الخميس، 24 مارس 2011

تأجير الأرحام بين العلم والقرآن

تأجير الأرحام بين العلم والقرآن

 
نشهد بهذه الأيام - للأسف الشديد – جدلاً واسعاً حامي الوطيس حول قضية "تأجير الأرحام" أو "الأم البديلة" ويعزي ذلك لكونها قضية متعددة الأبعاد ولا بد أن ننظر إليها بمنظور طبي وعلمي وديني وأخلاقي وقبل كل ذلك بمنظور إنساني وليس حيواني.

وبداية فأسلوب " الرحم المستأجرة" في الإنجاب يتم بأخذ البويضة من الزوجة ليجري إخصابها – خارجياً – بالحيوان المنوي من زوجها. وكنتيجة لأسباب متعددة تجعل صاحبة البويضة غير قادرة على الحمل في رحمها فلقد ابتدع علماء الغرب فكرة إدخال هذه البويضة الملقحة لرحم امرأة أخرى بدلاً من رحم صاحبة البويضة وبهذا الأسلوب تحمل الأم البديلة هذا الجنين وحتى الولادة . وبهذه الطريقة فإن المولود الجديد يولد معه جدل لا يموت إلا بموت صاحبه لأنه سيظل دائماً في حيرة من أمره ولا يعرف من هي حقاً أمه. ولهذا ظهر اصطلاح ((الأمومة المشتتة)) وبهذا يصبح العذاب النفسي هو توءم المولود بهذا الأسلوب.

وبادئ ذي بدء فإن الرحم ليس مجرد وعاء أو حضانة وكما يدعي البعض بل هو القرار المكين بالأم لحمل الجنين فيه((ثم جعلناه نطفة في قرار مكين))((المؤمنون 13)).

وهناك آيات وأحاديث تؤكد بصورة جلية الصلة الربانية النورانية بين الله تعالى والأرحام وأكبر دليل على ذلك أن الله جعل الرحم يشهد أهم أطوار خلق الإنسان وتصويره وكذا نفخ الروح بالجنين فيه ((يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق)) ((الزمر 6))
((وهو الذي يصوركم في الأرحام)) ((آل عمران 6))

وللدلالة على تشريف الله للرحم فلقد اشتق المولى اسمها من اسمه لقوله في حديثه القدسي ((أنا الرحمن، وهذه الرحم شققت لها اسماً من اسمي..)) بل جعل الرحم معلقة بالعرش لقول رسول الإسلام – عليه الصلاة والسلام - في حديثه الشريف ((الرحم معلقة بالعرش ..))

ولهذا وضع المولى تعالى أكبر سر من أسرار أطوار الخلق به وأحاطه بصفات معجزة في كيفية أداء عمله ولذا فالرحم – في أوقات الحمل وشهوره – يتضاعف حجمه ليصل آلاف المرات ويتضاعف وزنه أيضاً لمئات المرات وذلك لكي يحتضن الجنين على الرحب والسعة به. ويطرح البعض سؤالاً محيراً وهو هل يمكن اعتبار البويضة الملقحة كائناً بشرياً متكاملاً؟!

والجواب نجده في آيات القرآن الكريم عن مراحل خلق الإنسان وسبحان الله فهي تتلاقى مع ثوابت العلم الحديث وتقنياته المبتكرة في رصد وتصوير مراحل خلق الجنين بالأرحام.

ثبت أن خلق الإنسان يمر بأطوار عديدة وسبحانه أشار لذلك بقوله ((وقد خلقكم أطوارا))((نوح 14))
ويشير المولى بجلاء إلى أن طور الخلق بعد آدم هو طور النطفة (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين))((المؤمنون 12-13))

أما النطفة الأمشاج ((بمعنى المختلطة)) فهي التي يختلط فيها نطفة الذكر ((الحيوان المنوي)) بنطفة الأنثى ((البويضة)) من أجل إنتاج البويضة الملقحة وسبحان الله الذي قال ((إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)) ((الإنسان 2)) ومن أصدق من الله قيلا؟!

وبعد هذا الاختلاط فإن هذه البويضة الملقحة تبدأ في الانقسام الخلوي المتتالي وفي خلال أيام يصبح شكلها مثل الكرة وتشبه مجازاً ثمرة التوت وتنتقل بعد ذلك لآخر مرحلة في طور النطفة وتعرف باسم الكرة الجرثومية و(( جرثومة الشيء أًصله)) وتسمى البلاستولا أو الخلية الأرومية أيضاً.

وتبدأ بعد ذلك الخلية الأرومية بدفن نفسها في تلافيف جدار الرحم وتتعلق به ليبدأ بذك طور العلقة وسبحانه أشار لأطوار الخلق الأساسية ((فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة))
( الحج 5)

والحقائق العلمية الموثقة بالصور ثلاثية الأبعاد لمراحل المضغة قد نشرت حديثاً بمجلة العلوم الأمريكية وتشير إلى أن طور المضغة يبدو عليه نتوءات تجعله يظهر بالصور ككتلة بدنية وكأنما مضغتها الأسنان ((وكما وصفها القرآن)) بل وجد أنه لا يوجد في بدايتها أي ملامح إنسانية لأي عضو جسدي ولكن بمرور الأيام يتطور شكل المضغة فيظهر عليها براعم الأيدي والأرجل والرأس والصدر والبطن وتتكون معظم الأعضاء الداخلية وتحتفظ بالرغم من كل ذلك بالشكل الخارجي ككتلة بدنية تشبه قطعة اللحم الممضوغة.

وسبحان الخالق الذي وصفها بأنها مخلقة وغير مخلقة وهذا من أسرار الإعجاز بالوصف القرآني والذي يتطابق تماماً مع الصور التي نراها لأطوار الجنين.

ثم يشهد طور المضغة التخليق ويبدأ بعد ذلك طور تخليق العظام ويتبعه كساء العظام باللحم وتلك هي الأطوار الأساسية وكما صورتها الآيات 12- 14 من سورة المؤمنون وسبحان الخالق.

والعلماء أشاروا إلى أن الأسابيع الثمانية الأولى من عمر الجنين بالرحم يتكون خلالها معظم الأجهزة وتتشكل بها الملامح الأساسية لشكل الكائن البشري . وبذا فالبويضة الملقحة لا تعتبر كائناً بشرياً متكاملا.

والسؤال التالي هو: هل الرحم البديل يؤثر في صفات الجنين أو الموروثات ((الجينات)) التي يحملها؟
وحتى نستخلص الإجابة فعلينا أن نعلم أن هناك تفاعلاً حيوياً وكيميائياً وبيولوجياً بديعاً بين الجنين والأم الحاملة له وثبت أن هناك كثيراً من الخفايا عن موروثات الجنين بالأرحام وأن صورة عمل تلك الجينات كاملة ما زالت في طي الكتمان ولا يعلمها إلا الله كلها.

ويقول العلماء بأن دم الأم - الموصول بالجنين – يحمل كل مكوناته الوراثية وإذا كانت الأم حاملة لموروث ((جين)) أحد الأمراض الوراثية فإن ذلك يؤثر عل الجنين بل وقد يستمر تأثيره لبعد ولادته. وللعلم فقد نشر كتاب لعالم أمريكي شهير منذ عام بعنوان ((الحياة في الرحم)) وأشار فيه بجلاء إلى أن حالة الإنسان الصحية طوال حياته تتحدد بالفعل أثناء التسعة أشهر برحم الأم . وبك فإن صفات الجنين قد تتأثر بالبيئة المحيطة به بالرحم وهذا للعلم لا يلغي نظرية الوراثة وكما أشار هو.

والسؤال التالي هو: ما هو موقف الأطباء ونقابة الأطباء من موضوع تأجير الأرحام أوالأم البديلة؟
والجواب – والحمد لله – منشور بمجلة ((المصور)) حيث أشار أ.د. محمد فياض رئيس الجمعية المصرية للخصوبة والعقم ورئيس الجمعية الإفريقية لصحة الأم والطفل بأنهم ضد هذه الفكرة في نقابة الأطباء وبأن نقيب الأطباء وزملائه وضعوا ضوابط قانونية وأخلاقية لمنع إجراء هذه العملية في عشرات المراكز بمصر . ونحمد الله أن أطباء مصر أتقياء يراعون الله.

والسؤال الأخير هو: ما هو موقف مجمع الفقه الإسلامي السعودي ومجمع البحوث الإسلامية المصري؟
أشار مجمع الفقه الإسلامي بمكة – منذ عامين تقريباً – بتحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أم بويضة أم حيواناً منوياً أم خلية جسدية للاستنساخ. أما مجمع البحوث الإسلامية المصري فلقد قرر تحريم تأجير الأرحام أو الأم البديلة.

وبهذا يجب أن يسدل الستار الآن حول هذه القضية فهناك أمور علمية في علم الغيب للآن ولذا من الأفضل تطبيق المبدأ والمنهج الإسلامي بأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح والغاية لا يجب أن تبرر أبداً الوسيلة وفوق كل ذي علم عليم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة