بقلم الدكتور أحمد الغريب
إن الناظر في الساحة المصرية اليوم فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية يستطيع أن يبلور
الاتجاهات الفكرية والسياسية في خطين عريضين ينضوي تحت كل منهما أطياف عديدة
تجمعهم قواسم مشتركة وإن اختلفوا في كثير من مشاربهم ومناهجهم .
الخط الأول: يجمع شتات الإسلاميين وأبرزهم السلفيون والإخوان المسلمون والذين يدعون
إلى الموافقة على التعديلات الدستورية.
الخط الثاني: يندرج تحته في المقام الأول النصارى تقودهم الكنيسة الأرثوذوكسية و أقباط
المهجر, ثم الأحزاب الكرتونية التي كانت جزءا من النظام القديم , وأتباع البرادعي وهؤلاء
يجمعون ثلة من الليبراليين والعلمانيين والمغيبين وبعض "المثقفين" و يرفضون جميعا
التعديلات الجديدة.
لكل فريق من هؤلاء مبرراته ومسوغاته , فالأحزاب الورقية لا تريد تعديلات تسرع العمل في
انتخابات برلمانية ورئاسية لافتقارهم إلى قاعدة جماهيرية تحقق لهم قدرا من النجاح على
أرض الواقع , فهم يسعون إلى كسب أكبر قدر من الوقت لكي يضموا من يستطيعون ضمه
تحت ألويتهم حتى يكونوا سندا لهم في انتخابات قادمة.
وأتباع البرادعي يرفضون هذه التعديلات خوفا من حصد الإسلاميين ثمار الثورة بزعمهم
وإقصاء العلمانيين من الساحة ووضعهم في قدرهم الطبيعي.
وأما النصارى بقيادة الكنيسة وخونة المهجر فرفضهم يأتي لهذه التعديلات لعدة أسباب:
1- وهو السبب الرئيسي: أنها أبقت على المادة الثانية من الدستور التي تحافظ على هوية مصر الإسلامية وهذا ما يرفضه النصارى رفضا قاطعا ويسعون في تقويضه ويريدون اغتنام هذه الفرصة لسلخ مصر من انتمائها الإسلامي.
2- أن المادة 75 تمنع خونة المهجر من الترشح لانتخابات رئاسية فقد نصت على ألا يكون قد حمل المرشح أو أي من والديه جنسية دولة أخرى وألا يكون متزوجا من غير مصري.
3-يعلم النصارى علم اليقين أن الانتخابات القادمة ستؤدي إلى حصول الإسلاميين على قدر لا بأس به من المقاعد وهو ما يؤرقهم أن توجد قوة إسلامية حقيقية تعمل لتحقيق الاستقلال الذاتي وعدم التبعية للغرب مما يؤدي إلى تقزم دور خونة المهجر المستقوين دائما بالخارج, وهذه الاستقلالية قد تمهد لحكم إسلامي رشيد وهو ما يعارض المشروع الشنودي في المنطقة ويعيد جماعة الأمة القبطية إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
لهذه الأسباب وغيرها يرفض هؤلاء وألئك التعديلات الدستورية.
وأما الإسلاميون فإنهم يرون في هذه التعديلات جهد المقل في الإبقاء على الهوية الإسلامية لمصر في سبيل السعي والانتقال من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى يتحقق فيها قيام شرع الله ودينه في الأرض والتمكين لعباده الموحدين, إضافة لاتفاقهم مع العقلاء على أن التعديلات قد أعطت قدرا من الحريات الشخصية والعامة ورفعت القيود التي لطالما فرضت عليهم لغل أيديهم عن العمل السياسي وإبعادهم عن ساحة الأحداث.
وعلى أية حال فالحق الذي لا مرية فيه أن كلا الفريقين لا يستطيع أن يرجح الكفة وحده حتى يستقطب إلى صفه أكبر قدر من الجماهير الصامتة غير المسيسة, فهو في نظري أول اختبار حقيقي للإسلاميين في تجييش وحشد الجمهور لخدمة قضاياهم وهمومهم وهذا لا يتأتى إلا بتضافر الجهود والتحام الصفوف والاتفاق على الاتي:
1- توعية الجماهير بخطورة رفض هذه التعديلات من محاولة لإقصاء المادة الثانية من الدستور.
2-إظهار وفضح التكتلات والائتلافات التي تشابهت قلوبهم واجتمعت على رفض هذه
التعديلات من نصارى وعلمانيين وليبراليين وخونة في المهجر. مع علمي اليقيني أن هناك
بعض من انخدع بتكتل أو آخر من تلك التكتلات.
3-تبيين السياسة الصهيونية التي يعمل بها شنودة وأتباعه في محاولة وأد الثورة والقضاء
عليها بمساعدة أقباط المهجر والصهيونية العالمية التي أصابتها ثورة الشعب المصري في
مقتل عندما أقصت عملائها وقضت أو تكاد تقضي على فلول أذنابها في المنطقة ,هذه القوى الصهيونية لا تريد استقرارا في المنطقة وتريد بقاء الأمر معلقا وتحاول جاهدة في زرع الفتن والخوف حتى لا يظهر نظام قوي ينابذها العداء ويكون شوكة في حلوقها .
4- لا شك أن لكل ثورة في التاريخ ثورة أخرى مضادة معاكسة لها في الاتجاه مساوية لها في المقدار وقد تكون أقل أو أشد منها وفقا لقوة المنتفعين بالنظام الساقط ومدى قدرته على تنظيم صفه من جديد, وهذه الثورة المضادة تقودها الكنيسة المصرية , وما تلك المظاهرات الطائفية الاستفزازية والاعتصامات التي قاموا بها أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون إلا دليلا واضحا على حقيقة هذا الرأي الذي يؤكده رفض شنودة للمظاهرات ضد النظام أولا ثم بكاؤه على نجاح الثورة ثانيا ثم قيادته للثورة المضادة ثالثا بمحاولة زرع القلاقل بالتعاون مع جهاز أمن الدولة وبعض المرتزقة الذين أسقطتهم الثورة.
وأتذكر في آخر هذا المقال الكلمة التي قالها مجنون ليبيا دقت ساعة الصفر حانت ساعة
العمل, فهذا هو الاختبار الأول لكم أيها الإسلاميون فانجحوا فيه أو افشلوا.
والله معز دينه ولو كره الكافرون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق