الأحد، 8 مايو 2011

شرح عمدة الأحكام – ح 8 ، 9 في صفة الوضوء

شرح عمدة الأحكام ح 8 ، 9 في صفة الوضوء
للشيخ عبد الرحمن السحيم
 ح 8
 
عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه ، فغسلهما ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا ، ثم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا ، وقال : من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
 هذا نص الحديث في العمدة .
والذي في الصحيحين من روايات تتعلق بغسل الرجلين :
ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك .
ثم غسل رجليه ثلاث مرات .
ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين .
م غسل كل رجل ثلاثا .
ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ، ثم اليسرى ثلاثا .
 قال ابن حجر – رحمه الله – :
قوله " ثم غسل كل رجل " كذا للأصيلي والكشميهني ، ولابن عساكر " كلتا رجليه " وهي التي اعتمدها صاحب العمدة .
 
ح 9
 
عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال : شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فدعا بتور من ماء ، فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكفأ على يديه من التور ، فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يديه في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يديه فمسح رأسه ، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه
وفي رواية : بدأ بمقدّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .
وفي رواية : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجنا له ماء في تور من صُفر .
التور : شبه الطست .

فيهما مسائل :

1 = من روايات الحديثين في الصحيحين :
 في رواية لحديث عثمان رضي الله عنه : ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك .
 ومن روايات حديث عبد الله بن زيد :
فغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثاً .
فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين .
ثم غسل رجليه إلى الكعبين .
ثم غسل وجهه ثلاثاً ويده اليمنى ثلاثاً ، والأخرى ثلاثاً ، ومسح برأسه بماء غير فضل يده ، وغسل رجليه حتى أنقاهما .
 = لما فرغ المصنف – رحمه الله – من ذِكر حُـكم الماء ومن ذكر ما يُحمل فيه الماء - وهو الآنية – شرع في ذِكر صفة الوضوء .
 2 = المصنف عادة لا يذكر الراوي عن الصحابي إلا لفائدة .
والفائدة هنا أن حُمران يروي قصة عثمان وفعله وقوله .
وفي حديث عبد الله بن زيد أورد الراوي عن الصحابي وهو يحيى المازني لأنه يحكي مُشاهدته لمجيء عمرو بن أبي الحسن وسؤاله لعبد الله بن زيد رضي الله عنه .
وأورد الراوي عن يحيى المازني وهو ابنه عمرو وفائدة ذلك أنه جاء في رواية للبخاري : عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال : كان عمي يُكثر من الوضوء قال لعبد الله بن زيد : أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فدعا بتور .
وعمّـه هو عمرو بن أبي الحسن . نصّ عليه ابن حجر – رحمه الله – .
 3 = أن حديث عثمان مع حديث عبد الله بن زيد عُمدة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
والوضوء جاء الأمر به في الكتاب والسنة
قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ )
 4 = قوله في حديث عثمان رضي الله عنه : دعا بوَضوء . بفتح الواو يعني به الماء الذي يُتوضّأ به .
وقد جاء في رواية في الصحيحين : دعا بإناء .
 وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه : فدعا بتور من ماء .
 5 = بدء الوضوء بغسل اليدين فيه دليل على أنه لا علاقة للوضوء بالاستنجاء .
فمن أراد الوضوء فلا يُشترط له ولا يُشرع له أن يغسل قبله أو دبره إلا لحاجة مثل من به سلس بول ونحوه .
 6 = جواز الاستعانة بالغير في الوضوء ، وفيه خدمة أهل الفضل في الوضوء ونحوه .
7 = حرص الصحابة على تعليم الناس أمور دينهم التعليم العملي ، دون الاكتفاء بالتعليم النظري .
وعثمان رضي الله عنه مع شدة حياءه لم يمنعه ذلك من أن يُعلّم الناس ابتداءً ويتوضأ أمام الناس .
فقد جاء في رواية للبخاري عن حمران أنه قال : أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد ، فتوضأ فأحسن الوضوء .
8 = حرصهم رضي الله عنهم على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والسؤال عن هديه
 9 = الفرق بين الوَضوء والوُضوء .
الأول يُطلق على الماء الذي يُتوضّـأ به .
والثاني يُطلق على فعل الوضوء .
 10 = قوله " فأفرغ على يديه " فيه دليل على سُنيّة ذلك ولو لم يكن قام من نوم ؛ لأن اليدين مَظِـنّة الغبار والوسخ
 11 = استحباب التثليث في الوضوء . بمعنى أن يغسل كل عضو ثلاث مرات .
وإن غسل بعضها ثلاثاً وغسل البعض الآخر مرتين جاز .
وإن اقتصر على غسلة واحدة بحيث يعمّ الماء محل الغسل من العضو جـاز أيضا .
 12 = لم تُذكر التسمية على الوضوء هنا كما أنه لم يذكر النيّـة ؛ لأنه يصف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصف القول وما دونه .
 13 = وقد ثبت حديث التسمية على الوضوء ، وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة لطيفة بعنوان " كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية على الوضوء " .
والصحيح وجوب التسمية على الوضوء ، غير أنه إذا نسي التسمية سقطت بالنسيان .
 14 = المضمضة والاستنشاق والاستنثار .
في حديث عثمان رضي الله عنه مُبهمة ، وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه جاء فيها التفصيل .
ثلاثا بثلاث غَرفات .
يعني يأخذ الماء بيده اليمنى ثم يقسم الغَرفة بين الفم والأنف ، فيتمضمض ببعضها ويستنشق ببعضها .
 14 = لا يُشترط في المضمضة تحريك الماء في الفم .
فلو وضع الماء في فمه ثم مجّه وألقاه أجزأه .
وقالوا : لو وضع الماء في فمه ثم بلعه أجزأه .
لكن لو حرّك الماء في فمه أو أمرّ أصبعه على أسنانه لكان أبلغ في المضمضة .
 15 = الاستنثار يكون باليد اليسرى ، وقد تقدّم في شرح الحديث الرابع .
 16 = جمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سُـنّـة .
واستدلو على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يتوضأ كما أمره الله .
والله لم يأمر بالمضمضة والاستنشاق .
17  = حـدّ الوجه الواجب غسله في الوضوء .
من الأذن إلى الأذن عرضا ، ومن منحنى الجبهة إلى أسفل الذقن طولاً .
 18 = حُـكـم الترتيب في الوضوء .
الذي يظهر أن الترتيب في الوضوء واجب لأن الترتيب في كتاب الله له مقصد .
ولم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فبدأ بغسل رجليه أو بدأ بغسل يديه قبل غسل وجهه .
والفعل إذا كان بياناً للواجب دلّ على الوجوب .
 19 = هل يُرتّب في غسل اليدين والرجلين ؟
إذا غسل اليد اليسرى قبل اليمنى ، أو غسل القدم اليسرى قبل اليمنى ، هل يجوز ؟
لا يجب الترتيب في العضو الواحد .
قال ابن قدامة رحمه الله : ولا يجب ذلك لأن اليدين بمنـزلة العضو الواحد ، وكذا الرجلان ، فإن الله تعالى قال : (وَأَيْدِيَكُمْ) و (وَأَرْجُلَكُمْ) ولم يُفصِّـل . والفقهاء يُسمون أعضاء الوضوء أربعة ؛ يجعلون اليدين عضوا ، والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب في العضو الواحد . اهـ .
 20 = يُعفى عن تأخير المضمضة والاستنشاق إلى ما بعد غسل الوجه لفعله عليه الصلاة والسلام .
فقد أُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ، ثم مضمض واستنشق ثلاثا ، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني .
فَدَلّ تأخير المضمضة إلى أنها منفصلة عن غسل الوجه .
ودلّ أيضا على أنه يجوز تأخيرها عن غسل الوجه .
 21 = هل غسل المرفقين داخل في غسل اليدين وكذلك الكعبين ؟
الصحيح أن غسل المرفقين داخل في مسمى غسل اليد .
وكذلك غسل الكعبين داخل في غسل القدمين .
 22 = الخطأ في غسل اليدين
بعض الناس إذا وصل إلى غسل اليدين بدأ بغسل اليد من المرفق إلى مفصل الكف أو من مفصل الكف إلى المرفق ، ولا يغسل الكف بِحُـكم أنه غسله قبل الوضوء .
وهذا خطأ لأن من أمر الماء على يديه من مفصل الكف إلى المرفق أو العكس لا يصدق عليه أنه غسل يده كما أُمِـر .
والواجب أن يغسل يده من أطراف الأصابع إلى المرفقين ويُدير الماء على مرفقيه .
23 = المسح على الرأس وكيفيته .
يبدأ المسح من مُقدّم رأسه إلى أن ينتهي بمؤخرة الرأس ثم يُعيد يديه إلى مقدّم رأسه .
وإن عكس ذلك فله وجه كما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه .
ففيه : فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة .
 وثبت عنه عليه الصلاة والسلام تكرار المسح أحيانا .
ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما . رواه أبو داود .
وعلى هذا تنخـرم قاعدة : كل ممسوح فتكرار مكروه . وهي قاعدة غير متفق عليها وغير مُطّردة .
 24 = ويمسح رأسه بماء جديد غير ما بقي بيديه من غسل يديه .
" ومسح برأسه بماء غيرِ فضل يده "
 25 = مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ناصيته وعلى العمامة ، ومسح على رأسه لما لبّده في الحج .
وعليه فيجوز للمرأة أن تمسح على الحناء أو ما تضعه على رأسها إذا كان يشق إزالته .
 26 = غسل القدم إذا كانت مكشوفة .
والمسح عليها إذا لبس الجوارب بشروطها وسيأتي الكلام عليه استقلالاً .
 27 = لا يُشرع للمسلم عند الوضوء ذِكر إلا التسمية قبل الوضوء ، والتشهد بعده ، ولا يصح حديث في الذِّكر على أعضاء الوضوء .
 28 = لا يُشرع مسح الرقبة عند الوضوء بل هو من المُحدَثات ، وكل مُحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
 29 = ما المقصود بحديث النفس في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يُحدّث فيهما نفسه "
حديث النّفس ينقسم إلى قسمين :
قسري ، وهو الذي لا يُمكن ردّه .
اختياري ، وهو الذي يُمكن ردّه ، ولو تمادى فيه لا تحصل له فضيلة المغفرة الواردة في حديث عثمان رضي الله عنه .
 30 = ما يُكفّر من السيئات في قوله صلى الله عليه وسلم : " إلا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه "
الصحيح أنها الصغائر دون الكبائر ، والكبائر تحتاج إلى توبة واستغفار .
ولابن رجب – رحمه الله – تفصيل حول المسألة في جامع العلوم والحِكم .
ولابن القيم – رحمه الله – تفصيل آخر أيضا في الجواب الكافي .
 31 = الفروق بين حديث عثمان وحديث عبد الله بن زيد
حديث عثمان رضي الله عنه تضمن وصف الفعل والقول وذكر صلاة ركعتين .
في حديث عثمان فأفرغ على يديه ، وفي حديث عبد الله بن زيد فأكفأ وهما بمعنى واحد .
في بعض روايات حديث عبد الله بن زيد غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ، بينما التّثليث في جميع الأعضاء هو الوارد في حديث عثمان .
في حديث عبد الله بن زيد نُصّ على أن المضمضة والاستنشاق كانت ثلاث مرات بثلاث غرفات ، بينما هي مُبهمة في حديث عثمان رضي الله عنه .
في حديث عبد الله بن زيد تفصيل كيفية المسح على الرأس ، وأخذ ماء جديد لرأسه ، بينما هذا لم يُفصّل فيه في حديث عثمان .
 32 = سُنن الوضوء
تخليل الأصابع .
المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم .
تخليل اللحية .
الذِّكر بعد الوضوء .
 33 = هل للمتوضئ أن يُنشّف أعضاء الوضوء ؟
نعم . لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خرقـة يُنشِّف بها بعد الوضوء .
 وقد أطلت وجمعت بين شرح الحديثين ؛ لأن موضوعهما واحد وهو صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 
والله تعالى أعلى وأعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة