الدولة الدينية أصلهاونشأتها في أوربا في العصور الوسطى، وكان معناها أن البابا هو رئيس الدولة وهو نائب عن الإله، فمن خالف البابا يُعدم.
ولذلك لما اخترع جاليليو التلسكوب أصدرت الكنيسة فرمانًا بتكفيره، لأنهم قالوا أن الجهاز الذي اخترعه يقوم بتكبير الأشياء الصغيرة، فيخرجها عن خلقتها، فهذا حرام، فيجب قتله، وأُعدِم بالفعل.
هذه هي الدولة الدينية،فالبابا هو رئيس الدولة، وهو نائب عن الإله، كل ما يقوله يُفعل ولا يُعترض عليه، ولا يكون هناك ما يُسمى بأحزاب المعارضة.
هذه هي الدولة الدينية التي تعلمها بعض الناس في أوربا وجاءوا هنا يقولون: لا نريد دولة دينية.
وأنا سمعت يحيى الجمل وهو يتكلم ويقول: "نحن لا نريدها دولة دينية، أنت تستطيع أن تقول للرئيس: أنت ديكتاتور، لكن من يقول لك: قال الله وقال الرسول لاتستطيع أن تقول أن الله ديكتاتور".
و كذلك الدولة الشيعية، رئيس الدولة عندهم هو نائب عن الإمام المعصوم، فالإمام عندهم معصوم، وبالتالي رئيس الدولة عندهم معصوم، لا يجوز لأحد أن يقول له أخطأت. وهذا مبدأ ولاية الفقيه عند الشيعة هداهم الله.
هذه الدولة الدينية التي يقصدونها، ونحن لا نقصدها بالطبع.
فنحن نريد دولة إسلامية.
معناها أن تُحكم بالشريعة الإسلامية، ويُطبَّق الشرع على الحاكم والمحكوم معًا.
ولذلك، تعالَ بنا لنفرق بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية:
الحاكم نائب عن الإله، وكلامه مقدس ولايُخطيء.
أما الدولة الإسلامية:
فأول قائد للدولة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقف في أول خطبة له ويقول:"أما بعد، فقد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإذا وجدتموني على خير فأعينوني، وإذا وجدتموني على باطل فقوموني".
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو خليفة المسلمين في الدولة الإسلامية– يحدد المهور، وبعدما ينزل تقول له امرأة: "ليس لك ذلك، فالله عز وجل يقول:"وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا""النساء /20"، فيرجع ويقول:"أصابت امرأة وأخطأ عمر""وإن كان في إسناده شيء"، وهكذا.
أي أنه عندنا في الدولة الإسلامية لو أخطأ الرئيس،أو أخطأ الخليفة، أو أخطأ الأمير يُحاسَب.
روى ابن سعد في الطبقات بسند حسن، أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان أميرًا، فإذا برجل معه في الجيش أصاب غنائم كثيرة من العدو، فأخذ أبو موسى الأشعري بعضها وفرقها على الجيش، فاعترض الرجل وقال: كلها غنائمي وأنا أخذتها وحاربت دونها، فقال: هذه للجيش، حتى ندفع الجيش للقتال، فرفع الرجل صوته على أبي موسى، فقام أبو موسى فجلده عشرين جلدة وحلق رأسه، فذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وقص له القصة، فأرسل عمر بريدًا إلى أبي موسى الأشعري: "إن فلانًا قال كذا وكذا، فإن أشهد عليك اثنين أنك فعلت به ذلك – فربما يكون الرجل كذابًا – فاجلس له، فإن كنت حلقت رأسه في خلاء "أي بينك وبينه" فاجلس في خلاء، وإن كنت حلقت رأسه وجلدته بين الناس ، فاجلس له بين الناس يحلق رأسك ويجلدك.
فقال عامة المسجد: نعم،كلنا.
فقال الرجل للأمير "أبي موسى" :اجلس.
فجلس أبوموسى.
فقام قائد الجيوش وقال:تريد أن تقتص منه؟ لا والله لا تقتص منك، ثم قال: نرضيك بالمال، انظر ما تريد.
قال:والله لو ملأتم لي هذا المسجد ما عفوت عنه لأحد.
فقال له الرجل:أتقتص من أبي موسى الأشعري؟ "لاحظ أن أبا موسى الأشعري صحابي جليل، فلو أراد أحد الآن أن يقتص من أحد المشايخ المعروفين قد يقول له قائل: سنرضيك بالمال ونفعل لك ما تريد، فلا يصح ذلك، والشيخ له مكانته، فما بالك بصحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مكانته الدينية؟ ورغم ذلك فهو أمير عليه".
فلما قام قائد الجيوش وقال: "لاوالله لا تقتص منه،قال الرجل: "لا أرى لعمر بن الخطاب هنا طاعة"، وذهب، فقال أبو موسى: ردوه، فجاء، وجلس له أبو موسى أمام الناس،وقال: "افعل ما أمرك به أميرالمؤمنين".
فأمسك العصا ليجلده، فقال لأبي موسى:أيمنعك مني سلطانك؟
قال:لا
قال:عفوت عنك لوجه الله. هذه هي الدولة الإسلامية.
الدولة الإسلامية دولة الشريعة الإسلامية فيها يحكم الحاكم والمحكوم بالشريعة الاسلامية .
فرموز العلماء عندنا كالأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، هؤلاء يحترمهم جمهور المسلمين، وهم أئمة الدين، ورغم ذلك العلماء متفقون على أنهم يصيبون ويخطئون، وهم صرَّحوا بذلك "أنهم يصيبون ويخطئون".
فأرجو أن نفرق للناس بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية لتتضح الأمور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق