180). ([8]) رواه البخاري (1841)، ومسلم (1178). ([9]) رواه البخاري (1835)، ومسلم (1202).
([16]) رواه مالك (1050)، وابن خزيمة (2690) وصححه.
([18]) رواه الطبراني في الكبير (11/105)(11186).
([26]) رواه أبو داود (1892)، وصححه الحاكم.
([31]) قال المرداوي في الإنصاف (8/178): «قال الزركشي: قلت: قد يقال: إن هذا من الإمام أحمد بناء على أن العمرة لا تجب عليهم، فلا متعة عليهم، أي الحج كافيهم، لعدم وجوبها عليهم»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات (115): «القول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدًا مخالف للسنة الثابتة، ولهذا كان أصح الطريقتين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة». ([32]) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). ([33]) أي أنه متمتع ويريد قلب نسكه للقران. ([34]) المكرهة: من اغتصبت بالقوة والقهر، أو ضربت، أو أوثقت بالحبال ونحوها، أو هددت بالطلاق فهو هلاك. انظر رقم (357). ([35]) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (3037)، ولفظ أبي داود: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين ويرمون يوم النفر). ([36]) رواه البخاري (1814)، ومسلم (1201).
([41]) رواه البخاري (1797)، ومسلم (1344).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق