الاثنين، 21 مارس 2011

العلاج بالقرآن على القنوات الفضائية



بقلم أ.د./ سعيد على حسن
 
الأستاذ بجامعة القاهرة
 



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على الرسول الكريم، أما بعد:

ظاهرة العلاج بالقرآن:

اختلف العلماء كثيرا حول موضوع العلاج بالقرآن الكريم بين مؤيد ومعارض، وإن كان الجميع يجمع على ما فى القرآن الكريم من راحة وطمأنينة للنفوس والصدور. فالقرآن الكريم فيه هدى ونور، وشفاء لأمراض الصدور، يهدي الله تعالى به من يشاء من عباده، وليس معنى أنه شفاء أن نترك التداوي؛ فقد حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على التداوي، وأرشد إلى اختيار الماهر من الأطباء.

لا شك أن ظاهرة العلاج بالقرآن قد شاعت في كثير من البلدان، وتحدث عنها الخطباء في خطبهم والكتّاب في مقالاتهم، وعرضت لها الإذاعات والتليفزيونات، بل عرضت لها القنوات الفضائية في بعض البرامج. فهناك أُناس زعموا أنهم متخصصون في العلاج بالقرآن، بل فتحوا عيادات علنية للعلاج بالقرآن، يذهب الناس إليهم في هذه العيادات كي يعالجوهم بالقرآن الكريم.

القرآن شفاء لما فى الصدور:

إذن، فما معنى أن القرآن شفاء؟ وهنا نقول: إن القرآن نفسه قد بين معنى الشفاء المذكور بإطلاق في بعض الآيات، فقد قيدته آية أخرى، يقول الله تعالى فيها:{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس:57. بيَّنت الآية أن القرآن شفاء لما في الصدور من الشك والحيرة والعمى، وما فيها من الهم والحزن والخوف والقلق؛ ولذا كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي".وكل هذه الأمور المدعو لها أمور معنوية لا مادية، تتعلق بالقلب والصدر، لا بالجسد والأعضاء. إن القرآن الكريم لم ينـزله الله تعالى ليعالج الأمراض العضوية، وإنما يعالج الناس أمراضهم بحسب السنن التي وضعها الله في الكون، والتي بيَّن القرآن أنها سنن لا تتبدل ولا تتحول.

الحسد.. السحر.. المشكلات النفسية الناجمة عن الطلاق والعقم وتأخر سن الزواج.. كلها حالات تؤرق الأسر المصرية وقد يهتز معها كيان المجتمع ككل . وقد يلجأ بعض الناس - لمواجهة تلك الأزمات - الي الدجالين بحثاً عن الحلول السريعة التي يقدمها لهم هؤلاء الأفاقون، لذا انتشر الدجل وأصبح حجم هذه التجارة حسب تقديرات بعض الخبراء يفوق 10 مليارات جنيه سنوياً..

العلاج بالقرآن على الهواء:

استمعت بالصدفة إلى برنامج "شفاء لما فى الصدور" على قناة "البغدادية" حيث ذكرت ضيفة البرنامج وتدعى "الحاجة سامية" أن القرآن يشفي كل شىء ومن الممكن أن يقرأ الإنسان آيات قرآنية معينة فيشفى بعد أن يكون قد يئس من الطب والدواء، لا شك فى أن قراءة القرآن الكريم كتاب الله الحكيم يثلج الصدور ويهدئ النفوس ومن المستحب أن يقرأ الإنسان مثلا دعاء سيدنا "زكريا": "رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين". فى حالات طلب الذرية، وما شابه ذلك من الآيات الكريمة فى المواقف المختلفة، ولكن الخطورة هنا هو التواكل على ذلك وعدم طرق أبواب العلم والعلماء من الأطباء والمتخصصين، ولا ضير أن يتوازى مع ذلك الدعاء والإلحاح على الله بالشفاء سواء بكلمات القرآن وآياته المباركات أو بلغة العبد البسيطة التى يتقرب بها إلى الله عز وجل، والخطورة أيضا هنا تكمن فى أن يتخصص أناس ليس لهم فضل علم أو دين ويدعون أن لهم كرامات تفوق البشر وأنهم بمجرد أن يقرأوا بعض الآيات القرآنية على فنجان من الماء ويشربها المريض فإن ذلك سوف يشفيه من المرض العضال الذى فشل فيه الطب والأطباء.


نعود إلى برنامج قناة البغداداة والذى يستضيف الحاجة "سامية" والتى تقوم بعلاج الحالات المستعصية على الهواء مباشرة وهى سيدة تجاوزت الخمسين من عمرها وتعالج بالقرآن، عملت مدرسة تربية دينية في الكويت لمدة 12 عاماً عالجت خلالها كما تدعى العديد من الأمراض النفسية والروحانية المستعصية، كان أصحابها يعانون من العقم النفسي والضعف الجنسي لأسباب غير طبية ونجحت كثيراً في علاج أمراض الوسوسة والكوابيس والمس بفعل الجان والأرواح الشريرة وتزويج من فاتهم قطار الزواج، علاوة علي آيات استخدمتها في حفظ المودة والحب والعشرة بين الأزواج وتحرير الفتيات والفتيان من عقدة رفض العرائس والعرسان والتي يعاني منها معظم هذا الجيل..

وكنت قد رأيت نفس هذه السيدة فى برنامج "قبل أن تحاسبوا" على قناة "إقرأ" حيث ذكرت أنها توقفت منذ فترة طويلة عن ممارسة العلاج بالقرآن إلا فقط للمقربين، لكن يبدوا أنها عدلت عن قرارها أخيرا وقررت أن تمارس ذلك من أوسع الأبواب وعلى الهواء مباشرة عن طريق القنوات الفضائية حيث يقوم الناس البسطاء الذين يتعلقون بأى خيط أمل بالاتصال بها وشرح حالتهم الميئوس منها طبيا حيث تطلب من كل منهم أن يحضر كوب به ماء ثم تقوم هى بقراءة بعض آيات القرآن الكريم وتطلب من السائل أن يشرب من هذا الماء وأن يملّس جسمه به.

أخطاء بالجملة فى قراءة القرآن:

سوف أذكر هنا ملاحظاتى على الحاجة سامية وأترك للقارئ الفاضل الحكم بنفسه بعد ذلك على هذه الظاهرة الفريدة والمعجزة التى تستطيع أن تشفى على بعد آلاف الأميال بمجرد قراءة بعض الآيات:

من السور والآيات التى تقوم بقراءتها وتكرارها عدة مرات دون الالتفات إلى الأخطاء فى القراءة ما يلى:

أولا: آية الكرسى:" من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه........." وتقرأها بالشكل التالى:"...............من ذا الذى يشفع له إلا بإذنه......".

ثانيا: سورة الضحى:"..... وأما السائل فلا تنهر ........." وتقرؤها هكذا:" ..............وأما السائلة فلا تنهر........".

ثالثا: سورة الشرح:".....فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا...." وتقرؤها بالشكل التالى: ".........وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا".

رابعا:" سورة الناس:".......من الجنة والناس............" تقرؤها هكذا:".........من جنة والناس........".

هل يعقل أن سيدة تخطأ فى قراءة القرآن الكريم وفى هذه الآيات البسيطة السهلة والتى يحفظها الأطفال الصغار ببساطة يمكن أن تعالج بالقرآن جميع الأمراض المستعصية على الطب مثل: تأخر الزواج، عدم الخلفة، آلام الظهر، أمراض الضغط والسكر، ضيق التنفس، الاختناق، سقوط الشعر،....الخ. وعلى بعد آلاف الأميال عن طريق القنوات الفضائية بمجرد أن تقرأ هذه الآيات القرآنية وبطريقة خاطئة؟!

أخطاء فى فهم معانى كلمات القرآن الكريم:

أمّا ما يثير الدهشة والتأمل والحزن أيضا هو عدم فهمها لمعانى الآيات الكريمة فتقرأ الآية:" وأذّّن فى الناس بالحج يأتوك رجالا" لكل فتاة متعثرة فى الزواج ظنا منها أن ذلك معناه الدعاء لها أن يأتيها رجالا كثيرين يطلبون منها الزواج ولا تعلم أن معنى رجالا هنا أن الناس ذكرانا وإناثا يأتون إلى الحج مشيا على أرجلهم إن لم يجدوا مركبا، أو راكبين كما تذكر باقى الآيات:" وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". ثم ما علاقة الحج بالتأخر فى الزواج؟ الله أعلم!

أزهى عصور الطب فى الإسلام:

نحن نعذر الناس البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة والذين بتعلقون بأى أمل وبأى كلمة، ولكن المثقفون من هذه الأمة والمتدينين ما هو واجبهم، ألم يقرأوا عن العلماء والأطباء العظام من المسلمين على مر أزهى عصور الإسلام والذين عنهم أخذ الغرب علومهم وبنوا نهضتهم، وتقدم الطب تقدمًا هائلاً في الحضارة الإسلامية، وكان المسلمون أئمة العالم وأساتذته في الطب، وعُرف منهم أسماء لامعة على مستوى العالم، مثل أبي بكر الرازي، وابن سينا، وابن رشد والزهراوي، وغيرهم من المسلمين، وكُتب هؤلاء انتشرت في العالم مثل (الحاوي) للرازي، و(القانون) لابن سينا، و(الكليات) لابن رشد، و(التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي، بل وجدنا من علماء المسلمين الفقهاء مَن يجيد الطب، فابن رشد نفسه كان فقيهًا، ألّف كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، وفخر الدين الرازي صاحب الكتب الشهيرة في التفسير والأصول وعلم الكلام وغيرها. قالوا: كانت شهرته في علم الطب لا تقل عن شهرته في علوم الدين، وابن النفيس، مكتشف الدورة الدموية الصغرى، يُعدُّ من فقهاء الشافعية، وترجم له تاج الدين السبكي في كتاب (طبقات الشافعية) على أنه أحد فقهاء هذا المذهب.

الرقى والدعاء من كل مسلم:

صحيح أن الإسلام شرع لنا الأدوية الروحية، مثل الاستعاذة بالله والرقى والدعاء، فالإنسان يرقي نفسه أو يرقي مريضه بقول:" اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنتَ الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا". أو" أرقيك والله يشفيك"، أو كما كان عليه الصلاة والسلام يرقي الأطفال الصغار مثل الحسن والحسين "أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة".

فالرقى والتعاويذ والأذكار والأدعية مشروعة، ويمكن أن يقوم بها الإنسان بنفسه أو يقوم بها لمريضه، ولا نعتقد أن تكون تلك وظيفة وحكر على بعض الناس الذين يدعون المقدرة الخاصة والشفافية التى لا تتوفر لغيرهم خاصة وأننا لم نرى منهم التبحر فى الدين أو العلم أو غير ذلك، بل أكثر من ذلك أننا لم نرَ في الصحابة (وهم أحق بذلك، إن كان مثل هذا حكرا على بعض الناس دون غيرهم) مَن فتح بيته، وقال"أنا متخصص في العلاج بالقرآن، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد المعالجين وسيد أطباء الروح، لم يفعل هذا، وإنما شرع الطب وشرع التداوي بما يعهده الناس.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

طيب مادخل الصورة بالرقية!!!
وماهي قصة الصورة!
من الصورة يبدو أنهم من الهند!
أهل السحر !
فاتقوا الله!
كأنهم تريدون ان توهموا القرآء من طرف خفي أن هذه هي الرقية كما يفعها القرآء

Taha يقول...

اللهم اجعلنا من المتقين ، الأخ الكريم هذا رأي صاحب المقالة وهو كلام معظمه صحيح لا غبار عليه ، والقران الكريم ليس لعبة في أيدي الناس فنرى كل من هب ودب يدعي العلاج بالقران ، بل وهناك فضائيات تعرفها انت جيدا ليست على طريق الهدي النبوي تنشر الشعوذة والسحر على القنوات واتخذوها مهنة للتكسب ، والكاتب لا ينكر العلاج بالقران الكريم وإنما ينكر أفعال السحر والشعوذة ، والصورة مثال على الشعوذة والسحر والطرق الجاهلية في العلاج وهي من باب الإستئناث فقط لا من باب أن هذا ما يحدث على القنوات ، والرقية معلومة للجميع لا تخفى إلا على جاهل بالدين ، والكاتب قد ذكر بعض الأذكار المفيدة والمعبرة من السنة النبوية ، فلاداعي لهذه الهجمه علينا وعلى الكاتب ، وأنت أخي لا تحاسب على النيات إنما الذي يعلم النيات هو الله عزوجل لا غير ، وخلاصة مرحبا بك بيننا ونسعد بارائكم حتى وإن كانت ضدنا فهذا يسعدنا لكي نتواصل جميعا ويقوم بعضنا بعض ، جزاكم الله عنا خير الجزاء ومرحبا بكم دوما

إرسال تعليق


بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة