الاثنين، 16 مايو 2011

الأخوة الأقباط... ارفضوا "غرفة التحكم"

الأخوة الأقباط... ارفضوا "غرفة التحكم"

 
عادل دندراوي راهنت قبلاً لكثيرين بأن المشهد القبطي من اعتصامات أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"، وما سبقه من "إرهاب" غير مبرر، ارتكبه الطرفان، مسيحيون متعصبون بادروا بإطلاق النار الحي والعشوائي وقنابل المولوتوف، ومسلمون أكثر تعصباً حرقوا كنيستي العذراء ومارمينا في منطقة امبابة، وقبلها من هدم لـ"حوائط" كنيسة قرية "صول" بحلوان بداية مارس الماضي، صاحبه أيضاً إرهاب متعمد ارتكبه مسيحيون متعصبون في مداخل القاهرة ومخارجها، لا يتفق ومشروعية التظاهر السلمي، وجمالية لوحة "الفسيفساء" لثورة 25 يناير، راهنت أن تلك المظاهرات لن تتوقف في المستقبل؛ لأن ببساطة "غرفة التحكم" التي تدير الملف القبطي في مصر، من داخل مصر أو من خارجها، تريد بقاء هذا المشهد، إلى أن "تستوي وتطبخ" حزمة المطالب في وقت الوطن فيه أحوج ما يكون إلى الإيثار والسمو من الشركاء مسلمين وأقباط، إن كانوا مخلصين.
ملخص المشهد الأخير في إمبابة، معادلة بسيطة أجمع عليها شهود العيان "الرصاص الحي من الأقباط أولاً، والحرق الجاهل الكريه من المتعصبين المسلمين ثانياً"، وأنا لا أعرف لماذا تتعامى ضمائر أغلبية المحللين والكتاب والإعلام غير المحترف مهنياً ورجال الدين من غير العارفين بالحقائق وبعض القساوسة المنفلتين، عن انتهاج قليل من العدالة، أو حتى العمل بالمثل الشائع في تهذيب أرجل الحصان، "ضربة على الرجل والثانية على الحدوة".

المؤكد أيها العقلاء أن الجسد الطائفي واصطفاف الوحدة الوطنية لازالا كياناً معافى وسليماً من الإسكندرية الى أسوان إلى سيناء والغردقة والسلوم، وغيرها في خريطة مصر الحروسة، والمؤكد أيضاً أن أحداث إمبابة و"صول" وغيرها في نجع حمادي وحتى في السبعينات وغيرها من وقائع، هي أحداث فردية أو "محدودة الجمعية" لا ترقى الى التماهي مع وصف الظاهرة أو المرض، لكن الأكثر تأكيداً أن العلم النابه، والتشخيص الدقيق والعادل والإخلاص في الوصف، والتعقل الراجح، هو الطريق الوحيد للعلاج والتعافي، والعيش في صحيح الشراكة "الحقيقية" المحبة للوطن.


وقد كنت ولا زلت واحداً من الذين يؤمنون بالوحدة الوطنية، ولم تضربهم أمراض الفتنة الطائفية، ولمَ لا فقد نشأت وسط علاقات طيبة محترمة مع الأخوة والجيران الأقباط، ولازلت محاطاً بأصدقاء وزملاء ومعارف، نبادلهم حباً بحب واحترماً باحترام، وذكرى طيبة بأخرى مثلها، ولست وحدي مَنْ يدعي ذلك، فكثيرون مثلي كلهم هذا الرجل.!


ولأني أريد أن أعود سريعاً إلى ثورة 25 يناير ومشاهدها التي أبهرت العالم بل وعلمته دروساً جديدة في الثورات، وفي ذلك حكمة إلهية لا مجال للكتابة فيها الآن، فإن صوت الآذان وترانيم الصلاة، احتضنهما الخوف فاستقويا معاً، لاستجلاب الفجر الجديد، فتلاشت وامحت معها من القاموس كلمة "الفتنة الطائفية"؛ لأن الساحة ببساطة كانت مستباحة، للفتنة وللطائفية لمن أراد، ولكن أراد الله "تبييض وجه" الأغلبية.


ولأن المشهد القبطي الراهن، كما يرأه الجميع ويعلمه، شارك به "الخارجون" عن التوجه السياسي للكنيسة "المباركة" أي التي أيدت الرئيس السابق حسني مبارك، بل ودعت الأقباط إلى عدم الاشتراك في مظاهرات الثورة، إلا أن الموجعين الحقيقيين من أبناء الوطن وشركاه، أدركوا أن الخلاص في ثورتهم ونجاحها، وكان لهم ما أرادوا، فاشترك الأخوة الأقباط المحترمون على قلتهم في لوحة الفسيفساء الجميلة!!


ولكن من "يتعايشون" على خبز الفتنة الطائفية لم يرق لهم أن يتركوا اللوحة في حالها، وتورط معم كثيرون كان من المفترض أن تجمعهم مائدة أصول التراث المجتمعي، التي تتجلى حكمتها بأن "تدفن الجثة بخيرها وشرها أولاً ثم يختلف الوارثون على الميراث"، وهو ما لم يحدث على الأرض وتعارك الجهلاء قبل أن يدفنوا ماضيهم، وما أسميه أنا "استعمارهم الوطني" الرديء.


والحكمة الراهنة تقتضي أن يكون الحل داخل البيت الواحد حتى تتجلى الأمور، لا أن تتلقفها وتديرها وتسعد بها "غرفة التحكم" التي يعلم الله من أين تدار من داخل مصر أو من خارجها، وأنا هنا بالطبع أقصد أن "التطرف" الذي أبداه بعض القساوسة، والأخوة الأقباط في "مطالبات" هي حق، لكن دم الشهداء من الجانبين أسمى في التأبين والتآسي من أمور تلقى الترحيب في وقت آخر، أو ربما جاءت على هوى المأثور "رب ضارة نافعة".


ومشهدان متشابهان في اعتصام "ماسبيرو" وبينهما بعض الاختلاف، الأخير، وهو ناجم عن أحداث إمبابة، وفيه حق للتظاهر، ولكن صحبه غضب منفلت، فيه اعتداء على حرمة الموظفين والسائرين والعابرين، يرى ما له وينسى ما عليه، يطالب بما يريد ويتجاهل ما يتوجب فعله وعمله، يصرخ بأنه الضحية ويهمس في قراره نفسه بأنه البادئ والمستفز، ينادي بحرية العبادة ودورها، ويرفض حرية العقيدة، وهو حق مكفول للجانبين، يهرول الى النتائج التي ترغبها وتطلبها "غرفة التحكم"، على أعتاب السفارة الأمريكية، وينسى الأصول وحق الاعتراف بأنه جزء أصيل في العنف والعنف المضاد.


أما السابق له، فهو مشهد ناجم عن كنيسة "صول"، وأزمة الحقيقة المجردة التي التبست كثيراً على الرأي العام، فكلنا ظن أنها سويت بالأرض، وهو ما لم يحدث، اللهم إلا تكسير وهدم لحوائط، وكيف هجّر الأخوة الأقباط من القرية عنوة وقسراً، بسبب جحافل المسلمين من أهل القرية، وهو ما لم يحدث أيضاً، فقد تأكد بعد ذلك أن غالبية مسلمي القرية يقبعون عند بيوت أخوانهم المسيحيين لطمأنتهم، بل يتضح بعد ذلك أن من تركوا القرية تركوها بإرادتهم، بإيعاز كما قلنا من "غرفة التحكم"، وأن من قُتل عند الكنيسة هم ضحيتان مسلمان بأيدي ذويهم لا بأيدي مسيحيين وإن كان شاب قبطي هو من تسبّب في موتهم. ولكن صاحب ذلك المشهد تضليل تورط فيه الجهلاء الحقيقيون وهم المحرضون والإعلام الناقص والفاشل والكتابات العشوائية.


وفي هذا قد جار الإخوان الأقلية وأقدموا على ظلم الأغلبية وتشويه صورتهم، وخلط "كوب من الحقيقة على برميل من الكذب"، ولكن سبق السيف العزل فقد قطع الأخوة الأقباط الشرايين الرئيسية في القاهرة الكبرى كما أرادت "غرفة التحكم"، وهذا هو المشهد المخجل الذي وقع فيه الأخوة الأقباط، ولكن بعد أن سالت فيه دماء على غير ما تستحق من نهاية بُنيت على مبالغات كان يمكن أن تداوى بمعالجات كلنا معها ونؤيدها في هذا الظرف الراهن! بل إن قطع الطرق أصبح "ملهماً" بعد ذلك للمصريين المعارضين لأي قرارات لا تعجبهم من الحكومة، بينما تقتضي "الأصول" هدنة لإحكام القبضة الأمنية على الخارجين، الكاهرين للوطن، لكي نترك لعجلة الانتاح وأمن الشارع أن ينطلق ويسير، وأنا واحد من الذين كتبوا ضد مبارك وضد الفساد، منذ سنوات داخل مصر وخارجها، ووصفته بالذئب الذي يتربص بالقطيع، ولاحقوني ولكن ليس بالعنف ولا التهديد، وإن كان هذا ليس مجاله، لكني فقط أخجل للذين استمرأوا الخضوع سابقاً لجبال الظلم، ومن كان "يمشي تحت الحيط" في "دولة مبارك"، وتذكروا الآن أنهم أسود ضارية، وهبت عليهم فجأة هستيريا المظاهرات والغضبات الفئوية، غير المبنية على فعل التحضر.


وما لا يعرفه كثير من الأخوة الأقباط أن "غرفة التحكم" هي التي أرادت لهذا المشهد أن يكون وأن يستمر؛ لأن "غرفة التحكم" ستزيد من شروطها باستخدام هؤلاء وسقف مطالبها سيعلوا شيئاً فشيئاً، وربما لأن المطالب لم يتم "طبخها وتسويتها" بعد، وأنا مع كامل حقوق المواطنة والمساواة، ولعلها مفارقة أن يطالب المعتصمون بإطلاق سراح المعتقلين الأقباط في أحداث إمبابة، فكيف بالله من فتح النار يطلق سراحه؟! وكيف بالله من أحرق الكنائس يطلق حراً من دون عقاب؟!


مرة أخرى الأخوة الأقباط المحترمون ارفضوا "غرفة التحكم"؛ لأن الخلافات كانت ولازالت وستستمر وهي أغلبها مجتمعية تراكمية وليست على أرضية طائفية "تحترق"، وهو ما لا يفهمه كثيرون أو من يتعمدون فهمه بطريقتهم، المهم ألا تتحول إلى دماء على هوية طائفية "جهنمية"، تريد لها "غرفة التحكم" ألا تغيب، وتعالوا جميعاً ندفن الماضي الكئيب وأذنابه، واعلموا أن شركاءكم المسلمين فقط من يحمونكم ولا أحد غيرهم، على أرضية المواطنة والشراكة الموحدة، تماماً كما حمى المسيحيون المحترمون جموع إخوانهم المتظاهرين المسلمين في ميدان التحرير، واعلموا أن مصر المقبلة هي لنا ولأولادنا وأحفادنا جميعاً، كل صفحاتها ناصعة البياض بأمر الله والرب، تبدأ منا وتنتهي إلينا، بسلكونا وأخلاقنا وتحضرنا، فلا تخالفوا ضمائركم، وارفعوا رايات الأصول والرضا بالنصر أولاً، وللشراكة الحقيقية حديث آخر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة